عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-06-2022, 10:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الرحمن بكشف تجليه، والرحيم بلطف توليه

الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله على ما أَوْلَى، والشكر له على ما أعطى، وأشهد أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُالله ورسوله، دعا إلى الحق والهدى، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أولي الأحلام والنُّهَى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على طريق الحق فاهتدى.

أما بعد:
ففي حكاية مشهورة عن بعض العارفين أنه حصل له شرود وإباق من سيده، فرأى في بعض السِّكَك بابًا قد فُتح، وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده، حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه ودخلت، فذهب الصبي غير بعيد، ثم وقف مفكرًا، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أُخرج منه، ولا من يأويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينًا، فوجد الباب مرتجًا، فتوسَّده ووضع خده على عتبة الباب ونام، فخرجت أمه، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه، والتزمته تقبله وتبكي، وتقول: يا ولدي، أين تذهب عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك: لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جُبلت عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك، وإرادتي الخير لك؟ ثم أخذته ودخلت[6].

فتأمل قول الأم: لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جُبلت عليه من الرحمة والشفقة، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: ((لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا))[7]، وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟! فإذا أغضبه العبد بمعصيته، فقد استدعى منه صرف تلك الرحمة عنه، فإذا تاب إليه، فقد استدعى منه ما هو أهله وأولى به.
يا ملوكَ الجمال نحن أُسارىد
في هواكم وقد عدمنا الفداءَ
فارحمونا فإنَّما يرحم الل
ه تعالى من خلقه الرحماءَ




إن من آثار رحمة الله بك أن ترحم الناس، وتقضي حوائجهم، وأن تبر والديك، وأن ترحم أولادك، وتحسن إلى جيرانك، وترحم من تحت يدك، ترحم الإنسان والحيوان؛ فيرحمك الله.
بَادِرْ إلَى الْخَيْرِ يَا ذَا اللُّبِّ مُغْتَنِمَا
وَلَا تَكُنْ مِنْ قَلِيلِ الْخَيْرِ مُحْتَشِما
وَاشْكُرْ لِمَوْلَاك مَا أَوْلَاك مِنْ نِعَمٍ
فَالشُّكْرُ يَسْتَوْجِبُ الْأَفْضَالَ وَالْكَرَمَا
وَارْحَمْ بِقَلْبِك خَلْقَ اللَّهِ وَارْعَهُمُ
فَإِنَّمَا يَرْحَمُ الرَّحْمَنُ مَنْ رَحِمَا
إنْ كنتَ لا ترحم المسكين إن عَدِما
ولا الفقير إذا يشكو لك العَدما
فكيف ترجو من الرحمن رحمته
وإنَّما يرحم الرحمنُ من رَحِما



اللهم بنورك اهتدينا، وبفضلك استغنينا، وفي كنفك أصبحنا وأمسينا، أنت الأول فلا شيء قبلك، وأنت الآخر فلا شيء بعدك، نعوذ بك من الفشل والكسل، ومن عذاب القبر، ومن فتنة الغِنى والفقر، اللهم نبِّهنا بذكرك في أيام الغفلة، واستعملنا بطاعتك في أيام المهلة، وانهَج لنا إلى رحمتك طريقًا سهلةً، اللهم اجعلنا ممن آمن بك فهديته، وتوكل عليك فكفيته، وسألك فأعطيته.

[1] الأسماء والصفات للبيهقي (1/ 139).

[2] رواه البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار ... (3/ 198)، وفي باب إن لله مائة اسم إلا واحدًا (9/ 118)، ورواه مسلم في صحيحه، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها (4/ 2063).

[3] رواه أحمد في مسنده، من حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه (3/ 198، 212)، ورواه الترمذي في سننه، باب ما جاء في قطيعة الرحم (3/ 379)، والحاكم في المستدرك (4/ 174)، صححه الألباني، السلسلة الصحيحة (2/ 19).

[4] تفسير ابن كثير (1/ 40).

[5] رواه البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، باب قوله جل ذكره: ﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ﴾ [المائدة: 116] (9/ 120)، ورواه مسلم في صحيحه، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (4/ 2107).

[6] مدارج السالكين (1/ 229).

[7] رواه البخاري في صحيحه، من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (8/ 8)، ورواه مسلم في صحيحه، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (4/ 2108).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.44%)]