
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثانى
الحلقة (126)
صـ 320 إلى صـ 326
رؤية، كما لا يحاط به علما، ولا يلزم من نفي إحاطة العلم والرؤية نفي العلم (1) والرؤية، بل يكون ذلك دليلا على أنه يرى ولا يحاط به (2 كما يعلم ولا يحاط به 2) (2) فإن تخصيص الإحاطة بالنفي (3) يقتضي أن مطلق الرؤية ليس بمنفي، وهذا الجواب قول أكثر العلماء من السلف وغيرهم، وقد روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما (4) وغيره] (5) . (6 وقد روي في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم 6) (6) . ولا (7) تحتاج
_________
(1) العلم: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(2) (2 - 2) : ساقط من (أ) ، (ب) .
(3) بالنفي: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(4) رضي الله عنهما: زيادة في (أ) ، (ب) .
(5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) وجاء في (م) في غير موضعه.
(6) (6 - 6) ساقط من (أ) ، (ب) . وجاء في الدر المنثور للسيوطي 3/37 (ط. إيران، 1377) : " قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار) الآية. أخرج ابن أبي حاتم والعقيلي وابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تدركه الأبصار) قال: لو أن الإنس والجن والشياطين والملائكة - منذ خلقوا إلى أن فنوا - صفوا صفا واحد ما أحاطوا بالله أبدا. قال الذهبي: هذا حديث منكر. وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم - وصححه - وابن مردويه واللالكائي في " السنة " عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قال عكرمة: فقلت له: أليس الله يقول: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) ؟ قال: لا أم لك، ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء، وفي لفظ: إنما إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (لا تدركه الأبصار) قال: " لا يحيط بصر أحد بالله ". ثم أورد السيوطي الأثر الذي أورده ابن تيمية آنفا عن ابن عباس وجاء فيه: ألست ترى السماء. . إلخ. فلعل هذا الحديث المرفوع وتلك الآثار عن ابن عباس هي التي عنى ابن تيمية الإشارة إليها.
(7) ب، أ: فلا.
*********************************
الآية إلى تخصيص ولا خروج عن ظاهر الآية، فلا (1) نحتاج أن نقول: لا نراه في الدنيا، أو نقول: لا تدركه الأبصار بل المبصرون، أو لا تدركه كلها بل بعضها، ونحو ذلك من الأقوال التي فيها تكلف.
[ثم نحن في هذا المقام يكفينا أن نقول: الآية تحتمل ذلك، فلا يكون فيها دلالة على نفي الرؤية، فبطل استدلال من استدل بها على الرؤية، وإذا أردنا أن نثبت دلالة الآية على الرؤية مع نفيها للإدراك الذي هو الإحاطة أقمنا الدلالة على أن الإدراك في اللغة ليس هو مرادفا للرؤية، بل هو أخص منها، وأثبتنا ذلك باللغة وأقوال المفسرين من السلف وبأدلة أخرى سمعية وعقلية] (2) .
[التعليق على قوله ولأنه ليس في جهة]
وأما قوله (3) : " ولأنه (4) ليس في جهة ".
فيقال: للناس في إطلاق لفظ الجهة ثلاثة أقوال: فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل (5) . وهذا النزاع موجود في المثبتة للصفات من أصحاب الأئمة الأربعة وأمثالهم، [ونزاع] أهل الحديث والسنة (6) الخاصة في نفي (7) ذلك وإثباته
_________
(1) ن، م: ولا.
(2) ما بين المعقوفتين في (ع) فقط.
(3) سبق ورود هذه العبارة من كلام ابن المطهر ضمن العبارة السابقة (ص [0 - 9] 15) ووردت في " منهاج الكرامة " 1/82 (م) ، وفي هذا الجزء ص [0 - 9] 8.
(4) ع: وأنه ; ب، أ: لأنه. والمثبت في (ن) ، (م) ومنهاج الكرامة.
(5) ع: وطائفة تفصل، وطائفة تثبتها.
(6) ونزاع: ساقطة من (ن) ، (م) ; الحديث: ساقطة من (ع) .
(7) نفي: ساقطة من (ع) .
***************************************
نزاع لفظي، ليس هو نزاعا معنويا. ولهذا كان طائفة من أصحاب [الإمام] (1) أحمد - كالتميميين والقاضي [أبي يعلى] (2) في أول قوليه تنفيها (3) ، وطائفة أخرى [أكثر منهم] (4) تثبتها، وهو آخر قولي (5) القاضي.
[والمتبعون للسلف لا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا تبين أن ما أثبت بها فهو ثابت وما نفي بها فهو منفي، لأن المتأخرين قد صار لفظ الجهة في اصطلاحهم فيه إجمال وإبهام كغيرها من ألفاظهم الاصطلاحية، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي، ولهذا كان النفاة ينفون بها حقا وباطلا، ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به، وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنى باطلا مخالفا لقول السلف ولما دل عليه الكتاب والميزان] (6) .
_________
(1) الإمام: زيادة في (ع) .
(2) في (ن) ؛ (م) كتبت كلمة " كالتميميين " محرفة، و " أبي يعلى " ساقطة من (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) . وعرف بالتميمي أكثر من واحد من أصحاب أحمد منهم: عبد العزيز بن الحارث بن أسد أبو الحسن التميمي، المتوفى سنة 317 (ترجمته في: طبقات الحنابلة 2/139 ; المنتظم لابن الجوزي 7/110) ، وحفيده: أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد التميمي، المتوفى سنة 488، وهو أشهر التميميين (ترجمته في: طبقات الحنابلة 2/250 - 251 ; الذيل لابن رجب 1/77 - 85 ; المنتظم 9/88 - 89) ، وعبد الوهاب بن عبد العزيز، أبو الفرج التميمي (والد أبي محمد) المتوفى سنة 425 (ترجمته في: طبقات الحنابلة 2/182 ; المنتظم 8/81) ، وعبد الواحد بن عبد العزيز، أبو الفضل التميمي (أخو عبد الوهاب) المتوفى سنة 410 (ترجمته في طبقات الحنابلة 2/179 ; المنتظم 7/295) . قال ابن أبي يعلى في ترجمته: رزق الله بن عبد الوهاب: " أحد الحنابلة المشهورين في الحنبلية، هو وأبوه وعمه وجده " فلعل ابن تيمية قصد الإشارة إليهم.
(3) ب، أ، ن، م: ينفيها.
(4) عبارة " أكثر منهم ساقطة من (ن) ، (م) .
(5) ن، م: قول.
(6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب) ، (أ) ، (ن) ، (م) .
**************************************
وذلك أن لفظ " الجهة " قد يراد به ما هو موجود، وقد يراد به ما هو معدوم، ومن المعلوم أنه (1) لا موجود إلا الخالق والمخلوق، فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله كان مخلوقا، والله تعالى لا يحصره ولا يحيط به شيء من المخلوقات (2 فإنه بائن من المخلوقات 2) (2) .
وإن أريد بالجهة أمر عدمي، وهو ما فوق العالم (3) ، فليس هناك إلا الله وحده.
فإذا قيل: إنه في جهة ; [إن] (4) كان معنى الكلام أنه هناك فوق العالم حيث انتهت المخلوقات، فهو فوق الجميع عال عليه. (5) [ونفاة لفظ " الجهة " يذكرون من أدلتهم أن الجهات كلها مخلوقة، وأنه كان قبل الجهة، وأنه من قال: إنه في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم، أو أنه كان مستغنيا عن الجهة ثم صار فيها.
وهذه الأقوال ونحوها إنما تدل على أنه ليس في شيء من المخلوقات سواء سمي جهة أو لم يسم. وهذا حق ; فإنه سبحانه منزه عن أن تحيط به المخلوقات، أو أن يكون مفتقرا إلى شيء منها: العرش أو غيره. ومن ظن من الجهال أنه إذا نزل إلى سماء الدنيا - كما جاء الحديث (6) - يكون العرش فوقه، ويكون محصورا بين طبقتين من
_________
(1) ب، أ: أن.
(2) : (2 - 2) ساقط من (ب) ، (أ) .
(3) . ن، م: ما فوق الفلك.
(4) إن: في (ع) فقط.
(5) الكلام التالي بعد القوس في (ع) فقط، وينتهي في الصفحة التالية.
(6) الإشارة هنا إلى حديث النزول وهو مروي عن أبي هريرة وغيره من الصحابة من وجوه عدة ونص الحديث في إحدى رواياته (البخاري 2/52 - 53، كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل) : " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ". وهو موجود أيضا في: البخاري 8/71 (كتاب الدعوات، باب الدعاء نصف الليل) ، 9/143 (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام الله) ; مسلم 1/521 - 523 (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه) ; سنن أبي داود 2/47 (كتاب الصلاة، باب أي الليل أفضل) ، 4/314 (كتاب السنة، باب الرد على الجهمية) ; المسند (ط. المعارف) الأرقام 967، 968، 3673، 3821، 7500، 7582، 7611، 7779. وهو أيضا في مواضع أخرى كثيرة في المسند، وروي كذلك في سنن الترمذي وسنن ابن ماجه وسنن الدارمي ومسند الطيالسي (وانظر: مفتاح كنوز السنة، مادة: الدعاء) . وأفرد ابن خزيمة فصلا لأحاديث النزول في كتابه " التوحيد "، ص 83 - 90
*****************************
العالم، فقوله مخالف لإجماع السلف مخالف للكتاب والسنة، كما قد بسط في موضعه. وكذلك توقف من توقف في نفي ذلك من أهل الحديث فإنما ذلك لضعف علمه بمعاني الكتاب والسنة وأقوال السلف.
ومن نفى الجهة وأراد بالنفي كون المخلوقات محيطة به أو كونه مفتقرا إليها فهذا حق، لكن عامتهم (1) لا يقتصرون على هذا، بل ينفون أن يكون فوق العرش رب العالمين، أو أن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - عرج به إلى الله، أو أن يصعد إليه شيء وينزل منه شيء، أو أن يكون مباينا للعالم، بل تارة يجعلونه لا مباينا ولا محايثا (2) ، فيصفونه بصفة المعدوم والممتنع، وتارة يجعلونه حالا في كل موجود، أو يجعلونه وجود كل موجود، ونحو ذلك مما يقوله أهل التعطيل وأهل الحلول] (3) .
_________
(1) في الأصل (ع) : غايتهم. وأرجو أن يكون الصواب ما أثبته.
(2) في الأصل (ع) : محايشا، والصواب ما أثبته.
(3) هنا ينتهي السقط المشار إلى أوله في الصفحة السابقة.
**********************************
[تنازع مثبتة الرؤية في العلو والاستواء]
وإذا كان كذلك، فهو قد استدل على عدم الرؤية بكونه (1) ليس في جهة. وهذا الموضع [مما] تنازع فيه (2) مثبتو الرؤية، فقال الجمهور (3) بما (4) دل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «إنكم ترون (5) ربكم كما ترون الشمس والقمر لا تضامون في رؤيته» ". وهذا الحديث متفق [عليه] (6) من طرق (7) كثيرة، [وهو] (8) مستفيض بل متواتر عند أهل العلم بالحديث (9) ، اتفقوا على [صحته (10) ، مع] (11) أنه جاء من وجوه كثيرة قد
_________
(1) ن، م: لكونه.
(2) ن، م: وهذا الموضع ينازع فيه.
(3) ع: جمهورهم.
(4) بما: ساقطة من (ب) ، (أ) ، وكتبت في (ن) ، (م) : مما، وهو تحريف.
(5) ع: سترون.
(6) ب، أ، ن، م: منقول.
(7) م: جهات.
(8) وهو: ساقطة من (ن) ، (م) .
(9) ب، أ: والحديث منقول. وفي هامش نسخة (ع) كتب ما يلي: " حديث إنكم سترون ربكم. . . وهو مستفيض بل متواتر عند أهل العلم بالحديث. قلت: أشار بذلك إلى أن الحديث المتواتر ليس بعزيز الوجود ولا منحصرا بحديث من كذب علي متعمدا. . إلخ كما زعم بذلك أبو عمرو بن الصلاح في كتابه في علوم الحديث، بل هو كثير الوجود بأن تعدد طريق الحديث وتكثر بحيث يستحيل العقل تواطؤ رواته على الكذب، وقد حقق خاتمة الحفاظ العسقلاني ذلك، وقال الجلال السيوطي في شرح التقريب: جعلت رسالة جمعت فيها مقدار عشرين حديثا من المتواترات، فذكرها فردا فردا ".
(10) هذا الحديث مروي من وجوه عدة وبألفاظ متقاربة عن عدد من الصحابة، منهم علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وأبو هريرة في: البخاري 6/44 - 45 (كتاب التفسير، باب قوله: إن الله لا يظلم مثقال ذرة) ، 9/128 - 127 (كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ; مسلم 1/164 (كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية) ; سنن أبي داود 4/322 - 323 (كتاب السنة، باب في الرؤية) ; سنن الترمذي 4/92 - 93 (كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى) ; سنن ابن ماجه 1/63 - 64 (المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية) ; المسند (ط. المعارف) الأرقام: 7703، 7914، (ط. الحلبي) 3/16 - 17، 4/11. والحديث في أكثر هذه الكتب في مواضع أخرى ويوجد في كتب أخرى، وانظر: مفتاح كنوز السنة (الله) . وانظر درء تعارض العقل والنقل 7/29 - 31.
(11) صحته مع: ساقط من (ن) .
**************************************
جمع طرقها أكثر (1) أهل العلم بالحديث، كأبي الحسن الدارقطني وأبي نعيم الأصبهاني وأبي بكر الآجري وغيرهم (2) . (* وقد أخرج أصحاب الصحيح (3) ذلك من وجوه متعددة توجب لمن كان عارفا بها العلم القطعي (4) بأن لرسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] (5) قال ذلك *) (6) . وقالت طائفة: إنه يرى [لا] (7) في جهة، لا أمام الرائي ولا خلفه، ولا عن يمينه ولا عن يساره، ولا فوقه ولا تحته. وهذا هو المشهور عند متأخري (8) الأشعرية فإن هذا مبني على اختلافهم في كون البارئ [تعالى] (9) فوق العرش.
فالأشعري وقدماء أصحابه كانوا يقولون: إنه بذاته فوق العرش، وهو مع ذلك (10) ليس بجسم (11) .
_________
(1) أكثر: زيادة في (ن) فقط.
(2) ذكر بروكلمان (تاريخ الأدب العربي 3/211) أن للدارقطني كتابا جمع فيه ما ورد من النصوص الواردة في كتاب الله والأحاديث المتعلقة برؤية الباري، ومنه نسخة خطية في الإسكوريال، كما ذكر (3/209) أن للآجري كتاب التصديق بالنظر إلى الله في الآخرة، ومنه نسخة خطية في الظاهرية، وفي كتاب " الشريعة " له باب بهذا العنوان، ص [0 - 9] 51 - 270، ط. حامد الفقي 1369/1950.
(3) ن: أصحاب البخاري ومسلم ; م: أصحاب الصحيح كالبخاري ومسلم.
(4) القطعي: زيادة في (ن) ، (م) .
(5) صلى الله عليه وسلم: ساقطة من (ن) .
(6) ما بين النجمتين ساقط من (أ) ، (ب) .
(7) لا: ساقطة من (ن) ، (م) .
(8) متأخري: ساقطة من (ع) .
(9) تعالى: ساقطة من (ن) ، (م) .
(10) ب، أ: ومع ذلك.
(11) كتب مقابلا لهذا الموضع في هامش (ع) : " قلت: وممن يقول بكونه تعالى فوق العرش بذاته أبو زيد في رسالته المشهورة عندهم. وقد ينيف من شرح هذه الرسالة من العلماء على ثلاثمائة، وهي في غاية الشهرة عند المغاربة وكانوا يقولون لمؤلفها مالك الصغير ".
******************************