عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14-06-2022, 10:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,765
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(138)
الحلقة (152)
صــ 352إلى صــ 357



يعني بذلك : ما يكون في غد ، وبقول الحطيئة :


شهد الحطيئة يوم يلقى ربه أن الوليد أحق بالعذر
[ ص: 352 ]

يعني : يشهد . وكما قال الآخر :


فما أضحي ولا أمسيت إلا أراني منكم في كوفان


فقال : أضحي ، ثم قال : "ولا أمسيت " .

وقال بعض نحويي الكوفيين : إنما قيل : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) ، فخاطبهم بالمستقبل من الفعل ، ومعناه الماضي ، كما يعنف الرجل الرجل على ما سلف منه من فعل فيقول له : ويحك ، لم تكذب؟ ولم تبغض نفسك إلى الناس؟ كما قال الشاعر :

[ ص: 353 ]
إذا ما انتسبنا ، لم تلدني لئيمة ولم تجدي من أن تقري به بدا


فالجزاء للمستقبل ، والولادة كلها قد مضت . وذلك أن المعنى معروف ، فجاز ذلك . قال : ومثله في الكلام : "إذا نظرت في سيرة عمر ، لم تجده يسيء " . المعنى : لم تجده أساء . فلما كان أمر عمر لا يشك في مضيه ، لم يقع في الوهم أنه مستقبل ؛ فلذلك صلحت "من قبل " مع قوله : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) . قال : وليس الذين خوطبوا بالقتل هم القتلة ، إنما قتل الأنبياء أسلافهم الذين مضوا ، فتولوهم على ذلك ورضوا به ، فنسب القتل إليهم .

قال أبو جعفر : والصواب فيه من القول عندنا ، أن الله خاطب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل - بما خاطبهم في سورة البقرة وغيرها من سائر السور - بما سلف من إحسانه إلى أسلافهم ، وبما سلف من كفران أسلافهم نعمه ، وارتكابهم معاصيه ، واجترائهم عليه وعلى أنبيائه ، وأضاف ذلك إلى المخاطبين به ، نظير قول العرب بعضها لبعض : فعلنا بكم يوم كذا كذا وكذا ، وفعلتم بنا يوم كذا كذا وكذا - على نحو ما قد بيناه في غير موضع من كتابنا هذا - ، يعنون بذلك أن أسلافنا فعلوا ذلك بأسلافكم ، وأن أوائلنا فعلوا ذلك بأوائلكم . فكذلك ذلك في قوله : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) ، إذ كان قد خرج على لفظ الخبر عن المخاطبين به خبرا من الله تعالى ذكره عن [ ص: 354 ] فعل السالفين منهم - على نحو الذي بينا - جاز أن يقال : "من قبل " ؛ إذ كان معناه : قل : فلم يقتل أسلافكم أنبياء الله من قبل "؟ وكان معلوما بأن قوله : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) ، إنما هو خبر عن فعل سلفهم .

وتأويل قوله : ( من قبل ) ، أي : من قبل اليوم .

وأما قوله : ( إن كنتم مؤمنين ) ، فإنه يعني : إن كنتم مؤمنين بما نزل الله عليكم كما زعمتم . وإنما عنى بذلك اليهود الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلافهم - إن كانوا وكنتم ، كما تزعمون أيها اليهود ، مؤمنين . وإنما عيرهم جل ثناؤه بقتل أوائلهم أنبياءه ، عند قولهم حين قيل لهم : ( آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ) ؛ لأنهم كانوا لأوائلهم - الذين تولوا قتل أنبياء الله ، مع قيلهم : نؤمن بما أنزل علينا - متولين ، وبفعلهم راضين . فقال لهم : إن كنتم كما تزعمون مؤمنين بما أنزل عليكم ، فلم تتولون قتلة أنبياء الله؟ أي : ترضون أفعالهم .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ( 92 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ) ، أي جاءكم بالبينات الدالة على صدقه وصحة نبوته ، كالعصا التي تحولت ثعبانا مبينا ، ويده التي [ ص: 355 ] أخرجها بيضاء للناظرين ، وفلق البحر ومصير أرضه له طريقا يبسا ، والجراد والقمل والضفادع ، وسائر الآيات التي بينت صدقه وصحة نبوته .

وإنما سماها الله "بينات " لتبينها للناظرين إليها أنها معجزة لا يقدر على أن يأتي بها بشر ، إلا بتسخير الله ذلك له . وإنما هي جمع "بينة " ، مثل "طيبة وطيبات " .

قال أبو جعفر : ومعنى الكلام : ولقد جاءكم - يا معشر يهود بني إسرائيل - موسى بالآيات البينات على أمره وصدقه وصحة نبوته .

وقوله : "ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون " يقول جل ثناؤه لهم : ثم اتخذتم العجل من بعد موسى إلها . فالهاء التي في قوله : "من بعده " ، من ذكر موسى . وإنما قال : من بعد موسى ، لأنهم اتخذوا العجل من بعد أن فارقهم موسى ماضيا إلى ربه لموعده - على ما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا .

وقد يجوز أن تكون "الهاء " التي في "بعده " إلى ذكر المجيء . فيكون تأويل الكلام حينئذ : ولقد جاءكم موسى بالبينات ، ثم اتخذتم العجل من بعد مجيء البينات وأنتم ظالمون . كما تقول : جئتني فكرهته ، يعني كرهت مجيئك .

وأما قوله : ( وأنتم ظالمون ) ، فإنه يعني بذلك أنكم فعلتم ما فعلتم من عبادة العجل وليس ذلك لكم ، وعبدتم غير الذي كان ينبغي لكم أن تعبدوه ؛ لأن العبادة لا تنبغي لغير الله . وهذا توبيخ من الله لليهود ، وتعيير منه لهم ، وإخبار منه لهم أنهم إذا كانوا فعلوا ما فعلوا - من اتخاذ العجل إلها وهو لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، بعد الذي علموا أن ربهم هو الرب الذي يفعل من الأعاجيب وبدائع الأفعال [ ص: 356 ] ما أجراه على يدي موسى صلوات الله عليه ، من الأمور التي لا يقدر عليها أحد من خلق الله ، ولم يقدر عليها فرعون وجنده مع بطشه وكثرة أتباعه ، وقرب عهدهم بما عاينوا من عجائب حكم الله - فهم إلى تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وجحود ما في كتبهم التي زعموا أنهم بها مؤمنون من صفته ونعته ، مع بعد ما بينهم وبين عهد موسى من المدة - أسرع ، وإلى التكذيب بما جاءهم به موسى من ذلك أقرب .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) ، واذكروا إذ أخذنا عهودكم ، بأن خذوا ما آتيناكم من التوراة - التي أنزلتها إليكم أن تعملوا بما فيها من أمري ، وتنتهوا عما نهيتكم فيها - بجد منكم في ذلك ونشاط ، فأعطيتم على العمل بذلك ميثاقكم ، إذ رفعنا فوقكم الجبل .

وأما قوله : ( واسمعوا ) ، فإن معناه : واسمعوا ما أمرتكم به وتقبلوه بالطاعة ، كقول الرجل للرجل يأمره بالأمر : "سمعت وأطعت " ، يعني بذلك : سمعت قولك ، وأطعت أمرك ، كما قال الراجز :


السمع والطاعة والتسليم خير وأعفى لبني تميم
[ ص: 357 ]

يعني بقوله : "السمع " ، قبول ما يسمع ، و "الطاعة " لما يؤمر . فكذلك معنى قوله : ( واسمعوا ) ، اقبلوا ما سمعتم واعملوا به .

قال أبو جعفر : فمعنى الآية : وإذ أخذنا ميثاقكم أن خذوا ما آتيناكم بقوة ، واعملوا بما سمعتم ، وأطيعوا الله ، ورفعنا فوقكم الطور من أجل ذلك .

وأما قوله : ( قالوا سمعنا ) ، فإن الكلام خرج مخرج الخبر عن الغائب بعد أن كان الابتداء بالخطاب ، فإن ذلك كما وصفنا ، من أن ابتداء الكلام ، إذا كان حكاية ، فالعرب تخاطب فيه ثم تعود فيه إلى الخبر عن الغائب ، وتخبر عن الغائب ثم تخاطب ، كما بينا ذلك فيما مضى قبل . فكذلك ذلك في هذه الآية ؛ لأن قوله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) ، بمعنى : قلنا لكم ، فأجبتمونا .

وأما قوله : ( قالوا سمعنا ) ، فإنه خبر من الله - عن اليهود الذين أخذ ميثاقهم أن يعملوا بما في التوراة ، وأن يطيعوا الله فيما يسمعون منها - أنهم قالوا حين قيل لهم ذلك : سمعنا قولك ، وعصينا أمرك .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : وأشربوا في قلوبهم حب العجل .

ذكر من قال ذلك :

1561 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) ، قال : أشربوا حبه ، حتى خلص ذلك إلى قلوبهم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]