
14-06-2022, 09:09 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(149)
الحلقة (163)
صــ 418إلى صــ 423
1667 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق : ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لما ذكر سليمان بن داود في المرسلين ، قال بعض أحبار اليهود : ألا تعجبون من محمد ! يزعم أن ابن داود كان نبيا! والله ما كان إلا ساحرا! فأنزل الله في ذلك من قولهم : ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ) ، - أي باتباعهم السحر وعملهم به - ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) .
قال أبو جعفر : فإذ كان الأمر في ذلك على ما وصفنا ، وتأويل قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ) ما ذكرنا فبين أن في الكلام متروكا ، ترك ذكره اكتفاء بما ذكر منه ، وأن معنى الكلام : واتبعوا ما تتلو الشياطين من السحر على ملك سليمان فتضيفه إلى سليمان ، وما كفر سليمان ، فيعمل بالسحر ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس [ ص: 418 ] السحر . وقد كان قتادة يتأول قوله : ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ) على ما قلنا .
1668 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ) ، يقول : ما كان عن مشورته ولا عن رضا منه ، ولكنه شيء افتعلته الشياطين دونه .
وقد دللنا فيما مضى على اختلاف المختلفين في معنى "تتلو" ، وتوجيه من وجه ذلك إلى أن "تتلو" بمعنى "تلت"؛ إذ كان الذي قبله خبرا ماضيا وهو قوله : ( واتبعوا ) ، وتوجيه الذين وجهوا ذلك إلى خلاف ذلك . وبينا فيه وفي نظيره الصواب من القول ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
وأما معنى قوله : ( ما تتلو ) ، فإنه بمعنى : الذي تتلو ، وهو السحر .
1669 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، أي السحر .
قال أبو جعفر : ولعل قائلا أن يقول : أوما كان السحر إلا أيام سليمان؟
قيل له : بلى ، قد كان ذلك قبل ذلك ، وقد أخبر الله عن سحرة فرعون ما أخبر عنهم ، وقد كانوا قبل سليمان ، وأخبر عن قوم نوح أنهم قالوا لنوح : إنه ساحر .
[ فإن ] قال : فكيف أخبر عن اليهود أنهم اتبعوا ما تلته الشياطين على عهد سليمان؟ [ ص: 419 ] قيل : لأنهم أضافوا ذلك إلى سليمان ، على ما قد قدمنا البيان عنه ، فأراد الله تعالى ذكره تبرئة سليمان مما نحلوه وأضافوا إليه ، مما كانوا وجدوه ، إما في خزائنه ، وإما تحت كرسيه ، على ما جاءت به الآثار التي قد ذكرناها من ذلك ، فحصر الخبر عما كانت اليهود اتبعته ، فيما تلته الشياطين أيام سليمان دون غيره لذلك السبب ، وإن كانت الشياطين قد كانت تالية للسحر والكفر قبل ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت )
قال أبو جعفر : اختلف أهل العلم في تأويل "ما" التي في قوله : ( وما أنزل على الملكين ) . فقال بعضهم : معناه الجحد ، وهي بمعنى "لم" .
ذكر من قال ذلك :
1670 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) فإنه يقول : لم ينزل الله السحر .
1671 - حدثنا ابن حميد قال : حدثني حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس : ( وما أنزل على الملكين ) ، قال : ما أنزل الله عليهما السحر .
فتأويل الآية - على هذا المعنى الذي ذكرناه عن ابن عباس والربيع ، من توجيههما معنى قوله : ( وما أنزل على الملكين ) إلى : ولم ينزل على الملكين - : واتبعوا الذي تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر ، وما كفر سليمان ، ولا أنزل الله السحر على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر "ببابل هاروت وماروت" . فيكون حينئذ قوله : " ( ببابل هاروت وماروت ) ، من المؤخر الذي معناه التقديم . [ ص: 420 ]
فإن قال لنا قائل : وكيف - وجه تقديم ذلك؟
قيل : وجه تقديمه أن يقال : واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان [ من السحر ] ، وما أنزل [ الله السحر ] على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل ، هاروت وماروت - فيكون معنيا ب "الملكين" : جبريل وميكائيل ، لأن سحرة اليهود ، فيما ذكر ، كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود ، فأكذبها الله بذلك ، وأخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر قط ، وبرأ سليمان مما نحلوه من السحر ، فأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين ، وأنها تعلم الناس [ ذلك ] ببابل ، وأن اللذين يعلمانهم ذلك رجلان : اسم أحدهما هاروت ، واسم الآخر ماروت . فيكون " هاروت وماروت " ، على هذا التأويل ، ترجمة على "الناس" وردا عليهم .
وقال آخرون : بل تأويل "ما" التي في قوله : ( وما أنزل على الملكين ) - "الذي" .
ذكر من قال ذلك :
1672 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : قال معمر ، قال قتادة والزهري عن عبد الله : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) ، كانا ملكين من الملائكة ، فأهبطا ليحكما بين الناس ، وذلك أن الملائكة سخروا من أحكام بني آدم . قال : فحاكمت إليهما امرأة فحافا لها ، ثم ذهبا يصعدان ، فحيل بينهما وبين ذلك ، وخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا . قال معمر ، قال قتادة : فكانا يعلمان الناس السحر ، فأخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا : "إنما نحن فتنة فلا تكفر" . [ ص: 421 ]
1673 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما قوله : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) ، فهذا سحر آخر خاصموه به أيضا . يقول : خاصموه بما أنزل على الملكين ، وأن كلام الملائكة فيما بينهم ، إذا علمته الإنس فصنع وعمل به ، كان سحرا .
1674 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) . فالسحر سحران : سحر تعلمه الشياطين ، وسحر يعلمه هاروت وماروت .
1675 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) ، قال : التفريق بين المرء وزوجه .
1676 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ) ، فقرأ حتى بلغ : ( فلا تكفر ) ، قال : الشياطين والملكان يعلمون الناس السحر .
قال أبو جعفر : فمعنى الآية على تأويل هذا القول الذي ذكرنا عمن ذكرناه عنه : واتبعت اليهود الذي تلت الشياطين في ملك سليمان الذي أنزل على الملكين ببابل وهاروت وماروت ، وهما ملكان من ملائكة الله ، سنذكر ما روي من الأخبار في شأنهما إن شاء الله تعالى .
قال أبو جعفر إن قال لنا قائل : وهل يجوز أن ينزل الله السحر ، أم [ ص: 422 ] هل يجوز لملائكته أن تعلمه الناس ؟
قلنا له : إن الله عز وجل قد أنزل الخير والشر كله ، وبين جميع ذلك لعباده ، فأوحاه إلى رسله ، وأمرهم بتعليم خلقه وتعريفهم ما يحل لهم مما يحرم عليهم . وذلك كالزنا والسرقة وسائر المعاصي التي عرفهموها ، ونهاهم عن ركوبها . فالسحر أحد تلك المعاصي التي أخبرهم بها ، ونهاهم عن العمل بها .
وليس في العلم بالسحر إثم ، كما لا إثم في العلم بصنعة الخمر ونحت الأصنام والطنابير والملاعب . وإنما الإثم في عمله وتسويته . وكذلك لا إثم في العلم بالسحر ، وإنما الإثم في العمل به ، وأن يضر به ، من لا يحل ضره به .
فليس في إنزال الله إياه على الملكين ، ولا في تعليم الملكين من علماه من الناس ، إثم ، إذ كان تعليمهما من علماه ذلك ، بإذن الله لهما بتعليمه ، بعد أن يخبراه بأنهما فتنة ، وينهاه عن السحر والعمل به والكفر . وإنما الإثم على من يتعلمه منهما ويعمل به ، إذ كان الله تعالى ذكره قد نهاه عن تعلمه والعمل به . ولو كان الله أباح لبني آدم أن يتعلموا ذلك ، لم يكن من تعلمه حرجا ، كما لم يكونا حرجين لعلمهما [ ص: 423 ] به؛ إذ كان علمهما بذلك عن تنزيل الله إليهما .
وقال آخرون : معنى "ما" معنى "الذي" ، وهي عطف على "ما" الأولى . غير أن الأولى في معنى السحر ، والآخرة في معنى التفريق بين المرء وزوجه .
فتأويل الآية على هذا القول : واتبعوا السحر الذي تتلو الشياطين في ملك سليمان ، والتفريق الذي بين المرء وزوجه الذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت .
ذكر من قال ذلك :
1677 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) ، وهما يعلمان ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، وذلك قول الله جل ثناؤه : ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ) . وكان يقول : أما السحر ، فإنما يعلمه الشياطين ، وأما الذي يعلم الملكان ، فالتفريق بين المرء وزوجه ، كما قال الله تعالى .
وقال آخرون : جائز أن تكون "ما" بمعنى "الذي" ، وجائز أن تكون "ما" بمعنى "لم" .
ذكر من قال ذلك :
1678 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني الليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد - وسأله رجل عن قول الله : ( يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) فقال الرجل : يعلمان الناس ما أنزل عليهما ، أم يعلمان الناس ما لم ينزل عليهما؟ قال القاسم : ما أبالي أيتهما كانت .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|