
14-06-2022, 09:10 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(150)
الحلقة (164)
صــ 424إلى صــ 429
1679 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا أنس بن عياض ، عن [ ص: 424 ] بعض أصحابه ، أن القاسم بن محمد سئل عن قول الله تعالى ذكره : ( وما أنزل على الملكين ) ، فقيل له : أأنزل أو لم ينزل؟ فقال : لا أبالي أي ذلك كان ، إلا أني آمنت به . .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، قول من وجه "ما" التي في قوله : ( وما أنزل على الملكين ) إلى معنى "الذي" ، دون معنى "ما" التي هي بمعنى الجحد . وإنما اخترت ذلك ، من أجل أن "ما" إن وجهت إلى معنى الجحد ، تنفي عن "الملكين" أن يكونا منزلا إليهما ، ولم يخل الاسمان اللذان بعدهما - أعني "هاروت وماروت" - من أن يكونا بدلا منهما وترجمة عنهما أو بدلا من "الناس" في قوله : ( يعلمون الناس السحر ) ، وترجمة عنهم . فإن جعلا بدلا من "الملكين" وترجمة عنهما ، بطل معنى قوله : ( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) ؛ لأنهما إذا لم يكونا عالمين بما يفرق به بين المرء وزوجه ، فما الذي يتعلم منهما من يفرق بين المرء وزوجه؟ [ ص: 425 ]
وبعد ، فإن "ما" التي في قوله : ( وما أنزل على الملكين ) ، إن كانت في معنى الجحد عطفا على قوله : ( وما كفر سليمان ) ، فإن الله جل ثناؤه نفى بقوله : ( وما كفر سليمان ) ، عن سليمان أن يكون السحر من عمله أو من علمه أو تعليمه ، فإن كان الذي نفي عن الملكين من ذلك نظير الذي نفي عنسليمان منه - وهاروت وماروت هما الملكان - فمن المتعلم منه إذا ما يفرق به بين المرء وزوجه؟ وعمن الخبر الذي أخبر عنه بقوله : ( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) ؟ إن خطأ هذا القول لواضح بين .
وإن كان قوله "هاروت وماروت" ترجمة عن "الناس" الذين في قوله : ( ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) ، فقد وجب أن تكون الشياطين هي التي تعلم هاروت وماروت السحر ، وتكون السحرة إنما تعلمت السحر من هاروت وماروت عن تعليم الشياطين إياهما! فإن يكن ذلك كذلك ، فلن يخلو "هاروت وماروت" - عند قائل هذه المقالة - من أحد أمرين :
إما أن يكونا ملكين ، فإن كانا عنده ملكين ، فقد أوجب لهما من الكفر بالله والمعصية له بنسبته إياهما إلى أنهما يتعلمان من الشياطين السحر ويعلمانه الناس ، وإصرارهما على ذلك ومقامهما عليه - أعظم مما ذكر عنهما أنهما أتياه من المعصية التي استحقا عليها العقاب! وفي خبر الله عز وجل عنهما - أنهما لا يعلمان أحدا ما يتعلم منهما حتى يقولا ( إنما نحن فتنة فلا تكفر ) - ما يغني عن الإكثار في الدلالة على خطأ هذا القول .
أو أن يكونا رجلين من بني آدم . فإن يكن ذلك كذلك ، فقد كان يجب أن يكونا بهلاكهما قد ارتفع السحر والعلم به والعمل - من بني آدم ؛ لأنه إذا كان علم ذلك من قبلهما يؤخذ ومنهما يتعلم ، فالواجب أن يكون بهلاكهما وعدم وجودهما ، عدم السبيل إلى الوصول إلى المعنى الذي كان لا يوصل إليه إلا بهما . [ ص: 426 ] وفي وجود السحر في كل زمان ووقت ، أبين الدلالة على فساد هذا القول . وقد يزعم قائل ذلك أنهما رجلان من بني آدم ، لم يعدما من الأرض منذ خلقت ، ولا يعدمان بعدما وجد السحر في الناس ، فيدعي ما لا يخفى بطوله .
فإذ فسدت هذه الوجوه التي دللنا على فسادها ، فبين أن معنى ( ما ) التي في قوله : ( وما أنزل على الملكين ) بمعنى "الذي" ، وأن "هاروت وماروت" ، مترجم بهما عن الملكين ، ولذلك فتحت أواخر أسمائهما ، لأنهما في موضع خفض على الرد على "الملكين" . ولكنهما لما كانا لا يجران ، فتحت أواخر أسمائهما .
فإن التبس على ذي غباء ما قلنا فقال : وكيف يجوز لملائكة الله أن تعلم الناس التفريق بين المرء وزوجه؟ أم كيف يجوز أن يضاف إلى الله تبارك وتعالى إنزال ذلك على الملائكة؟
قيل له : إن الله - جل ثناؤه - عرف عباده جميع ما أمرهم به وجميع ما نهاهم عنه ، ثم أمرهم ونهاهم بعد العلم منهم بما يؤمرون به وينهون عنه . ولو كان الأمر على غير ذلك ، لما كان للأمر والنهي معنى مفهوم . فالسحر مما قد نهى عباده من بني آدم عنه ، فغير منكر أن يكون - جل ثناؤه - علمه الملكين اللذين سماهما في تنزيله ، وجعلهما فتنة لعباده من بني آدم - كما أخبر عنهما أنهما يقولان لمن يتعلم ذلك منهما : ( إنما نحن فتنة فلا تكفر ) - ليختبر بهما عباده الذين نهاهم عن التفريق بين المرء وزوجه ، وعن السحر ، فيمحص المؤمن بتركه التعلم منهما ، ويخزي الكافر بتعلمه السحر والكفر منهما ، ويكون الملكان في تعليمهما من علما ذلك - لله مطيعين ، إذ كانا عن إذن الله لهما بتعليم ذلك من علماه يعلمان . وقد عبد من دون الله جماعة من أولياء الله ، فلم يكن ذلك لهم ضائرا ، [ ص: 427 ] إذ لم يكن ذلك بأمرهم إياهم به ، بل عبد بعضهم والمعبود عنه ناه ، فكذلك الملكان ، غير ضائرهما سحر من سحر ممن تعلم ذلك منهما ، بعد نهيهما إياه عنه ، وعظتهما له بقولهما : ( إنما نحن فتنة فلا تكفر ) ، إذ كانا قد أديا ما أمرا به بقيلهما ذلك ، كما : -
1680 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) إلى قوله : ( فلا تكفر ) ، أخذ عليهما ذلك .
ذكر بعض الأخبار التي في بيان الملكين ، ومن قال إن هاروت وماروت هما الملكان اللذان ذكر الله جل ثناؤه في قوله : ( ببابل ) :
1681 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة قال : حدثنا أبو شعبة العدوي في جنازة يونس بن جبير أبي غلاب ، عن ابن عباس قال : إن الله أفرج السماء لملائكته ينظرون إلى أعمال بني آدم ، فلما أبصروهم يعملون الخطايا قالوا : يا رب ، هؤلاء بنو آدم الذي خلقته بيدك ، وأسجدت له ملائكتك ، وعلمته أسماء كل شيء ، يعملون بالخطايا! قال : أما إنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم . قالوا : سبحانك ما كان ينبغي لنا! قال : فأمروا أن يختاروا من يهبط إلى الأرض ، قال : فاختاروا هاروت وماروت . فأهبطا إلى الأرض ، وأحل لهما ما فيها من شيء ، غير أن لا يشركا بالله شيئا ولا يسرقا ، ولا يزنيا ، ولا يشربا الخمر ، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق . قال : فما استمرا حتى عرض لهما امرأة قد قسم لها نصف الحسن ، يقال لها : " بيذخت " فلما أبصراها أرادا بها زنا ، فقالت : لا إلا أن تشركا بالله ، وتشربا الخمر ، وتقتلا النفس ، وتسجدا لهذا الصنم! فقالا : ما كنا لنشرك بالله شيئا! فقال أحدهما [ ص: 428 ] للآخر : ارجع إليها . فقالت : لا إلا أن تشربا الخمر ، فشربا حتى ثملا ودخل عليهما سائل فقتلاه ، فلما وقعا فيما وقع من الشر ، أفرج الله السماء لملائكته ، فقالوا : سبحانك! كنت أعلم! قال : فأوحى الله إلى سليمان بن داود أن يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا ، فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق البخت ، وجعلا ببابل .
1682 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حجاج ، عن علي بن زيد ، عن أبي عثمان النهدي ، عن ابن مسعود وابن عباس أنهما قالا : لما كثر بنو آدم وعصوا ، دعت الملائكة عليهم والأرض والسماء والجبال : ربنا ألا تهلكهم! فأوحى الله إلى الملائكة : إني لو أنزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم ونزلتم لفعلتم أيضا! قال : فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا اعتصموا ، فأوحى الله إليهم : أن اختاروا ملكين من أفضلكم ، فاختاروا هاروت وماروت ، فأهبطا إلى الأرض ، وأنزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس ، وكان أهل فارس يسمونها " بيذخت " . قال : فوقعا بالخطيئة ، فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا . ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا ) . فلما وقعا بالخطيئة ، استغفروا لمن في الأرض ، ألا إن الله هو الغفور الرحيم . فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا . [ ص: 429 ]
1683 - حدثني المثنى قال : حدثني الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن خالد الحذاء ، عن عمير بن سعيد قال ، سمعت عليا يقول : كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس ، وأنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت ، فراوداها عن نفسها ، فأبت إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به يعرج به إلى السماء . فعلماها ، فتكلمت به ، فعرجت إلى السماء ، فمسخت كوكبا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|