
14-06-2022, 09:13 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(154)
الحلقة (168)
صــ 448إلى صــ 453
1703 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) ، وتفريقهما : أن يؤخذ كل واحد منهما عن صاحبه ، ويبغض كل واحد منهما إلى صاحبه .
وأما الذين أبوا أن يكون الملكان يعلمان الناس التفريق بين المرء وزوجه ، فإنهم وجهوا تأويل قوله : ( فيتعلمون منهما ) إلى "فيتعلمون مكان ما علماهم ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، كقول القائل : ليت لنا كذا من كذا" ، أي مكان كذا ، كما قال الشاعر :
جمعت من الخيرات وطبا وعلبة وصرا لأخلاف المزنمة البزل
[ ص: 448 ] ومن كل أخلاق الكرام نميمة وسعيا على الجار المجاور بالنجل
يريد بقوله : "جمعت من الخيرات" ، مكان خيرات الدنيا ، هذه الأخلاق الرديئة والأفعال الدنيئة ، ومنه قول الآخر :
صلدت صفاتك أن تلين حيودها وورثت من سلف الكرام عقوقا
يعني : ورثت مكان سلف الكرام عقوقا من والديك .
[ ص: 449 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) ، وما المتعلمون من الملكين هاروت وماروت ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، بضارين - بالذي تعلموه منهما ، من المعنى الذي يفرقون به بين المرء وزوجه - من أحد من الناس إلا من قد قضى الله عليه أن ذلك يضره . فأما من دفع الله عنه ضره ، وحفظه من مكروه السحر والنفث والرقى ، فإن ذلك غير ضاره ، ولا نائله أذاه .
ول "الإذن" في كلام العرب أوجه ، منها : الأمر على غير وجه الإلزام ، وغير جائز أن يكون منه قوله : ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) ؛ لأن الله - جل ثناؤه - قد حرم التفريق بين المرء وحليلته بغير سحر - فكيف به على وجه السحر؟ - على لسان الأمة .
ومنها : التخلية بين المأذون له ، والمخلى بينه وبينه .
ومنها العلم بالشيء ، يقال منه : "قد أذنت بهذا الأمر" إذا علمت به "آذن به إذنا" ، ومنه قول الحطيئة :
ألا يا هند إن جددت وصلا وإلا فأذنيني بانصرام
يعني فأعلميني . ومنه قوله جل ثناؤه : ( فأذنوا بحرب من الله ) [ سورة البقرة : 279 ] ، وهذا هو معنى الآية ، كأنه قال جل ثناؤه : وما هم بضارين ، [ ص: 450 ] بالذي تعلموا من الملكين ، من أحد إلا بعلم الله . يعني : بالذي سبق له في علم الله أنه يضره . كما : -
1704 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان في قوله : ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) ، قال : بقضاء الله .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم )
قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ( ويتعلمون ) ، الناس الذين يتعلمون من الملكين ما أنزل عليهما من المعنى الذي يفرقون به بين المرء وزوجه ، يتعلمون منهما السحر الذي يضرهم في دينهم ، ولا ينفعهم في معادهم . فأما في العاجل في الدنيا ، فإنهم قد كانوا يكسبون به ويصيبون به معاشا .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) ، الفريق الذين لما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم ، نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ، فقال جل ثناؤه : لقد علم النابذون - من يهود بني [ ص: 451 ] إسرائيل - كتابي وراء ظهورهم تجاهلا منهم ، التاركون العمل بما فيه من اتباعك يا محمد واتباع ما جئت به ، بعد إنزالي إليك كتابي مصدقا لما معهم ، وبعد إرسالك إليهم بالإقرار بما معهم وما في أيديهم ، المؤثرون عليه اتباع السحر الذي تلته الشياطين على عهد سليمان ، والذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت - لمن اشترى السحر بكتابي الذي أنزلته على رسولي فآثره عليه ما له في الآخرة من خلاق . كما : -
1705 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) ، يقول : قد علم ذلك أهل الكتاب في عهد الله إليهم : أن الساحر لا خلاق له عند الله يوم القيامة .
1706 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) ، يعني اليهود . يقول : لقد علمت اليهود أن من تعلمه أو اختاره ، ما له في الآخرة من خلاق .
1707 - وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) ، لمن اشترى ما يفرق به بين المرء وزوجه .
1708 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ) ، قال : قد علمت يهود أن في كتاب الله في التوراة : أن من اشترى السحر وترك دين الله ، ما له في الآخرة من خلاق ، فالنار مثواه ومأواه .
قال أبو جعفر : وأما قوله : ( لمن اشتراه ) ، فإن "من" في موضع رفع ، وليس [ ص: 452 ] قوله : ( ولقد علموا ) بعامل فيها؛ لأن قوله : ( ولقد علموا ) ، بمعنى اليمين ، فلذلك كانت في موضع رفع؛ لأن الكلام بمعنى : والله لمن اشترى السحر ما له في الآخرة من خلاق . ولكون قوله : ( قد علموا ) بمعنى اليمين ، حققت ب "لام اليمين" ، فقيل : ( لمن اشتراه ) ، كما يقال : "أقسم لمن قام خير ممن قعد" . وكما يقال : "قد علمت ، لعمرو خير من أبيك" .
وأما "من" فهو حرف جزاء . وإنما قيل : "اشتراه" ولم يقل : "يشتروه" ، لدخول "لام القسم" على "من" . ومن شأن العرب - إذا أحدثت على حرف الجزاء لام القسم - أن لا ينطقوا في الفعل معه إلا ب "فعل" دون "يفعل" ، إلا قليلا كراهية أن يحدثوا على الجزاء حادثا وهو مجزوم ، كما قال الله جل ثناؤه : ( لإن أخرجوا لا يخرجون معهم ) [ سورة الحشر : 12 ] ، وقد يجوز إظهار فعله بعده على "يفعل" مجزوما ،
كما قال الشاعر :
لإن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ليعلم ربي أن بيتي واسع
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( ما له في الآخرة من خلاق ) . فقال بعضهم : "الخلاق" في هذا الموضع : النصيب .
ذكر من قال ذلك :
1709 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ما له في الآخرة من خلاق ) ، يقول : من نصيب . [ ص: 453 ]
1710 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ما له في الآخرة من خلاق ) ، من نصيب .
1711 - حدثني المثنى قال : حدثني إسحاق قال : حدثنا وكيع ، قال سفيان : سمعنا في : ( وما له في الآخرة من خلاق ) ، أنه ما له في الآخرة من نصيب .
وقال بعضهم : "الخلاق" ههنا الحجة .
ذكر من قال ذلك :
1712 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( وما له في الآخرة من خلاق ) ، قال : ليس له في الآخرة حجة .
وقال آخرون : الخلاق : الدين .
ذكر من قال ذلك :
1713 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : قال الحسن : ( ما له في الآخرة من خلاق ) ، قال : ليس له دين .
وقال آخرون : "الخلاق" ههنا القوام .
ذكر من قال ذلك :
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|