عرض مشاركة واحدة
  #143  
قديم 26-06-2022, 07:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
الحلقة (143)

من صــ 321 الى صـ
ـ 328





وذلك أن إسلام الوجه لله هو متضمن للقصد والنية لله؛ كما قال بعضهم:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل
وقد استعمل هنا أربعة ألفاظ: إسلام الوجه؛ وإقامة الوجه؛ كقوله تعالى: {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد}. وقوله: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها} وتوجيه الوجه كقول الخليل: {إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين}. وكذلك كان {النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء الاستفتاح في صلاته: {وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين}.
وفي الصحيحين عن البراء بن عازب عن {النبي صلى الله عليه وسلم مما يقول إذا أوى إلى فراشه: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك}. فالوجه يتناول المتوجه والمتوجه إليه ويتناول المتوجه نفسه كما يقال: أي وجه تريد؟ أي: أي وجهة وناحية تقصد: وذلك أنهما متلازمان. فحيث توجه الإنسان توجه وجهه؛ ووجهه مستلزم لتوجهه؛ وهذا في باطنه وظاهره جميعا.
فهذه أربعة أمور. والباطن هو الأصل والظاهر هو الكمال والشعار فإذا توجه قلبه إلى شيء تبعه وجهه الظاهر فإذا كان العبد قصده ومراده وتوجهه إلى الله فهذا صلاح إرادته وقصده فإذا كان مع ذلك محسنا فقد اجتمع أن يكون عمله صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وهو قول عمر رضي الله عنه اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا. والعمل الصالح هو الإحسان: وهو فعل الحسنات وهو ما أمر الله به والذي أمر الله به هو الذي شرعه الله وهو الموافق لسنة الله وسنة رسوله؛ فقد أخبر الله تعالى أنه من أخلص قصده لله وكان محسنا في عمله فإنه مستحق للثواب سالم من العقاب. ولهذا كان أئمة السلف يجمعون هذين الأصلين؛ كقول الفضيل ابن عياض في قوله تعالى {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} قال: أخلصه وأصوبه فقيل: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل.
وإذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا. والخالص: أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة. وقد روى ابن شاهين واللالكائي عن سعيد بن جبير قال: لا يقبل قول وعمل إلا بنية ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة. ورويا عن الحسن البصري مثله ولفظه: " لا يصلح " مكان يقبل. وهذا فيه رد على المرجئة الذين يجعلون مجرد القول كافيا فأخبر أنه لا بد من قول وعمل إذ الإيمان قول وعمل؛ لا بد من هذين كما قد بسطناه في غير هذا الموضع.
وبينا أن مجرد تصديق القلب واللسان مع البغض والاستكبار لا يكون إيمانا - باتفاق المؤمنين - حتى يقترن بالتصديق عمل. وأصل العمل عمل القلب وهو الحب والتعظيم المنافي للبغض والاستكبار ثم قالوا: ولا يقبل قول وعمل إلا بنية وهذا ظاهر فإن القول والعمل إذا لم يكن خالصا لله تعالى لم يقبله الله تعالى.
ثم قالوا: ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة؛ وهي الشريعة وهي ما أمر الله به ورسوله؛ لأن القول والعمل والنية الذي لا يكون مسنونا مشروعا قد أمر الله به: يكون بدعة ليس مما يحبه الله فلا يقبله الله؛ ولا يصلح: مثل أعمال المشركين وأهل الكتاب. ولفظ " السنة " في كلام السلف يتناول السنة في العبادات وفي الاعتقادات وإن كان كثير ممن صنف في السنة يقصدون الكلام في الاعتقادات وهذا كقول ابن مسعود وأبي بن كعب وأبي الدرداء رضي الله عنهم اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة. وأمثال ذلك. والحمد لله رب العالمين. وصلواته على محمد وآله الطاهرين وأصحابه أجمعين.

(فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا ... (20)

وقال - رحمه الله تعالى -:
فصل:
لفظ " الإسلام " يستعمل على وجهين: " متعديا " كقوله: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن} وقوله: {فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم} الآية {وقوله صلى الله عليه وسلم في دعاء المنام. أسلمت نفسي إليك}. ويستعمل " لازما " كقوله: {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين} وقوله: {وله أسلم من في السماوات والأرض} وقوله عن بلقيس: {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}. وهو يجمع معنيين:
أحدهما الانقياد والاستسلام.

والثاني: إخلاص ذلك وإفراده. كقوله: {ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل}. وعنوانه قول لا إله إلا الله، وله معنيان.
أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء؛ كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة.
والثاني ما اختص به محمد من الدين والشرعة والمنهاج - وهو الشريعة والطريقة والحقيقة - وله مرتبتان:
أحدهما الظاهر من القول والعمل وهي المباني الخمس. والثاني: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن. فبالتفسير الأول جاءت الآيتان في كتاب الله والحديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعم من الإيمان فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا.
وبالتفسير الثاني يقال: {إن الدين عند الله الإسلام} وقوله: {وذلك دين القيمة} وقوله: آمركم بالإيمان بالله وفسره بخصال الإسلام وعلى هذا التفسير فالإيمان التام والدين والإسلام سواء وهو الذي لم يفهم المعتزلة غيره. وقد يراد به معنى ثالث هو كماله وهو قوله: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده} فيكون أسلم غيره أي جعله سالما منه. ولفظ الإيمان: قيل أصله التصديق - وليس مطابقا له؛ بل لا بد أن يكون تصديقا عن غيب وإلا فالخبر عن مشهود ليس تصديقه إيمانا؛ لأنه من الأمن الذي هو الطمأنينة وهذا إنما يكون في المخبر الذي قد يقع فيه ريب والمشهودات لا ريب فيها. إلا على هذا - فأما تصديق القلب فقط كما تقول الجهمية ومن اتبعهم من الأشعرية وإما القلب واللسان كما تقوله المرجئة أو باللسان كما تقوله الكرامية وإما التصديق بالقلب والقول والعمل - فإن الجميع يدخل في مسمى التصديق على مذهب أهل الحديث كما فسره شيخ الإسلام وغيره (*) -. وقيل: بل هو الإقرار؛ لأن التصديق إنما يطابق الخبر فقط وأما الإقرار فيطابق الخبر والأمر كقوله: {أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا} ولأن قر وآمن: متقاربان. فالإيمان دخول في الأمن والإقرار دخول في الإقرار وعلى هذا فالكلمة إقرار والعمل بها إقرار أيضا.
ثم هو في الكتاب بمعنيين: أصل وفرع واجب فالأصل الذي في القلب وراء العمل فلهذا يفرق بينهما بقوله: {آمنوا وعملوا الصالحات} والذي يجمعهما كما في قوله: {إنما المؤمنون} {لا يستأذنك الذين يؤمنون}.
وحديث " الحيا " و " وفد عبد القيس " وهو مركب من أصل لا يتم بدونه ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة فالناس فيه ظالم لنفسه ومقتصد وسابق كالحج وكالبدن والمسجد وغيرهما من الأعيان والأعمال والصفات فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ومنه ما نقص عن الكمال وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات ومنه ما نقص ركنه وهو ترك الاعتقاد والقول: الذي يزعم المرجئة والجهمية أنه مسمى فقط وبهذا تزول شبهات الفرق. وأصله القلب وكماله العمل الظاهر بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر وكماله القلب.

(قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير (26)

فإذا قيل: إن الرب تعالى حكيم رحيم أحسن كل شيء خلقه وهو أرحم الراحمين، والخير بيديه والشر ليس إليه، لا يفعل إلا خيرا، وما خلقه من ألم لبعض الحيوان، ومن أعماله المذمومة، فله فيه حكمة عظيمة ونعمة جسيمة، كان هذا حقا وهو مدح للرب. وأما إذا قيل يخلق الشر الذي لا خير فيه، ولا منفعة لأحد، ولا له فيه حكمة ولا رحمة ويعذب الناس بلا ذنب لم يكن مدحا له بل العكس، وقد بينا بعض ما في خلق جهنم وإبليس والسيئات من الحكمة والرحمة وما لم نعلم أعظم، والله سبحانه وتعالى يستحق الحمد والحب والرضا لذاته ولإحسانه هذا حمد شكر، وذاك حمد مطلقا.

(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير (28)

رأس مال الرافضة التقية، وهي أن يظهر خلاف ما يبطن كما يفعل المنافق. وقد كان المسلمون في أول الإسلام في غاية الضعف والقلة، وهم يظهرون دينهم لا يكتمونه.
والرافضة يزعمون أنهم يعملون بهذه الآية: قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه} [سورة آل عمران: 28] ويزعمون أنهم هم المؤمنون، وسائر أهل القبلة كفار، مع أن لهم في تكفير الجمهور قولين. لكن قد رأيت غير واحد من أئمتهم يصرح في كتبه وفتاويه بكفر الجمهور، وأنهم مرتدون، ودارهم دار ردة، يحكم بنجاسة مائعها، وأن من انتقل إلى قول الجمهور منهم ثم تاب لم تقبل توبته، لأن المرتد الذي يولد على الفطرة لا يقبل منه الرجوع إلى الإسلام.
وهذا في المرتد عن الإسلام قول لبعض السلف، وهو رواية عن الإمام أحمد. قالوا: لأن المرتد من كان كافرا فأسلم، ثم رجع إلى الكفر، بخلاف من يولد مسلما.
فجعل هؤلاء هذا في سائر الأمة، فهم عندهم كفار، فمن صار منهم إلى مذهبهم كان مرتدا.

وهذه الآية حجة عليهم، فإن هذه الآية خوطب بها أولا من كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المؤمنين، فقيل لهم: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} [سورة آل عمران: 28].

وهذه الآية مدنية باتفاق العلماء فإن سورة آل عمران كلها مدنية، وكذلك البقرة والنساء والمائدة.
ومعلوم أن المؤمنين بالمدينة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن أحد منهم يكتم إيمانه ولا يظهر للكفار أنه منهم، كما يفعله الرافضة مع الجمهور.
__________
Q (*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 65):
والمقصود بقوله (كما فسره شيخ الإسلام): أبو إسماعيل الهروي الأنصاري رحمه الله كما نقل كلامه في هذا الباب في المجلد نفسه ص 555.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 51.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.05 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]