عرض مشاركة واحدة
  #145  
قديم 26-06-2022, 07:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,591
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
الحلقة (145)

من صــ 337 الى صـ
ـ 344





والذين ادعوا المحبة من " الصوفية " وكان قولهم في القدر من جنس قول الجهمية المجبرة هم في آخر الأمر لا يشهدون للرب محبوبا إلا ما وقع وقدر وكل ما وقع من كفر وفسوق وعصيان فهو محبوبه عندهم فلا يبقى في هذا الشهود فرق بين موسى وفرعون ولا بين محمد وأبي جهل ولا بين أولياء الله وأعدائه ولا بين عبادة الله وحده وعبادة الأوثان؛ بل هذا كله عند الفاني في توحيد الربوبية سواء؛ ولا يفرق بين حادث وحادث إلا من جهة ما يهواه ويحبه؛ وهذا هو الذي اتخذ إلهه هواه إنما يأله ويحب ما يهواه وهو وإن كان عنده محبة لله فقد اتخذ من دون الله أندادا يحبهم كحب الله وهم من يهواه؛ هذا ما دام فيه محبة لله؛ وقد ينسلخ منها حتى يصير إلى التعطيل كفرعون وأمثاله الذي هو أسوأ حالا من مشركي العرب ونحوهم.
ولهذا هؤلاء يحبون بلا علم ويبغضون بلا علم والعلم ما جاء به الرسول كما قال: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} وهو الشرع المنزل ولهذا كان الشيوخ العارفون كثيرا ما يوصون المريدين باتباع العلم والشرع كما قد ذكرنا قطعة من كلامهم في غير هذا الموضع؛ لأن الإرادة والمحبة إذا كانت بغير علم وشرع كانت من جنس محبة الكفار وإرادتهم، فهؤلاء السالكون المريدون الصوفية والفقراء الزاهدون العابدون الذين سلكوا طريق المحبة والإرادة إن لم يتبعوا الشرع المنزل والعلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحبون ما أحب الله ورسوله ويبغضون ما أبغض الله ورسوله وإلا أفضى بهم الأمر إلى شعب من شعب الكفر والنفاق. ولا يتم الإيمان والمحبة لله إلا بتصديق الرسول فيما أخبر وطاعته فيما أمر. ومن الإيمان بما أخبر الإيمان بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله فمن نفى الصفات فقد كذب خبره.
ومن الإيمان بما أمر فعل ما أمر، وترك ما حظر ومحبة الحسنات وبغض السيئات ولزوم هذا الفرق إلى الممات فمن لم يستحسن الحسن المأمور به ولم يستقبح السيئ المنهي عنه لم يكن معه من الإيمان شيء. كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}. وكما قال في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب؛ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل} رواه مسلم. فأضعف الإيمان الإنكار بالقلب فمن لم يكن في قلبه بغض المنكر الذي يبغضه الله ورسوله لم يكن معه من الإيمان شيء.
ثم قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
و (المقصود هنا) أن المحبة الشركية البدعية هي التي أوقعت هؤلاء في أن آل أمرهم إلى أن لا يستحسنوا حسنة ولا يستقبحوا سيئة؛ لظنهم أن الله لا يحب مأمورا ولا يبغض محظورا فصاروا في هذا من جنس من أنكر أن الله يحب شيئا ويبغض شيئا كما هو قول الجهمية نفاة الصفات وهؤلاء قد يكون أحدهم مثبتا لمحبة الله ورضاه وفي أصل اعتقاده إثبات الصفات لكن إذا جاء إلى القدر لم يثبت شيئا غير الإرادة الشاملة وهذا وقع فيه طوائف من مثبتة الصفات تكلموا في القدر بما يوافق رأي جهم والأشعرية فصاروا مناقضين لما أثبتوه من الصفات كحال صاحب " منازل السائرين " وغيره.
وأما أئمة الصوفية والمشايخ المشهورون من القدماء: مثل الجنيد بن محمد وأتباعه ومثل الشيخ عبد القادر وأمثاله فهؤلاء من أعظم الناس لزوما للأمر والنهي وتوصية باتباع ذلك وتحذيرا من المشي مع القدر كما مشى أصحابهم أولئك وهذا هو " الفرق الثاني " الذي تكلم فيه الجنيد مع أصحابه. والشيخ عبد القادر كلامه كله يدور على اتباع المأمور، وترك المحظور والصبر على المقدور ولا يثبت طريقا تخالف ذلك أصلا لا هو ولا عامة المشايخ المقبولين عند المسلمين ويحذر عن ملاحظة القدر المحض بدون اتباع الأمر والنهي كما أصاب أولئك الصوفية الذين شهدوا القدر وتوحيد الربوبية وغابوا عن الفرق الإلهي الديني الشرعي المحمدي الذي يفرق بين محبوب الحق ومكروهه، ويثبت أنه لا إله إلا هو.

وهذا من أعظم ما تجب رعايته على أهل الإرادة والسلوك فإن كثيرا من المتأخرين زاغ عنه فضل سواء السبيل وإنما يعرف هذا من توجه بقلبه وانكشفت له حقائق الأمور وصار يشهد الربوبية العامة والقيومية الشاملة، فإن لم يكن معه نور الإيمان والقرآن الذي يحصل به الفرقان حتى يشهد الإلهية التي تميز بين أهل التوحيد والشرك وبين ما يحبه الله وما يبغضه وبين ما أمر به الرسول وبين ما نهى عنه وإلا خرج عن دين الإسلام بحسب خروجه عن هذا فإن الربوبية العامة قد أقر بها المشركون الذين قال فيهم: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}.

وإنما يصير الرجل مسلما حنيفا موحدا إذا شهد: أن لا إله إلا الله. فعبد الله وحده بحيث لا يشرك معه أحدا في تألهه ومحبته له وعبوديته وإنابته إليه وإسلامه له ودعائه له والتوكل عليه وموالاته فيه؛ ومعاداته فيه؛ ومحبته ما يحب؛ وبغضه ما يبغض ويفنى بحق التوحيد عن باطل الشرك؛ وهذا فناء يقارنه البقاء فيفنى عن تأله ما سوى الله بتأله الله تحقيقا لقوله: لا إله إلا الله فينفي ويفنى من قلبه تأله ما سواه؛ ويثبت ويبقي في قلبه تأله الله وحده؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح -: {من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة} وفي الحديث الآخر: {من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة} وقال في الصحيح: {لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنها حقيقة دين الإسلام فمن مات عليها مات مسلما}.
والله تعالى قد أمرنا ألا نموت إلا على الإسلام في غير موضع. كقوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} وقال الصديق {توفني مسلما وألحقني بالصالحين} والصحيح من القولين أنه لم يسأل الموت ولم يتمنه. وإنما سأل أنه إذا مات يموت على الإسلام؛ فسأل الصفة لا الموصوف كما أمر الله بذلك؛ وأمر به خليله إبراهيم وإسرائيل؛ وهكذا قال غير واحد من العلماء؛ منهم ابن عقيل وغيره. والله تعالى أعلم.
(فصل أولياء الله المتقون هم المتبعون لكتاب الله وسنة رسوله)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
قال أهل العلم والدين - كأبي يزيد البسطامي وغيره -: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي.
وقال الشافعي: لو رأيتم صاحب بدعة يطير في الهواء فلا تغتروا به. فأولياء الله المتقون هم المتبعون لكتاب الله وسنة رسوله كما قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} وطريقهم طريق أنبياء الله المرسلين وأولياء الله المتقين وحزب الله المفلحين.
وأما أهل الشرك والبدع والفجور فأحوالهم من جنس أحوال " مسيلمة الكذاب " و " الأسود العنسي " الذين ادعيا النبوة في آخر أيام النبي صلى الله عليه وسلم وكان لكل منهما شياطين تخبره وتعينه. وكان " العنسي " قد استولى على أرض اليمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قتله الله على أيدي عباده المؤمنين وكان قد طلب من أبي مسلم الخولاني أن يتابعه فامتنع فألقاه في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما كما جرى لإبراهيم الخليل صلوات الله عليه وذلك مع صلاته وذكره ودعائه لله مع سكينة ووقار.

(إذ قالت الملائكة يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين (45)

قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
وأما قوله: إن كلمة الله المراد بها عيسى نفسه: فلا ريب أن المصدر يعبر به عن المفعول به في لغة العرب كقولهم: هذا درهم ضرب الأمير. ومنه قوله: {هذا خلق الله} ومنه تسمية المأمور به أمرا والمقدور قدرة والمرحوم به رحمة والمخلوق بالكلمة كلمة لكن هذا اللفظ إنما يستعمل مع ما يقترن به مما يبين المراد كقوله: {يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين} فبين أن الكلمة هو المسيح. ومعلوم أن المسيح نفسه ليس هو الكلام {قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} فبين لما تعجبت من الولد أنه سبحانه يخلق ما يشاء؛ إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون فدل ذلك على أن هذا الولد مما يخلقه الله بقوله: {كن فيكون} ولهذا قال أحمد بن حنبل: عيسى مخلوق بالكن؛ ليس هو نفس الكن
ولهذا قال في الآية الأخرى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} فقد بين مراده أنه خلق بكن لا أنه نفس كن ونحوها من الكلام.
[فصل: شهادة كتب اليهود لعيسى بالنبوة شهادة لمحمد]
قالوا: فماذا يكون أعظم من هذا برهانا، وأقوى شهادة، إذ هذه كتب أعدائنا المخالفين لديننا، وهم يقرون بذلك ويقرءونه في كنائسهم، ولم ينكروا منه كلمة واحدة ولا حرفا واحدا.
والجواب: أن الأمر إذا كان على ما قالوه من ثبوت هذه الكلمات عن بعض الأنبياء فليس فيها مدح لدينهم بعد التبديل، فكيف بعد النسخ والتبديل؟ وإنما فيها إخبار بزوال ملك بني إسرائيل، وبنسخ ما نسخ من شرعهم بمجيء المسيح - عليه السلام -، وهذا دليل على نبوة المسيح وصدقه وهذا مما اتفق عليه المسلمون.
والمسيح - عليه السلام - عندهم كما أخبر الله عنه، بقوله - تعالى - لمريم:

{إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين - ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين} [آل عمران: 45 - 46].

وأما قولهم: إن هذا وغيره موجود في كتب أعدائنا اليهود.

فيقال لهم لا ريب أن اليهود يخالفونكم في تفسير الكتب، فأنتم تفسرونها بشيء، وهم يفسرونها بشيء آخر وقد يكون كلا التفسيرين باطلا وحينئذ فيقال لكم كما أن كتب الأنبياء شاهدة للمسيح ولدينه وإن خالفتكم اليهود في تفسيرها، فكذلك هي شاهدة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته، وإن خالف أهل الكتاب في تفسيرها كما قد بين الله في كتب الأنبياء صفة محمد وأمته في غير موضع.
والواجب في الكتب إذا تنازعت الأمم في تفسيرها أن يبين الحق الذي يقوم عليه الدليل الشرعي والعقلي، وحينئذ تبين أنكم فسرتم كتب الله بأشياء تخالف مراد الله في أمر التثليث والاتحاد وغيره، كما فعلت اليهود بتفسير الكتب، كما قد بسط في غير هذا الموضع.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 51.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]