عرض مشاركة واحدة
  #146  
قديم 26-06-2022, 07:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
المجلد الرابع
الحلقة (146)

من صــ 345 الى صـ
ـ 352





(ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين (49)
[فصل: إبطال دعواهم اتحاد كلمة الله بجسد المسيح]

وأما قولهم: فكان طيرا بإذن الله أي بإذن اللاهوت الذي هو كلمة الله المتحدة في الناسوت فهذا إذا قالوه على أنه مذهبهم من غير أن يقولوا أن محمدا أراده تكلمنا معهم في ذلك وبينا فساد ذلك عقلا ونقلا.
وأما قولهم: أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: أن المراد إذن اللاهوت الذي هو كلمة الله المتحدة في الناسوت فهذا من البهتان الظاهر على محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو من جنس قولهم أن قوله: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 6] أراد به النصارى ومن جنس قولهم أن قوله: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا} [آل عمران: 85] أراد به العرب ومن جنس قولهم {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} [الحديد: 25] أراد بهم الحواريين ومن جنس قولهم {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [البقرة: 1] أراد به الإنجيل فهذه المواضع التي فسروا بها القرآن وزعموا أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - الذي بين للناس ما أنزل إليهم كان يريد بما يتلوه من القرآن هذه المعاني التي ذكروها هي من الكذب الظاهر الذي يدل على غاية جهل قائلها أو غاية معاندته، ولكن مثل هذا التأويل غير مستنكر من النصارى، فإنهم قد فسروا مواضع كثيرة من التوراة والإنجيل والزبور والنبوات بنحو هذه التفاسير التي حرفوا فيها الكلام الذي جاءت به الأنبياء عن مواضعه تحريفا ظاهرا فبدلوا بذلك كتب الله ودين الله وضاهوا بذلك اليهود الذين حرفوا وبدلوا وإن اختلفت جهة التحريف والتبديل فتحريفهم للقرآن من جنس تحريفهم للتوراة والإنجيل وهم من الذين يدعون المحكم ويتبعون ما نشأ به منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله لكن في هذه المواضع حرفوا المحكم الذي معناه ظاهر لا يحتمل إلا معنى واحد فكانوا من الجهل والمعاندة أبعد عن الصواب ممن حرف معنى المتشابه وذلك أنه قد علم بالاضطرار من دين محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول أن المسيح عبد الله مخلوق كسائر المرسلين وأنه يكفر النصارى الذين يقولون هو الله أو ابن الله.
قال - تعالى -: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير} [المائدة: 17]وقال - تعالى -: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} [المائدة: 72] (72) {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم} [المائدة: 73] (73) {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم} [المائدة: 74] (76) {قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} [المائدة: 77].
فقد ذكر كفر النصارى في قولهم: هو الله مرتين وذكر أنه ليس المسيح إلا رسول قد خلت من قبله الرسل فغايته الرسالة كما قال: في محمد - صلى الله عليه وسلم - وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وغاية أمه أن تكون صديقة ودل بهذا أنها ليست بنبية ثم قال: كانا يأكلان الطعام وهذا من أظهر الصفات النافية للإلهية لحاجة الأكل إلى ما يدخل في جوفه ولما يخرج منه مع ذلك من الفضلات.
والرب تعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

والنصارى يقولون أنه يلد وأنه يولد وأن له كفوا كما قد بين في موضع آخر وقد أخبر بعبودية المسيح في غير موضع كقوله - تعالى -: {ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون} [الزخرف: 57] (57) {وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون} [الزخرف: 58] (58) {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل} [الزخرف: 59] وأخبر تعالى أن أول شيء نطق به المسيح قوله: {إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} [مريم: 30] وقال - تعالى -: {وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} [المائدة: 116] الآيات إلى قوله: شهيد وقال - تعالى -: {ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم} [النساء: 171] الآيات كلها.
فإذا كان قد علم بالاضطرار من دين محمد - صلى الله عليه وسلم - وبالنقل المتواتر عنه وبإجماع أمته إجماعا يستندون فيه إلى النقل عنه وبكتابه المنزل عليه وسنته المعروفة عنه أنه كان يقول أن المسيح عبد الله ورسوله ليس هو إلا رسول وأنه يكفر النصارى الذين يقولون هو الله وهو ابن الله والذين يقولون ثالث ثلاثة وأمثال ذلك كان بعد هذا تفسيرهم لقول الله الذي بلغه نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فيكون طيرا بإذن الله أي بإذن اللاهوت الذي هو كلمة الله المتحدة بالناسوت كذبا ظاهرا على محمد - صلى الله عليه وسلم.
وهذا مما يعرف كذبهم فيه على محمد - صلى الله عليه وسلم - جميع أهل الأرض العالم بحال محمد - صلى الله عليه وسلم - سواء أقروا بنبوته أو أنكروها.

فالمقصود في هذا المقام أن هؤلاء كذبوا على محمد - صلى الله عليه وسلم - كذبا ظاهرا معلوما للخلق المؤمنين به والمكذبين له ليس هو كذبا خفيا.
وإن قدر أن ما قالوه يكون معقولا فكيف إذا كان ممتنعا في صرائح العقول بل هو قول غير معقول أي غير معقول ثبوته في الخارج وإن كان يعقل ما يختلفون ويعلم به فساد عقولهم لمن قال سائر الأقوال المتناقضة الفاسدة التي يمتنع ثبوتها في الخارج وذلك كما قد بسط في موضع آخر، فإن قولهم: بإذن اللاهوت الذي هو كلمة الله المتحدة في الناسوت باطل من وجوه.

منها أن تلك الكلمة إما أن تكون هي الله أو صفة لذاته أو لا هي ذاته ولا صفة له أو الذات والصفة جميعا.
فإن لم تكن هي ذات الله ولا صفته ولا الذات والصفة كانت بائنة عنه مخلوقة له ولم يكن لاهوتا بل ولا خالقه وحينئذ فلم يتحد بالمسيح لاهوت بل إن لم يتحد به إنه كان اتحد به إلا مخلوق.
وإن كانت الكلمة هي الذات أو الذات والصفة فهي رب العالمين وهي الآب عندهم وهم متفقون على أن المسيح ليس هو الآب ولم يتحد به الآب بل الابن.
وإن كانت الكلمة صفة لله - عز وجل - فصفة الله ليست هي الإله الخالق والمسيح عندهم هو الإله الخالق وأيضا فصفة الله قائمة بذاته لا تفارق ذاته وتحل بغيره وتتحد به وكلمة الله عندهم اتحدت بالمسيح.
وإن قالوا: قولنا هذا كما تقول طائفة من المسلمين إن القرآن أو التوراة أو الإنجيل حل في القراء أو اتحد بهم وأن القديم حل في المخلوق أو اتحد به ونحو ذلك.

قيل لو كان قول هؤلاء صوابا لم يكن لهم فيه حجة، فإنه على هذا التقدير لا فرق بين المسيح وبين سائر من يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وأنتم تدعون أن المسيح هو الله أو ابن الله مخصوصا بذلك دون غيره وأيضا فهؤلاء وجميع الأمم متفقون على أن قراء القرآن وسائر الكتب الإلهية ليس واحد منهم هو الله ولا هو ابن الله ولا أنه خالق للعالم فإذا جعلتم قولكم مثل قول هؤلاء لزمكم أن لا يكون المسيح هو الله ولا ابن الله ولا ربا للعالم وأيضا فلم نعلم أحدا من هؤلاء قال: أن اللاهوت اتحد بالناسوت ولا أن القديم اتحد بالمحدث ولا أن كلام الله صار هو والمخلوق شيئا واحدا فالاتحاد باطل باتفاق هؤلاء وغيرهم.
ولكن طائفة منهم أطلقت لفظ الحلول وطائفة أنكرت لفظ الحلول وقالوا إنما نقول ظهر القديم في المحدث لا حل فيه لكن قالوا ما يستلزم الحلول.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]