
30-06-2022, 06:47 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,120
الدولة :
|
|
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله

الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (149)
صـ141 إلى صـ 150
[ ص: 141 ] [ ص: 142 ] [ ص: 143 ] الطرف الثاني
في الأدلة على التفصيل
وهي : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والرأي
ولما كان الكتاب والسنة هما الأصل لما سواهما ; اقتصرنا على النظر فيهما .
وأيضا ; فإن في أثناء الكتاب كثيرا مما يفتقر إليه الناظر في غيرهما ، مع أن الأصوليين تكفلوا بما عداهما كما تكفلوا بهما ; فرأينا السكوت عن الكلام في الإجماع والرأي ، والاقتصار على الكتاب والسنة ، والله المستعان .
فالأول أصلها ، وهو الكتاب ، وفيه مسائل : [ ص: 144 ] المسألة الأولى
إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة وعمدة الملة ، وينبوع الحكمة ، وآية الرسالة ، ونور الأبصار والبصائر ، وأنه لا طريق إلى الله سواه ، ولا نجاة بغيره ، ولا تمسك بشيء يخالفه ، وهذا كله لا يحتاج إلى تقرير واستدلال عليه ; لأنه معلوم من دين الأمة ، وإذا كان كذلك ; لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها ، واللحاق بأهلها ، أن يتخذه سميره وأنيسه ، وأن يجعله جليسه على مر الأيام والليالي نظرا وعملا ، لا اقتصارا على أحدهما ; فيوشك أن يفوز بالبغية ، وأن يظفر بالطلبة ، ويجد نفسه من السابقين وفي الرعيل الأول ، فإن كان قادرا على ذلك ، ولا يقدر عليه إلا من زوال ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب ، وإلا فكلام الأئمة السابقين ، والسلف المتقدمين آخذ بيده في هذا المقصد الشريف ، والمرتبة المنيفة .
وأيضا ; فمن حيث كان القرآن معجزا أفحم الفصحاء ، وأعجز البلغاء أن يأتوا بمثله ; فذلك لا يخرجه عن كونه عربيا جاريا على أساليب كلام العرب ، ميسرا للفهم فيه عن الله ما أمر به ونهى ، لكن بشرط الدربة في اللسان العربي ، كما تبين في كتاب الاجتهاد ; إذ لو خرج بالإعجاز عن إدراك العقول معانيه ; لكان خطابهم به من تكليف ما لا يطاق ، وذلك مرفوع عن الأمة ، وهذا من جملة الوجوه الإعجازية فيه ; إذ من العجب إيراد كلام من جنس كلام البشر في اللسان والمعاني والأساليب ، مفهوم معقول ، ثم لا يقدر البشر على الإتيان بسورة مثله [ ص: 145 ] ولو اجتمعوا وكان بعضهم لبعض ظهيرا فهم أقدر ما كانوا على معارضة الأمثال أعجز ما كانوا عن معارضته وقد قال الله تعالى : ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [ القمر : 17 ] وقال : فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا [ مريم : 97 ] وقال : قرآنا عربيا لقوم يعلمون [ فصلت : 3 ] وقال : بلسان عربي مبين [ الشعراء : 195 ] وعلى أي وجه فرض إعجازه ; فذلك غير مانع من الوصول إلى فهمه وتعقل معانيه ، كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب [ ص : 29 ] فهذا يستلزم إمكان الوصول إلى التدبر والتفهم ، وكذلك ما كان مثله ، وهو ظاهر .
[ ص: 146 ] المسألة الثانية
معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن ، والدليل على ذلك أمران : أحدهما : أن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن فضلا عن معرفة مقاصد كلام العرب ; إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال : حال الخطاب من جهة نفس الخطاب ، أو المخاطب ، أو المخاطب ، أو الجميع ; إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين ، وبحسب مخاطبين ، وبحسب غير ذلك ; كالاستفهام ، لفظه واحد ، ويدخله معان أخر من تقرير وتوبيخ وغير ذلك وكالأمر يدخله معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها ولا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجة ، وعمدتها مقتضيات الأحوال ، وليس كل حال ينقل ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول ، وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة ; فات فهم الكلام جملة ، أو فهم شيء منه ، ومعرفة الأسباب رافعة لكل مشكل في هذا النمط ; فهي من المهمات في فهم الكتاب بلابد ومعنى معرفة السبب هو معنى معرفة مقتضى الحال ، وينشأ عن هذا الوجه : الوجه الثاني وهو أن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشبه والإشكالات ، ومورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف ، وذلك مظنة وقوع النزاع .
[ ص: 147 ] [ ص: 148 ] ويوضح هذا المعنى ما روى أبو عبيد عن إبراهيم التيمي ; قال : خلا عمر ذات يوم ; فجعل يحدث نفسه : كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد ، وقبلتها واحدة ؟ فأرسل إلى ابن عباس ; فقال : كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة ؟ فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين ! إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه ، وعلمنا فيم نزل ، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيم نزل ، فيكون لهم فيه رأي ، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا ، فإذا اختلفوا اقتتلوا قال : فزجره عمر وانتهره ; فانصرف ابن عباس ، ونظر عمر فيما قال ; فعرفه فأرسل إليه ; فقال : أعد علي ما قلت فأعاده عليه ; فعرف عمر قوله وأعجبه [ ص: 149 ] وما قاله صحيح في الاعتبار ويتبين بما هو أقرب فقد روى ابن وهب عن بكير ; أنه سأل نافعا : كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية ؟ قال : يراهم شرار خلق الله ، إنهم انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين .
فهذا معنى الرأي الذي نبه ابن عباس عليه ، وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل فيه القرآن .
وروي أن مروان أرسل بوابه إلى ابن عباس وقال : قل له لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا ; لنعذبن أجمعون فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية ؟ إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم ، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ثم قرأ : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب [ ص: 150 ] إلى قوله : ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا [ آل عمران : 187 188 ] فهذا السبب بين أن المقصود من الآية غير ما ظهر لمروان .
والقنوت يحتمل وجوها من المعنى يحمل عليه قوله : وقوموا لله قانتين [ البقرة : 238 ] فإذا عرف السبب تعين المعنى المراد وروي أن عمر استعمل قدامة بن مظعون على البحرين ; فقدم الجارود على عمر ، فقال : إن قدامة شرب فسكر فقال عمر : من يشهد على ما تقول ؟ قال الجارود : أبو هريرة يشهد على ما أقول وذكر الحديث ; فقال عمر : يا قدامة ! إني جالدك قال : والله لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني قال عمر : ولم ؟ قال : لأن الله يقول : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح [ المائدة : 93 ] إلخ : فقال عمر : إنك أخطأت التأويل يا قدامة ، إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|