
30-06-2022, 06:48 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,120
الدولة :
|
|
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله

الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (150)
صـ151 إلى صـ 160
وفي رواية : فقال لم تجلدني ؟ بيني وبينك كتاب الله فقال عمر وأي كتاب الله تجد أن لا أجلدك قال : إن الله يقول في كتابه : ليس على الذين آمنوا [ المائدة : 93 ] إلى آخر الآية فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله بدرا وأحدا والخندق والمشاهد فقال عمر : ألا تردون عليه قوله ؟ فقال ابن عباس : إن [ ص: 151 ] هؤلاء الآيات أنزلن عذرا للماضين ، وحجة على الباقين ، فعذر الماضين بأنهم لقوا الله قبل أن تحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله يقول يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر [ المائدة : 90 ] ثم قرأ إلى آخر الآية الأخرى فإن كان من الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا ; فإن الله قد نهى أن يشرب الخمر قال عمر : صدقت الحديث وحكى إسماعيل القاضي ; قال : شرب نفر من أهل الشام الخمر ، وعليهم يزيد بن أبي سفيان ، فقالوا : هي لنا حلال ، وتأولوا هذه الآية ليس على الذين آمنوا [ المائدة : 93 ] الآية قال : فكتب فيهم إلى عمر ، قال : فكتب عمر إليه : أن ابعث بهم إلي قبل أن يفسدوا من قبلك فلما أن قدموا على عمر استشار فيهم الناس ; فقالوا : يا أمير المؤمنين ! نرى أنهم قد كذبوا على الله ، وشرعوا في دينه ما لم يأذن به إلى آخر الحديث .
ففي الحديثين بيان أن الغفلة عن أسباب التنزيل تؤدي إلى الخروج عن المقصود بالآيات .
[ ص: 152 ] وجاء رجل إلى ابن مسعود ; فقال : تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه ، يفسر هذه الآية يوم تأتي السماء بدخان مبين [ الدخان : 10 ] قال يأتي الناس يوم القيامة دخان ، فيأخذ بأنفسهم حتى يأخذهم كهيئة الزكام فقال ابن مسعود : من علم علما فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم ; فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به : الله أعلم ، إنما كان هذا لأن قريشا استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، دعا عليهم بسنين كسني يوسف ; فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ; فأنزل الله فارتقب يوم تأتي السماء بدخان الآية [ الدخان : 10 ] إلى آخر القصة .
وهكذا شأن أسباب النزول في التعريف بمعاني المنزل ، بحيث لو فقد ذكر السبب ; لم يعرف من المنزل معناه على الخصوص ، دون تطرق الاحتمالات وتوجه الإشكالات ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : خذوا القرآن من أربعة ، منهم عبد الله بن مسعود ، وقد قال في خطبة خطبها : والله ; لقد [ ص: 153 ] علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وقال في حديث آخر : والذي لا إله غيره ; ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت ، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم أنزلت ؟ ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لركبت إليه وهذا يشير إلى أن علم الأسباب من العلوم التي يكون العالم بها عالما بالقرآن .
وعن الحسن ; أنه قال : ما أنزل الله آية ; إلا وهو يحب أن يعلم فيم أنزلت ؟ وما أراد بها ؟ وهو نص في الموضع مشير إلى التحريض على تعلم علم الأسباب .
وعن ابن سيرين ; قال : سألت عبيدة عن شيء من القرآن ; فقال اتق الله ، وعليك بالسداد ; فقد ذهب الذين يعلمون فيم أنزل القرآن وعلى الجملة ; فهو ظاهر بالمزاولة لعلم التفسير .
[ ص: 154 ] فصل
ومن ذلك معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل ، وإن لم يكن ثم سبب خاص لابد لمن أراد الخوض في علم القرآن منه ، وإلا وقع في الشبه والإشكالات التي يتعذر الخروج منها إلا بهذه المعرفة ويكفيك من ذلك ما تقدم بيانه في النوع الثاني من كتاب المقاصد ; فإن فيه ما يثلج الصدر ويورث اليقين في هذا المقام ، ولابد من ذكر أمثلة تعين على فهم المراد وإن كان مفهوما : أحدها قول الله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله [ البقرة : 196 ] فإنما أمر بالإتمام دون الأمر بأصل الحج لأنهم كانوا قبل الإسلام آخذين به ، لكن على تغيير بعض الشعائر ، ونقص جملة منها ; كالوقوف بعرفة وأشباه ذلك مما غيروا ، فجاء الأمر بالإتمام لذلك ، وإنما جاء إيجاب الحج نصا في قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت [ آل عمران : 97 ] وإذا عرف هذا تبين هل في الآية دليل على إيجاب الحج أو إيجاب العمرة ، أم لا ؟ والثاني : قوله تعالى : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ البقرة : 286 ] نقل عن أبي يوسف أن ذلك في الشرك لأنهم كانوا حديثي عهد بكفر [ ص: 155 ] فيريد أحدهم التوحيد فيهم فيخطئ بالكفر ; فعفا لهم عن ذلك كما عفا لهم عن النطق بالكفر عند الإكراه ، قال فهذا على الشرك ، ليس على الأيمان في الطلاق والعتاق والبيع والشراء ، لم تكن الأيمان بالطلاق والعتاق في زمانهم والثالث : قوله تعالى يخافون ربهم من فوقهم [ النحل : 50 ] أأمنتم من في السماء [ تبارك : 16 ] وأشباه ذلك ، إنما جرى على معتادهم في اتخاذ الآلهة في الأرض ، وإن كانوا مقرين بإلهية الواحد الحق ; فجاءت الآيات بتعيين الفوق وتخصيصه تنبيها على نفي ما ادعوه في الأرض ; فلا يكون فيه دليل على إثبات جهة ألبتة ، ولذلك قال تعالى : فخر عليهم السقف من فوقهم [ النحل : 26 ] فتأمله واجر على هذا المجرى في سائر الآيات والأحاديث .
والرابع : قوله تعالى : وأنه هو رب الشعرى [ النجم : 49 ] فعين هذا الكوكب لكون العرب عبدته ، وهم خزاعة ابتدع ذلك لهم أبو كبشة ، ولم تعبد العرب من الكواكب غيرها ; فلذلك عينت
فصل
وقد يشارك القرآن في هذا المعنى السنة ; إذ كثير من الأحاديث وقعت على أسباب ، ولا يحصل فهمها إلا بمعرفة ذلك ، ومنه أنه نهى عليه الصلاة [ ص: 156 ] والسلام عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فلما كان بعد ذلك ; قيل لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم ، ويحملون منها الودك ، ويتخذون منها الأسقية فقال : وما ذاك ؟ قالوا : نهيت عن لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال عليه الصلاة والسلام : إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم ; فكلوا ، وتصدقوا ، وادخروا ومنه حديث التهديد بإحراق البيوت لمن تخلف عن صلاة الجماعة ; فإن حديث ابن مسعود يبين أنه مختص بأهل النفاق ، بقوله : ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق وحديث : الأعمال بالنيات واقع عن سبب ، وهو أنهم لما أمروا [ ص: 157 ] بالهجرة هاجر ناس للأمر وكان فيهم رجل هاجر بسبب امرأة أراد نكاحها تسمى أم قيس ، ولم يقصد مجرد الهجرة للأمر ; فكان بعد ذلك يسمى : مهاجر أم قيس وهو كثير .
[ ص: 158 ] المسألة الثالثة
كل حكاية وقعت في القرآن ; فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها وهو الأكثر رد لها أو لا ، فإن وقع رد فلا إشكال في بطلان ذلك المحكي وكذبه ، وإن لم يقع معها رد فذلك دليل صحة المحكي وصدقه .
أما الأول ; فظاهر ، ولا يحتاج إلى برهان ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء [ الأنعام : 91 ] فأعقب بقوله : قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى الآية [ الأنعام : 91 ] وقال : وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا الآية [ الأنعام : 136 ] فوقع التنكيت على افتراء ما زعموا بقوله : بزعمهم [ الأنعام : 138 ] وبقوله ساء ما يحكمون [ الأنعام : 136 ] ثم قال : وقالوا هذه أنعام وحرث حجر [ الأنعام : 138 ] إلى تمامه ورد بقوله : سيجزيهم بما كانوا يفترون [ الأنعام : 138 ] ثم قال : وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة الآية [ الأنعام : 139 ] [ ص: 159 ] فنبه على فساده بقوله : سيجزيهم وصفهم [ الأنعام : 139 ] زيادة على ذلك .
وقال تعالى : وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون [ الفرقان : 4 ] فرد عليهم بقوله : فقد جاءوا ظلما وزورا [ الفرقان : 4 ] ثم قال : وقالوا أساطير الأولين الآية [ الفرقان : 5 ] فرد بقوله : قل أنزله الذي يعلم السر الآية [ الفرقان : 6 ] ثم قال : وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا [ الفرقان : 8 ] ثم قال تعالى : انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا [ الفرقان : 9 ] وقال تعالى : وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إلى قوله : أؤنزل عليه الذكر من بيننا [ ص : 4 8 ] ثم رد عليهم بقوله : بل هم في شك من ذكري [ ص : 8 ] إلى آخر ما هنالك .
وقال وقالوا اتخذ الله ولدا [ البقرة : 116 ، وغيرها ] ثم رد عليهم بأوجه كثيرة ثبتت في أثناء القرآن ; كقوله : بل عباد مكرمون [ الأنبياء : 26 ] وقوله : بل له ما في السماوات والأرض [ البقرة : 116 ] وقوله : سبحانه هو الغني الآية [ يونس : 68 ] [ ص: 160 ] وقوله : تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض [ مريم : 90 ] إلى آخره ، وأشباه ذلك .
ومن قرأ القرآن وأحضره في ذهنه عرف هذا بيسر .
وأما الثاني ; فظاهر أيضا ، ولكن الدليل على صحته من نفس الحكاية وإقرارها ، فإن القرآن سمي فرقانا ، وهدى ، وبرهانا ، وبيانا ، وتبيانا لكل شيء ، وهو حجة الله على الخلق على الجملة والتفصيل والإطلاق والعموم ، وهذا المعنى يأبى أن يحكى فيه ما ليس بحق ثم لا ينبه عليه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|