
02-07-2022, 12:43 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,435
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(170)
الحلقة (184)
صــ 547إلى صــ 553
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في قوله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) [ ص: 547 ] ، أن يقال : هو عام في كل ما قضاه الله وبرأه؛ لأن ظاهر ذلك ظاهر عموم ، وغير جائزة إحالة الظاهر إلى الباطن من التأويل بغير برهان لما قد بينا في كتابنا : "كتاب البيان عن أصول الأحكام" . وإذ كان ذلك كذلك ، فأمر الله - جل وعز - لشيء إذا أراد تكوينه موجودا بقوله : ( كن ) في حال إرادته إياه مكونا ، لا يتقدم وجود الذي أراد إيجاده وتكوينه ، إرادته إياه ، ولا أمره بالكون والوجود ، ولا يتأخر عنه ، فغير جائز أن يكون الشيء مأمورا بالوجود مرادا كذلك إلا وهو موجود ، ولا أن يكون موجودا إلا وهو مأمور بالوجود مراد كذلك! ونظير قوله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) قوله : ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) [ سورة الروم : 25 ] بأن خروج القوم من قبورهم لا يتقدم دعاء الله ، ولا يتأخر عنه .
ويسأل من زعم أن قوله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) خاص في التأويل اعتلالا بأن أمر غير الموجود غير جائز ، عن دعوة أهل القبور قبل خروجهم من قبورهم ، أم بعده؟ أم هي في خاص من الخلق؟ فلن يقول في ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله .
ويسأل الذين زعموا أن معنى قوله جل ثناؤه : ( فإنما يقول له كن فيكون ) ، نظير قول القائل : "قال فلان برأسه أو بيده" ، إذا حركه وأومأ ، ونظير قول الشاعر : [ ص: 548 ]
تقول إذا درأت لها وضيني : : أهذا دينه أبدا وديني
وما أشبه ذلك - : فإنهم لا صواب اللغة أصابوا ، ولا كتاب الله ، وما دلت على صحته الأدلة اتبعوا - فيقال لقائلي ذلك : إن الله تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنه إذا قضى أمرا قال له : "كن" ، أفتنكرون أن يكون قائلا ذلك؟ فإن أنكروه كذبوا بالقرآن ، وخرجوا من الملة .
وإن قالوا : بل نقر به ، ولكنا نزعم أن ذلك نظير قول القائل : "قال الحائط فمال" ولا قول هنالك ، وإنما ذلك خبر عن ميل الحائط .
قيل لهم : أفتجيزون للمخبر عن الحائط بالميل أن يقول : إنما قول الحائط إذا أراد أن يميل أن يقول هكذا فيميل؟
فإن أجازوا ذلك خرجوا من معروف كلام العرب ، وخالفوا منطقها وما يعرف في لسانها .
وإن قالوا : ذلك غير جائز .
قيل لهم : إن الله تعالى ذكره أخبرهم عن نفسه أن قوله للشيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون ، فأعلم عباده قوله الذي يكون به الشيء ووصفه ووكده . وذلك عندكم غير جائز في العبارة عما لا كلام له ولا بيان في مثل قول القائل : "قال الحائط فمال" ، فكيف لم يعلموا بذلك فرق ما بين معنى قول الله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ، وقول القائل : "قال الحائط فمال"؟ [ ص: 549 ] وللبيان عن فساد هذه المقالة موضع غير هذا نأتي فيه على القول بما فيه الكفاية إن شاء الله .
وإذا كان الأمر في قوله جل ثناؤه : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ، هو ما وصفنا من أن حال أمره الشيء بالوجود حال وجود المأمور بالوجود ، فبين بذلك أن الذي هو أولى بقوله : ( فيكون ) الرفع على العطف على قوله ( يقول ) لأن "القول" و"الكون" حالهما واحد ، وهو نظير قول القائل : "تاب فلان فاهتدى" ، و"اهتدى فلان فتاب" ، لأنه لا يكون تائبا إلا وهو مهتد ، ولا مهتديا إلا وهو تائب؛ فكذلك لا يمكن أن يكون الله آمرا شيئا بالوجود إلا وهو موجود ، ولا موجودا إلا وهو آمره بالوجود .
ولذلك استجاز من استجاز نصب "فيكون" من قرأ : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) [ النحل : 40 ] ، بالمعنى الذي وصفنا على معنى : أن نقول فيكون .
وأما رفع من رفع ذلك ، فإنه رأى أن الخبر قد تم عند قوله : ( إذا أردناه أن نقول له كن ) . إذ كان معلوما أن الله إذا حتم قضاءه على شيء كان المحتوم عليه موجودا ، ثم ابتدأ بقوله : فيكون ، كما قال جل ثناؤه : ( لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء ) ، [ سورة الحج : 5 ] وكما قال ابن أحمر :
يعالج عاقرا أعيت عليه ليلقحها فينتجها حوارا
[ ص: 550 ]
يريد : فإذا هو ينتجها حوارا .
فمعنى الآية إذا : وقالوا اتخذ الله ولدا ، سبحانه أن يكون له ولد! بل هو مالك السماوات والأرض وما فيهما ، كل ذلك مقر له بالعبودية بدلالته على وحدانيته ، وأنى يكون له ولد ، وهو الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل ، كالذي ابتدع المسيح من غير والد بمقدرته وسلطانه ، الذي لا يتعذر عليه به شيء أراده! بل إنما يقول له إذا قضاه فأراد تكوينه : "كن" ، فيكون موجودا كما أراده وشاءه . فكذلك كان ابتداعه المسيح وإنشاؤه ، إذ أراد خلقه من غير والد .
القول في تأويل قوله ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، فقال بعضهم : عنى بذلك النصارى .
ذكر من قال ذلك :
1860 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 551 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل وعز : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) ، قال : النصارى تقوله .
1861 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله - وزاد فيه ( وقال الذين لا يعلمون ) ، النصارى .
وقال آخرون : بل عنى الله بذلك اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
1862 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير . وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قالا جميعا : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت رسولا من عند الله كما تقول ، فقل لله عز وجل فليكلمنا حتى نسمع كلامه! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قوله : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) ، الآية كلها .
وقال آخرون : بل عنى بذلك مشركي العرب .
ذكر من قال ذلك :
1863 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) ، وهم كفار العرب .
1864 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، قال : هم كفار العرب .
1865 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن [ ص: 552 ] السدي : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، أما الذين لا يعلمون : فهم العرب .
وأولى هذه الأقوال بالصحة والصواب قول القائل : إن الله تعالى عنى بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون ) ، النصارى دون غيرهم؛ لأن ذلك في سياق خبر الله عنهم ، وعن افترائهم عليه وادعائهم له ولدا ، فقال - جل ثناؤه - ، مخبرا عنهم فيما أخبر عنهم من ضلالتهم أنهم مع افترائهم على الله الكذب بقولهم : ( اتخذ الله ولدا ) ، تمنوا على الله الأباطيل ، فقالوا جهلا منهم بالله وبمنزلتهم عنده وهم بالله مشركون : ( لولا يكلمنا الله ) ، كما يكلم رسله وأنبياءه ، أو تأتينا آية كما أتتهم؟ ولا ينبغي لله أن يكلم إلا أولياءه ، ولا يؤتي آية معجزة على دعوى مدع إلا لمن كان محقا في دعواه وداعيا إلى الله وتوحيده ، فأما من كان كاذبا في دعواه وداعيا إلى الفرية عليه وادعاء البنين والبنات له ، فغير جائز أن يكلمه الله - جل ثناؤه - ، أو يؤتيه آية معجزة تكون مؤيدة كذبه وفريته عليه .
وأما الزاعم : أن الله عنى بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون ) العرب ، فإنه قائل قولا لا خبر بصحته ، ولا برهان على حقيقته في ظاهر الكتاب . والقول إذا صار إلى ذلك كان واضحا خطأه؛ لأنه ادعى ما لا برهان على صحته ، وادعاء مثل ذلك لن يتعذر على أحد .
وأما معنى قوله : ( لولا يكلمنا الله ) ، فإنه بمعنى : هلا يكلمنا الله! كما قال الأشهب بن رميلة : [ ص: 553 ]
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطرى ، لولا الكمي المقنعا
بمعنى : فهلا تعدون الكمي المقنع! كما :
1866 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( لولا يكلمنا الله ) قال : فهلا يكلمنا الله!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|