عرض مشاركة واحدة
  #125  
قديم 05-07-2022, 10:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى




تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (2)
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
من صــ 379الى صــ 386
الحلقة (125)




الثامنة : قوله تعالى : ولا جدال في الحج قرئ " فلا رفث ولا فسوق " بالرفع والتنوين فيهما ، وقرئا بالنصب بغير تنوين ، وأجمعوا على الفتح في ولا جدال ، وهو يقوي قراءة النصب فيما قبله ; ولأن المقصود النفي العام من الرفث والفسوق والجدال ، وليكون [ ص: 379 ] الكلام على نظام واحد في عموم المنفي كله ، وعلى النصب أكثر القراء ، والأسماء الثلاثة في موضع رفع ، كل واحد مع " لا " ، وقوله " في الحج " خبر عن جميعها ، ووجه قراءة الرفع أن " لا " بمعنى " ليس " فارتفع الاسم بعدها ; لأنه اسمها ، والخبر محذوف تقديره : فليس رفث ولا فسوق في الحج ، دل عليه في الحج الثاني الظاهر وهو خبر لا جدال ، وقال أبو عمرو بن العلاء : الرفع بمعنى فلا يكونن رفث ولا فسوق ، أي شيء يخرج من الحج ، ثم ابتدأ النفي فقال : ولا جدال .

قلت : فيحتمل أن تكون كان تامة ، مثل قوله : وإن كان ذو عسرة فلا تحتاج إلى خبر . ويحتمل أن تكون ناقصة والخبر محذوف ، كما تقدم آنفا ، ويجوز أن يرفع رفث وفسوق بالابتداء ، ولا للنفي ، والخبر محذوف أيضا . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بالرفع في الثلاثة ، ورويت عن عاصم في بعض الطرق وعليه يكون في الحج خبر الثلاثة ، كما قلنا في قراءة النصب ، وإنما لم يحسن أن يكون في الحج خبر عن الجميع مع اختلاف القراءة ; لأن خبر ليس منصوب وخبر ولا جدال مرفوع ; لأن ولا جدال مقطوع من الأول وهو في موضع رفع بالابتداء ، ولا يعمل عاملان في اسم واحد ، ويجوز فلا رفث ولا فسوق تعطفه على الموضع ، وأنشد النحويون [ الشاعر أبو العباس السلمي ] :
لا نسب اليوم ولا خلة اتسع الخرق على الراقع


ويجوز في الكلام فلا رفث ولا فسوقا ولا جدال في الحج عطفا على اللفظ على ما كان يجب في لا قال الفراء : ومثله :
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا


وقال أبو رجاء العطاردي : " فلا رفث ولا فسوق " بالنصب فيهما ، " ولا جدال " بالرفع والتنوين ، وأنشد الأخفش :
هذا وجدكم الصغار بعينه لا أم لي إن كان ذاك ولا أب


وقيل : إن معنى فلا رفث ولا فسوق النهي ، أي لا ترفثوا ولا تفسقوا . ومعنى ولا جدال النفي ، فلما اختلفا في المعنى خولف بينهما في اللفظ . قال القشيري : وفيه نظر ، إذ قيل : ولا جدال نهي أيضا ، أي لا تجادلوا ، فلم فرق بينهما

التاسعة : ولا جدال الجدال وزنه فعال من المجادلة ، وهي مشتقة من [ ص: 380 ] الجدل وهو الفتل ، ومنه زمام مجدول . وقيل : هي مشتقة من الجدالة التي هي الأرض فكأن كل واحد من الخصمين يقاوم صاحبه حتى يغلبه ، فيكون كمن ضرب به الجدالة . قال الشاعر :
قد أركب الآلة بعد الآلة وأترك العاجز بالجداله


منعفرا ليست له محاله

العاشرة : واختلفت العلماء في المعنى المراد به هنا على أقوال ستة ، فقال ابن مسعود وابن عباس وعطاء : الجدال هنا أن تماري مسلما حتى تغضبه فينتهي إلى السباب ، فأما مذاكرة العلم فلا نهي عنها ، وقال قتادة : الجدال السباب ، وقال ابن زيد ومالك بن أنس : الجدال هنا أن يختلف الناس : أيهم صادف موقف إبراهيم عليه السلام ، كما كانوا يفعلون في الجاهلية حين كانت قريش تقف في غير موقف سائر العرب ، ثم يتجادلون بعد ذلك ، فالمعنى على هذا التأويل : لا جدال في مواضعه ، وقالت طائفة : الجدال هنا أن تقول طائفة : الحج اليوم ، وتقول طائفة : الحج غدا ، وقال مجاهد وطائفة معه : الجدال المماراة في الشهور حسب ما كانت عليه العرب من النسيء ، كانوا ربما جعلوا الحج في غير ذي الحجة ، ويقف بعضهم بجمع وبعضهم بعرفة ، ويتمارون في الصواب من ذلك .

قلت : فعلى هذين التأويلين لا جدال في وقته ولا في موضعه ، وهذان القولان أصح ما قيل في تأويل قوله ولا جدال ، لقوله صلى الله عليه وسلم : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض . . . الحديث ، وسيأتي في " براءة " . يعني رجع أمر الحج كما كان ، أي عاد إلى يومه ووقته ، وقال صلى الله عليه وسلم لما حج : خذوا عني مناسككم فبين بهذا مواقف الحج ومواضعه ، وقال محمد بن كعب القرظي : الجدال أن تقول طائفة : حجنا أبر من حجكم ، ويقول الآخر مثل ذلك ، وقيل : الجدال كان في الفخر بالآباء ، والله أعلم .

الحادية عشرة : قوله تعالى : وما تفعلوا من خير يعلمه الله شرط وجوابه ، والمعنى : أن الله يجازيكم على أعمالكم ; لأن المجازاة إنما تقع من العالم بالشيء ، وقيل : هو تحريض وحث على حسن الكلام مكان الفحش ، وعلى البر والتقوى في الأخلاق مكان الفسوق والجدال . وقيل : جعل فعل الخير عبارة عن ضبط أنفسهم حتى لا يوجد ما نهوا عنه .

الثانية عشرة : قوله تعالى : وتزودوا أمر باتخاذ الزاد . قال ابن عمر وعكرمة ومجاهد [ ص: 381 ] وقتادة وابن زيد : نزلت الآية في طائفة من العرب كانت تجيء إلى الحج بلا زاد ، ويقول بعضهم : كيف نحج بيت الله ولا يطعمنا ، فكانوا يبقون عالة على الناس ، فنهوا عن ذلك ، وأمروا بالزاد . وقال عبد الله بن الزبير : كان الناس يتكل بعضهم على بعض بالزاد ، فأمروا بالزاد ، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم في مسيره راحلة عليها زاد ، وقدم عليه ثلثمائة رجل من مزينة ، فلما أرادوا أن ينصرفوا قال : ( يا عمر زود القوم ) ، وقال بعض الناس : تزودوا الرفيق الصالح ، وقال ابن عطية : وهذا تخصيص ضعيف ، والأولى في معنى الآية : وتزودوا لمعادكم من الأعمال الصالحة .

قلت : القول الأول أصح ، فإن المراد الزاد المتخذ في سفر الحج المأكول حقيقة كما ذكرنا ، كما روى البخاري عن ابن عباس قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون : نحن المتوكلون ، فإذا قدموا مكة سألوا الناس ، فأنزل الله تعالى : وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وهذا نص فيما ذكرنا ، وعليه أكثر المفسرين : قال الشعبي : الزاد التمر والسويق . ابن جبير : الكعك والسويق . قال ابن العربي : " أمر الله تعالى بالتزود لمن كان له مال ، ومن لم يكن له مال فإن كان ذا حرفة تنفق في الطريق أو سائلا فلا خطاب عليه ، وإنما خاطب الله أهل الأموال الذين كانوا يتركون أموالهم ويخرجون بغير زاد ويقولون : نحن المتوكلون والتوكل له شروط ، من قام بها خرج بغير زاد ولا يدخل في الخطاب ، فإنه خرج على الأغلب من الخلق وهم المقصرون عن درجة التوكل الغافلون عن حقائقه ، والله عز وجل أعلم " . قال أبو الفرج الجوزي : وقد لبس إبليس على قوم يدعون التوكل ، فخرجوا بلا زاد وظنوا أن هذا هو التوكل وهم على غاية الخطأ . قال رجل لأحمد بن حنبل : أريد أن أخرج إلى مكة على التوكل بغير زاد ، فقال له أحمد : اخرج في غير القافلة ، فقال لا ، إلا معهم . قال : فعلى جرب الناس توكلت ؟ !

[ ص: 382 ] الثالثة عشرة : قوله تعالى : فإن خير الزاد التقوى أخبر تعالى أن خير الزاد اتقاء المنهيات فأمرهم أن يضموا إلى التزود التقوى ، وجاء قوله فإن خير الزاد التقوى محمولا على المعنى ; لأن معنى وتزودوا اتقوا الله في اتباع ما أمركم به من الخروج بالزاد : وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : فإن خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة أو الحاجة إلى السؤال والتكفف ، وقيل : فيه تنبيه على أن هذه الدار ليست بدار قرار . قال أهل الإشارات : ذكرهم الله تعالى سفر الآخرة وحثهم على تزود التقوى ، فإن التقوى زاد الآخرة . قال الأعشى :
إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا


وقال آخر :
الموت بحر طامح موجه تذهب فيه حيلة السابح
يا نفس إني قائل فاسمعي مقالة من مشفق ناصح
لا يصحب الإنسان في قبره غير التقى والعمل الصالح




الرابعة عشرة : قوله تعالى : واتقون ياأولي الألباب خص أولي الألباب بالخطاب - وإن كان الأمر يعم الكل - لأنهم الذين قامت عليهم حجة الله ، وهم قابلو أوامره والناهضون بها ، والألباب جمع لب ، ولب كل شيء : خالصه ، ولذلك قيل للعقل : لب . قال النحاس : سمعت أبا إسحاق يقول قال لي أحمد بن يحيى ثعلب : أتعرف في كلام العرب شيئا من المضاعف جاء على فعل ؟ قلت نعم ، حكى سيبويه عن يونس : لببت تلب ، فاستحسنه وقال : ما أعرف له نظيرا .
قوله تعالى : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين

قوله تعالى : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فيه مسألتان :

الأولى : قوله تعالى : جناح أي إثم ، وهو اسم ليس . أن تبتغوا في موضع نصب [ ص: 383 ] خبر ليس ، أي في أن تبتغوا ، وعلى قول الخليل والكسائي أنها في موضع خفض ، ولما أمر تعالى بتنزيه الحج عن الرفث والفسوق والجدال رخص في التجارة ، المعنى : لا جناح عليكم في أن تبتغوا فضل الله ، وابتغاء الفضل ورد في القرآن بمعنى التجارة ، قال الله تعالى : فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ، والدليل على صحة هذا ما رواه البخاري عن ابن عباس قال : كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج .

الثانية : إذا ثبت هذا ففي الآية دليل على جواز التجارة في الحج للحاج مع أداء العبادة ، وأن القصد إلى ذلك لا يكون شركا ولا يخرج به المكلف عن رسم الإخلاص المفترض عليه ، خلافا للفقراء . أما إن الحج دون تجارة أفضل ، لعروها عن شوائب الدنيا وتعلق القلب بغيرها . روى الدارقطني في سننه عن أبي أمامة التيمي قال قلت لابن عمر : إني رجل أكري في هذا الوجه ، وإن ناسا يقولون إنه لا حج لك ، فقال ابن عمر : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله مثل هذا الذي سألتني ، فسكت حتى نزلت هذه الآية : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لك حجا .

قوله تعالى : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين فيه ست عشرة مسألة :

الأولى : قوله تعالى : فإذا أفضتم أي اندفعتم ، ويقال : فاض الإناء إذا امتلأ حتى ينصب عن نواحيه ، ورجل فياض ، أي مندفق بالعطاء . قال زهير :
وأبيض فياض يداه غمامة على معتفيه ما تغب فواضله


وحديث مستفيض ، أي شائع .

الثانية : قوله تعالى : " من عرفات " قراءة الجماعة عرفات بالتنوين ، وكذلك لو [ ص: 384 ] سميت امرأة بمسلمات ; لأن التنوين هنا ليس فرقا بين ما ينصرف وما لا ينصرف فتحذفه ، وإنما هو بمنزلة النون في مسلمين . قال النحاس : هذا الجيد . وحكى سيبويه عن العرب حذف التنوين من عرفات ، يقوله : هذه عرفات يا هذا ، ورأيت عرفات يا هذا ، بكسر التاء وبغير تنوين ، قال : لما جعلوها معرفة حذفوا التنوين ، وحكى الأخفش والكوفيون فتح التاء ، تشبيها بتاء فاطمة وطلحة ، وأنشدوا :
تنورتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عال


والقول الأول أحسن ، وأن التنوين فيه على حده في مسلمات ، الكسرة مقابلة الياء في مسلمين ، والتنوين مقابل النون . وعرفات : اسم علم ، سمي بجمع كأذرعات ، وقيل : سمي بما حوله ، كأرض سباسب ، وقيل : سميت تلك البقعة عرفات لأن الناس يتعارفون بها ، وقيل : لأن آدم لما هبط وقع بالهند ، وحواء بجدة ، فاجتمعا بعد طول الطلب بعرفات يوم عرفة وتعارفا ، فسمي اليوم عرفة ، والموضع عرفات ، قاله الضحاك ، وقيل غير هذا لما تقدم ذكره عند قوله تعالى : وأرنا مناسكنا . قال ابن عطية : والظاهر أن اسمه مرتجل كسائر أسماء البقاع ، وعرفة هي نعمان الأراك ، وفيها يقول الشاعر :
تزودت من نعمان عود أراكة لهند ولكن من يبلغه هندا


وقيل : هي مأخوذة من العرف وهو الطيب ، قال الله تعالى : عرفها لهم أي طيبها ، فهي طيبة بخلاف منى التي فيها الفروث والدماء ، فلذلك سميت عرفات . ويوم الوقوف يوم عرفة ، وقال بعضهم : أصل هذين الاسمين من الصبر ، يقال : رجل عارف . إذا كان صابرا خاشعا ، ويقال في المثل : النفس عروف وما حملتها تتحمل . قال [ عنترة ] :
فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع
أي نفس صابرة .

وقال ذو الرمة :
[ إذا خاف شيئا وقرنه طبيعة ] عروف لما خطت عليه المقادر


[ ص: 385 ] أي صبور على قضاء الله ، فسمي بهذا الاسم لخضوع الحاج وتذللهم ، وصبرهم على الدعاء وأنواع البلاء واحتمال الشدائد ، لإقامة هذه العبادة .

الثالثة : أجمع أهل العلم على أن من وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال ثم أفاض منها قبل الزوال أنه لا يعتد بوقوفه ذلك قبل الزوال ، وأجمعوا على تمام حج من وقف بعرفة بعد الزوال وأفاض نهارا قبل الليل ، إلا مالك بن أنس فإنه قال : لا بد أن يأخذ من الليل شيئا ، وأما من وقف بعرفة بالليل فإنه لا خلاف بين الأمة في تمام حجه ، والحجة للجمهور مطلق قوله تعالى : فإذا أفضتم من عرفات ولم يخص ليلا من نهار ، وحديث عروة بن مضرس قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الموقف من جمع ، فقلت يا رسول الله ، جئتك من جبلي طيئ أكللت مطيتي ، وأتعبت نفسي ، والله إن تركت من جبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى معنا صلاة الغداة بجمع وقد أتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد قضى تفثه وتم حجه . أخرجه غير واحد من الأئمة ، منهم أبو داود والنسائي والدارقطني واللفظ له وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وقال أبو عمر : حديث عروة بن مضرس الطائي حديث ثابت صحيح ، رواه جماعة من أصحاب الشعبي الثقات عن الشعبي عن عروة بن مضرس ، منهم إسماعيل بن أبي خالد وداود بن أبي هند وزكريا بن أبي زائدة وعبد الله بن أبي السفر ومطرف ، كلهم عن الشعبي عن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام ، وحجة مالك من السنة الثابتة : حديث جابر الطويل ، خرجه مسلم ، وفيه : فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ، وأفعاله على الوجوب ، لا سيما في الحج وقد قال : خذوا عني مناسككم .

الرابعة : واختلف الجمهور فيمن أفاض قبل غروب الشمس ولم يرجع ماذا عليه مع صحة الحج ، فقال عطاء وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي وغيرهم : عليه دم ، وقال الحسن البصري : عليه هدي ، وقال ابن جريج : عليه بدنة ، وقال مالك : عليه [ ص: 386 ] حج قابل ، والهدي ينحره في حج قابل ، وهو كمن فاته الحج . فإن عاد إلى عرفة حتى يدفع بعد مغيب الشمس فقال الشافعي : لا شيء عليه ، وهو قول أحمد وإسحاق وداود ، وبه قال الطبري ، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري : لا يسقط عنه الدم وإن رجع بعد غروب الشمس ، وبذلك قال أبو ثور .

الخامسة : ولا خلاف بين العلماء في أن الوقوف بعرفة راكبا لمن قدر عليه أفضل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك وقف إلى أن دفع منها بعد غروب الشمس ، وأردف أسامة بن زيد وهذا محفوظ في حديث جابر الطويل وحديث علي ، وفي حديث ابن عباس أيضا . قال جابر : ( ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ، وأردف أسامة بن زيد خلفه . . . ) الحديث . فإن لم يقدر على الركوب وقف قائما على رجليه داعيا ، ما دام يقدر ، ولا حرج عليه في الجلوس إذا لم يقدر على الوقوف ، وفي الوقوف راكبا مباهاة وتعظيم للحج ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب . قال ابن وهب في موطئه قال لي مالك : الوقوف بعرفة على الدواب والإبل أحب إلي من أن أقف قائما ، قال : ومن وقف قائما فلا بأس أن يستريح .

السادسة : ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أسامة بن زيد أنه عليه السلام كان إذا أفاض من عرفة يسير العنق فإذا وجد فجوة نص قال هشام بن عروة : والنص فوق العنق وهكذا ينبغي على أئمة الحاج فمن دونهم ; لأن في استعجال السير إلى المزدلفة استعجال الصلاة بها ، ومعلوم أن المغرب لا تصلى تلك الليلة إلا مع العشاء بالمزدلفة ، وتلك سنتها ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]