عرض مشاركة واحدة
  #53  
قديم 06-07-2022, 07:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,562
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد



شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (2)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 187الى صــ 200
(53)

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهٍ مِثْلُهُ، قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَلَا يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي الْمَنَاسِكِ.
وَعَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: " «سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ امْرَأَةٍ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ - وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ - فَأَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَوْ يَحُجَّ، فَقَالَ: لَا يَتَزَوَّجُهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ.
وَرَوَى سَعِيدٌ ثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَهَاهُ أَنْ يَنْكِحَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وَرَوَى النُّفَيْلِيُّ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ» " قَالَ النُّفَيْلِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَهَذَا رَجُلٌ ضَعِيفٌ؛ الزِّنْجِيُّ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ عَنِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْهُ فِي الْعِلَلِ.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «لَا يَتَزَوَّجُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُزَوِّجُ» " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

وَأَيْضًا فَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، فَعَنْ غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِكَاحَهُ.
وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: " لَا يَنْكِحُ وَلَا يَخْطِبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ " رَوَاهُمَا مَالِكٌ وَغَيْرُهُ.
وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: " مَنْ تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ نَزَعْنَا مِنْهُ امْرَأَتَهُ وَلَا نُجِيزُ نِكَاحَهُ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَأَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْهُ.
وَعَنْ شَوْذَبٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: " أَنَّهُ تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ " رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، وَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي: يَتَزَوَّجُ الْمُحْرِمُ؟
قَالَ: لَا يَتَزَوَّجُ، قَالَ: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَابْنُ عُمَرَ قَالَ: لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ.
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» ".
وَهَؤُلَاءِ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ لَمْ يُقْدِمُوا عَلَى إِبْطَالِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ وَعِلْمٍ اطَّلَعُوهُ رُبَّمَا يَخْفَى عَلَى غَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ إِجَازَةُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ الْ ر، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: " «وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ» " وَلِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا: " «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ» ".
وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: " «جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ فَأَنْكَحَهَا إِيَّاهُ» " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَهُمَا مُحْرِمَانِ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْهُ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» " وَلَفْظُ الشَّعْبِيِّ: «احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَتَزَوَّجَ الْهِلَالِيَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» " رَوَاهُنَّ سَعِيدٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ ... ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِهِ - يَعْنِي بِنِكَاحِ الْمُحْرِمِ - بَأْسًا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِسَرِفَ، وَبَنَى بِهَا لَمَّا رَجَعَ بِذَلِكَ الْمَاءِ» رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ خَلِيفَةَ عَنْهُ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُجِزْهَا بِغَيْرِ إِحْرَامٍ قَطُّ، وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ بِمَكَّةَ، وَقَدْ .... رُوِيَ أَنَّهُ «قَالَ لِأَهْلِ مَكَّةَ: " دَعُونِي أَعْرِسُ بَيْنَكُمْ لِتَأْكُلُوا مِنْ وَلِيمَتِهَا، فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِي وَلِيمَتِكَ، فَاخْرُجْ مِنْ عِنْدِنَا، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَرِفًا وَأَعْرَسَ بِهَا».
قِيلَ عَنْهُ أَجْوِبَةٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ رَوَى يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ «عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ حَلَالٌ»، قَالَ: وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ "رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالْبَرْقَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ «عَنْ مَيْمُونَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ فَدَفَنَّاهَا فِي الطَّلْحَةِ الَّتِي بَنَى بِهَا فِيهَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: " «تَزَوَّجَنِي وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ» ".
«وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ: " تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا».
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَطَرٍ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ مُرْسَلًا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا هِيَ الْمَنْكُوحَةُ وَهِيَ أَعْلَمُ بِالْحَالِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا هَلْ كَانَتْ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ أَوْ فِي غَيْرِهَا مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الثَّانِي: أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِالْحَالِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ إِذْ ذَاكَ صَبِيًّا لَهُ نَحْوٌ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ وَقَدْ يَخْفَى عَلَى مَنْ هَذِهِ سِنُّهُ تَفَاصِيلُ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ فِي زَمَنِهِ ; أَمَّا أَوَّلًا: فَلِعَدَمِ كَمَالِ الْإِدْرَاكِ وَالتَّمْيِيزِ، وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ لَا يُدَاخِلُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَا يُبَاشِرُهَا، وَإِنَّمَا يَسْمَعُهَا مِنْ غَيْرِهِ، إِمَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ.
الرَّابِعُ: أَنَّ السَّلَفَ طَعَنُوا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذِهِ، فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: وَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: " «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» ".
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذَا الْحَدِيثُ خَطَأٌ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: أَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، فَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ: إِنَّ أَبَا ثَوْرٍ قَالَ لِي: بِأَيِّ شَيْءٍ تَدْفَعُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: وَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَيْمُونَةُ تَقُولُ: تَزَوَّجَ وَهُوَ حَلَالٌ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ ابْنَ أُخْتِ مَيْمُونَةَ فَيَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ ابْنُ أُخْتِ مَيْمُونَةَ، وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: كُنْتُ السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا.
وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، هَذَا بِالْمَدِينَةِ لَا يُنْكِرُونَهُ.

«وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ سَلْ يَزِيدَ بْنَ الْأَصَمِّ كَيْفَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: " تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» " رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَخْبَرْتُ الزُّهْرِيَّ بِهِ - يَعْنِي بِحَدِيثِهِ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: " «أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ - وَهِيَ خَالَتُهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَهَذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَامَّةِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِسُنَّةٍ مَاضِيَةٍ، وَأَبْحَثُهُمْ عَنْهَا، قَدِ اسْتَبَانَ لَهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَكَذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ يَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ مَوْلَاهَا.
الْخَامِسُ: أَنَّ الرِّوَايَةَ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا كَثِيرُونَ ; فَهِيَ مِنْهُمْ، وَأَبُو رَافِعٍ وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، وَكَانَتْ عَجُوزًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «مَلَكَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَخَطَبَهَا وَهُوَ حَلَالٌ» " ذَكَرَهُ الْقَاضِي «عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: أَتَيْتُ صَفِيَّةَ ابْنَةَ شَيْبَةَ امْرَأَةً كَبِيرَةً فَقُلْتُ لَهَا: أَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، وَلَقَدْ تَزَوَّجَهَا وَهُمَا حَلَالَانِ» " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَرَوَاهُ مِنَ التَّابِعِينَ خَلْقٌ كَثِيرٌ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فَلَمْ تَرِدْ إِلَّا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَخَذُوهَا عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ.
وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ أَكْثَرَ نَقَلَةً وَرُوَاةً، قُدِّمَ عَلَى مُخَالِفِهِ، فَإِنَّ تَطَرُّقَ الْوَهْمِ وَالْخَطَأِ إِلَى الْوَاحِدِ أَوْلَى مِنْ تَطَرُّقِهِ إِلَى الْعَدَدِ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْعَدَدُ أَقْرَبَ إِلَى الضَّبْطِ وَأَجْدَرَ بِمَعْرِفَةِ بَاطِنِ الْحَالِ.
السَّادِسُ: أَنَّ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُمَا مُحْرِمَانِ، وَأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ كَانَ بِسَرِفَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ، فَإِنَّ عَامَّةَ أَهْلِ السِّيَرِ ذَكَرُوا أَنَّ مَيْمُونَةَ كَانَتْ قَدْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَكَّةَ وَلَمْ تَكُنْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَتِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْدَمْ بِهَا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَإِذَا كَانَتْ مُقِيمَةً بِمَكَّةَ فَكَيْفَ تَكُونُ مُحْرِمَةً مَعَهُ بِسَرِفَ، أَمْ كَيْفَ وَإِنَّمَا بَعَثَ إِلَيْهَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَهَا، وَهُوَ يُوهِنُ الْحَدِيثَ وَيُعَلِّلُهُ.
السَّابِعُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ فِي خُرُوجِهِ، وَرَجَعَ بِهَا مَعَهُ مِنْ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا كَانَ يُحْرِمُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الشُّبْهَةُ دَخَلَتْ عَلَى مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا مُحْرِمًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي حَالِ إِحْرَامِهِ.
أَمَّا مَنْ رَوَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا فَقَدِ اطَّلَعَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَأَخْبَرَ بِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ، لَا سِيَّمَا وَمَنْ رَوَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ مَعَهُ مَزِيدُ عِلْمٍ.

وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَوْلَاهُ أَبَا رَافِعٍ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ» " وَرَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَا رَافِعٍ فَزَوَّجَاهُ بِسَرِفَ وَهُوَ حَلَالٌ بِالْمَدِينَةِ».
وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ يُقَوَّى مِنْ جِهَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ هُوَ مَوْلَاهَا، فَمِثْلُهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى بَاطِنِ حَالِهَا، وَمَعَهُ مَزِيدُ عِلْمٍ خَفِيَ عَلَى غَيْرِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ أَبِي رَافِعٍ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يُعِدُّونَهُ حَدِيثًا وَاحِدًا أَسْنَدَهُ سُلَيْمَانُ تَارَةً، وَأَرْسَلَهُ أُخْرَى، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ تَلَقَّى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَهُوَ كَانَ الرَّسُولَ فِي النِّكَاحِ.
وَقَدْ رَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ: " «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ، بَعَثَ إِلَيْهَا الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٌ مَعَهُ فَزَوَّجُوهُ إِيَّاهَا» " وَهَذَا يُوَافِقُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي تَقَدُّمِ النِّكَاحِ، وَيُخَالِفُهُ فِي تَسْمِيَةِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ «عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: " تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ " وَفِي رِوَايَةٍ: " بِسَرِفَ وَنَحْنُ حَلَالٌ بَعْدَمَا رَجَعْنَا مِنْ مَكَّةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ إِلَّا بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَهُوَ قَافِلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَقَدْ رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» " قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: وَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِنْ كَانَتْ خَالَتَهُ، وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا حَلَّ. رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي نَفَرٌ «عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: " هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَكَذَبَ، وَإِنَّمَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَكَانَ الْحِلُّ وَالنِّكَاحُ جَمِيعًا فَشُبِّهَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ».



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.73%)]