عرض مشاركة واحدة
  #201  
قديم 06-07-2022, 11:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,176
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1135 الى صـ 1141
الحلقة (201)


لطيفة:

لا بد من حمل قوله تعالى: (تركوا) على المشارفة؛ ليصح وقوع (خافوا) خبرا له، ضرورة أنه لا خوف بعد حقيقة الموت وترك الورثة، ونظيره: [ ص: 1135 ] فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف [البقرة: من الآية 231] أي: شارفن بلوغ الأجل، ولهذا المجاز في التعبير عن المشارفة على الترك بالترك سر بديع، وهو التخويف بالحالة التي لا يبقى معها مطمع في الحياة، ولا في الذب عن الذرية الضعاف، وهي الحالة التي - وإن كانت من الدنيا - إلا أنها لقربها من الآخرة ولصوقها بالمفارقة صارت من حيزها، ومعبرا عنها بما يعبر به عن الحالة الكائنة بعد المفارقة من الترك، كذا في الانتصاف.
تنبيه:

قال بعض المفسرين: إنه يجب أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه، ويحب لذرية غيره من المؤمنين ما يحب لذريته، وأن على ولي اليتيم أن لا يؤذي اليتيم ، بل يكلمه كما يكلم أولاده بالأدب الحسن والترحيب، ويدعو اليتيم: يا بني يا ولدي، وقد جاء في الرقة على الأيتام آثار كثيرة، اهـ.

وفي الآية إشارة إلى إرشاد الآباء - الذين يخشون ترك ذرية ضعاف - بالتقوى في سائر شؤونهم حتى تحفظ أبناؤهم وتغاث بالعناية منه تعالى، ويكون في إشعارها تهديد بضياع أولادهم إن فقدوا تقوى الله تعالى، وإشارة إلى أن تقوى الأصول تحفظ الفروع، وأن الرجال الصالحين يحفظون في ذريتهم الضعاف ، كما في آية: وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنـز لهما وكان أبوهما صالحا [الكهف: 82] إلى آخرها، فإن الغلامين حفظا - ببركة صلاح أبيهما - في أنفسهما ومالهما.
[ ص: 1136 ] القول في تأويل قوله تعالى:

إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا [10]

إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما أي: على وجه الظلم من الورثة، أو أولياء السوء وقضاته، بخلاف أكل الفقير الناظر في أموالهم بقدر أجرته، كما تقدم.

إنما يأكلون في بطونهم نارا أي: ما يجر إلى النار ويؤدي إليها وسيصلون أي: في القيامة سعيرا أي: نارا مستعرة .

روى ابن حبان في: "صحيحه " وابن مردويه، وابن أبي حاتم عن أبي برزة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: ألم تر أن الله قال: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية.

لطيفة:

قال الزمخشري : في بطونهم، أي: ملء بطونهم، يقال: أكل فلان في بطنه وفي بعض بطنه، قال الشاعر:


كلوا في بعض بطنكمو تعفوا فإن زمانكم زمن خميص


قال الناصر : ومثله: قد بدت البغضاء من أفواههم أي: شرقوا بها وقالوها بملء أفواههم، ويكون المراد بذكر البطون تصوير الأكل للسامع حتى يتأكد عنده بشاعة هذا الجرم بمزيد تصوير، ولأجل تأكيد التشنيع على الظالم لليتيم في ماله خص الأكل؛ لأنه أبشع الأحوال التي يتناول مال اليتيم فيها، والله أعلم.
[ ص: 1137 ] تنبيه:

روى أبو داود والنسائي والحاكم وغيرهم أنه لما نزلت هذه الآية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد عليهم ذلك، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير [البقرة: من الآية 220] الآية، فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه، وقد مضى ذلك في سورة البقرة.

قال الرازي رحمه الله: ومن الجهال من قال: صارت هذه الآية منسوخة بتلك، وهو بعيد؛ لأن هذه الآية في المنع من الظلم، وهذا لا يصير منسوخا بتلك، بل المقصود أن مخالطة أموال اليتامى - إن كان على سبيل الظلم - فهو من أعظم أبواب الإثم، كما في هذه الآية، وإن كان على سبيل التربية والإحسان فهو من أعظم أبواب البر، كما في قوله: وإن تخالطوهم فإخوانكم

وقال رحمه الله قبل ذلك: ما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته تعالى وكثرة عفوه وفضله؛ لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى.
[ ص: 1138 ] القول في تأويل قوله تعالى:

يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما [11]

يوصيكم الله في أولادكم شروع في تفصيل أحكام المواريث المجملة في قوله تعالى: للرجال نصيب إلخ.

قال الحافظ ابن كثير : هذه الآية الكريمة والتي بعدها والآية التي هي خاتمة هذه السورة - هن آيات علم الفرائض، وهو مستنبط من هذه الآيات الثلاث، ومن الأحاديث الواردة في ذلك مما هو كالتفسير لذلك، انتهى.

والمعنى: يأمركم الله ويعهد إليكم في شأن ميراث أولادكم بعد موتكم للذكر أي: منهم مثل حظ الأنثيين أي: نصيبهما اجتماعا وانفرادا.

أما الأول: فإنه يعد كل ذكر بأنثيين، في مثل ابن مع بنتين، وابن ابن مع بنتي ابن، وهكذا في السافلين، فيضعف نصيبه ويأخذ سهمين، كما أن لهما سهمين.

وأما الثاني فإن له الكل وهو ضعف نصيب البنت الواحدة، لأنه جعل لها في حال انفرادها النصف، فاقتضى ذلك أن للذكر - عند انفراده - مثلي نصيبها عند انفرادها، وذلك الكامل، فالمذكور هنا ميراث الذكر مطلقا، مجتمعا مع الإناث ومنفردا، كما حققه صاحب "الانتصاف".
تنبيه:

قال السيوطي : استدل بالآية من قال بدخول أولاد الابن في لفظ (الأولاد) للإجماع على إرثهم، دون أولاد البنت.

[ ص: 1139 ] لطائف:

الأولى: وجه الحكمة في تضعيف نصيب الذكر هو احتياجه إلى مؤنة النفقة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمل المشاق، فهو إلى المال أحوج، ولأنه لو كمل نصيبها - مع أنها قليلة العقل، كثيرة الشهوة - لأتلفته في الشهوات إسرافا، ولأنها قد تنفق على نفسها فقط، وهو على نفسه وزوجته.

الثانية: لم يقل: للذكر ضعف نصيب الأنثى؛ لأن الضعف يصدق على المثلين فصاعدا، فلا يكون نصا، ولم يقل: للأنثيين مثل حظ الذكر، ولا للأنثى نصف حظ الذكر؛ تقديما للذكر بإظهار مزيته على الأنثى، ولم يقل: للذكر مثلا نصيب الأنثى؛ لأن المثل في المقدار لا يتعدد إلا بتعدد الأشخاص، ولم يعتبر ههنا.

الثالثة: إيثار اسمي (الذكر والأنثى) على ما ذكر أولا من الرجال والنساء؛ للتنصيص على استواء الكبار والصغار من الفريقين في الاستحقاق، من غير دخل للبلوغ والكبر في ذلك أصلا، كما هو زعم أهل الجاهلية حيث كانوا لا يورثون الأطفال، كالنساء.

الرابعة: استنبط بعضهم من هذه الآية أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها ، حيث أوصى الوالدين بأولادهم، فعلم أنه أرحم بهم منهم.

كما جاء في الحديث الصحيح، وقد رأى امرأة [ ص: 1140 ] من السبي، فرق بينها وبين ولدها فجعلت تدور على ولدها، فلما وجدته من السبي أخذته فألصقته بصدرها وأرضعته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ذلك؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فوالله! لله أرحم بعباده من هذه بولدها .

فإن كن أي: الأولاد، والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله تعالى: نساء يعني بنات خلصا ليس معهن ذكر فوق اثنتين خبر ثان أو صفة لـ(نساء) أي: نساء زائدات على اثنتين فلهن ثلثا ما ترك أي: المتوفى المدلول عليه بقرينة المقام.
تنبيه:

ظاهر النظم القرآني أن الثلثين فريضة الثلاث من البنات فصاعدا حيث لا ذكر معهن، ولم يسم للبنتين فريضة.

وقد اختلف أهل العلم في فريضتهما، فذهب الجمهور إلى أن لهما - إذا انفردتا عن البنين – الثلثين.

وذهب ابن عباس إلى أن فريضتهما النصف، احتج الجمهور بالقياس على الأختين، فإن الله سبحانه قال في شأنهما: فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان فألحقوا البنتين بالأختين في استحقاقهما الثلثين، كما ألحقوا الأخوات - إذا زدن على اثنتين - بالبنات، في الاشتراك في الثلثين.

وقيل: في الآية ما يدل على أن للبنتين الثلثين، وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث، كان للابنتين - إذا انفردتا - الثلثان، هكذا احتج بهذه الحجة إسماعيل بن عياش والمبرد.

قال النحاس: وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط؛ لأن الاختلاف في البنتين إذا انفردتا عن البنين، وأيضا للمخالف أن يقول: إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف، فهذا دليل على أن هذا فرضهما.

ويمكن تأييد ما احتج به الجمهور بأن الله سبحانه لما فرض للبنت الواحدة النصف إذا انفردت بقوله: وإن كانت واحدة فلها النصف كان فرض البنتين - إذا انفردتا - فوق فرض الواحدة، وأوجب القياس على الأختين [ ص: 1141 ] الاقتصار للبنتين على الثلثين.

وقيل إن (فوق) زائدة، والمعنى: إن كن نساء اثنتين كقوله تعالى: فاضربوا فوق الأعناق [الأنفال: من الآية 12] أي: الأعناق.

ورد هذا النحاس وابن عطية فقالا: هو خطأ؛ لأن الظروف وجميع الأسماء لا يجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى.

قال ابن عطية: ولأن قوله (فوق الأعناق) هو الفصيح وليست (فوق) زائدة بل هي محكمة المعنى؛ لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ، كما قال دريد بن الصمة : اخفض عن الدماغ وارفع عن العظم، فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال، انتهى.

وأيضا لو كان لفظ (فوق) زائدا كما قالوا، لقال: فلهما ثلثا ما ترك، ولم يقل: فلهن ثلثا ما ترك.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.05 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]