
06-07-2022, 11:03 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,137
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله

تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1149 الى صـ 1155
الحلقة (203)
[ ص: 1149 ] أراد: أن أبا المرء أغضب له إذا ظلم، وموالي الكلالة - وهم الإخوة والأعمام وبنو الأعمام وسائر القرابات - لا يغضبون للمرء غضب الأب، انتهى.
وروى ابن جرير وغيره عن الشعبي قال: قال أبو بكر - رضي الله عنه -: إني قد رأيت في الكلالة رأيا - فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان، والله بريء منه - أن الكلالة ما خلا الولد والوالد.
تنبيه:
اتفق العلماء على المراد من قوله تعالى: وله أخ أو أخت : الأخ والأخت من الأم.
وقرأ سعد بن أبي وقاص وغيره من السلف: وله أخ أو أخت من أم، وكذا فسرها أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فيما رواه قتادة عنه.
قال الكرخي : القراءة الشاذة كخبر الآحاد؛ لأنها ليست من قبل الرأي.
وأطلق الشافعي الاحتجاج بها، فيما حكاه البويطي عنه، في باب (الرضاع) وباب (تحريم الجمع) وعليه جمهور أصحابه؛ لأنها منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يلزم من انتفاء خصوص قرآنيتها انتفاء خصوص خبريتها.
وقال القرطبي : أجمع العلماء على أن الإخوة ههنا هم الإخوة لأم.
قال: ولا خلاف بين أهل العلم أن الإخوة للأب والأم، أو للأب، ليس ميراثهم هكذا، فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في قوله تعالى: وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين هم الإخوة لأبوين، أو لأب.
لطيفة:
إفراد الضمير في قوله تعالى: وله أخ إما لعوده على الميت المفهوم من المقام، أو على واحد منهما، والتذكير للتغليب، أو على الرجل، واكتفي بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه.
من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار حال من [ ص: 1150 ] ضمير: يوصي (على قراءته مبنيا للفاعل) أي: غير مدخل الضرر على الورثة، كأن يوصي بأكثر من الثلث، ومن فاعل فعل مضمر يدل عليه المذكور (على قراءته مبنيا للمجهول) وتخصيص هذا القيد بهذا المقام؛ لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم.
وقد روى ابن أبي حاتم، وابن جرير ، عن ابن عباس مرفوعا: الضرار في الوصية من الكبائر ، ورواه النسائي في: "سننه" عن ابن عباس موقوفا، وهو الصحيح كما قال ابن جرير .
وصية من الله مصدر مؤكد لفعل محذوف، وتنوينه للتفخيم، كقوله: فريضة من الله أو منصوب بـ(غير مضار) على أنه مفعول به، فإنه اسم فاعل معتمد على ذي الحال، أو منفي معنى، فيعمل في المفعول الصريح، ويعضده القراءة بالإضافة، أي: غير مضار لوصية الله وعهده في شأن الورثة.
والله عليم بالمضار وغيره حليم لا يعاجل بالعقوبة، فلا يغتر بالإمهال.
القول في تأويل قوله تعالى:
تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم [13]
تلك الأحكام حدود الله أحكامه وفرائضه المحدودة التي لا تجوز مجاوزتها ومن يطع الله ورسوله في قسمة المواريث وغيرها يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار أي: من تحت شجرها ومساكنها خالدين فيها لا يموتون ولا يخرجون وذلك الفوز العظيم النجاة الوافرة بالجنة.
[ ص: 1151 ] القول في تأويل قوله تعالى:
ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين [14]
ومن يعص الله ورسوله في قسمة المواريث وغيرها ويتعد حدوده بتجاوز أحكامه وفرائضه بالميل والجور يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين أي: لكونه غير ما حكم الله به، وضاد الله في حكمه، وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم.
وقد روى أبو داود في باب (الإضرار في الوصية) من (سننه) عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار .
وقرأ أبو هريرة : من بعد وصية حتى بلغ: وذلك الفوز العظيم ورواه الترمذي وابن ماجه .
ورواه الإمام أحمد بسياق أتم، ولفظه: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله، فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصيته، فيختم له بخير عمله، فيدخل الجنة قال: ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: تلك حدود الله إلى قوله: عذاب مهين
ثم بين تعالى بعضا من الأحكام المتعلقة بالنساء إثر بيان أحكام المواريث بقوله:
[ ص: 1152 ] القول في تأويل قوله تعالى:
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا [15]
واللاتي يأتين الفاحشة أي: الخصلة البليغة في القبح - وهي الزنى - حال كونهن من نسائكم فاستشهدوا عليهن أي: فاطلبوا من القاذفين لهن أربعة منكم أي: من المسلمين فإن شهدوا عليهن بها فأمسكوهن في البيوت أي: احبسوهن فيها، ولا تمكنوهن من الخروج؛ صونا لهن عن التعرض بسببه للفاحشة حتى يتوفاهن الموت أي: يستوفي أرواحهن، وفيه تهويل للموت وإبراز له في صورة من يتولى قبض الأرواح وتوفيها، أو يتوفاهن ملائكة الموت أو يجعل الله لهن سبيلا أي: يشرع لهن حكما خاصا بهن، ولعل التعبير عنه بـ(السبيل) للإيذان بكونه طريقا مشكوكا، قاله أبو السعود .
وقد بينت السنة أن الله تعالى أنجز وعده، وجعل لهن سبيلا، وذلك فيما رواه الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن عبادة بن الصامت قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أنزل الوحي كرب له وتربد وجهه، وإذا سري عنه قال: خذوا عني خذوا عني - ثلاث مرار - قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة والرجم، والبكر جلد مائة ونفي سنة هذا لفظ الإمام أحمد .
وكذا رواه أبو داود الطيالسي ولفظه عن عبادة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نزل عليه الوحي عرف ذلك فيه، فلما أنزلت: أو يجعل الله لهن سبيلا [النساء: 15] وارتفع الوحي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذوا حذركم قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة .
[ ص: 1153 ] القول في تأويل قوله تعالى:
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما [16]
واللذان بتخفيف النون وتشديدها يأتيانها أي: الفاحشة منكم أي: الرجال فآذوهما بالسب والتعيير؛ ليندما على ما فعلا فإن تابا وأصلحا أي: أعمالهما فأعرضوا عنهما بقطع الأذية والتوبيخ، وبالإغماض والستر، فإن التوبة والصلاح مما يمنع استحقاق الذم والعقاب إن الله كان توابا أي: على من تاب رحيما واسع الرحمة، وهو تعليل للأمر بالإعراض.
تنبيه:
هذا الحكم المذكور في الآيتين منسوخ، بعضه بالكتاب وبعضه بالسنة.
قال الإمام الشافعي في "الرسالة" في (أبواب الناسخ والمنسوخ) بعد ذكره هاتين الآيتين [376]: ثم نسخ الله الحبس والأذى في كتابه فقال: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [النور: من الآية 2].
[377] فدلت السنة على أن جلد المائة للزانيين البكرين (لحديث عبادة بن الصامت المتقدم).
ثم قال: [380] فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن جلد المائة ثابت على البكرين الحرين، ومنسوخ عن الثيبين، وأن الرجم ثابت على الثيبين الحرين ، ثم قال: [381] لأن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم - أول ما نزل، فنسخ به الحبس والأذى عن الزانيين.
[382] فلما رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماعزا ولم يجلده، وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الأسلمي، فإن اعترفت رجمها - دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين، وثبت الرجم عليهما؛ لأن كل شيء - أبدا - بعد أول فهو آخر، انتهى.
[ ص: 1154 ] القول في تأويل قوله تعالى:
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما [17]
إنما التوبة على الله استئناف مسوق لبيان أن قبول التوبة من الله تعالى ليس على إطلاقه، كما ينبئ عنه وصفه تعالى بكونه توابا رحيما، بل هو مقيد بما سينطق به النص الكريم.
قوله تعالى: التوبة مبتدأ، وقوله تعالى: للذين يعملون السوء خبره.
وقوله تعالى: على الله متعلق بما تعلق به الخبر من الاستقرار، ومعنى كون التوبة عليه سبحانه صدور القبول عنه تعالى، وكلمة " على " للدلالة على التحقق البتة بحكم سبق الوعد حتى كأنه من الواجبات عليه سبحانه، والمراد بالسوء المعصية، صغيرة أو كبيرة، كذا في أبي السعود .
بجهالة متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل " يعملون " أي: متلبسين بها، أي: جاهلين سفهاء، أو بـ: " يعملون " على أن الباء سببية، أي: يعملونه بسبب الجهالة، والمراد بالجهل السفه بارتكاب ما لا يليق بالعاقل لا عدم العلم، فإن من لا يعلم لا يحتاج إلى التوبة، والجهل بهذا المعنى حقيقة واردة في كلام العرب، كقوله:
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ثم يتوبون من قريب أي: من زمان قريب، وظاهر الآية اشتراط وقوع التوبة عقب المعصية بلا تراخ، وإنها بذلك تنال درجة قبولها المحتم تفضلا، إذ بتأخيرها وتسويفها [ ص: 1155 ] يدخل في زمرة المصرين، فيكون في الآية إرشاد إلى المبادرة بالتوبة عقب الذنب ، والإنابة إلى المولى بعده فورا، ووجوب التوبة على الفور مما لا يستراب فيه، إذ معرفة كون المعاصي مهلكات من نفس الإيمان وهو واجب على الفور، وتتمته في "الإحياء".
إذا عرفت هذا، فما ذكره كثير من المفسرين من أن المراد من قوله تعالى: من قريب ما قبل حضور الموت بعيد من لفظ الآية وسرها التي أرشدت إليه، أعني البدار إلى التوبة قبل أن تعمل سموم الذنوب بروح الإيمان، عياذا بالله تعالى.
(فإن قيل): من أين يستفاد قبول التوبة قبل حضور الموت؟
(قلنا) يستفاد من الآية التي بعدها، ومن الأحاديث الوافرة في ذلك لا من قوله تعالى: من قريب بما أولوه، وذلك لأن الآية الثانية وهي قوله تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن صريحة في أن وقت الاحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة، فبقي ما وراءه في حيز القبول.
وقد روى الإمام أحمد ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر .
ورواه ابن ماجه والترمذي وقال: حسن غريب.
وروى أبو داود الطيالسي ، عن عبد الله بن عمرو قال: من تاب قبل موته بعام تيب عليه، ومن تاب قبل موته بيوم تيب عليه، ومن تاب قبل موته بساعة تيب عليه.
(قال أيوب ): فقلت له: إنما قال الله عز وجل: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فقال: إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى نحوه الإمام أحمد ، وسعيد بن منصور ، وابن مردويه .
وروى مسلم ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|