عرض مشاركة واحدة
  #207  
قديم 06-07-2022, 11:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,122
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1177 الى صـ 1183
الحلقة (207)

لطيفة:

تعرض بعض المفسرين في هذا المقام لفروع فقهية مسندها مجرد الأقيسة.

قال الرازي : من تكلم في أحكام القرآن وجب أن لا يذكر إلا ما يستنبطه من الآية [ ص: 1177 ] فأما ما سوى ذلك فإنما يليق بكتب الفقه.

وأمهات نسائكم أي: أصول أزواجكم وربائبكم جمع ربيبة، بمعنى مربوبة، قال الأزهري: ربيبة الرجل بنت امرأته من غيره . انتهى.

سميت بذلك لأنه يربها غالبا، كما يربي ولده.

اللاتي في حجوركم جمع حجر (بفتح أوله وكسره) أي: في تربيتكم، يقال: فلان في حجر فلان إذا كان في تربيته، والسبب في هذه الاستعارة أن كل من ربى طفلا أجلسه في حجره، فصار الحجر عبارة عن التربية، وسر تحريمهن كونهن حينئذ يشبهن البنات إلا أنه إنما يتحقق الشبه إذا كن من نسائكم اللاتي دخلتم بهن لأنهن حينئذ بنات موطوءاتكم، كبنات الصلب، والدخول بهن كناية عن الجماع، كقولهم: بنى عليها، وضرب عليها الحجاب، أي: أدخلتموهن الستر، والباء للتعدية فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم أي: فلا حرج عليكم في أن تتزوجوا بناتهن إذا فارقتموهن أو متن.
تنبيهات:

الأول: ذهب بعض السلف إلى أن قيد الدخول في قوله تعالى: اللاتي دخلتم بهن راجع إلى الأمهات والربائب، فقال: لا تحرم واحدة من الأم ولا البنت بمجرد العقد على الأخرى حتى يدخل بها، لقوله: فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم

وروى ابن جرير ، عن علي - رضي الله عنه - في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها: أيتزوج بأمها ؟ قال: هي بمنزلة الربيبة.

وروي أيضا عن زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، ومجاهد، وابن جبير ، وابن عباس ، وذهب إليه من الشافعية أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصابوني، فيما نقله الرافعي عن العبادي ، وقد روي عن ابن مسعود مثله، ثم رجع عنه، وتوقف فيه معاوية، وذلك فيما رواه ابن المنذر، عن بكر بن كنانة أن أباه أنكحه امرأة بالطائف ، قال: فلم أجامعها حتى توفي عمي عن أمها، وأمها ذات مال كثير، فقال أبي: هل لك في أمها؟ [ ص: 1178 ] قال فسألت ابن عباس وأخبرته، فقال: انكح أمها، قال: وسألت ابن عمر فقال: لا تنكحها، فأخبرت أبي بما قالا، فكتب إلى معاوية ، فأخبره بما قالا، فكتب معاوية: إني لا أحل ما حرم الله، ولا أحرم ما أحل الله، وأنت وذاك، والنساء سواها كثير، فلم ينه ولم يأذن لي، فانصرف أبي عن أمها فلم ينكحنيها.

وذهب الجمهور إلى أن الأم تحرم بالعقد على البنت ولا تحرم البنت إلا بالدخول بالأم، قالوا: الاشتراط إنما هو في أمهات الربائب.

وروي في ذلك عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أيما رجل نكح امرأة فلا يحل له نكاح ابنتها، وإن لم يكن دخل بها فلينكح ابنتها، وأيما رجل نكح امرأة فلا يحل له أن ينكح أمها، دخل بها أو لم يدخل بها أخرجه الترمذي .

قال الحافظ ابن كثير : هذا الخبر غريب، وفي إسناده نظر.

وقال الزجاج : قد جعل بعض العلماء: اللاتي دخلتم بهن وصفا للنساء المتقدمة والمتأخرة، وليس كذلك؛ لأن الوصف الواحد لا يقع على موصوفين مختلفي العامل، وهذا؛ لأن النساء الأولى مجرورة بالإضافة، والثانية بـ(من) ولا يجوز أن تقول: مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات، على أن تكون (الظريفات) نعتا لهؤلاء النساء ولهؤلاء النساء.

[ ص: 1179 ] قال الناصر في: "الانتصاف": والقول المشهور عن الجمهور إبهام تحريم أم المرأة، وتقييد تحريم الربيبة بدخول الأم، كما هو ظاهر الآية، ولهذا الفرق سر وحكمة، وذلك لأن المتزوج بابنة المرأة لا يخلو بعد العقد وقبل الدخول من محاورة بينه وبين أمها، ومخاطبات ومسارات فكانت الحاجة داعية إلى تنجيز التحريم ليقطع شوقه من الأم فيعاملها معاملة ذوات المحارم، ولا كذلك العاقد على الأم فإنه بعيد عن مخاطبة بنتها قبل الدخول بالأم، فلم تدع الحاجة إلى تعجيل نشر الحرمة، وأما إذا وقع الدخول بالأم فقد وجدت مظنة خلطة الربيبة، فحينئذ تدعو الحاجة إلى نشر الحرمة بينهما، والله أعلم.

الثاني: استدل بقوله تعالى: اللاتي في حجوركم من لم يحرم نكاح الربيبة الكبيرة والتي لم يربها، روى ابن أبي حاتم ، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كانت عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي، فوجدت عليها، فلقيني علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال: ما لك؟ فقلت: توفيت المرأة، فقال: لها ابنة؟ قلت: نعم، وهي بالطائف، قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا، هي بالطائف ، قال: فانكحها، قلت: فأين قول الله: وربائبكم اللاتي في حجوركم قال: إنها لم تكن في حجرك، إنما ذلك إذا كانت في حجرك؟

قال الحافظ ابن كثير : إسناده قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب، على شرط مسلم، وإلى هذا ذهب الإمام داود بن علي الظاهري وأصحابه، وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك رحمه الله تعالى، واختاره ابن حزم.

والجمهور على تحريم الربيبة مطلقا، سواء كانت في حجر الرجل أم لم تكن، قالوا: والخطاب في قوله: اللاتي في حجوركم خرج مخرج الغالب، فإن شأنهن الغالب المعتاد أن يكن في حضانة أمهاتهن تحت حماية أزواجهن، ولم يرد كونهن كذلك بالفعل.

وفائدة وصفهن بذلك تقوية علة الحرمة وتكميلها، كما أنها النكتة في إيرادهن باسم الربائب دون بنات النساء، فإن كونهن بصدد احتضانهم لهن، وفي شرف التقلب في حجورهم، وتحت حمايتهم وتربيتهم، مما يقوي الملابسة والشبه بينهن وبين أولادهم، [ ص: 1180 ] ويستدعي إجراءهن مجرى بناتهم، لا تقييد الحرمة بكونهن في حجورهم بالفعل، كذا قرره أبو السعود .

وفي "الانتصاف": إن فائدة وصفهن بذلك، هو تخصيص أعلى صور المنهي عنه بالنهي، فإن النهي عن نكاح الربيبة المدخول بأمها عام، في جميع الصور، سواء كانت في حجر الزوج أو بائنة عنه في البلاد القاصية، ولكن نكاحه لها وهي في حجره أقبح الصور، والطبع عنها أنفر، فخصت بالنهي لتساعد الجبلة على الانقياد لأحكام الملة، ثم يكون ذلك تدريبا وتدريجا إلى استقباح المحرم في جميع صوره، والله أعلم.

وفي الصحيحين أن أم حبيبة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله! انكح أختي بنت أبي سفيان (وفي لفظ لمسلم: عزة بنت أبي سفيان ) فقال: أوتحبين ذلك؟ قالت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن ذلك لا يحل لي قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: بنت أم سلمة؟ قلت: نعم، فقال: لو أنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن (وفي رواية للبخاري : لو لم أتزوج أم سلمة ما حلت لي) .

قال ابن كثير : فجعل المناط في التحريم مجرد تزوجه أم سلمة، وحكم بالتحريم بذلك.

الثالث: اشتهر أن المراد من الدخول في قوله تعالى: دخلتم بهن معناه الكنائي وهو الجماع؛ لأنه أسلوب الكتاب العزيز في نظائره؛ بلاغة وأدبا.

ولذا فسره به ابن عباس وغير [ ص: 1181 ] واحد، فمدلول الآية صريح حينئذ في كون الحرمة مشروطة بالجماع، فلا تتناول غيره من اللمس والتقبيل والنظر لمتاعها، ومن أثبت تحريم الربيبة بذلك لحظ أن معنى الدخول أوسع من الجماع؛ لأنه يقال: دخل بها إذا أمسكها وأدخلها البيت.

وفي "فتح البيان": الذي ينبغي التعويل عليه في مثل هذا الخلاف هو النظر في معنى الدخول شرعا أو لغة، فإن كان خاصا بالجماع فلا وجه لإلحاق غيره به، من لمس أو نظر أو غيرهما، وإن كان معناه أوسع من الجماع بحيث يصدق على ما حصل فيه نوع استمتاع كان مناط التحريم هو ذلك. انتهى.

وفي "شرح القاموس للزبيدي ": ودخل بامرأته كناية عن الجماع، وغلب استعماله في الوطء الحلال، والمرأة مدخول بها، قلت: ومنه الدخلة، لليلة الزفاف. انتهى.

وحلائل أبنائكم أي: موطوآت فروعكم بنكاح أو ملك يمين، جمع حليلة، سميت بذلك لحلها للزوج.

وقوله تعالى: الذين من أصلابكم لإخراج الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية، كما قال تعالى: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم [الأحزاب: من الآية 37] وقال تعالى: وما جعل أدعياءكم أبناءكم [الأحزاب: من الآية 4].

فالسر في التقيد هو إحلال حليلة المتبنى؛ ردا لمزاعم الجاهلية، لا إحلال حليلة الابن من الرضاع وأبناء الأبناء، كأنه قيل: بخلاف من تبنيتموهم فلكم نكاح حلائلهم.

[ ص: 1182 ] وأن تجمعوا بين الأختين في حيز الرفع عطفا على ما قبله من المحرمات، أي: وحرم عليكم الجمع بين الأختين في الوطء بنكاح أو ملك يمين من نسب أو رضاع، لما فيه من قطيعة الرحم إلا ما قد سلف في الجاهلية فإنه معفو عنه إن الله كان غفورا رحيما تعليل لما أفاده الاستثناء.
القول في تأويل قوله تعالى:

والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما [24]

والمحصنات أي: وحرمت عليكم المزوجات من النساء حرائر وإماء، مسلمات أو لا؛ لئلا تختلط المياه فيضيع النسب إلا ما ملكت أيمانكم أي: من اللائي سبين ولهن أزواج في دار الكفر، فهن حلال لغزاة المسلمين، وإن كن محصنات؛ لأن السبي لهن يرفع نكاحهن ويفيد الحل بعد الاستبراء.

روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي [ ص: 1183 ] والنسائي وابن ماجه ، عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا من سبي أوطاس ، ولهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم فاستحللنا فروجهن.
تنبيه:

استدل بعموم الآية من قال: إن انتقال الملك ببيع أو إرث أو غير ذلك يقطع النكاح .

عن ابن مسعود قال: إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها، وعنه: بيع الأمة طلاقها.

وروي ذلك أيضا عن أبي بن كعب ، وجابر ، وابن عباس - رضي الله عنهم - قالوا: بيعها طلاقها.

وروى ابن جرير ، عن ابن عباس قال: طلاق الأمة ست: بيعها طلاقها، وعتقها طلاقها، وهبتها طلاقها، وبراءتها طلاقها، وطلاق زوجها طلاقها.

كذا قرأته في تفسير ابن كثير ، ولا يخفى أن المعدود خمسة، ولعل السادس بيع زوجها، حيث قال بعد ذلك: وروى عوف عن الحسن : بيع الأمة طلاقها وبيعه طلاقها ، فهذا قول هؤلاء من السلف، وحجتهم عموم الاستثناء في قوله تعالى: إلا ما ملكت أيمانكم




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]