عرض مشاركة واحدة
  #210  
قديم 06-07-2022, 11:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1198 الى صـ 1204
الحلقة (210)





وعند مسلم قال ابن شهاب : الضفير الحبل. قالوا: فلم يؤقت فيه عدد كما أقت في المحصنة، [ ص: 1198 ] وكما وقت في القرآن بنصف ما على المحصنات، فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك، والله أعلم.

وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور، عن ابن عباس مرفوعا : ليس على أمة حد حتى تحصن - يعني تزوج - فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات .

ورواه ابن خزيمة مرفوعا أيضا وقال: رفعه خطأ، إنما هو من قول ابن عباس .

وكذا رواه البيهقي ، وقال مثل قول ابن خزيمة .

قالوا: وحديث علي وعمر قضايا أعيان، وحديث أبي هريرة عنه أجوبة:

أحدها: إن ذلك محمول على الأمة المزوجة، جمعا بينه وبين هذا الحديث.

الثاني: إن لفظة الحد في قوله: فليقم عليها الحد مقحمة من بعض الرواة بدليل:

الجواب الثالث: وهو أن هذا من حديث صحابيين وذلك من رواية أبي هريرة فقط، وما كان عن اثنين فهو أولى بالتقديم من رواية واحد.

وأيضا فقد رواه النسائي بإسناد على شرط مسلم من حديث عباد بن تميم عن عمه، وكان قد شهد بدرا : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا زنت الأمة فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير .

الرابع: أنه لا يبعد أن بعض الرواة أطلق لفظ (الحد) في الحديث على (الجلد) لأنه لما كان الجلد اعتقد أنه حد، أو أنه أطلق لفظة (الحد) على التأديب، كما أطلق (الحد) على ضرب من زنى من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ، وعلى جلد من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائة، وإنما ذلك تعزير وتأديب عند من يراه، كأحمد وغيره من السلف، وإنما الحد الحقيقي هو جلد البكر مائة، ورجم الثيب. انتهى.

وله تتمة سابغة.

وقال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد": وحكم في الأمة إذا زنت ولم تحصن بالحد، وأما قوله تعالى في الإماء: فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب فهو نص في أن حدها بعد التزويج نصف حد الحرة من الجلد، وأما قبل التزويج فأمر بجلدها، وفي هذا الحد قولان:

[ ص: 1199 ] أحدهما: أنه الحد، ولكن يختلف الحال قبل التزويج وبعده، فإن للسيد إقامته قبله، وأما بعده فلا يقيمه إلا الإمام.

والقول الثاني: أن جلدها قبل الإحصان تعزير لا حد، ولا يبطل هذا ما رواه مسلم في "صحيحه": من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يعيرها ثلاث مرات، فإن عادت في الرابعة فليجلدها وليبعها ولو بضفير وفي لفظ: فليضربها بكتاب الله .

وفي "صحيحه" أيضا من حديث علي - كرم الله وجهه - أنه قال: أيها الناس! أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهن، ومن لم يحصن، فإن أمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت، فأمرني أن أجلدها، الحديث .

فإن التعزير يدخل فيه لفظ (الحد) في لسان الشارع، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى .

وقد ثبت التعزير بالزيادة على العشرة جنسا وقدرا في مواضع عديدة لم يثبت نسخها، ولم تجتمع الأمة على خلافها.

وعلى كل حال فلا بد أن يخالف حالها بعد الإحصان حالها قبله، وإلا لم يكن للتقييد فائدة.

فإما أن يقال قبل الإحصان: لا حد عليها، والسنة الصحيحة تبطل ذلك، وإما أن يقال: حدها قبل الإحصان حد الحرة، وبعده نصفه، وهذا باطل قطعا مخالف لقواعد الشرع وأصوله، وإما أن يقال: حدها قبل الإحصان تعزير، وبعده حد، وهذا أقوى، وإما أن يقال: الافتراق بين الحالتين [ ص: 1200 ] في إقامة الحد لا في قدره، وأنه في إحدى الحالتين للسيد، وفي الأخرى للإمام، وهذا أقرب ما يقال.

وقد يقال: إن تنصيصه على التنصيف بعد الإحصان؛ لئلا يتوهم متوهم أن بالإحصان يزول التنصيف، ويصير حدها حد الحرة، كما أن الجلد عن البكر يزال بالإحصان، وانتقل إلى الرجم، فبقي على التنصيف في أكمل حالتيها - وهى الإحصان - تنبيها على أنه إذا اكتفي به فيها ففي ما قبل الإحصان أولى وأحرى، والله أعلم.

ذلك أي: إباحة نكاح الإماء لمن خشي العنت أي: المشقة في التحفظ من الزنى منكم أيها الأحرار وأن تصبروا على تحمل تلك المشقة، متعففين عن نكاحهن خير لكم من نكاحهن، وإن سبقت كلمة الرخصة؛ لما فيه من تعريض الولد للرق - قال عمر رضي الله عنه: أيما حر تزوج بأمة فقد أرق نصفه - ولأن حق المولى فيها أقوى فلا تخلص للزوج خلوص الحرائر، ولأن المولى يقدر على استخدامها كيفما يريد في السفر والحضر، وعلى بيعها للحاضر والبادي، وفيه من اختلال حال الزوج وأولاده ما لا مزيد عليه، ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة، وذلك كله ذل ومهانة سارية إلى الناكح، والعزة هي اللائقة بالمؤمنين، ولأن مهرها لمولاها، فلا تقدر على التمتع به ولا على هبته للزوج، فلا ينتظم أمر المنزل، كذا حرره أبو السعود ، وقد قيل:


إذا لم يكن في منزل المرء حرة تدبره ضاعت مصالح داره


قال في "الإكليل": في الآية كراهة نكاح الأمة عند اجتماع الشروط، بقوله تعالى: وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم
[ ص: 1201 ] القول في تأويل قوله تعالى:

يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم [26]

يريد الله أي: في تحريم ما حرم من النساء، وتحليل ما أحل بالشرائط ليبين لكم أي: شرائعه ويهديكم سنن الذين من قبلكم أي: يرشدكم إلى طرائق من تقدم من أهل الكتاب في تحريم ما حرمه؛ لتتأسوا بهم في اتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها.

وفي الآية دليل على أن كل ما بين تحريمه لنا من النساء في الآيات المتقدمة فقد كان الحكم كذلك في الملة السابقة.

وقد قرأت في سفر الأحبار اللاويين من التوراة في (الفصل الثامن عشر) ما يؤيد ذلك، عدا ما رفعه تعالى عنا من ذلك مما فيه حرج.

ويتوب عليكم أي: يتجاوز عنكم ما كان منكم في الجاهلية، أو يرجع بكم عن معصيته التي كنتم عليها إلى طاعته والله عليم أي: فيما شرع لكم من الأحكام حكيم مراع في جميع قضائه الحكمة.
القول في تأويل قوله تعالى:

والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما [27]

والله يريد أن يتوب عليكم أي: من المآثم والمحارم، أي: يخرجكم من كل ما يكره إلى ما يحب ويرضى، وفيه بيان كمال منفعة ما أراده الله تعالى، وكمال مضرة ما يريده الفجرة، كما قال سبحانه: ويريد الذين يتبعون الشهوات أي: ما حرمه الشرع، وهم الزناة أن تميلوا عن الحق بالمعصية ميلا عظيما يعني بإتيانكم ما حرم الله عليكم.
القول في تأويل قوله تعالى:

يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا [28]

يريد الله أن يخفف عنكم أي: في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم، ولهذا أباح نكاح الإماء بشروطه، ونظير هذا قوله تعالى:يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [البقرة: من الآية 185] [ ص: 1202 ] وقوله: وما جعل عليكم في الدين من حرج [الحج: 78].

وخلق الإنسان ضعيفا أي: عاجزا عن دفع دواعي شهواته، فناسبه التخفيف لضعف عزمه وهمته وضعفه في نفسه، فالجملة اعتراض تذييلي مسوق لتقرير ما قبله من التخفيف في أحكام الشرع.

وفي "الإكليل" قال طاوس: ضعيفا أي: في أمر النساء لا يصبر عنهن، وقال وكيع: يذهب عقله عندهن، أخرجهما ابن أبي حاتم، ففيه أصل لما يذكره الأطباء من منافع الجماع ومن مضار تركه.
القول في تأويل قوله تعالى:

يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما [29]

يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم أي: لا يأكل بعضكم أموال بعض بالباطل أي: ما لم تبحه الشريعة كالربا والقمار والرشوة والغصب والسرقة والخيانة، [ ص: 1203 ] وما جرى مجرى ذلك من صنوف الحيل.

إلا أن تكون تجارة أي: معاوضة محضة كالبيع عن تراض منكم في المحاباة من جانب الآخذ والمأخوذ منه، وقرئ: (تجارة) بالرفع على أن (كان) تامة، وبالنصب على أنها ناقصة، والتقدير: إلا أن تكون المعاملة أو التجارة أو الأموال تجارة.

قال السيوطي في "الإكليل": في الآية تحريم أكل المال الباطل بغير وجه شرعي، وإباحة التجارة والربح فيها، وأن شرطها التراضي، ومن ههنا أخذ الشافعي رحمه الله اعتبار الإيجاب والقبول لفظا؛ لأن التراضي أمر قلبي فلا بد من دليل عليه، وقد يستدل بها من لم يشترطهما إذا حصل الرضا، انتهى.

أي لأن الأقوال كما تدل على التراضي فكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعا، فصح بيع المعاطاة مطلقا.

وفي "الروضة الندية": حقيقة التراضي لا يعلمها إلا الله تعالى، والمراد ها هنا أمارته، كالإيجاب والقبول، وكالتعاطي عند القائل به، وعلى هذا أهل العلم؛ لكونه لم يرد ما يدل على ما اعتبره بعضهم من ألفاظ مخصوصة، وأنه لا يجوز البيع بغيرها، ولا يفيدهم ما ورد في الروايات من نحو: (بعت منك وبعتك) فإنا لا ننكر أن البيع يصح بذلك، وإنما النزاع في كونه لا يصح إلا بها، ولم يرد في ذلك شيء، وقد قال الله تعالى:تجارة عن تراض فدل ذلك على أن مجرد التراضي هو المناط، ولا بد من الدلالة عليه بلفظ أو إشارة أو كتابة، بأي لفظ وقع، وعلى أي صفة كان، وبأي إشارة مفيدة حصل، انتهى.

وقوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فيه وجهان:

الأول: أن المعنى لا تقتلوا من كان من جنسكم من المؤمنين، فإن كلهم كنفس واحدة، والتعبير عنهم بالأنفس للمبالغة في الزجر عن قتلهم، بتصويره بصورة ما لا يكاد يفعله عاقل.

والثاني: النهي عن قتل الإنسان نفسه ، وقد احتج بهذه الآية عمرو بن العاص على مسألة التيمم للبرد، وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 1204 ] على احتجاجه، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود، ولفظ أحمد :

عن عمرو بن العاص أنه قال: لما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام ذات السلاسل، قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرت ذلك له فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟! قال: قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله عز وجل: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فتيممت ثم صليت فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئا وهكذا أورده أبو داود.

قال ابن كثير : وهذا، أي: المعنى الثاني - والله أعلم - أشبه بالصواب، وقد توافرت الأخبار في النهي عن قتل الإنسان نفسه والوعيد عليه.

روى الشيخان وأهل السنن وغيرهم عن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.69 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.78%)]