عرض مشاركة واحدة
  #216  
قديم 06-07-2022, 11:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,689
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1240 الى صـ 1246
الحلقة (216)


القول في تأويل قوله تعالى:

إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [40]

إن الله لا يظلم مثقال ذرة أي: لا يبخس أحدا من ثواب عمله ولا يزيد في عقابه شيئا مقدار ذرة، وهي: (النملة الصغيرة) في قول أهل اللغة.

قال ثعلب : مائة من الذر زنة حبة شعير، وهذا مثل ضربه الله تعالى لأقل الأشياء، والمعنى: إن الله تعالى لا يظلم أحدا شيئا، قليلا ولا كثيرا، فخرج الكلام على أصغر شيء يعرفه الناس وإن تك حسنة يضاعفها أي: وإن تك مثقال ذرة حسنة يضاعف ثوابها، وإنما أنث ضمير المثقال لتأنيث الخير، أو لإضافته إلى الذرة ويؤت أي: زيادة على الإضعاف من لدنه مما يناسب عظمته على نهج التفضل أجرا عظيما أي: عطاء جزيلا، وقد ورد في معنى هذه الآية أحاديث كثيرة، منها ما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث [ ص: 1240 ] الشفاعة الطويل: وفيه: فيقول الله عز وجل: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه من النار، وفي لفظ: أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه من النار، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقول أبو سعيد : اقرؤوا إن شئتم: إن الله لا يظلم مثقال ذرة

وقد روى ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال: فأما المشرك فيخفف عنه العذاب يوم القيامة - أي: بحسنته - ولا يخرج من النار أبدا.

قال الحافظ ابن كثير : وقد يستدل له بالحديث الصحيح إن العباس قال: يا رسول الله! هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار .

وقد يكون هذا خاصا بأبي طالب من دون الكفار؛ بدليل ما رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله عز وجل لا يظلم المؤمن حسنة، يثاب عليها الرزق في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة لم يكن له حسنة انتهى.

ورواه مسلم أيضا عن أنس أيضا مرفوعا، ولفظه: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها .
[ ص: 1241 ] القول في تأويل قوله تعالى:

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا [41]

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال الرازي : وجه النظم هو أنه تعالى بين أن في الآخرة لا يجري على أحد ظلم، وأنه تعالى يجازي المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه، فبين تعالى في هذه الآية أن ذلك يجري بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق لتكون الحجة على المسيء أبلغ، والتبكيت له أعظم، وحسرته أشد، ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول وأظهر الطاعة أعظم، ويكون هذا وعيدا للكفار الذين قال الله فيهم: إن الله لا يظلم مثقال ذرة [النساء: من الآية 40] ووعدا للمطيعين الذين قال الله فيهم: وإن تك حسنة يضاعفها [النساء: من الآية 40].

ثم قال: من عادة العرب أنهم يقولون في الشيء الذي يتوقعونه: كيف بك إذا كان كذا وكذا، وإذا فعل فلان كذا، أو إذا جاء وقت كذا؟ فمعنى هذا الكلام: كيف ترون يوم القيامة إذا استشهد الله على كل أمة برسولها، واستشهدك على هؤلاء، يعني قومه المخاطبين بالقرآن الذين شاهدهم وعرف أحوالهم، ثم إن أهل كل عصر يشهدون على غيرهم ممن شاهدوا أحوالهم، وعلى هذا الوجه قال عيسى عليه السلام: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم [المائدة: من الآية 117] ونظير هذه الآية قوله تعالى: ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم [النحل: من الآية 89] إلخ.

[ ص: 1242 ] وروى الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقرأ علي. فقلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: نعم، إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء، حتى أتيت إلى هذه الآية: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فقال: حسبك الآن فإذا عيناه تذرفان.

زاد مسلم : شهيدا ما دمت فيهم، أو قال: ما كنت فيهم شك أحد رواته.

وروى ابن جرير ، عن ابن مسعود في هذه الآية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: شهيد عليهم ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم .
القول في تأويل قوله تعالى:

يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا [42]

يومئذ أي: يوم القيامة: يود أي: يتمنى: الذين كفروا بالله وعصوا الرسول بالإجابة لو تسوى بهم الأرض أي: يهلكون فيها، أي: يدفنون، فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى، إذ هو أعز لهم من الهوان الذي يلحقهم من فضائحهم، كقوله: يوم ينظر المرء ما قدمت يداه الآية، فـ(تسوى) بمعنى: تجعل مستوية، والباء للملابسة، أي: تسوى الأرض متلبسة بهم.

وقيل: الباء بمعنى (على) وفي "الدر المصون": وتسوية الأرض بهم أو عليهم: دفنهم، أو أن تنشق وتبلعهم، أو أنهم يبقون ترابا على أصلهم من غير خلق.

وقوله تعالى: ولا يكتمون الله حديثا عطف على (يود) أي: ويعترفون [ ص: 1243 ] بجميع ما فعلوه لا يقدرون على كتمانه؛ لأن جوارحهم تشهد عليهم، أو (الواو) للحال، أي: يودون أن يدفنوا في الأرض وحالهم أنهم لا يكتمون من الله حديثا، ولا يكذبونه بقولهم: والله ربنا ما كنا مشركين كما روى ابن جرير ، عن الضحاك أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس ! قول الله تعالى: ولا يكتمون الله حديثا وقوله: والله ربنا ما كنا مشركين فقال له ابن عباس : إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت: ألقي على ابن عباس متشابه القرآن، فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله تعالى يجمع الناس يوم القيامة في بقيع واحد، فيقول المشركون: إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده، فيقولون: تعالوا نقل، فيسألهم فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين قال: فيختم على أفواههم ويستنطق جوارحهم فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين، فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سويت بهم ولا يكتمون الله حديثا.

وروى عبد الرزاق ، عن سعيد بن جبير نحو ما تقدم، واعتمده الإمام أحمد في كتاب "الرد على الجهمية " في باب (بيان ما ضلت فيه الزنادقة من متشابه القرآن) وساق مثل ما تقدم عن ابن عباس ، ثم قال: فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة ، وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى:

يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا [43]

يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون [ ص: 1244 ] نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر في جماعة كانوا يشربونها ثم يصلون، أي: من مقتضى إيمانكم الحياء من الله، ومن الحياء منه أن لا تقوموا إلى الصلاة وأنتم سكارى لا تعلمون ما تخاطبونه، فالحياء من الله يوجب ذلك، وتصدير الكلام بحرفي النداء والتنبيه؛ للمبالغة في حملهم على العمل بموجب النهي، وتوجيه النهي إلى قربان الصلاة - مع أن المراد هو النهي عن إقامتها - للمبالغة في ذلك.

قال الحافظ ابن كثير : كان هذا النهي قبل تحريم الخمر ، كما دل عليه الحديث الذي ذكرناه في سورة البقرة عند قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر [البقرة: من الآية 219] الآية، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلاها على عمر ، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فلما نزلت هذه الآية تلاها عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلوات، حتى نزلت: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إلى قوله تعالى: فهل أنتم منتهون [المائدة: 90 - 91] فقال عمر : انتهينا انتهينا.

ولفظ أبي داود ، عن عمر بن الخطاب في قصة تحريم الخمر فذكر الحديث، وفيه: نزلت الآية التي في النساء: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون [ ص: 1245 ] فكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قامت الصلاة ينادي: لا يقربن الصلاة سكران.

وروى ابن أبي شيبة ، وابن [أبي] حاتم ، عن سعد - رضي الله عنه - قال: نزلت في أربع آيات: صنع رجل من الأنصار طعاما فدعا أناسا من المهاجرين وأناسا من الأنصار، فأكلنا وشربنا حتى سكرنا، ثم افتخرنا، فرفع رجل لحى بعير فغرز بها أنف سعد، فكان سعد مغروز الأنف، وذلك قبل تحريم الخمر، فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى الآية.

والحديث بطوله عند مسلم ، ورواه أهل السنن إلا ابن ماجه .

وروى أبو داود والنسائي ، عن علي - رضي الله عنه - أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ: قل يا أيها الكافرون فخلط فيها، فنزلت: لا تقربوا الآية.

وروى ابن أبي حاتم ، عن علي - رضي الله عنه - قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة، فقدموا فلانا، قال فقرأ: (قل يا أيها الكافرون * ما أعبد ما تعبدون * ونحن نعبد ما تعبدون) فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة الآية، وكذا رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

ولا جنبا عطف على قوله: وأنتم سكارى إذ الجملة في موضع النصب على الحال، والجنب الذي أصابته الجنابة، يستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والجمع؛ لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب.

إلا عابري سبيل أي: مارين بلا لبث حتى تغتسلوا من الجنابة: أي: لا تقربوا موضع الصلاة - وهو المسجد - وأنتم جنب إلا مجتازين فيه، إما للخروج منه أو للدخول فيه.

[ ص: 1246 ] روى ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في معنى الآية قال: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل، قال: تمر به مرا، ولا تجلس، ثم رواه عن كثير من الصحابة، منهم ابن مسعود وثلة من التابعين.

وروى ابن جرير ، عن الليث قال: حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن قول الله عز وجل: ولا جنبا إلا عابري سبيل إن رجالا من المسجد تصيبهم الجنابة، ولا ماء عندهم فيريدون الماء ولا يجدون ممرا إلا في المسجد، فأنزل الله: ولا جنبا إلا عابري سبيل

قال الحافظ ابن كثير : ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبي حبيب رحمه الله ما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]