عرض مشاركة واحدة
  #71  
قديم 09-07-2022, 12:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,470
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (2)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية

من صــ 439الى صــ 452
(71)


وَلَمْ يَذْكُرْ جَابِرٌ: أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى نَاحِيَةِ يَسَارِهِ قَلِيلًا بَعْدَ الِاسْتِلَامِ؛ وَلِأَنَّهُ مُحَاذِيًا لِلْحَجَرِ مُسْتَقْبِلًا لَهُ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ: لَمْ يَكُنْ قَدْ خَبَّ عَقِبَ الِاسْتِلَامِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَمْشِي هَكَذَا لَا يَخُبُّ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَنَقْلُوهُ.

[مَسْأَلَةٌ الطائف يجعل البيت على يساره]
مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ يَأْخُذُ عَلَى يَمِينِهِ وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ فَيَطُوفُ سَبْعًا).
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ الطَّائِفَ يَبْتَدِئُ فِي مُرُورِهِ بِوَجْهِ الْكَعْبَةِ، فَإِذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ أَخَذَ إِلَى جِهَةِ يَمِينِهِ، فَيَصِيرُ الْبَيْتُ عَنْ يَسَارِهِ وَيُكْمِلُ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ. وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْعَامِّ، وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ عَنْ نَبِيِّهَا وَتَوَارَثَتْهُ فِيمَا بَيْنَهَا خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [البقرة: 125] وَقَوْلِهِ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، كَمَا فَسَّرَ أَعْدَادَ الصَّلَاةِ، وَأَوْقَاتِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: («أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا»). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

[مَسْأَلَةٌ الأصل في مشروعية الرمل]
مَسْأَلَةٌ: (يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ وَيَمْشِي فِي الْأَرْبَعَةِ).
الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْوَادِي إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ)». وَفِي رِوَايَةٍ («رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا») وَفِي رِوَايَةٍ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ، أَوِ الْعُمْرَةِ - أَوَّلَ مَا يَقْدُمُ - فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ بِالْبَيْتِ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً»). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهِيَ آخِرُ نُسُكٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي رِوَايَةٍ: («رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ»). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَأَصْلُ ذَلِكَ: مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: («قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ»). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «(لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الْحُمَّى، وَلَقَوْا مِنْهَا شِدَّةً فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ،وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ: أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ)» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: («إِنَّمَا رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ»). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَكَانَ أَوَّلُ الرَّمَلِ هَذَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يَرْمُلُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا مِنْ نَاحِيَةِ الْحَجَرِ عِنْدَ قُعَيْقُعَانَ لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ مَنْ بَيْنِ الرُّكْنَيْنِ.
وَكَانَ هَذَا فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، ثُمَّ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ عُمْرَةَ الْجِعِرَّانَةِ وَمَكَّةُ دَارُ إِسْلَامٍ، ثُمَّ حَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَقَدْ نَفَى اللَّهُ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ، وَرَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ فَكَانَ هَذَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ. فَعُلِمَ أَنَّ الرَّمَلَ صَارَ سُنَّةً.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: («رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّتِهِ وَفِي عُمَرِهِ كُلِّهَا، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَالْخُلَفَاءُ»). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عَطَاءٍ: («أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعَى فِي عُمَرِهِ كُلِّهَا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْخُلَفَاءُ هَلُمَّ جَرًّا يَسْعَوْنَ كَذَلِكَ») قَالَ: وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَهَذَا الصَّحِيحُ.
«وَعَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: (مَا لَنَا وَلِلرَّمَلِ وَإِنَّمَا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: هِيَ صَنِيعَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ)». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الِاضْطِبَاعِ نَحْوَ ذَلِكَ.


فَصْلٌ
قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ لِلطَّائِفِ الدُّنُوُّ مِنَ الْبَيْتِ فِي الطَّوَافِ إِلَّا أَنْ يُؤْذِيَ غَيْرَهُ، أَوْ يَتَأَذَّى بِنَفْسِهِ، فَيَخْرُجُ إِلَى حَيْثُ أَمْكَنَهُ، وَكُلَّمَا كَانَ أَقْرَبَ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ الْأَبْعَدُ أَوْسَعَ مَطَافًا وَأَكْثَرَ خُطًى.
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمَلُ مَعَ الْقُرْبِ لِقُوَّةِ الِازْدِحَامِ: فَإِنْ رَجَا أَنْ تَخِفَّ الزَّحْمَةُ وَلَمْ يَتَأَذَّ أَحَدٌ بِوُقُوفِهِ انْتَظَرَ ذَلِكَ لِيَجْمَعَ بَيْنَ قُرْبِهِ مِنَ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الرَّمَلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلَى مُبَادَرَتِهِ إِلَى تَمَامِ الطَّوَافِ، وَإِنْ كَانَ الْوُقُوفُ لَا يُشْرَعُ فِي الطَّوَافِ؛ قَالَ أَحْمَدُ: فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَرْمُلَ فَقُمْ حَتَّى تَجِدَ مَسْلَكًا ثُمَّ تَرْمُلَ.
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالرَّمَلِ: فَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: يَخْرُجُ إِلَى حَاشِيَةِ الْمَطَافِ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ أَفْضَلُ مِنَ الْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ هَيْئَتُهُ فِي نَفْسِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الْقُرْبِ فَإِنَّهُ هَيْئَةٌ فِي مَكَانِهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَطُوفُ قَرِيبًا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ هَيْئَةٌ فَهُوَ كَالتَّجَافِي فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلَا يُتْرَكُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ لِأَجْلِ تَعَذُّرِهَا، فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يُتْرَكُ الْمَكَانُ الْقَرِيبُ مِنَ الْبَيْتِ لِأَجْلِ تَعَذُّرِ الْهَيْئَةِ.
وَالْأَوَّلُ ... ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِحَيْثُ يُكْرَهُ تَرْكُهَا، وَالطَّوَافُ مِنْ حَاشِيَةِ الْمَطَافِ لَا يُكْرَهُ، بِخِلَافِ التَّأَخُّرِ إِلَى الصَّفِّ الثَّانِي فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ دَاخِلِ الْمَطَافِ: أَنَّ الْمُصَلِّينَ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ إِتْمَامُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ: بِخِلَافِ الطَّائِفِينَ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَطُوفُ مُنْفَرِدًا فِي الْحُكْمِ فَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا فِي قُبُلِ الْمَسْجِدِ مَعَ عَدَمِ إِتْمَامِ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ فِي مُؤَخَّرِهِ مَعَ إِتْمَامِهَا أَوْلَى.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ تَرَاصَّ الصَّفِّ وَانْضِمَامَهُ سُنَّةٌ فِي نَفْسِهِ، فَاغْتُفِرَ فِي جَانِبِهَا زَوَالُ التَّجَافِي، بِخِلَافِ ازْدِحَامِ الطَّائِفِينَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحَبًّا وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ فَضِيلَةَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثَبَتَتْ بِنُصُوصٍ كَثِيرَةٍ بِخِلَافِ دَاخِلِ الْمَطَافِ، عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهَا نَظَرٌ.
فَأَمَّا إِنْ خَافَ إِنْ خَرَجَ أَنْ يَخْتَلِطَ بِالنِّسَاءِ: طَافَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ.


[مَسْأَلَةٌ يشرع استلام الركنين اليمانيين في كل طواف]
مَسْأَلَةٌ: (وَكُلَّمَا حَاذَى الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ اسْتَلَمَهُمَا، وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ، وَيَقُولُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وَيَدْعُو فِي سَائِرِهِ بِمَا أَحَبَّ).
فِي هَذَا الْكَلَامِ فُصُولٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ خَاصَّةً، وَيُكْرَهُ اسْتِلَامُ .. .، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ -: «وَلَا تَسْتَلِمْ مِنَ الْأَرْكَانِ شَيْئًا إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ، وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَإِنْ زَحَمَكَ النَّاسُ، وَلَمْ يُمْكِنْكَ الِاسْتِلَامُ فَامْضِ وَكَبِّرْ»؛ وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: (لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمَسُّ مِنَ الْأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ)». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحِ: («لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَلَمَ مِنَ الْبَيْتِ») وَفِي لَفْظٍ: («أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ»).
وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ»). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ: («كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِمَا وَلَا يَسْتَلِمُ الْآخَرَيْنِ»).
وَعَنْهُ - أَيْضًا - قَالَ: («مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُمَا - فِي شِدَّةٍ وَلَا رَخَاءٍ»). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: («لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُ غَيْرَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ»). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: («أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّكَ تُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ زِحَامًا مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُزَاحِمُ عَلَيْهِ، قَالَ: إِنْ أَفْعَلْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِنَّ مَسَحَهُمَا كَفَّارَةٌ لِلْخَطَايَا، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعًا فَأَحْصَاهُ: كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَا يَضَعُ قَدَمًا وَلَا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً»). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
«وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: (مَا أَرَاكَ تَسْتَلِمُ إِلَّا هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ مَسْحَهُمَا يَحُطُّ الْخَطِيئَةَ»). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ لَفْظُهُ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، فَالرُّكْنَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُمَا بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْجِدَارِ، وَالِاسْتِلَامُ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْأَرْكَانِ، وَإِلَّا لَاسْتَلَمَ جَمِيعَ جِدَارِ الْبَيْتِ فِي الطَّوَافِ.
وَأَمَّا تَقْبِيلُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ: فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ -: أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُهُ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قُلْتُ لِأَبِي مَا يُقَبَّلُ؟ قَالَ: يُقَبَّلُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، قُلْتُ لِأَبِي فَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ؟، قَالَ: لَا، إِنَّمَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إِلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَحْدَهُ.
وَكَذَلِكَ قَالَ - فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ -: لَا يُقَبَّلُ الْيَمَانِيُّ، وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ -: وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا؛ مِثْلَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ مِثْلَ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَبِي الْمَوَاهِبِ الْعُكْبَرِيِّ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى: يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ كَالْحَجَرِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَسْتَلِمُهُ بِفِيهِ إِنْ أَمْكَنَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَبِيَدِهِ وَيُقَبِّلُهَا، قَالَ: وَلَا يُقَبِّلُ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: («كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَيَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ»). رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا، وَمَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُ يَدَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: («أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَلَمَ الْحَجَرَ فَقَبَّلَهُ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ فَقَبَّلَ يَدَهُ»). رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ فِي الْغَيْلَانِيَّاتِ.
وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ وَصَفُوا حَجَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرَهُ: ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ وَيُقَبِّلُهُ، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَلَمْ يَذْكُرُوا تَقْبِيلًا، وَلَوْ قَبَّلَهُ لَنَقْلُوهُ، كَمَا نَقَلُوهُ فِي الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، لَا سِيَّمَا مَعَ قُوَّةِ اعْتِنَائِهِمْ بِضَبْطِ ذَلِكَ، وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ أَتْبَعُ النَّاسِ لِمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّتِهِ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا الِاسْتِلَامَ
الْفَصْلُ الثَّانِي
مَا يَقُولُهُ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَيْنِ، وَتَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ، وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ -: إِنْ قَدَرَ عَلَى الْحَجَرِ اسْتَلَمَهُ، وَإِلَّا إِذَا حَاذَاهُ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَهُ وَمَضَى وَقَالَ .. . .

[مَسْأَلَةٌ الصلاة خلف المقام]
مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ).
هَذِهِ السُّنَّةُ لِكُلِّ طَائِفٍ أُسْبُوعًا أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «(قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: " «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: لَا» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ.

[مَسْأَلَةٌ يَخْتِمَ الطَّوَافَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ]
مَسْأَلَةٌ: (وَيَعُودُ إِلَى الرُّكْنِ فَيَسْتَلِمُهُ وَيَخْرُجُ إِلَى الصَّفَا مِنْ بَابِهِ).
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنْ يَخْتِمَ الطَّوَافَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ، ثُمَّ يَسْتَلِمُهُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، سَوَاءٌ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَالزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ ; لِأَنَّ فِي حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَيْ يَقُولُ: - وَلَا أَعْلَمُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى، وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا، بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ.


[مَسْأَلَةٌ الخروج إلى الصفا]
مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّفَا مِنْ بَابِهِ فَيَأْتِيهِ فَيَرْقَى عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ اللَّهَ وَيُهَلِّلُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَمْشِي إِلَى الْعَلَمِ، ثُمَّ يَسْعَى إِلَى الْعَلَمِ الْآخَرِ ثُمَّ يَمْشِي إِلَى الْمَرْوَةِ فَيَفْعَلُ كَفِعْلِهِ عَلَى الصَّفَا، ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ، وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ حَتَّى يُكْمِلَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ يَحْسِبُ بِالذَّهَابِ سَبْعَةً وَبِالرُّجُوعِ سَبْعَةً يَفْتَتِحُ بِالصَّفَا وَيَخْتَتِمُ بِالْمَرْوَةِ.
أَمَّا خُرُوجُهُ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَهُوَ الْبَابُ الْأَعْظَمُ الَّذِي يُوَاجِهُ الصَّفَا ... ، وَأَمَّا رُقِيُّهُ عَلَى الصَّفَا ; فَلِأَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» " وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إِنَّهُ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، إِلَّا أَنَّ هَذَا كَانَ لَمَّا كَانَتِ الْأَبْنِيَةُ مُنْخَفِضَةً عَنِ الْكَعْبَةِ. فَأَمَّا الْآنَ فَإِنَّهُمْ قَدْ رَفَعُوا جِدَارَ الْمَسْجِدِ وَزَادُوا فِيهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفَا حَتَّى صَارَ الْمَسْعَى يَلِي جِدَارَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْعَى بِنَاءٌ لِلنَّاسِ، فَالْيَوْمَ: لَا يَرَى أَحَدٌ الْبَيْتَ مِنْ فَوْقِ الصَّفَا، وَلَا مِنْ فَوْقِ الْمَرْوَةِ، نَعَمْ قَدْ يَرَاهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ إِذَا خَفَضَ.
فَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الصَّفَا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ لَوْ كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى مَا كَانَ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ، وَرَفَعَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُو مَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ فِي حَالِ وُقُوفِهِ عَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ، وَكَذَلِكَ فِي حَالِ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ وَبِمِنًى، وَبَيْنَ الْجَمْرَتَيْنِ ; لِأَنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» ".
وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: " «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَصْعَدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ الْبَيْتُ فَيَسْتَقْبِلَهُ» "
وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " اسْتَقْبِلِ الْبَيْتَ مِنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِقْبَالِهِ " رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
وَلِأَنَّهُ حَالُ مُكْثٍ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، فَاسْتُحِبَّ فِيهَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ كَسَائِرِ الْأَحْوَالِ وَأَوْكَدُ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]