عرض مشاركة واحدة
  #77  
قديم 13-07-2022, 05:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد



شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (2)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية

من صــ 511الى صــ 520
(77)

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ... .

[مَسْأَلَةٌ الدفع إلى مزدلفة وصفته]
مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ يَدْفَعُ مَعَ الْإِمَامِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَيَكُونُ مُلَبِّيًا ذَاكِرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا يَدْفَعُ حَتَّى يَدْفَعَ الْإِمَامُ، وَيَسِيرُ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ -: فَإِذَا دَفَعَ الْإِمَامُ دَفَعْتَ مَعَهُ، وَلَا تُفِضْ حَتَّى يَدْفَعَ الْإِمَامُ، وَأَنْتَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ تُلَبِّي، فَإِذَا أَفَضْتَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ وَلَبِّ، وَقُلْ: اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَفَضْتُ، وَإِلَيْكَ رَغِبْتُ، وَمِنْكَ رَهِبْتُ فَاقْبَلْ نُسُكِي، وَأَعْظِمْ أَجْرِي، وَتَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَارْحَمْ تَضَرُّعِي، وَاسْتَجِبْ دُعَائِي، وَأَعْطِنِي سُؤْلِي.
قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَى الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ: " أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى جَبَلًا مِنَ الْجِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى يَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَمِعَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وَضَرْبًا، وَصَوْتًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ: أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمُ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ وَأُسَامَةُ رِدْفَهُ، قَالَ أُسَامَةُ: " فَمَا زَالَ يَسِيرُ عَلَى هَيِّنَتِهِ حَتَّى أَتَى جَمْعًا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: «سُئِلَ أَنَسٌ، وَأَنَا جَالِسٌ: " كَيْفَ كَانَ يَسِيرُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ؟ قَالَ: يَسِيرُ الْعَنَقَ،فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ: فَلِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ.
وَإِنَّمَا اسْتُحِبَّ لَهُ سُلُوكُ الْمَأْزِمَيْنِ ... .
وَإِنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى جَازَ.
قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ قَوْلِ عَطَاءٍ: لَا بَأْسَ بِطَرِيقِ ضَبٍّ، قَالَ: طَرِيقٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى مِنًى.


[مَسْأَلَةٌ صفة الصلاة في مزدلفة]
مَسْأَلَةٌ: (فَإِذَا وَصَلَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ حَطِّ الرِّحَالِ، يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا).
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ -: فَإِذَا انْتَهَيْتَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ وَهِيَ جَمْعٌ فَاجْمَعْ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، كُلُّ صَلَاةٍ بِإِقَامَةٍ، وَلَا بَأْسَ إِنْ صَلَّيْتَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَقُلْ: اللَّهُمَّ هَذِهِ جَمْعٌ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِّقَنِي فِيهَا لِجَوَامِعِ الْخَيْرِ كُلِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنْتَ، رَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَرَبَّ الْحُرُمَاتِ الْعِظَامِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُبَلِّغَ رُوحَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِّي السَّلَامَ، وَتُصْلِحَ لِي نِيَّتِي، وَتَشْرَحَ لِي صَدْرِي، وَتُطَهِّرَ لِي قَلْبِي، وَتُصْلِحَنِي صَلَاحَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ مِنَ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي تَوَارَثَتْهَا الْأُمَّةُ، قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ حَطِّ الرِّحَالِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ - الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِمُزْدَلِفَةَ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
«وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: رَدَفْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَاتٍ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشِّعْبَ الْأَيْسَرَ الَّذِي دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ أَنَاخَ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا، فَقُلْتُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:الصَّلَاةُ أَمَامَكَ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَدَاةَ جَمْعٍ، قَالَ كُرَيْبٌ: فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: " «دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَرَفَةَ، فَنَزَلَ الشِّعْبَ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلَاةَ، قَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَكَ، فَجَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا الْجَمْعُ مَسْنُونٌ لِكُلِّ حَاجٍّ مِنَ الْمَكِّيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ الْمَغْرِبَ فَلَا يُقَدِّمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا،وَصَلَاةَ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ، وَتَعْلِيلٌ عَامٌّ، وَبَيَانُ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ السَّفَرِ، كَمَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُؤَثِّرَ فِي تَقْدِيمِ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا ذَاكَ لِأَجْلِ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ... ، فَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ أَجْزَأَهُ.
قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِعَرَفَةَ، أَوْ فِي الطَّرِيقِ؟ قَالَ: إِنْ وَصَلَ إِلَى جَمْعٍ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ بِجَمْعٍ.
لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْمَغْرِبَ بِجَمْعٍ».

[مَسْأَلَةٌ المبيت بمزدلفة]
مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ يَبِيتُ بِهَا)
السُّنَّةُ فِي حَقِّ الْحَاجِّ جَمِيعًا: أَنْ يَبِيتُوا بِمُزْدَلِفَةَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَقِفُوا بِهَا إِلَى قُبَيْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ.


[مَسْأَلَةٌ صلاة الفجر بمزدلفة]
مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ يُصَلِّي الْفَجْرَ بِغَلَسٍ):
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ: فَإِذَا بَرِقَ الْفَجْرُ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ إِنْ قَدَرَ، ثُمَّ وَقَفَ فَدَعَا: ثُمَّ دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى يَأْتِيَ مِنًى.
السُّنَّةُ: التَّغْلِيسُ بِالْفَجْرِ فِي هَذَا الْمَكَانِ قَبْلَ جَمِيعِ الْأَيَّامِ ; لِيَتَّسِعَ وَقْتُ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: " «ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَى حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: " «حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ حِينَ الْأَذَانِ بِالْعَتَمِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَمَرَ أَرَى فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، قَالَ: لَا أَعْلَمُ الشَّكَّ إِلَّا مِنْ زُهَيْرٍ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ مَرَّتَيْنِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُمَا صَلَاتَانِ تُحَوَّلَانِ عَنْ وَقْتِهِمَا: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَمَا يَأْتِي الْمُزْدَلِفَةَ، وَالْفَجْرِ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» ".
وَفِي لَفْظٍ: «خَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالْعِشَاءُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، قَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ "، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ الصَّلَاتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ: الْمَغْرِبُ، فَلَا يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ "، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الْآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ، فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ؟ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ: " «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلَّا صَلَاتَيْنِ ; صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

[مَسْأَلَةٌ الوقوف عند المشعر الحرام بالمزدلفة]
مَسْأَلَةٌ: (وَيَأْتِي الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَيَقِفُ عِنْدَهُ، وَيَدْعُو، وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ كَمَا وَقَفْنَا فِيهِ، وَأَرَيْتَنَا إِيَّاهُ، فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِكَ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198] الْآيَتَيْنِ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ، ثُمَّ يَدْفَعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ).
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - فِي رِوَايَةٍ الْمَرُّوذِيِّ -: فَإِذَا بَرِقَ الْفَجْرُ فَصَلِّ الْفَجْرَ مَعَ الْإِمَامِ إِنْ قَدَرْتَ، ثُمَّ قِفْ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ خَيْرُ مَطْلُوبٍ مِنْهُ .. إِلَى آخِرِهِ.
اعْلَمْ أَنَّ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ - فِي الْأَصْلِ -: اسْمٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ كُلِّهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ ; لِأَنَّ عَرَفَةَ هِيَ الْمَشْعَرُ الْحَلَالُ، وَسُمِّيَ جَمْعًا ; لِأَنَّ الصَّلَاتَيْنِ تُجْمَعُ بِهَا، كَأَنَّ الْأَصْلَ مَوْضِعُ جَمْعٍ، أَوْ ذَاتُ جَمْعٍ، ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - فِي مَنَاسِكِهِ - عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] قَالَ: هِيَ لَيْلَةُ جَمْعٍ، ذَكَرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: " مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ مَشْعَرٌ ".

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: " سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَنَحْنُ بِعَرَفَةَ عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: إِنِ اتَّبَعْتَنِي أَخْبَرْتُكَ، فَدَفَعْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا وَضَعَتِ الرِّكَابُ أَيْدِيَهَا فِي الْحَرَمِ، قَالَ: هَذَا الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ " رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِذِكْرِهِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْرَعَ امْتِثَالَ هَذَا الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا شَرَعَ مِنَ الذِّكْرِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَالْوُقُوفَ لِلدُّعَاءِ غَدَاةَ النَّحْرِ، وَهَذَا الذِّكْرُ كُلُّهُ يَجُوزُ فِي مُزْدَلِفَةَ كُلِّهَا ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: («هَذَا الْمَوْقِفُ وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ») فَعُلِمَ أَنَّهَا جَمِيعًا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ.
ثُمَّ إِنَّهُ خَصَّ بِهَذَا الِاسْمِ قُزَحَ ; لِأَنَّهُ أَخَصُّ تِلْكَ الْبُقْعَةِ بِالْوُقُوفِ عِنْدَهُ وَالذِّكْرِ، وَغَلَبَ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ فِي عُرْفِ النَّاسِ حَتَّى إِنَّهُمْ لَا يَكَادُونَ يَعْنُونَ بِهَذَا الِاسْمِ إِلَّا نَفْسَ قُزَحَ، وَإِيَّاهُ عَنَى جَابِرٌ بِقَوْلِهِ - فِي حَدِيثِهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَى حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ يُعْنَى بِهِ نَفْسُ قُزَحَ.
وَأَمَّا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: فَهُوَ غَالِبٌ عَلَيْهِ، وَنِسْبَةُ هَذَا الْجَبَلِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ كَنِسْبَةِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ إِلَى عَرَفَةَ.
إِذَا تَبَيَّنَ هَذَا: فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقِفَ النَّاسُ غَدَاةَ جَمْعٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، وَيَدْعُونَهُ كَمَا صَنَعُوا بِعَرَفَاتٍ إِلَى قُبَيْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ ; وَهُوَ مَوْقِفٌ عَظِيمٌ وَمَشْهَدٌ كَرِيمٌ، وَهُوَ تَمَامٌ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَبِهِ تُجَابُ الْمَسَائِلُ الَّتِي تَوَقَّفَتْ بِعَرَفَةَ كَالطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَعَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَأَوْكَدُ، قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] وَوَقَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِالنَّاسِ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]