
13-07-2022, 05:39 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة :
|
|
رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد

شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (2)
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 521الى صــ 530
(78)
وَقَدْ رَوَى عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " دَعَا لِأُمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالْمَغْفِرَةِ، فَأُجِيبَ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلَا الْمَظَالِمَ، فَإِنِّي آخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ، قَالَ: أَيْ رَبِّي إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ مِنَ الْجَنَّةِ وَغَفَرْتَ لِلظَّالِمِ، فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ الدُّعَاءَ فَأُجِيبُ إِلَى مَا سَأَلَ، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَبَسَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ مَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ، أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ؟ قَالَ: إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَجَابَ دُعَائِي وَغَفَرَ لِأُمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ، فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَى رَأْسِهِ، وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ ; فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِيُ مُسْنَدِ أَبِيهِ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا كَانَ عَشِيَّةُ عَرَفَةَ بَاهَى اللَّهُ بِالْحَاجِّ فَيَقُولُ لِمَلَائِكَتِهِ: " انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا قَدْ أَتَوْنِي مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَمَغْفِرَتِي: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ تَبِعَاتِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَإِذَا كَانَ غَدَاةُ الْمُزْدَلِفَةِ، قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ تَبِعَاتِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَضَمِنْتُ لِأَهْلِهَا النَّوَافِلَ» ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ.
«وَعَنْ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ - غَدَاةَ جَمْعٍ: " يَا بِلَالُ أَسْكِتْ لَنَا أَوْ أَنْصِتِ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَطَاوَلَ عَلَيْكُمْ فِي جَمْعِكُمْ هَذَا، فَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ، ادْفَعُوا بِاسْمِ اللَّهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

(فَصْلٌ)
وَلَا يُفِيضُ الْإِمَامُ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى يُسْفِرَ النَّهَارُ، فَيُفِيضَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ: «فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، ثُمَّ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ».
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: " «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، قَالَ: فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفَاضَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ» ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَاجَهْ -: " كَيْمَا نُغِيرُ ".
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَقَفَ بِجَمْعٍ فَلَمَّا أَضَاءَ كُلُّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَفَاضَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الْآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْوُقُوفَ غَدَاةَ جَمْعٍ، وَيَتَعَجَّلَ بِلَيْلٍ إِلَّا لِعُذْرٍ ; قَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ عَمِّي: مَنْ لَمْ يَقِفْ غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ، لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قَدَّمَ الضَّعَفَةَ " وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ ضَعَفَةٌ، أَوْ غَلَبَةٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنْ لَمْ يَبِتْ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَالْمَعْذُورُ يَذْكُرُ اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِلَيْلٍ ; وَذَلِكَ لِمَا رَوَى سَالِمٌ: «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ ; فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الْجَمْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: " أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَرْخَصَ لِضَعَفَةِ النَّاسِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ «عَنْ أَسْمَاءَ: " أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لَا، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا فَارْتَحَلْنَا، فَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا، فَقُلْتُ: يَا هَنْتَاهُ مَا أُرَانَا إِلَّا قَدْ غَلَّسْنَا؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِلظُّعُنِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
«وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ.
وَعَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعَفَةَ بَنِي هَاشِمٍ أَنْ يَتَعَجَّلُوا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
فَهَذَا .. التَّرْخِيصُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُمْ لَيْسُوا ... لِمَا أَذِنَ لِضَعَفَةِ النَّاسِ، وَأَذِنَ لِلظُّعُنِ، وَأُرَخِّصُ فِي أُولَئِكَ يَقْتَضِي قَصْرَ الْإِذْنِ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ غَيْرَهُمْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَكَذَلِكَ تَقْدِيمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، وَإِبْقَاؤُهُ سَائِرَ النَّاسِ مَعَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
وَالضَّعَفَةُ: مَنْ يَخَافُ مِنْ تَأَذِّيهِ بِزَحْمَةِ النَّاسِ عِنْدَ الْوُقُوفِ وَالْمَسِيرِ وَرَمْيِ الْجَمْرَةِ، وَهُمُ: النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، وَالْمَرْضَى وَنَحْوُهُمْ، وَمَنْ يَقُومُ بِهَؤُلَاءِ.
(فَصْلٌ)
وَالْجَبَلُ الَّذِي يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ: قُزَحُ، وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، وَالْمِيقَدَةُ.

[مَسْأَلَةٌ وقت الدفع من مزدلفة]
مَسْأَلَةٌ: (ثُمَّ يَدْفَعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّرًا أَسْرَعَ قَدْرَ رَمْيِهِ بِحَجَرٍ حَتَّى يَأْتِيَ مِنًى).
قَالَ جَابِرٌ - فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتْ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ، يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ». رَوَاهُ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْفَعَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ، كَمَا فِي الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ كَمَا «رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ - وَكَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ - فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا -: عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَهُوَ كَافٍ نَاقَتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا، وَهُوَ مِنْ مِنًى قَالَ: عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي تُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ، وَقَالَ: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» وَفِي لَفْظٍ: «يُشِيرُ بِيَدِهِ كَمَا يَخْذِفُ الْإِنْسَانُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَأَمَّا الْإِسْرَاعُ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ فَقَدْ ذَكَرَهُ جَابِرٌ، وَقَالَ الْفَضْلُ: «وَهُوَ كَافٍ نَاقَتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا».
وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَوْضَعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ ... بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَ.
وَعَنْ نَافِعٍ: " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَرِّكُ رَاحِلَتَهُ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ قَدْ رَمِيَهُ بِحَجَرٍ " رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْهُ.

[مَسْأَلَةٌ رمي جمرة العقبة]
مَسْأَلَةٌ: (حَتَّى يَأْتِيَ مِنًى فَيَبْدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ كَحَصَى الْخَذْفِ، يَكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَرْفَعُ يَدَهُ فِي الرَّمْيِ، وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ، وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِيَ، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا).
فِي هَذَا الْكَلَامِ فُصُولٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ يَصْنَعُهُ إِذَا قَدِمَ مِنًى أَنْ يَؤُمَّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَهِيَ آخِرُ الْجَمَرَاتِ أَقْصَاهُنَّ مِنْ مِنًى وَأَدْنَاهُنَّ إِلَى مَكَّةَ، وَهِيَ الْجَمْرَةُ الْآخِرَةُ، وَقَدْ تُسَمَّى الْجَمْرَةُ الْقَصْوَى بِاعْتِبَارِ مَنْ يَؤُمُّهَا مِنْ مَنًى، وَرُبَّمَا سُمِّيَتْ
وَسُمِّيَتْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ; لِأَنَّهَا فِي عَقَبَةِ مَأْزِمِ مِنًى وَخَلْفَهَا مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ وَادٍ فِيهِ بَايَعَ الْأَنْصَارُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ، وَقَدْ بُنِيَ هُنَاكَ مَسْجِدٌ، فَيَبْدَأُ بِرَمْيِ هَذِهِ الْجَمْرَةِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ أَصْحَابُنَا: رَمْيُهَا تَحِيَّةُ مِنًى، كَمَا أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ، وَكَمَا أَنَّ الْمَغْرِبَ تَحِيَّةُ الْمُزْدَلِفَةِ، وَكَمَا أَنَّ ... ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْلُكَ إِلَيْهَا
، وَالْجَمْرَةُ اسْمٌ
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
أَنْ يَرْمِيَهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي تَوَارَثَتْهُ الْأُمَّةُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، قَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ: «ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا حَصَى الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى أَنَّهُ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ.
(الْفَصْلُ الثَّالِثُ)
أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْحَصَى كَحَصَى الْخَذْفِ كَمَا رَوَاهُ جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرًا وَفِعْلًا، وَفِي حَدِيثِ الْفَضْلِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا وَهُوَ مِنْ مِنًى» قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ» وَفِي لَفْظٍ: «يُشِيرُ بِيَدِهِ كَمَا يَخْذِفُ الْإِنْسَانُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(الْفَصْلُ الرَّابِعُ)
أَنْ يُكَبِّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَرْفَعَ يَدَهُ فِي الرَّمْيِ، قَالَ جَابِرٌ - فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ» " وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْفَضْلِ.
قَالَ أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ -: «يُكَبِّرُ فِي أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ» ..
وَقَالَ حَرْبٌ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: فَيُكَبِّرُ؟ قَالَ: نَعَمْ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةً، قُلْتُ: بَعْدَ الرَّمْيِ أَوْ قَبْلَ الرَّمْيِ؟ قَالَ: يَرْمِي وَيُكَبِّرُ.

(الْفَصْلُ الْخَامِسُ)
أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ ; لِمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ: «فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ».
(الْفَصْلُ السَّادِسُ)
أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمِيَهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَهُوَ الطَّرِيقُ يَمَانِيُّ الْجَمْرَةِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ الْمَنْصُوصُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قُلْتُ لِأَبِي: مِنْ أَيْنَ يُرْمَى الْجِمَارُ؟ قَالَ: مِنْ بَطْنِ الْوَادِي.
وَقَالَ حَرْبٌ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ: قُلْتُ: فَإِنْ رَمَى الْجَمْرَةَ مِنْ فَوْقِهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، قُلْتُ لِأَحْمَدَ: يُكَبِّرُ؟ قَالَ: يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ تَكْبِيرَةً، قُلْتُ: بَعْدَ الرَّمْيِ أَوْ قَبْلَ الرَّمْيِ؟ قَالَ: يَرْمِي وَيُكَبِّرُ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي عَنْ حَرْبٍ، عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَرْمِي الْجَمْرَةَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلَا يَرْمِي مِنْ فَوْقِ الْجَمْرَةِ، قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي لَا يَرْمِيهَا عَرْضًا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّمَا لَمْ يَسْتَبْطِنِ الْوَادِيَ ; لِأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُرْمَى إِلَيْهِ لَا فِيهِ، فَإِذَا رَمَى فِيهِ سَقَطَ وُقُوفُهُ عَلَى مَا عَلَاهُ، وَسَقَطَ بَعْضٌ مَاحِيَةً بِالرَّمْيِ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|