عرض مشاركة واحدة
  #263  
قديم 27-07-2022, 06:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[مباحث الإيلاء]
صـــــ 413 الى صــــــــ
430
الحلقة (220)



أركان الإيلاء وشروطه
-أركان الإيلاء ستة (1) : محلوف به، ومحلوف عليه، وصيغة، ومدة، وزوجان، فأما المحلوف به فهو اليمين المتقدم بيانه في التعريف عليه فهو الوطء، فإذا قال: والله لا أطأ زوجتي كان الوطء محلوفاً عليه، واسم الله محلوف به، وكذا إذا قال: علي الطلاق لا يطؤها فإن الطلاق محلوف به، والوطء محلوف عليه، وقد يعلق المحلوف عليه على الزوجة باعتبار كون الوطء قائماً بها وأما الصيغة فهي صيغة اليمين بأقسامه المتقدمة، وأما المدة فهي مدة الإيلاء، وهي أن لا يطأها مدة تزيد على أربعة أشهر (2) .
ولكل واحد منها شروط مفصلة في المذاهب (3) .
حكم الإيلاء ودليله
-للإيلاء حكمان: حكم أخروي وهو الإثم إن لم يفئ إليها، وحكم دنيوي، وهو طلاقها بعد أربعة أشهر على الوجه الآتي، وقد ثبت ذلك بقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} ، ومعنى يؤلون يقسمون وقوله: {من نسائهم} متعلق {بيؤلون} لأنه متضمن معنى البعد عن النساء، ولهذا عدي - بمن - أما آلى بدون ملاحظة البعد فإنه يتعدى - بعلى - يقال: آلى - على - امرأته - لا من - امرأته.
وقد عرفت أن الإيلاء على النساء كان معروفاً عند العرب ومستعملاً في ترك وطء المرأة، وكان حكمه عندهم تحريمها تحريماً مؤبداً، فقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} معناه للذين يقسمون على ترك وطء نسائهم، ترقب أربعة أشهر، فإن فاءوا ورجعوا إلى الوطء الذي حلفوا على تركه فإن ذلك يكون توبة منهم عن ذلك الذنب، فالله يغفره لهم بالكفارة عنه.
ومن هذا يتضح أن الإيلاء حرام لما فيه من الاضرار بالمرأة بالهجر وترك ما هو ضروري لازم للطبائع البشرية وايجاد النوع الإنساني وحرمانها من لذة أودعها الله فيها لتحتمل في سبيلها مشقة تربية الذرية ومتاعها، وإشعارها بكراهيته وانصرافه عنها، وكل ذلك إيذاء لها، فإن قلت: إن ذلك يقتضي أن لا يمهله الّه أربعة أشهر. قلت إن الحكمة في إمهاله هذه المدة المحافظة على علاقة الزوجية، ومعالجة بقائها بما هو غالب على طبائع الناس، فإن البعد عن الزوجة مثل هذا الزمن فيه تشويق للزوج إليها، فيحمله على زنة حاله معها وزناً صحيحاً، فإذا لم تتأثر نفسه بالبعد عنها ولم يبال بها، سهل عليه فراقها، وإلا عاد إليها نادماً على اساءتها مصراً على حسن معاشرتها، وكذلك المرأة، فإن هجرها من وسائل تأديبها، فقد تكون سبباً في انصرافه عنها باهمال زينتها أو بمعاملته معاملة توجب النفرة منها، فبعده عنها هذه المدة زاجراً لها عما عساه أن يفرط عنها، فانتظار هذه المدة لازم ضروري لبقاء الزوجية.
وقوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} يحتمل أمرين: أحدهما إن أصروا على تنفيذ يمينهم وهجروا نسائهم فلم يقربوهن حتى انقضت المدة المذكورة، وهي أربعة أشهر، فإن ذلك يكون إصراراً منهم على الطلاق، فيكون طلاقاً ولو لم يطلقوا (4) أو تطلب المرأة الطلاق، فانقضاء المدة في ذاته طلاق، ووجه ذلك أن قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} الخ كلام مفصل بقوله {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا} الخ، واللغة تقتضي أن المفصل - بكسر الصاد - يقع عقب المفصل بدون فاصل، فيجب أن تقع الفيئة - بمعنى الرجعة - إلى الجماع أو يقع الطلاق عقب انقضاء مدة أربعة أشهر بدون فاصل من طلب المرأة أو تطليق الرجل، ونظير ذلك أن يقول شخص لآخر: إنني نزلت بجواركم، فإن أعجبكم ذلك مكثت وإلا رحلت فإن معنى هذا إن لم ترضوا عني رحلت بدون أن أعمل أي عمل آخر سوى الرحيل.
المعنى الثاني: أن معنى قوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق} أي عزموا على الطلاق بعد مضي المدة، فالعزم على الطلاق لا يتحقق إلا بعد مضي المدة، بأن يطلقها من تلقاء نفسه، أو ترفع الأمر للقاضي على الوجه الذي ستعرفه.
فالفاء في قوله تعالى: {فإن فاؤوا} للتعقيب، أي فإن فاؤوا عقب مضي المدة إلى جماع زوجاتهم وأخرجوا كفارة أيمانهم {فإن الله غفور رحيم وإن عزموا} على الطلاق عقب انقضاء المدة {فإن الله سميع عليم} وعلى الأول أن يكون معنى قوله تعالى: {فإن الله سميع عليم} سميع لإيلائهم عليهم بما يترتب عليه من ظلم المرأة وإيذائها بانقضاء المدة من غير فيئة، فيعاقبهم عليه، ففيه تهديد للذين يصرون على هجر الزوجة حتى تنقضي المدة التي يترتب على انقضائها تطليقها، وعلى الثاني يكون تهديداً لمن طلق بعد انقضاء المدة، أو طلق عليه الحاكم، ويتعلق بهذه الآية أمور مفصلة في المذاهب (5) .
__________
(1) (الحنفية - قالوا: ركن الإيلاء شيء واحد، وهو صيغة الحلف بناء على ما تقدم من أن الركن هو ما كان داخل الماهية، وإنما تتحقق ماهية الإيلاء بالصيغة، أما هذه الأشياء فإنها شروط للماهية، وقد عرفت أن الذين يعدونها شروطاً فإنما يريدون من الركن ما لا تتحقق الماهية إلا به، سواء كان داخلاً في ماهيتها أو لا) .
(2) (الحنفية - قالوا: مدة الإيلاء أربعة أشهر فقط بدون زيادة) .
(3) (الحنفية - قالوا: يشترط في صيغة اليمين شروط:

أحدها أن يجمع بين زوجته وامرأة أخرى، فلو قال: والله لا أطأ زوجتي وأمتي أو لا أطأ زوجتي وفلانة الأجنبية، فإنه يكون مولياً من امرأته بذلك. إذ يمكنه أن يطأها وحدها ولا كفارة عليه، كما تقدم في التعريف.
ثانيها: أن لا يستثني بعض المدة، فإذا استثنى فإنه لا يكون مولياً في الحال، مثلاً إذا قال لها والله لا أطؤك سنة إلا يوماً فإنه لا يكون مولياً في الحال. ثم إذا مكث سنة لم يقربها حتى ولا في اليوم الذي استثناه لا يحنث في يمينه، لأنه لم يصرح بأنه يقربها في اليوم الذي استثناه، بل أباح لنفسه قربانها في يوم منكر من أيام السنة، فله أن يقربها في يوم شائع في أيام السنة كلها، فإن حلف بهذا كان له أن يقربها في يوم يختاره عقب الحلف، فإن قربها ينظر إن كان قد بقي من السنة أربعة أشهر فأكثر بعد القربان صار مولياً بمجرد غروب شمس ذلك اليوم الذي قربها فيه بحيث لو أتاها بعد ذلك حنث وتجب عليه الكفارة، وإن لم يأتها ومكث أربعة أشهر كاملة من غروب شمس ذلك اليوم ولم يقربها بانت بطلقة على الوجه المتقدم.
أما إذا أتاها بعد حلفه يوماً، وكان الباقي من السنة أقل من أربعة أشهر فإنه لا يكون مولياً وعلى هذا لو حلف أول السنة بأنه لا يقربها سنة إلا يوماً كانت يمينه منحلة باستثناء هذا اليوم، فلا يمكن اعتباره مولياً، لأن له أن يقربها في أي يوم من أيام السنة، فيحتمل أن يقربها قبل مضي أربعة أشهر فلا يكون مولياً إلا بعد أن يقربها ذلك اليوم الذي قد استثناه، فإذا قربها وكان الباقي من السنة أربع أشهر فأكثر كان مولياً، وإلا فلا يكون مولياً، ومثل ذلك ما إذا قال: والله لا أقربك سنة إلا ساعة، فإن الساعة لا يجعله مولياً في الحال، أما إذا قال: والله لا أقربك سنة إلا يوماً أقربك فيه فإنه لا يكون مولياً أبداً، سواء قربها أو لا، وذلك لأنه قد صرح بقربانها في يوم من أيام السنة ومتى صرح بذلك فقد انحلت اليمين فلا إيلاء، ولو قال: والله لا أقربك إلا يوماً، وحذف سنة، فإنه لا يكون مولياً إلا إذا قربها، فإذا قربها كان مولياً إيلاء مؤبداً.
ثالثها: أن لا تكون مقيدة بمكان، فإذا قال: والله لا أطأ زوجتي في دار أبيها لا يكون مولياً لانحلال اليمين بوطئها في مكان آخر.
رابعها: أن لا تكون مشتملة على المنع عن القربان فقط، فلو قال لها: إن وطئتك إلى الفراش فأنت طالق، فإنه لا يكون مولياً لأنه يمكن أن يحل اليمين بدعوتها إلى الفراش، فإذا دعاها إلى الفراش طلقت، ثم بعد ذلك له إتيانها في أي وقت بدون أن يلزمه شيء.
ويشترط في الزوج أن يكون أهلاً للطلاق، بأن يكون عاقلاً بالغاً، فلا يصح إيلاء المجنون، والصبي، ولا يشترط الإسلام، فيصح إيلاء الذمي، إلا إذا حلف بما هو قربة دينية، كما لو قال: إن وطئتك فعلي حج، فإنه لا يكون بهذا مولياً باتفاق، أما إن قال: إن وطئتك فعلي عتق عبد فإنه يكون مولياً باتفاق ويلزمه العتق، فإن حلف بالله أنه لا يطؤها فإن إيلاءه يصح عند أبي حنيفة ولا يصح عندهم، وقد تقدم بيانه في التعريف، وكذا يصح إيلاء العبد إذا حلف بشيء غير مالي لأن تصرفاته المالية لا تنفذ، فلو قال: إن وطئتك فعلي عتق رقبة أو فعلي صدقة، فإنه لا يكون مولياً بذلك.
ويشترط في المدة أن تكون أربعة أشهر كاملة للحرة بدون زيادة، كما تقدم أما إذا كان متزوجاً أمة فإن مدة الإيلاء منها شهران، سواء كان الزوج حراً أو عبداً. وبذلك تعلم أنه يصح الإيلاء مع مانع يمنع الوطء، ولو كان خلقياً كالجب، والصغر ونحوه، كما ستعرفه في بيان حكمه. هذا، وتنقسم الصيغة إلى قسمين: صريحة، وهي كل لفظ يدل على إتيان المرأة بمجرد سماعه بحيث يكون استعماله في هذا المعنى غالباً، كالجماع، والوطء، والقربان، والمباضعة، وإدخال الذكر في الفرج، ونحو ذلك، فلو ادعى في الصريح أنه لم يرد الجماع فإنه لا يصدق قضاء، ولكن يصدق ديانة، أما الكناية فهي ما دل على الجماع، ولكن يحتمل غيره، ولا يتبادر إلى الذهن، كقوله: والله لا أمسها، لا آتيها، لا أدخل بها، لا أغشاها، لا تجمع بين رأسي ورأسها مخدة، لا أبيت معها في فراش، لا أصاحبها، أو والله ليغيظها، ولا يكون بذلك مولياً إلا بالنية.
المالكية - قالوا: يشترط في الصيغة شروط: أحدها أن لا تشتمل على ترك وطء الزوجة تنجيزاً أو تعليقاً، كما تقدم بيانه في التعريف، فلو قال: والله لأهجرن زوجتي أو لا أكلمها، فإنه لا يكون مولياً بذلك. ثانيها: أن لا يقيدها بزمان خاص، كأن يقول: والله لا أطؤها ليلاً، أو والله لا أطؤها نهاراً، وهذا بخلاف ما إذا قال: والله لا أطؤك حتى تخرجي من البلد، فإنه يكون مولياً إذا كان خروجها من البلد فيه معرة عليها، ومثل ذلك ما إذا قال: في هذه الدار وإذا ترك وطأها بدون إيلاء أو حلف لا ينزل فيها منيه فإن لها أن ترفع الأمر للقاضي ليطلقها عليه وللقاضي أن يطلق عليه فوراً بدون أن يضرب له أجلاً، وله أن يضرب له أجلاً. ثالثها: أن لا يستثني، فلو قال: والله لا أطؤك في هذه السنة إلا مرتين، فإنه لا يلزمه الإيلاء، لأنه يمكنه أن يترك وطأها أربعة أشهر، ثم يطؤها، ثم يتركها أربعة أشهر أخرى، ثم يطؤها، وتبقى أشهر أخرى أقل من مدة الإيلاء، فلا يحنث ولا يكون مولياً بذلك، وإذا قال لها: والله لا أطؤك في هذه السنة إلا مرة، فإنه لا يكون مولياً حتى يطأها، ثم تكون المدة الباقية من السنة أكثر من أربعة أشهر للحر وأكثر من شهرين للعبد. رابعها: أن لا يلزمه بيمينه حكم، كما إذا قال: إن وطئتك فكل فلس أملكه يكون صدقة فهذه اليمين حرج ومشقة، فلا يلزمه بها حكم، فلا يكون مولياً بها، ويشترط في الزوج أن يكون مسلماً ولو عبداً، وأن يكون مكلفاً فلا يصح إيلاء الصبي، والمجنون، وأن يتصور منه الإيلاء، فخرج المجنون، والصغير، والخصي، والشيخ الفاني، ويشترط في الزوجة أن تكون مرضعة، وقد تقدم إيضاح هذه القيود في التعريف فارجع إليها إن شئت.
ويشترط في المدة أن تكون أكثر من أربعة أشهر ولو بيوم على المعتمد، وبعضهم يقول: بعشرة أيام إذا كان حراً، وأما العبد فيشترط أن تكون زيادة عن شهرين.
الشافعية - قالوا: يشترط في الزوجين أن يتأتى من كل واحد منهما الجماع، فإذا كان الزوج صغيراً أو مجبوباً أو نحو ذلك، فإنه لا يصح منه الإيلاء، ويشترط في صيغة اليمين أن تكون اسماً من أسماء الله أو صفة من صفاته، أو تعليقاً، أو نذراً، كما تقدم في التعريف، ويشترط في المحلوف عليه أن يكون ترك الوطء بخصوصه، فلو حلف على ترك الاستمتاع بها فيما دون ذلك فإنه لا يصح، ويشترط في المدة أن تزيد على أربعة أشهر ولو بلحظة، ويشترط في الصيغة أن تكون لفظاً يشعر بترك الوطء، وقد إيضاح ذلك في التعريف. فارجع إليه.
وتنقسم الصيغة إلى قسمين: الأول صريحة، كأن يقول: والله لا يقع مني تغييب حشفة في فرجك، أو والله لا أطؤك، أو لا أجامعك، فإن قال: أردت الوطء بشيء آخر، فإنه يصدق ديانة لا قضاء، ولو قال: أردت بالفرج الدبر فإنه يصدق ديانة أيضاً. الثاني: كناية، كقوله والله لا أمسك أو لا أباضعك، أو لا أباشرك، أو لا آتيك، أو لا أغشاك، فإنه لا يكون مولياً إلا إذا نوى الجماع، وذلك لأن هذه الألفاظ لم تشهر فيه.
الحنابلة - قالوا: للإيلاء أربعة شروط:
الأول: أن يحلف الزوج على ترك الجماع في القبل خاصة.
ثانيها: أن يحلف بالله أو صفة من صفاته، ثم إن المحلوف عليه تارة يكون صريحاً يعامل به قضاء وديانة، وهي كل لفظ دل على إتيان المرأة صريحاً، كإدخال الذكر في الفرج ونحو ذلك من العبارات الصريحة التي لا تحتمل غير هذا المعنى، وتارة يكون صريحاً في القضاء فقط وهي كل لفظ دل على الجماع عرفاً. ومن ذلك أن يقول: والله لا وطئتك، أو لا جامعتك، أو لا باضعتك، أو نحو ذلك، وحكم هذا أنه يعامل به قضاء، ولا يسمع منه أنه أراد معنى آخر، ولكن إن كان صادقاً فإنه ينفعه بينه وبين الله، وتارة لا يكون مولياً إلا بالنية، كقوله: والله لا أنام معك في فراش واحد ونحو ذلك، فإذا لم ينو ترك الجماع فإنه لا يكون مولياً.
ثالثها: أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر.
رابعها: أن يكون من زوج يمكنه الوطء.
وذلك تعلم أنه يصح من مسلم، وكافر، وحر، وعبد، وبالغ، ومميز، وغضبان، وسكران، ومريض مرضاً يرجى برؤه، كما يصح من زوجة يمكن وطؤها، سواء دخل بها أو لم يدخل، ولا يصح من مجنون وعاجز عن الوطء بسبب شلل في عضو التناسل أو قطع أو نحو ذلك) .
(4) (الحنفية - قالوا: هذا هو الذي يجب العمل به، فمتى مضت المدة طلقت منه طلقة بائنة بدون عمل آخر، وسيأتي إيضاح مذهبهم في التفصيل الذي بعد هذا، وخالفهم الأئمة الثلاثة) .
(5) (الحنفية - قالوا: متى انقضت مدة أربعة أشهر من تاريخ الحلف ولم يطأها فإنها تطلق منه طلقة واحدة بائنة بدون أن ترفع الأمر إلى القاضي وبدون أن يطلقها هو، فإذا أقر قبل انقضاء المدة أمام شهود أنه جامعها، ثم انقضت المدة وادعت الزوجة أنها بانت منه بعدم وطئها في المدة، وادعى هو أنه وطئها وأقر بذلك أمام شهود، وشهدت الشهود على إقراره فإنه يصح ولا تبين منه، ثم إن وقع الإيلاء في غرة الشهر، أي في أول ليلة منه اعتبرت الأشهر الأربعة بالأهلة، وإن وقع في وسط الشهر ففيه خلاف، فبعضهم يقول: تعتبر المدة بالأيام وبعضهم يقول: يعتبر الشهر الأول بالأيام، أما الشهر الثاني، والثالث، والرابع فتعتبر بالأهلة، ثم يكمل ما نقص من الشهر الأول بأيام من الشهر الخامس، مثلاً إذا آلى منها في نصف شعبان حسبت الخمسة عشر يوماً الباقية من شعبان، ثم يحسب رمضان وشوال وذو القعدة بالأهلة، ويؤخذ من ذي الحجة خمسة عشر يوماً يكمل بها شعبان، والرأي الثاني أحوط، كما لا يخفى، ثم إذا مضت المدة ولم يقربها وبانت منه، فإن في ذلك ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يحدد مدة واحدة، كأن يحلف بالطلاق الثلاث أن لا يطأها مدة أربعة أشهر ثم مضت الأربعة أشهر ولم يقربها فإنها تبين منه ويسقط الحلف بحيث لو جدد عليها العقد، فإنه يطؤها ولا يمين عليه، وهذا ظاهر لأن يمينه مؤقتة.
الصورة الثانية: أن يزيد مدة ثانية، كأن يحلف بالطلاق الثلاث أن لا يقربها مدة ثمانية أشهر وفي هذه الحالة إذا وطئها قبل انقضاء المدة لزمه الطلاق الثلاث، وإذا لم يقربها ومضت أربعة أشهر بانت منه، فإذا جدد عليها العقد بعد ذلك وصارت زوجة له ووطئها قبل مضي الأربعة أشهر الباقية وقع عليه الطلاق الثلاث، أما إذا تركها حتى تمضي الأربعة أشهر وتتم المدة التي حلف أن لا يقربها فيها عليه الطلاق الثلاث، فإنها تبين منه بينونة أخرى ويسقط الحلف فإذا جدد عليها العقد ثانياً كان له وطؤها كما يشاء، فإذا قال لها: إن وطئها في مدة سنة تكون طالقاً ثلاثاً، وانتظر المدة الأولى فبانت منه، ثم جدد عقده عليها، ولم يطأها حتى مضت المدة الثانية، وهي تكملة الأشهر الثمانية، فبانت منه ثانياً ثم مضى عليها بعد انقضاء المدة الثانية زمن ولو يسير جدد فيه العقد عليها فإنه لا يكون مولياً بما بقي لأنه أقل من أربعة أشهر لانقضاء زمن من الأربعة أشهر الباقية لم تكن زوجة له فيه والشرط أن تكون مدة الإيلاء أربعة أشهر كاملة، ولا يشترط الزيادة علياه.
الصورة الثالثة: أن لا يحدد مدة، سواء قيد بلفظ الأبد، كأن يحلف بالطلاق الثلاث أن لا يقربها أبداً، أو دائماً، أو طول عمرها، أو لم يقيد بشيء أصلاً، كأن يحلف أن لا يطأها وتحت هذه الصورة أربعة أوجه:
الوجه الأول: أن يطأها قبل انقضاء أربعة شهور، وحكم هذا أنه يلزمه الطلاق الثلاث.
الوجه الثاني: أن لا يطأها حتى تمضي أربعة شهور، وحكم هذا أنها تبين منه مرة بانقضاء أربعة أشهر، فإن جدد عليها العقد ثانياً كان مولياً وبانت منه بعد مضي مدة أخرى، فإن جدد عليها العقد ثالثاً كان مولياً وتبين منه بعد مضي مدة أخرى، وبذلك لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فإذا تزوجت غيره وطلقها، وعادت إلى الزوج الأول لم يكن مولياً ولم تطلق بوطئها، لأن ملك الزوج الأول قد انتهى بالثلاث وعادت إليه بملك جديد لا إيلاء فيه.
الوجه الثالث: أن يحلف بالثلاث أن لا يقربها أبداً، ولا يقربها حتى تمضي أربعة شهور فتبين منه مرة واحدة وتتزوج غيره، ثم تطلق وترجع إلى الأول، وفي هذه الحالة لا يسقط الإيلاء فإن وطئها وقع عليه الطلاق الثلاث الذي حلف به قبل أن تتزوج غيره أما إذا لم يطأها فإنها تبين منه بعد مضي أربعة شهور، فإن عقد عليها ثانياً كان مولياً وبانت منه بعد مضي مدة ثانية، فإن وطئها وقع عليه الثلاث، وإلا بانت منه بعد مضي مدة ثالثة، وبذلك لا تحل له إلا إذا نكحها زوج غيره، وذلك لأن الزوج الثاني يهدم عدد طلقات الزوج الأول، سواء كانت ثلاثاً أو أقل، - عند الإمام - فتعود الزوجة له بثلاث طلقات، وحيث أنها تزوجت قبل أن ينقطع عنه ملكها لأن المفروض أنها تزوجت بعد أن بانت منه مرة أو مرتين، فإن الإيلاء المؤبد لا يسقط فتعود إليه بثلاث طلقات، وحيث أنه مول فلا تقع الطلقة إلا بمضي مدة الإيلاء، وهي أربعة أشهر، فيقع في كل مدة طلاق بائن، ولكنك قد عرفت أن المعتمد أنها تعود إليها بما بقي، فإذا بانت منه مدة الإيلاء، ثم تزوجت غيره ورجعت إليه ثانياً فإنها ترجع إليه بطلقتين فقط، وعلى هذا إذا عقد عليها ولم يطأها بانت منه بواحدة بعد أربعة شهور، فإن عقد عليها ثانياً ولم يطأها، ومضت مدة أربعة شهور بانت منه نهائياً، لأن الأولى محسوبة عليه، فإذا تزوجت غيره ورجعت إليه ثانياً سقط بذلك الإيلاء.
الوجه الرابع: أن يحلف بالثلاث أن لا يطأها أبداً، ولكن قبل أن يطأها وقبل أن تبين منه بانقضاء أربعة شهور طلقها ثلاثاً، ثم انقضت عدتها وتزوجت غيره، وعادت إليه ثانياً فإنه يملكها بثلاث طلقات ويسقط الإيلاء، فلا شيء عليه إذا وطئها، لأن الطلاق الثلاث أبطل الإيلاء وأخرج الزوجة عن ملكه، ونظير ذلك ما إذا قال لها: إن دخلت بك فأنت طالق ثلاثاً، ثم طلقها قبل الدخول بها طلاقاً ثلاثاً منجزاً، فتزوجت بغيره وطلقت، ثم رجعت له ثانياً ودخل بها، فإن طلاقه المعلق على الدخول بها لا يقع، وذلك لأن الطلاق الثلاث المنجز أبطل الطلاق الثلاث المعلق وهذا هو المعتمد، خلافاً لمن قال: إن الطلاق الثلاث المنجز لا يبطل الإيلاء ولا يبطل المعلق، وهذا هو بخلاف ما إذا حلف بالثلاث أن لا يطأها، ثم طلقها طلقة واحدة بائنة قبل انقضاء مدة أربعة شهور، أو طلقها طلقتين ثم تزوجت غيره بعد انقضاء عدتها وطلقت وتزوجها ثانياً فإن الإيلاء في هذه الحالة لا يسقط.
لأن الذي يسقطه هو الطلاق الثلاث فقط يسقط بالطلقة الواحدة أو الطلقتين، فإذا عادت إليه في هذه الحالة ووطئها وقع عليه الثلاث، وإن لم يطأها كان في أمرها الخلاف بين محمد، وأبي حنيفة، فمحمد يقول: تعود إليه بما بقي، فلا يملك عليها إلا طلاقاً إن كانت قد بانت منه مرتين، أو طلاقين إن بانت منه واحدة، أما أبو حنيفة فإنه يقول: تعود إليه بالطلقات الثلاث، لأن الزوج الثاني هدم عدد طلقات الأول، سواء كانت ثلاثاً أو أقل وقد تقدم إيضاحه في الوجه الثالث، على أنهم أجمعوا على ضرورة تجديد العقد عند انقضاء كل مدة، فإذا انقضت أربعة شهور وبانت منه، ولم يجدد عليها العقد حتى مضت أربعة شهور أخرى ثم جدد عليها العقد فإن المدة الأولى لا تحسب، فلا يتكرر الطلاق إلا بعد تجديد العقد على المعتمد، بالمدة الحالة تحتسب من وقت تزوجها، سواء كان في العدة أو بعد انقضائها.
هذا، واعلم أنه إذا حلف بالله أن لا يطأها، ثم مضت مدة الإيلاء، وبانت منه وانقضت وتزوجت بغيره، ورجعت إليه ثانياً، ووطئها حنث في يمينه ووجبت عليه الكفارة، وذلك لأن التزوج بالغير لا يسقط اليمين بالله، وإنما يسقط اليمين بالطلاق.
وإذا آلى من مطلقته طلاقاً رجعياً فإن الإيلاء يصح وتحسب المدة من وقت الإيلاء، فإذا انقضت العدة قبل مضي أربعة شهور بانت بانقضاء العدة وبطل الإيلاء، فلا تبين منه ثانياً بمدة الإيلاء أما إذا لم تنقض قبل مدة الإيلاء كما إذا كانت ممتدة الطهر فإنها تبين بمضي مدة الإيلاء وإذا آلى من زوجته ثم طلقها طلاقاً بائناً قبل انقضاء مدة الإيلاء، ففيه تفصيل، وهو أنه إذا انقضت مدة الإيلاء قبل انقضاء العدة بانت واحدة بالإيلاء، وذلك لأن إبانتها بعد الإيلاء لا تقطع حكم الإيلاء مادامت في العدة، فإذا انقضت عدتها بانت بأخرى، أما إذا انقضت عدتها قبل انقضاء مدة الإيلاء، فإن حكم الإيلاء يسقط وتبين واحدة بانقضاء العدة.
وإذا حلف أن يطأ أجنبية فإنه لا يكون مولياً منها، ولكن إذا تزوجها ووطئها حنث وعليه الكفارة، فإذا حلف أنه لا يطؤها إن تزوجها فإنه يكون مولياً منها.
وتحصل الفيئة بالوطء في القبل، ولو كان مكرهاً، أو مجنوناً، بأن حلف وهو عاقل ثم جن أما المجنون قبل الحلف فإن إيلاءه لا ينعقد كالصغير، لأنه يشترط لصحة الإيلاء أن يكون المولى أهلاً، كما في الشروط.
والأهلية إنما تعتبر عند الحلف لا بعده، فإذا انقضت المدة وكان بالزوجة مانع طبيعي من صغر، ورتق، أو مرض لا يمكن معه وطؤها، أو كانت ناشزة ولا يعرف مكانها، فإن الفيئة في هذه الحالة تكون باللسان، كأن يقول: فئت إليها، أو أبطلت إيلائي، أو رجعت عما قلت، ونحو ذلك، فمتى قال ذلك فإنها لا تطلق بمضي المدة المذكورة، أما اليمين فإن كانت معلقة، بأن كان طلاقاً معلقاً على وطئها، أو عتقاً، أو نذراً، فإنه يبقى على حاله بحيث لو زال المانع ووطئها لزمه الطلاق، أو العتق، أو النذر الخ، وإن كان يميناً لزمته الكفارة.
هذا إذا لم يكن مقيداً، أما إذا كان مقيداً بمدة، كما لو حلف لا يقربها أربعة أشهر، وانقضت وهي معذورة فإنها لا تبين منه، وإذا وطئها لا يلزمه شيء لانحلال اليمين بمضي المدة بخلاف ما إذا كانت باليمين مطلقة، أو مؤبدة، فإنه إذا وطئها لزمه كفارتها، أو جزاؤها، ومثل ذلك ما إذا كان المانع قائماً بالزوج، كما إذا عرضت له عنة، أو كان محبوساً في محل لا يمكنها الوصول إليه فيه، أو كان مسافراً وبينهما مسافة لا يمكن قطعها في مدة أربعة أشهر، أو نحو ذلك، فإن فيئته تكون باللسان أيضاً، ولكن يشترط في الحبس أن يكون بغير حق، فإن كان محبوساً بحق فإنه لا يكفي منه بفيئة اللسان، بل تبين منه بانقضاء المدة، وإذا كان مريضاً مرضاً يرجى زواله ولكنه يمنعه عن الوطء عند انقضاء المدة فإن فيئته تكون باللسان بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن تبقى الزوجية قائمة بينهما إلى وقت الفيئة، فلو مضت أربعة أشهر كاملة ولم يقل: فئت إليها ونحوه فإنها تبين منه، فإذا قال بعد ذلك فلا ينفع، فلو تزوجها ثانياً بعقد جديد وهو مريض عاد الإيلاء، بحيث لو لم يطأها حتى مضت المدة بانت منه ثانياً.
وقد عرفت أنه إذا قدر على وطئها لزمته الكفارة، أو الجزاء على أي حال، وهذا بخلاف ما إذا كان صحيحاً وآلى من زوجته ومضت مدة أربعة، فبانت منه ثم وطئها بعد بينونتها، فإن الإيلاء يسقط وتلزمه الكفارة أو الجزاء، فإذا عقد عليها بعد ذلك لا يكون مولياً منها، بحيث لو لم يجامعها حتى مضت أربعة أشهر لا تبين منه.
الشرط الثاني: أن يكون مرض موجباً لعجزه عن الجماع.
الشرط الثالث: أن يدوم عجزه هذه المدة بحيث يحلف وهو مريض عاجز عن الجماع ويستمر عجزه. أما إذا حلف أن لا يطأها وهو صحيح وبقي صحيحاً مدة يمكنه أن يجامع فيها ثم مرض واستمر عاجزاً عن الجماع أربعة أشهر ولم يطأها، فإنها تبين منه ولا تنفعه الفيئة باللسان لأن الشرط أن يستمر عجزه كل مدة الإيلاء بحيث لا يبرأ وقتاً يستطيع فيه وطؤها، فإذا آلى وهو مريض ثم مرضت هي أيضاً بعد مرضه، ولكنه برئ قبل مضي المدة واستمرت هي مريضة إلى انقضاء المدةـ فقيل: إنها تبين منه، ولا تنفعه الفيئة باللسان، وذلك لأن مرضه هو سبب في الترخيص له بالفيئة اللسانية ومرضها هي سبب آخر، والقاعدة أن سبب الرخصة إذا تعدد في زمن آخر عمل بالأول وألغي الثاني وقد عرفت أنه مرض أولاً، ثم مرضت هي ثانياً، فسبب هو مرضه، أما مرضها فقد ألغي حيث برئ فإن سبب رخصته قد زال، وبعضهم يقول: إن فيئته تكون باللسان في هذه الحالة، لأن مرض زوجته مانع، على أن هذا فيما إذا حصل السببان في زمن واحد، أما إذا حصلا في زمنين مختلفين فإنه يعمل بهما، مثلاً إذا قال لها: والله لا أطؤك أبداً، وهو مريض، ثم مضت مدة الإيلاء فبانت منه، ثم صح وتزوجها ثانياً فإن الإيلاء يعود. كما عرفت، فإذا مرض ثانياً ففيئته باللسان، ولا تعتبر الصحة في هذه الحالة، وسبب الرخصة، وهو مرضه، قد تعدد في زمنين لا في زمن واحد، فالسبب الثاني قد جاء بعد زوال الزمن الأول، فلم يلغ الثاني، وهذا هو المعتمد.
فإذا قام بالزوجة أو الزوج مانع شرعي، كما إذا كانت حائضاً أو كان أحدهما متلبساً بالإحرام وكان بينه وبين التحلل مدة تزيد على أربعة أشهر أو نحو ذلك فإن الفيئة لا تكون إلا بالجماع، أما الفيئة باللسان فإنها لا تنفع، وذلك لأن الوطء ممكن، غايته أنه معصية، وحيث أنه قد حلف وعصى الله من الأصل فاليحتمل جزاء إثمه، فإذا وطئها في هذه الحالة فقد عصى وإذا تركها فقد بانت منه. فهو على أي الحالتين خاسر.
ومن هذا تعلم أنه إذا وطئها وهي حائض أو نفساء، فإنه يأثم، ولكن الإيلاء يسقط بذلك وتجب الكفارة، أو الجزاء.
هذا وإذا آلى من زوجته، ثم ارتد ولحق بدار الحرب بانت منه وسقط الإيلاء، لأن ملكه زال بلحوقه بدار الحرب مرتداً وبطل الإيلاء على الصحيح، وقيل: لا يبطل بحيث لو أسلم وتزوجها ثانياً رجع الإيلاء، والصحيح أنه لا يرجع.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]