
29-07-2022, 03:38 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,408
الدولة :
|
|
التنبيهات في التصحيفات والتحريفات
التنبيهات في التصحيفات والتحريفات (5/ 18)
الشيخ فكري الجزار
الباب الثاني: مشكلات تحتاج إلى ضبط
تمـهيد
قدَّمتُ في المبحث الثالث مِن الباب الأول أنَّ مِن أسباب التصحيف عدمَ الشَّكْل، وذكرتُ بعض أقوال أهل العِلم في هذا الصَّدَد.
وهناك أوضحتُ بكلام أهل العلم أنَّ على الكاتب والناسخ أن يَشكُلَ الأعلامَ وأسماء القبائل والأماكن والبلدان؛ لأنَّه ليس قبلَها ولا بعدها ما يدلُّ عليها.
ثم على الكاتب والناسِخ بعدَ ذلك أن يهتمَّ بشَكْلِ ما يلتبِس من الكلام؛ حتى لا يَقَع التصحيفُ.
وهناك أيضًا ذكرتُ أنَّ للضبط طريقين:
1- ضبط القلم.
2- ضبط العبارة.
وبينتُ أنَّ ضبط العبارة هو الأفضلُ كلَّما استطاعه الكاتِبُ والناسخ؛ لأنَّه لا يلتبس ولا يختلط على القارئ، بينما ضبْط القلم يُمكن أن يقَع فيه الالتباسُ، وبالأخص مع دِقَّة الخط[1] وضِيق الأسطر.
وهأنا في هذا الباب الثاني مِن كتابنا أذكُر أمثلة لكلماتٍ الْتَبست على القارئ بسببِ عدمِ الضبط[2].
• أنَّ عمر - رضي الله تعالى عنه - كان يأخُذ بقول ابن عبَّاس - رضي الله تعالى عنهما - في العُضَل[3]، قال[4]: وعمر عمرا.
"الإصابة" (4/93).
قوله: "وعمر عمرا":
كذا وقَع، وفيه احتمالان:
الأول: أن تكون الأولى: "وعُمَرُ".
فتكون الثانية تحريفًا.
والصواب:
"وعُمَرُ عُمَرُ".
كرَّرها للمبالغة في بيانِ قدْر عُمَر بن الخطَّاب - رضي الله تعالى عنه - وكأنَّه قال: "وعُمَر مَن هو عمر"؛ أي: "وأنت تعرِف مَن هو عمر".
وهذا هو الأقربُ للصواب.
الاحتمال الثاني: أن تكون الأولى: "وعُمِّرَ" - بكسر الميمِ المشدَّدة - أي: وعاش زمنًا طويلاً.
فتكون الثانية: "عُمْرًا" كما رسمت.
ولكن يكون فيها أمران:
الأول: أنَّها خطأ؛ لأنَّ ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ليس مِن المعمَّرين؛ إذ قد مات وله مِن العُمر إحدى وسبعون سَنَة، ومثل هذا لا يُسمَّى مُعَمَّرًا.
الثاني: أنه لم يعهدْ في كلامهم: "عُمِّر عُمْرًا"، بل يقولون: "عُمِّر" أو "مُعَمَّر".
• "قال الطيبي[5]: فيه إشارة إلى الاعتناءِ التام البالِغ بهذا الدعاء[6] وهذه الصلاة لِجَعْلِهما تلوينِ للفريضة والقرآن".
"فتح الباري" (11/188) [الدعوات - باب الدعاء عند الاستخارة].
قوله: "تلوين":
هو بكَسْرٍ بعدَه سكون بعْدَه فتْح "تِلْوَينِ"؛ لأنَّها مثنَّى (تِلْو)؛ أي: تالٍ.
• "(فإنَّك تَقدِر ولا أقدر.....)[7]... وكأنَّه قال: أنت يا ربِّ تَقدِر قبل أن تَخلُق في القُدرة، وعندما تخلُقها في، وبعدَما تخلقها".
"فتح الباري" (11/190) [الدعوات].
قوله: "في":
هو بفَتْح الياء مع تشديدها "فِيَّ"؛ أي: في نفْس الداعي.
• "فقال: يا ابنَ أخي إني قد وقعتُ في أمر ولا أعرِف المخرَجَ منه، وإقامة[8] مِثلي على ما لا أدْري ما هو - أَرشد أم هو غيٌّ - شديد فحدِّثني حديثًا، فقدِ اشتهيت يا ابن أخي أن تُحدِّثني".
"السيرة" لابن كثير (1/446) [ذكر إسلام حمزة بن عبدالمطلب - رضي الله عنه] تحقيق مصطفى عبدالواحد - مطبعة عيسى الحلبي - بدون تاريخ.
قوله: "أرشد":
هو بفَتْح الرَّاء المهملة والشين المعجَمة، أو بضمِّ الراء وسكون الشين المعجَمة "أَرَشَدٌ"؛ لأنه استفهام وليس هو تفضيلاً، وهي جملة اعتراضية.
قوله: "شديد":
هو بالرَّفْع والتنوين: "شديدٌ".
وليس هو وصفًا لـ"غيٍّ".
إنما هو متعلِّق بقوله: "وإقامة".
كأنه قال: وإقامة مِثلي على ما لا أدْري ما هو أمرٌ شديدٌ؛ أي: شديد على النفس.
ومِن عجب ألا يَتنبَّه لهذا الأمر رجلٌ كبير في العِلم والمنصب[9]، فقرأها: "أَرْشَد أم غي"، وهذا لا يصح.
• "وهذه الشَّفاعةُ في الحقيقة هي مِنه[10]، فإنه الذي أذِن، والذي قبِل، والذي رضِيَ عن المشفوع[11]، والذي وفَّقه لفِعلِ ما يستحقُّ به الشفاعةَ وقوله"[12].
"إغاثة اللهفان" (1/222).
تحقيق وتصحيح: محمد حامد الفقي
كلمة: "وقولِه" متعلِّقة بقوله: "لفِعلِ" فلا بدَّ مِن ضبطها؛ حتى يُفهَم المعنى.
• "فهذه عشرةُ قواعدِ الإسلام والإيمانِ تُجْلَى على سمعِك في هذه الآية العظيمة ولكن خود تزف إلى ضريرٍ مُقعد... ".
"بدائع الفوائد" (1/194) دار الكتاب العربي - بيروت
قوله: "خود":
خَوْدٌ - بفتْح بعده سكون -: الفتاة الحَسَنة الخَلْق الشابة ما لم تَصِر نَصَفًا؛ أي: كهْلَة.
انظر: "اللسان" (2/1284) (خود).
قوله: "تُزَفُّ" هو بضمِّ أوله، وفتْح الزاي المعجمة.
وبالله كيف تُقرأ هذه العبارة في زمانِنا بغير ضبْط؟!
• "... ورَوَى عن اليهود لعنت أنَّها تشاءمت برسولِ الله - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم... ".
"الكشاف" (1/545).
قوله: "لعنت":
كذا وقَع، وكأنَّه فعلٌ ماضٍ، ولا يصحُّ له معنًى هكذا.
فإما أن يكون الصواب:
"لُعِنَتْ" على البناء لما لم يُسمَّ فاعله، على أنها جملةٌ دعائيَّة اعتراضيَّة.
أو يكون في العبارة سقْط تقديره على الصواب: "لَعْنَتُ الله عليهم".
• "وكان إمامًا في القراءات لا نظيرَ له في عصره في الدُّنيا، حافظًا للحديث وغيره أتقن منه... "[13].
"طبقات الحفاظ" (549) ترجمة ابن الجزري.
دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - ط أولى (1403هـ - 1983م).
قوله: "وغيره".
ليستِ الواو عاطفةً.
إنَّما هي استئنافية.
فالعبارة تُقرأ هكذا: "وغَيْرُه أتْقنُ منه".
أي: إنَّ ابنَ الجزري[14] كان حافظًا للحديث؛ ولكن غيره مِن أهل زمانه كان أتْقنَ منه لهذا الفن.
قلت: فلا بدَّ مِن ضبط هذه العبارة؛ حتى لا تُقرأ: "وغيرِه" عطفًا على "الحديث"، فتكون العبارة لا معنَى لها.
• "والصلاة والسَّلام على سيِّدنا محمد...... وعلى آله وأصحابه الهادِين المهتدين، وتابعيهم وتبعهم من الأئمَّة المجتهدين".
"شرح نور الأنوار على المنار" في الأصول (1/3) بهامش "كشف الأسرار شرح المصنف على المنار، حافظ شيخ أحمد المعروف بمُلاَّ جيون بن أبي سعيد بن عبيدالله الحنفي الصِّدِّيقي الميهوي صاحب "الشمس البازغة" (ت1130هـ). ط أولى (1406- 1986م) - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.
قوله: "وتبعهم":
هو بفَتْح الباء الموحَّدة تحتُ بعدها عين مهملة مكسورة "وتبَعِهم".
و"التَّبَع" اسمٌ للجمْع[15].
أو نقول بوقوع سقْط في العبارة تقديره: "مَن" فيكون الصواب:
"ومَن تبِعَهم" بكسر الباء الموحَّدة تحت وفتْح العين المهملة فِعلاً ماضيًا؛ أي: ومَن جاء بعدهم، وسار على هَديهِم.
[1] وليعلم أنَّ دِقَّة الخطِّ مكروهةٌ إلا عندَ الضرورة، نصَّ على ذلك كثيرٌ من أهل العلم.
انظر: "مقدمة ابن الصلاح" (النوع الخامس والعشرون) (304)، مثلاً.
[2] قلت: "التبسَت"؛ لأنه قد وقَع فعلاً، وقلت: "على القارئ" ولم أقل: "عليَّ"؛ لأنَّها لم تلتبس عليَّ - بفضل الله تعالى - وقد سألتُ فيها بعضَ الناس فلم يعرفْها.
[3] ليس المقصود "العَضْل" الذي هو منْع المرأة من الزواج، بدليل أنَّا لا نجد لابن عبَّاس - رضي الله عنهما - رأيًا في "عضل المرأة"، ثم إذا نظَرْنا إلى "سباق الكلام" نجد أنَّه عن تقدُّم ابن عباس - رضي الله عنهما - في العِلم. وعليه فضَبْط الكلمة هكذا: "العُضَل" أي المسائِل المعضلة؛ أي: الصَّعْبة، ويدلُّ عليه قول القرطبي - رحمه الله تعالى - عن طاوس: لقد وردتْ عُضَلُ أقضيةٍ ما قام بها إلا ابن عبَّاس". انظر: "القرطبي" (2/967) الآية (232) من سورة البقرة.
[4] أي: الراوي.
[5] الشيخ الصدوق، أبو الحسن، أحمد بن إسحاق بن نيخاب، الطيبي (نِسبة إلى طيب، وهي بلدة بين واسط وكور الأهواز مشهورة). قال الخطيب: "لم نسمعْ فيه إلا خيرًا".
تنبيه أول: كنيته في "الأنساب": "أبو بكر".
تنبيه ثانٍ: جَدُّه في "تاريخ بغداد": "بنجاب" بالباء الموحَّدة تحتُ بعدها نون ثم جيم.
انظر: "السير" (15/530)، "تاريخ بغداد" (4/35) و"الأنساب" (4/95).
[6] يعني: دعاء الاستخارة.
[7] من دعاء الاستخارة أيضًا.
[8] أي: بقاء.
[9] هو الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامِعة الأزهر بمصر، وكان ذلك في (برنامج) "أيَّام مِن حياة الرسول" مِن إذاعة القرآن الكريم في يوم الأحد الموافِق (6/3/1420هـ - 20/6/1999م).
[10] سبحانه.
[11] سقطت: "له"، ولا بدَّ من إثباتها ليستقيم المعنى.
[12] الضمير عائدٌ على "ما يستحقُّ به الشفاعة".
[13] وقفت عليها أثناءَ البحث في ترجمة ابن الجزري؛ لإثباتها في كتابنا "سَبيل الهُدى في الوقف والابتدا".
[14] سبقت ترجمته في (120).
[15] انظر: "اللسان" (1/416) (تبع).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|