عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 31-07-2022, 04:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,235
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الطويل والتدوير

بالإِمكان الحِفاظُ على سَكْتة الشَّطر إذا ما تحوَّلت "اللذيذ" إلى التنكير، بأنْ يُقال فيها: "لذيذًا"؛ لكن الأوصاف هنا تَعدَّدتْ لمعارف، فالنشر وحْدَه ليس موصوفًا بالمعرفةِ "اللذيذ"، فالريَّا قدْ وُصِف أيضًا بالمعرفة "الذي أتذكَّر"؛ ويُضاف إلى ذلك أنَّ "اللذاذة" ليستْ أمرًا طارئًا، أو حالةً من حالات النَّشْر؛ فهي وصفٌ إلى الثبوت ألْزَمُ.

ويقول (ص: 70):
أَفِقْ قَدْ أَفَاقَ العَاشِقُونَ وَفَارَقُوا الْ
هَوَى وَاسْتَمَرَّتْ بِالرِّجَالِ المَرَائِرُ


أحكامٌ ألْقاها الشَّاعِر طالبًا مِن مخاطَبه أن يُفيق لها هي:
قدْ أفاق العاشقون/ فارَقوا الهوى/ استمرَّت بالرجال المرائر، وهي معطوفاتٌ جماعُها إنشاديًّا يمثل مطلبًا؛ لأنَّ طلب الإِفاقة موكولٌ بها لا بواحدٍ منها.

ومِن تَدْوير أبي العتاهية قولُه (ص: 153):
وَلَيْسَ دَبِيبُ الذَّرِّ فَوْقَ الصَّفَاةِ فِي الظْ
ظَلاَمِ بِأَخْفَى مِنْ رِيَاءٍ وَلاَ شِرْكِ


ففي البيتِ عَلاقةٌ بيْن جارٍّ ومجرور، أوجبتِ اتصالاً "في الظلام"، وقدْ كان بالإِمكانِ قَطعُها لو أنَّ الدَّلالة كانت تَنفي شمولَ الظلام، فقدْ كان بإمكانِ الشَّاعِر لو ابتغَى تنكيرَ الظلام أن يقول:
وَلَيْسَ دَبِيبُ الذَّرِّ فَوْقَ الصَّفَاةِ فِي
ظَلاَمٍ بِأَخْفَى مِنْ رِيَاءٍ وَلاَ شِرْكِ


ومن تَدْوير أبي تمّام قولُه (ص: 109):
نَظَمْتُ لَهُ عِقْدًا مِنَ الْمَدْحِ تَنْضُبُ ال
بُحورُ وَمَا دَانَاهُ مِنْ حَلْيِهَا عِقْدُ


لو كان للتنْكير هُنا أن يحقِّق مراد الشَّاعِر الدَّلالي أمكَن قطع العَروض ووُضوح سكْتَته، لكنَّ في وُجود "أل" إحاطةً وشُمولاً، ففيها ما يُساوي قيمةَ التَّوكيد، كأنَّ المرادَ بالبُحورِ البُحورُ كلُّها.

ومن تَدْوير البُحتُريِّ قولُه (ص: 102):
عَزَمْتَ فَلَمْ تَقْعُدْ بِعَزْمِكَ حِيْرَةُ الْ
مَرُوعِ وَلَمْ يَسْدُدْ مَذاهِبَكَ الذُّعْرُ


ودَلالات الفاعل هُنا اقْتضتِ التَّعريفَ الَّذي صارَ مَطلبًا لاتِّجاه العزْم إلى الفاعِل المُحلَّى وكذلك لاتِّجاه عدَم السَّداد إلى المُعيَّن المُحلَّى "الذعر"، وليس بالإِمكان التخلُّص مِن التَّدْوير باطِّراح "أل" قائلين:
عَزَمْتَ فَلَمْ تَقْعُدْ بِعَزْمِكَ حِيْرَةٌ
مَرُوعًا وَلَمْ يَسْدُدْ مَذاهِبَكَ الذُّعْرُ


إذْ بذلك يتغيَّر مراد العزْم ويَضطَرب الاتِّجاه إليه؛ فالَّذي قعَد عن العزْم أصبَح مَجهولاً، والذي لم يَقمْ بالتَّسديد مَعروف.

ومن ذلك قولُه أيضًا (ص: 14):
وَظَلْتُ أُقَاسِي حَارِثِيْكَ بُعَيْدَ مَا انْ
صَرَفْتُ فَسَلْنِي عَنْ مُعَاشَرَةِ الْجُنْدِ


والتَّصوُّر الدَّلالي يَجعل الوقْفة الإِنشاديَّة تاليةً للفعل "انصرفت" لا سابقةً عليه؛ لأنَّه لا مَعنى للأداة "ما" دون الفِعل، وهكذا أوجَب التصرُّف النحْوي الْتصاقَ "ما" بما بَعدها حتَّى يتشكَّل مِن خِلالها مَصدر مُؤوَّل تكون الدَّلالة من خِلاله على نحْو:

وظلْتُ أُقاسي حَارِثِيْكَ بعد انصِرافي؛ وهنا فلا قطْعَ للتَدْوير من أجل سكْتة العَروض؛ إذْ لا معنى لأنْ يكون الشَّطر موقوفًا عليه على نحو:
وظلْتُ أُقاسي حارثيَّك بعد ما، فالإِنشاد لا يروم هذا.

ومن تَدْوير المتنبِّي قولُه (ص: 148):
وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ جُبْتُ تَشْهَدُ أَنَّنِي الْ
جِبَالُ وَبْحْرٍ شَاهِدٍ أَنَّنِي الْبَحْرُ


الجبال الكلمة الأولى المُنكَّرة المسبوقة بكَم التي أطلَق عدَّها، ما كان لها أن تُقارَن قوةً وصلابةً بالجبَل العبْقريِّ المتنبِّي الحاوي جُملة جِبال، وقدْ فاقَ المتنبِّي في شُموله عدَّ الجِبال السابقة المُنكَّرة حيث عبَّر عنه بـ "أل الاستغراقية" التي صارتْ مطلبًا دَلاليًّا في وضع اللا محدود في مقابل المحدود، ولو لم يلجأ المتنبِّي إلى ورود "أل" التي حقَّقت الاستغراق - والوزنُ معه كيفما شاء - كان له أن يقول:
وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ جُبْتُ تَشْهَدُ أَنَّنِي الْ
جِبَالُ وَبْحْرٍ شَاهِدٍ أَنَّنِي الْبَحْرُ


وقوله المُفترَض فيه تضييع لقدرة المُبالَغة التي أرادها لتصوير قدرته وتضييعٌ لقدرة الشمول لديه.

وفي (ص: 133) دوَّر بالصامت وما كان للبيت إلا أن يُنطَق دفعةً واحدةً إنشاديًّا دون وعي بالتقسيم، ففي تلاحُق قافز سريع فيه بَتٌّ وتوكيد قال:
الْعَارِضُ الْهَتِنُ ابْنُ الْعَارِضِ الْهَتِنِ ابْ
نِ الْعَارِضِ الْهَتِنِ ابْنِ الْعَارِضِ الْهَتِنِ


وهذا شبيه بالتوفُّز التأثُّري الذي يرومه المُتكلِّم قائلاً: الرجل ابن الرجل ابن الرجل.. فلا حقَّ للسَّكت عَروضًا كي يُصبح الاتصال النطقي مُحقِّقًا لما رامه المتنبِّي نفسيًّا ودلاليًّا.

ومن تَدْوير أبي العلاء المعرِّيّ قوله (1/304 ) من "اللزوميات":
هَفَا دُونَهَا قَسُّ النَّصَارَى وَموبَذُ الْ
مَجُوسِ وَدَيَّانُ اليَهُودِ وَحَبْرُهَا


والتتابُع النُّطقيُّ يُمثِّل حقًّا دَلاليًّا؛ فالحنين آتٍ مِن شخصيات دينية مميزة هي: قَسُّ النصارى - موبذ المجوس، ديّان اليهود؛ وهي شخصيات لا يُمكن الارتكازُ على واحد مِنها فقط.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]