
31-07-2022, 08:14 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,907
الدولة :
|
|
رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله

الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (157)
صـ221 إلى صـ 230
[ ص: 221 ] المسلمون موجب لتخلية سبيلهم فعملوا على الإحراز من عوادي الدنيا ، وتركوا المقصود من ذلك ، وهو الذي بينه القرآن من التعبد لله والوقوف على قدم الخدمة ، فإذا كانت الصلاة تشعر بإلزام الشكر بالخضوع لله والتعظيم لأمره ; فمن دخلها عريا من ذلك كيف يعد ممن فهم باطن القرآن ؟ وكذلك إذا كان له مال حال عليه الحول ; فوجب عليه شكر النعمة ببذل اليسير من الكثير ، عودا عليه بالمزيد ; فوهبه عند رأس الحول فرارا من أدائها لا قصد له إلا ذلك ، كيف يكون شاكرا للنعمة ؟ وكذلك من يضار الزوجة لتنفك له من المهر على غير طيب النفس لا يعد عاملا بقوله تعالى فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] حتى يجري على معنى قوله تعالى : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا [ النساء : 4 ] وتجري هاهنا مسائل الحيل أمثلة لهذا المعنى ; لأن من فهم باطن ما خوطب به لم يحتل على أحكام الله حتى ينال منها بالتبديل والتغيير ، ومن وقف مع مجرد الظاهر غير ملتفت إلى المعنى المقصود ; اقتحم هذه المتاهات البعيدة .
وكذلك تجري مسائل المبتدعة أمثلة أيضا ، وهم الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ; كما قال الخوارج لعلي : إنه حكم [ ص: 222 ] الخلق في دين الله ، والله يقول : إن الحكم إلا لله [ الأنعام : 57 ، ويوسف : 40 ، 67 ] وقالوا : إنه محا نفسه من إمارة المؤمنين ; فهو إذا أمير الكافرين [ ص: 223 ] وقالوا لابن عباس : لا تناظروه ; فإنه ممن قال الله فيهم : بل هم قوم خصمون [ الزخرف : 58 ] وكما زعم أهل التشبيه في صفة الباري حين أخذوا بظاهر قوله : تجري بأعيننا [ القمر : 14 ] مما عملت أيدينا [ يس : 71 ] وهو السميع البصير [ الشورى : 11 ] والأرض جميعا قبضته يوم القيامة [ الزمر : 67 ] وحكموا مقتضاه بالقياس على المخلوقين ; فأسرفوا ما شاءوا فلو نظر الخوارج أن الله تعالى قد حكم الخلق في دينه في قوله : يحكم به ذوا عدل منكم [ المائدة : 95 ] وقوله : فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها [ النساء : 35 ] لعلموا أن قوله : إن الحكم إلا لله [ الأنعام : 57 ] غير مناف لما فعله علي ، وأنه من جملة حكم الله ; فإن تحكيم الرجال يرجع به الحكم لله وحده ، فكذلك ما كان مثله مما فعله علي .
ولو نظروا إلى محو الاسم من أمر لا يقتضي إثباته لضده ; لما قالوا : إنه أمير الكافرين ، وهكذا المشبهة لو حققت معنى قوله : ليس كمثله شيء [ الشورى : 11 ] في الآيات المذكورة لفهموا بواطنها ، وأن الرب منزه عن سمات المخلوقين .
وعلى الجملة ; فكل من زاغ ومال عن الصراط المستقيم ; فبمقدار ما فاته من باطن القرآن فهما وعلما ، وكل من أصاب الحق وصادف الصواب ; فعلى مقدار ما حصل له من فهم باطنه .
[ ص: 224 ] المسألة التاسعة
كون الظاهر هو المفهوم العربي مجردا لا إشكال فيه ; لأن الموالف والمخالف اتفقوا على أنه منزل بلسان عربي مبين [ الشعراء : 195 ] وقال سبحانه : ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر [ النحل : 103 ] ثم رد الحكاية عليهم بقوله : لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين [ النحل : 103 ] وهذا الرد على شرط الجواب في الجدل ; لأنه أجابهم بما يعرفون من القرآن الذي هو بلسانهم ، والبشر هنا حبر ، وكان نصرانيا فأسلم ، أو سلمان ، وقد كان فارسيا فأسلم ، أو غيرهما ممن كان لسانه غير عربي باتفاق منهم ، وقال تعالى : ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي [ فصلت : 44 ] وقد علم أنهم لم يقولوا شيئا من ذلك ; فدل على أنه عندهم عربي ، وإذا ثبت هذا فقد كانوا فهموا معنى ألفاظه من حيث هو عربي فقط وإن لم يتفقوا على فهم المراد منه ; فلا يشترط في ظاهره زيادة على الجريان على اللسان العربي .
فإذا كل معنى مستنبط من القرآن غير جار على اللسان العربي ; فليس من علوم القرآن في شيء ، لا مما يستفاد منه ، ولا مما يستفاد به ، ومن ادعى فيه [ ص: 225 ] ذلك فهو في دعواه مبطل ، وقد مر في كتاب المقاصد بيان هذا المعنى والحمد لله .
ومن أمثلة هذا الفصل ما ادعاه من لا خلاق له من أنه مسمى في القرآن كبيان بن سمعان حيث زعم أنه المراد بقوله تعالى : هذا بيان للناس الآية [ آل عمران : 138 ] وهو من الترهات بمكان مكين ، والسكوت على الجهل كان أولى به من هذا الافتراء البارد ، ولو جرى له على اللسان العربي لعده الحمقى من جملتهم ، ولكنه كشف عوار نفسه من كل وجه ، عافانا الله وحفظ علينا العقل والدين بمنه .
وإذا كان بيان في الآية علما له ; فأي معنى لقوله : هذا بيان للناس [ آل عمران : 138 ] كما يقال : هذا زيد للناس ، ومثله في الفحش من تسمى بالكسف ، ثم زعم أنه المراد بقوله تعالى : وإن يروا كسفا من السماء ساقطا الآية [ الطور : 44 ] فأي معنى يكون للآية على زعمه الفاسد ؟ كما تقول : وإن يروا رجلا من السماء ساقطا يقولوا : سحاب مركوم ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا [ ص: 226 ] وبيان بن سمعان هذا هو الذي تنسب إليه البيانية من الفرق ، وهو فيما زعم ابن قتيبة أول من قال بخلق القرآن ، والكسف هو أبو منصور الذي تنسب إليه المنصورية .
وحكى بعض العلماء أن عبيد الله الشيعي المسمى بالمهدي حين ملك [ ص: 227 ] إفريقية واستولى عليها ; كان له صاحبان من كتامة ينتصر بهما على أمره ، وكان أحدهما يسمى بنصر الله ، والآخر بالفتح ; فكان يقول لهما : أنتما اللذان ذكركما الله في كتابه فقال إذا جاء نصر الله والفتح [ النصر : 1 ] قالوا وقد كان عمل ذلك في آيات من كتاب الله تعالى ; فبدل قوله كنتم خير أمة أخرجت للناس [ آل عمران : 110 ] بقوله : كتامة خير أمة أخرجت للناس ، ومن كان في عقله لا يقول مثل هذا ; لأن المتسميين بنصر الله والفتح المذكورين إنما وجدا بعد مئين من السنين من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير المعنى : إذا مت يا محمد ثم خلق هذان ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح الآية [ النصر : 2 ] فأي تناقض وراء هذا الإفك الذي افتراه الشيعي قاتله الله ؟ .
ومن أرباب الكلام من ادعى جواز نكاح الرجل منا تسع نسوة حرائر مستدلا على ذلك بقوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع [ النساء : 3 ] ولا يقول مثل هذا من فهم وضع العرب في مثنى وثلاث ورباع [ ص: 228 ] ومنهم من يرى شحم الخنزير وجلده حلالا ; لأن الله قال : حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير [ المائدة : 3 ] فلم يحرم شيئا غير لحمه ، ولفظ اللحم يتناول الشحم وغيره بخلاف العكس [ ص: 229 ] ومنهم من فسر الكرسي في قوله : وسع كرسيه السماوات والأرض [ البقرة : 255 ] بالعلم مستدلين ببيت لا يعرف وهو : . . . . . . . . . . . . . .
ولا يكرسئ علم الله مخلوق كأنه عندهم : ولا يعلم علمه ، ويكرسئ مهموز ، والكرسي غير مهموز ومنهم من فسر غوى في قوله تعالى وعصى آدم ربه فغوى [ طه : 121 ] أنه تخم من أكل الشجرة من قول العرب غوي الفصيل يغوي غوى [ ص: 230 ] إذا بشم من شرب اللبن وهو فاسد ; لأن غوي الفصيل فعل والذي في القرآن على وزن فعل .
ومنهم من قال في قوله ولقد ذرأنا لجهنم [ الأعراف : 179 ] أي ألقينا فيها كأنه عندهم من قول الناس : ذرته الريح وذرأ مهموز وذرا غير مهموز وفي قوله : واتخذ الله إبراهيم خليلا [ النساء : 125 ] أي فقيرا إلى رحمته ، من الخلة بفتح الخاء محتجين على ذلك بقول زهير :
وإن أتاه خليل يوم مسألة

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|