عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 31-07-2022, 08:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله



الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (160)
صـ251 إلى صـ 260



وفي الخبر : من قال في القرآن برأيه فأصاب ; فقد أخطأ .

وما أشبه ذلك من التحذيرات ، وإنما احتيج إلى هذا كله لجلالة من نقل عنهم ذلك من الفضلاء ، وربما ألم الغزالي بشيء منه في الإحياء وغيره ، وهو مزلة قدم لمن لم يعرف مقاصد القوم ; فإن الناس في أمثال هذه الأشياء بين قائلين : منهم من يصدق به ويأخذه على ظاهره ، ويعتقد أن ذلك هو مراد الله تعالى من كتابه ، وإذا عارضه ما ينقل في كتب التفسير على خلافه ; فربما كذب به أو أشكل عليه ، ومنهم من يكذب به على الإطلاق ، ويرى أنه تقول وبهتان ، مثل ما تقدم من تفسير الباطنية ومن حذا حذوهم ، وكلا الطريقين فيه ميل عن الإنصاف ، ولا بد قبل الخوض في رفع الإشكال من تقديم أصل مسلم ، يتبين به ما جاء من هذا القبيل وهي :
[ ص: 253 ] المسألة العاشرة

فنقول : الاعتبارات القرآنية الواردة على القلوب الظاهرة للبصائر ، إذا صحت على كمال شروطها ; فهي على ضربين : أحدهما : ما يكون أصل انفجاره من القرآن ، ويتبعه سائر الموجودات ; فإن الاعتبار الصحيح في الجملة هو الذي يخرق نور البصيرة فيه حجب الأكوان من غير توقف ، فإن توقف ; فهو غير صحيح أو غير كامل ، حسبما بينه أهل التحقيق بالسلوك .

والثاني : ما يكون أصل انفجاره من الموجودات جزئيها أو كليها ويتبعه الاعتبار في القرآن .

فإن كان الأول ; فذلك الاعتبار صحيح ، وهو معتبر في فهم باطن القرآن من غير إشكال لأن فهم القرآن إنما يرد على القلوب على وفق ما نزل له القرآن ، وهو الهداية التامة على ما يليق بكل واحد من المكلفين وبحسب التكاليف وأحوالها ، لا بإطلاق ، وإذا كانت كذلك ; فالمشي على طريقها مشي على الصراط المستقيم ، ولأن الاعتبار القرآني قلما يجده إلا من كان من أهله عملا به على تقليد أو اجتهاد ; فلا يخرجون عند الاعتبار فيه عن حدوده ، كما لم يخرجوا في العمل به والتخلق بأخلاقه عن حدوده ، بل تنفتح لهم أبواب الفهم فيه على توازي أحكامه ، ويلزم من ذلك أن يكون معتدا به لجريانه على مجاريه ، والشاهد على ذلك ما نقل من فهم السلف الصالح فيه ; فإنه كله جار على ما تقضي به العربية ، وما تدل عليه الأدلة الشرعية حسبما تبين قبل .

وإن كان الثاني ; فالتوقف عن اعتباره في فهم باطن القرآن لازم ، وأخذه [ ص: 254 ] على إطلاقه فيه ممتنع لأنه بخلاف الأول ; فلا يصح إطلاق القول باعتباره في فهم القرآن ; فنقول : إن تلك الأنظار الباطنة في الآيات المذكورة إذا لم يظهر جريانها على مقتضى الشروط المتقدمة ; فهي راجعة إلى الاعتبار غير القرآني وهو الوجودي ويصح تنزيله على معاني القرآن لأنه وجودي أيضا ; فهو مشترك من تلك الجهة غير خاص ; فلا يطالب فيه المعتبر بشاهد موافق إلا ما يطالبه به المربي ، وهو أمر خاص وعلم منفرد بنفسه لا يختص بهذا الموضع فلذلك يوقف على محله ، فكون القلب جارا ذا قربى والجار الجنب هو النفس الطبيعي ، إلى سائر ما ذكر ; يصح تنزيله اعتباريا مطلقا ، فإن مقابلة الوجود بعضه ببعض في هذا النمط صحيح وسهل جدا عند أربابه ، غير أنه مغرر بمن ليس براسخ أو داخل تحت إيالة راسخ .

وأيضا ; فإن من ذكر عنه مثل ذلك من المعتبرين لم يصرح بأنه المعنى المقصود المخاطب به الخلق بل أجراه مجراه وسكت عن كونه هو المراد ، وإن جاء شيء من ذلك وصرح صاحبه أنه هو المراد ; فهو من أرباب الأحوال الذين لا يفرقون بين الاعتبار القرآني والوجودي ، وأكثر ما يطرأ هذا لمن هو بعد في السلوك ، سائر على الطريق لم يتحقق بمطلوبه ، ولا اعتبار بقول من لم يثبت اعتبار قوله من الباطنية وغيرهم [ ص: 255 ] وللغزالي في مشكاة الأنوار وفي كتاب الشكر من الإحياء ، وفي كتاب جواهر القرآن في الاعتبار القرآني وغيره ما يتبين به لهذا الموضع أمثلة ; فتأملها هناك والله الموفق للصواب .
فصل

وللسنة في هذا النمط مدخل ، فإن كل واحد منهما قابل لذلك الاعتبار المتقدم الصحيح الشواهد ، وقابل أيضا للاعتبار الوجودي ; فقد فرضوا نحوه في قوله عليه الصلاة والسلام : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلى غير ذلك من الأحاديث ، ولا فائدة في التكرار إذا وضح طريق الوصول إلى الحق والصواب .
[ ص: 256 ] المسألة الحادية عشرة

المدني من السور ينبغي أن يكون منزلا في الفهم على المكي ، وكذلك المكي بعضه مع بعض ، والمدني بعضه مع بعض ، على حسب ترتيبه في التنزيل ، وإلا لم يصح ، والدليل على ذلك أن معنى الخطاب المدني في الغالب مبني على المكي ; كما أن المتأخر من كل واحد منهما مبني على متقدمه ، دل على ذلك الاستقراء ، وذلك إنما يكون ببيان مجمل ، أو تخصيص عموم ، أو تقييد مطلق ، أو تفصيل ما لم يفصل ، أو تكميل ما لم يظهر تكميله وأول شاهد على هذا أصل الشريعة ; فإنها جاءت متممة لمكارم الأخلاق ، ومصلحة لما أفسد قبل من ملة إبراهيم عليه السلام ، ويليه تنزيل سورة الأنعام ; فإنها نزلت مبينة لقواعد العقائد وأصول الدين ، وقد خرج [ ص: 257 ] العلماء منها قواعد التوحيد التي صنف فيها المتكلمون من أول إثبات واجب الوجود إلى إثبات الإمامة هذا ما قالوا .

وإذا نظرت بالنظر المسوق في هذا الكتاب ; تبين به من قرب بيان القواعد الشرعية الكلية ، التي إذا انخرم منها كلي واحد انخرم نظام الشريعة أو نقص منها أصل كلي .

ثم لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان من أول ما نزل عليه سورة البقرة ، وهي التي قررت قواعد التقوى المبنية على قواعد سورة الأنعام ; فإنها بينت من أقسام أفعال المكلفين جملتها ، وإن تبين في غيرها تفاصيل لها كالعبادات التي هي قواعد الإسلام والعادات من أصل المأكول والمشروب وغيرهما والمعاملات من البيوع والأنكحة وما دار بها ، والجنايات من أحكام الدماء وما يليها .

وأيضا ; فإن حفظ الدين فيها ، وحفظ النفس والعقل والنسل والمال مضمن فيها ، وما خرج عن المقرر فيها ; فبحكم التكميل ، فغيرها من السور المدنية المتأخرة عنها مبني عليها ، كما كان غير الأنعام من المكي المتأخر عنها مبنيا عليها ، وإذا تنزلت إلى سائر السور بعضها مع بعض في الترتيب ; وجدتها [ ص: 258 ] كذلك ، حذو القذة بالقذة ; فلا يغيبن عن الناظر في الكتاب هذا المعنى فإنه من أسرار علوم التفسير ، وعلى حسب المعرفة به تحصل له المعرفة بكلام ربه سبحانه .
فصل

وللسنة هنا مدخل ; لأنها مبينة للكتاب ; فلا تقع في التفسير إلا على وفقه ، وبحسب المعرفة بالتقديم والتأخير يحصل بيان الناسخ من المنسوخ في الحديث ، كما يتبين ذلك في القرآن أيضا ، ويقع في الأحاديث أشياء تقررت قبل تقرير كثير من المشروعات ; فتأتي فيها إطلاقات أو عمومات ربما أوهمت ، ففهم منها يفهم منها لو وردت بعد تقرير تلك المشروعات ; كحديث : من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله ; دخل الجنة .

أو حديث : ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صادقا من قلبه ; إلا حرمه الله على النار [ ص: 259 ] وفي المعنى أحاديث كثيرة وقع من أجلها الخلاف بين الأمة فيمن عصى الله من أهل الشهادتين ; فذهبت المرجئة إلى القول بمقتضى هذه الظواهر على الإطلاق ، وكان ما عارضها مئولا عند هؤلاء ، وذهب أهل السنة والجماعة إلى خلاف ما قالوه ، حسبما هو مذكور في كتبهم وتأولوا هذه الظواهر .

ومن جملة ذلك أن طائفة من السلف قالوا : إن هذه الأحاديث منزلة على الحالة الأولى للمسلمين ، وذلك قبل أن تنزل الفرائض والأمر والنهي ، ومعلوم أن من مات في ذلك الوقت ولم يصل أو لم يصم مثلا وفعل ما هو محرم في الشرع لا حرج عليه ; لأنه لم يكلف بشيء من ذلك بعد ، فلم يضيع من أمر إسلامه شيئا ، كما أن من مات والخمر في جوفه قبل أن تحرم ; فلا حرج عليه [ ص: 260 ] لقوله تعالى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح الآية [ المائدة : 93 ] ، وكذلك من مات قبل أن تحول القبلة نحو الكعبة لا حرج عليه في صلاته إلى بيت المقدس لقوله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم [ البقرة : 143 ] وإلى أشياء من هذا القبيل فيها بيان لما نحن فيه ، وتصريح بأن اعتبار الترتيب في النزول مفيد في فهم الكتاب والسنة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]