ثالثا: الأسباب النفسية:
إن الآداب الاجتماعية، والحياء،والاشمئزاز، والتفاؤل، كلها أسباب نفسية تدعو إلى تجنب كثير من الألفاظ، والعدول عنها إلى غيرها من الألفاظ التي يُكْنىَ بها عن الأشياء التي يُسْتَحَى من ذكرها، أو يُخَاف، أو يُتَشَائم من التلفظ بأسمائها. [76]
ويقصد بها تلك العوامل الداخلية التي تؤثر في وجدان الناس وعقلياتهم، فيعزفون عن استعمال بعض الكلمات نظرا لما ترتبط به في أذهانهم من معاني الاشمئزاز، أو الخوف، أو تخدش الحياء العام، ومن ثم ينصرفون عنها إلى ألفاظ أخرى تكون لها معاني الألفاظ المعزوف عنها، ومن هنا تتسع دلالات الألفاظ البديلة، وتنزوي الألفاظ القديمة.. [77]
ويطلق على هذه الظاهرة في اللغة (اللامساس) وتطلق على كل ما هو مقدس، أو ما يحرم لمسه، أو الاقتراب منه لأسباب خفية، سواء أكان ذلك إنسانا أم كلمة أم شيئا آخر، فإذا اصطدمت كلمة ما بحظر الاستعمال تحت تأثير عامل اللامساس؛ حلت محلها فكرة أخرى خالية من الأذى والضرر. [78]
ومن أهم العوامل النفيسة ما يأتي:
(1) التفاؤل والتشاؤم: يعد من أهم العوامل التي بسببها تنتقل دلالة اللفظ إلى ضده، ومن ذلك: إطلاقهم (المفازة) على الصحراء، و(السليم) على الملدوغ،[79] مما يعنى توسعا في دلالة لفظي المفازة والسليم، لتشمل المفازة كلا من الصحراء والمنجاة، والسليم كلا من المعافى واللديغ.. [80]
(2) قبح دلالة الألفاظ: هناك ألفاظ قبيحة الدلالة يأنف الإنسان عادة من التصريح بها، فيعبر عنها بلفظ آخر، ومن الألفاظ الدائمة التطور والتغير في دلالتها تلك التي تشير إلى التبول والتبرز، والعملية الجنسية، وأعضاء التناسل، فلا يكاد لفظ منها يشيع حتى يمجه الذوق الاجتماعي، وتأباه الآداب العامة، فيستعاض عنه بآخر من نفس اللغة أومن لغة أجنبية.. [81] ومن هنا، فإن بعض الألفاظ تكتسب معاني جديدة بسبب العوامل النفسية التي تؤثر في الناطقين بها.
مظاهر التطور الدلالي:
بين العلماء مظاهر التطور الدلالي، وهي.
1- تضييق المعنى = (التخصيص)
2- توسيع المعنى = (التعميم).
3- المجاز = (الانتقال).
وسيأتي بيان كل منها في باب التطور الدلالي إن شاء الله تعالى.
[1] التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه. د. رمضان عبد التواب (ص9) ط3. 1417هـ- 1997م.، وينظر: علم اللغة د. على عبد الواحد وافي (ص325) نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع. فبراير 2000م.
[2] الاستدراك على المعاجم العربية في ضوء مئتين من المستدركات الجديدة على لسان العرب وتاج العروس. د.محمد حسن جبل (ص35) دار الفكر العربي. بدون.
[3] دور الكلمة في اللغة (ص170).
[4] اللغة (ص266، 277) لفندريس تعريب عبد الحميد الدواخلي، ومحمد القصاص بدون طبعة أو تاريخ.
[5] ينظر: الصاحبي (ص78) لأبي الحسين أحمد بن فارس تح / السيد أحمد صقر. دار إحياء الكتب العربية. بدون تاريخ.
[6] مسلم (كتاب الحيض – باب الوضوء مما مست النار) (1/ 72)، وسنن الترمذي (أبواب الطهارة – ما جاء في الوضوء مما غيرت النار) (1/ 114) (الجامع الصحيح) لمحمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي. تح/ أحمد محمد شاكر وآخرون. دار إحياء التراث العربي –بيروت.
[7] غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 155).
[8] مجموع الفتاوى (1/ 243) لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية. دار الوفاء ط:3- 1426هـ 2005م.
[9] دلالة الألفاظ (ص93، 94).
[10] في الدلالة اللغوية (ص92)، وينظر: علم الدلالة د. فريد حيدر (ص71)، وفي علم الدلالة دراسة تطبيقية في شرح الأنباري للمفضليات (ص33) د. عبد الكريم محمد حسن جبل. دار المعرفة الجامعية. الإسكندرية. 1997م، والبحث الدلالي في المعجمات الفقهية المتخصصة (135).
[11] علم اللغة د. وافي (ص314).
[12] السابق (ص315).
[13] علم اللغة د. وافي (ص315، 316).
[14] علم الدلالة د. فريد حيدر (ص74).
[15] علم اللغة د. وافي (ص317)، وعلم الدلالة د. حيدر (ص74).
[16] المصدران السابقان الصفحة نفسها.
[17] علم اللغة بين القديم والحديث لأستاذنا د. عبد الغفار هلال (ص212) ط:4 – 1423هـ 2002م.
[18] علم اللغة د. وافي (ص319)، وينظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم. عودة خليل أبو ناصر (ص53) مكتبة المنار. الأردن. ط1. 1405هـ – 1985م.
[19] غريب ابن قتيبة (1/ 168).
[20] السابق (1/ 226، 227).
[21] سيأتي تفصيل ذلك في باب التطور الدلالي.
[22] التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي (ص53)، وينظر: علم اللغة د. وافي (ص320).
[23] مسلم (باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم) (3/ 1514) بغير هذا اللفظ.
[24] غريب أبي عبيد (1/ 239).
[25] أبو داود (كتاب الطهارة – باب في الجنب يؤخر الغسل) (1/ 107).
[26] غريب الحربي (3/ 1050، 1051).
[27] لم أقف عليه.
[28] الدلائل للسرقسطي (3/ 1199).
[29] علم اللغة لأستاذنا د. هلال (ص214).
[30] علم اللغة (ص321)، وينظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي (ص53).
[31] المسند (6/ 381)، ومسند إسحاق بن راهويه (5/ 160) إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي مكتبة الإيمان -المدينة المنورة. ط1، 1412 - 1991 تحقيق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي
[32] غريب أبي عبيد (1/ 363).
[33] لم أقف عليه.
[34] الدلائل (2/ 584).
[35] مصنف عبد الرزاق (5/ 452) لأبي بكر عبد الرزاق همام الصنعاني تح/ حبيب الرحمن الأعظمي. المكتب الإسلامي. بيروت ط:2 – 1403هـ.
[36] غريب الخطابي (2/ 146، 147).
[37] علم اللغة لأستاذنا د. هلال (ص215).
[38] علم اللغة د. وافي _321).
[39] علم اللغة لأستاذنا د. هلال (216).
[40] علم اللغة د. وافي (ص322)، والتطور الدلالي بين لغة الشعر (ص45).
[41] البخاري (كتاب الحدود – باب الاعتراف بالزنا) (6/ 2502)، ومسلم (كتاب الحدود- باب من اعترف على نفسه بالزنا) (2/ 1324).
[42] ينظر: غريب أبي عبيد (1/ 99).
[43] علم اللغة لأستاذنا د. هلال (217).
[44] علم اللغة د. وافي (323)، والتطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي (54).
[45] مصنف عبد الرزاق (4/ 30).
[46] غريب الخطابي (1/ 89) وما بعدها.
[47] ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس (م ن ح) (7/ 154) لمحمد بن عبد الرزاق الملقب بالمرتضى الزبيدي. تحقيق مجموعة من المحققين. التراث العربي سلسلة يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. دولة الكويت.
[48] علم اللغة د. هلال (218).
[49] علم اللغة بين القديم والحديث د. عبد الغفار هلال (218).
[50] التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن الكريم (ص54).
[51] علم اللغة لأستاذنا د. عبد الغفار هلال (218).
[52] التهذيب (سرل) (12/ 27).
[53] علم اللغة د. عبد الغفار هلال (219).
[54] التطور الدلالي بين لغة الشعر (ص55).
[55] فقه اللغة وخصائص العربية (ص214) د. محمد المبارك. دار الفكر. بيروت. بدون تاريخ.
[56] علم اللغة مقدمة د. السعران (210، 211)، وينظر: دراسة المعنى عند الأصوليين. د. طاهر سليمان حمودة (203) الدار الجامعية للطباعة والنشر والتوزيع. الإسكندرية. بدون تاريخ.
[57] دراسة المعنى عند الأصوليين (203).
[58] الصاحبي (ص78) وما بعدها.
[59] ينظر: لبيان ذلك: غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 153)، وما بعدها، فقد ذكر ألفاظ الوضوء والصلاة والصيام وأبوابًا أخرى من الفقه، وبين أصل دلالتها اللغوية ثم الشرعية.
[60] في الدلالة اللغوية (ص106).
[61] سنن ابن ماجه (كتاب الزهد – باب الورع والتقوى) (2/ 1409) (محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني) تح/ محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر. بيروت. بدون تاريخ. ، وحلية الأولياء (1/ 183)، ومسند الشاميين (2/ 217) لسليمان بن أحمد بن أيوب أبي القاسم الطبراني تح/ حمدي بن عبد المجيد السلفي. مؤسسة الرسالة. بيروت ط:1 – 1405هـ - 1984م.
[62] غريب أبي عبيد (2/ 530) وما بعدها.
[63] السابق نفسه.
[64] مسلم (كتاب البر والصلة – باب من يملك نفسه عند الغضب) (4/ 2014)، والمسند (1/ 382).
[65] مصنف ابن أبي شيبة (كتب الزهد – باب حديث طلق بن حبيب) (7/ 183)، والآحاد والمثاني (4/ 294).
[66] غريب أبي عبيد (2/ 508)، وينظر: في الدلالة اللغوية (ص107، 108).
[67] جزء من حديث في المسند (4/ 36)، والمعجم الكبير (2/ 191) لسليمان بن أحمد القاسم الطبراني تح/ حمدي بن عبد المجيد السلفي مكتبة العلوم والحكم. الموصل ط:2 – 1404هـ - 1983م. .
[68] غريب أبي عبيد ( 4/ 8).
[69] جزء من حديث. مسند الشهاب القضاعي (2/ 196) لمحمد بن سلامة بن جعفر أبي عبد الله القضاعي تح/ حمدي بن عبد المجيد السلفي. مؤسسة الرسالة. بيروت ط:2 – 1407هـ 1986م. ، وينظر: غريب أبي عبيد (2/ 490) وقد فسرها النبي بأنها المرأة الحسناء في المنبت السوء.
[70] المسند (6/ 455)، وغريب الخطابي (1/ 522) ومعنى الخيل معقود – أن البركة فيها، فالخير منوط بها ملازم لها، كأنه عقد فيها لإعانتها على جهاد أعداء الدين وقمع سر الكافرين، وعدم قيام غيرها مقامها في الإجلاب، والفر والكر عليهم. ينظر: فيض القدير شرح الجامع الصحيح (3/ 221) لعبد الرؤوف المناوي. المكتبة التجارية الكبرى. مصر. ط:1 – 1356هـ.
[71] جزء من حديث. مسلم (كتاب الإيمان – باب قوله إن الله لا ينام) (1/ 161)، والمسند (4/ 395).
[72] غريب الخطابي (1/ 485).
[73] المسند (1/ 207)، وطبقات ابن سعد (2/ 151) ويقصد بذلك: شدة القتال.
[74] سنن سعيد بن منصور (2/ 269) وفي تفسيره قولان: الأول: لا يحل لمسلم أن يسكن بلاد المشركين فيكون منهم بقدر ما يرى كل واحد منهم نار صاحبه.
والثاني: لا تراءى ناراهما يريد نار الحرب ; قال الله تبارك و تعالى: (كُلَّمَا أَوْقَدُوْا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) فيقول: ناراهما، يريد: نار الحرب، يقول: ناراهما مختلفتان، هذه تدعو إلى الله، وهذه تدعو إلى الشيطان، فكيف تتفقان ؟ ينظر: غريب أبي عبيد (4/ 35، 36)
[75] الزينة في الكلمات الإسلامية لأبي حاتم الرازي (1/ 156) علق عليه / حسين بن فيض الله الهمداني. مركز الدراسات والبحوث – اليمن- بدون تاريخ.
[76] فقه اللغة د. المبارك (ص215).
[77] في الدلالة اللغوية (99، 100).
[78] دور الكلمة في اللغة (193)، وينظر: علم اللغة د. فريد حيدر (92).
[79] سيأتي بيان ذلك في فصل التضاد.
[80] في الدلالة اللغوية (ص102).
[81] التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي (ص55)، وينظر: علم الدلالة د. فريد حيدر (ص93)، وعلم اللغة لأستاذنا د. هلال (ص227) وما بعدها، ودراسة المعنى عند الأصوليين (ص204) وما بعدها.