عرض مشاركة واحدة
  #226  
قديم 05-08-2022, 01:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,317
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1315 الى صـ 1322
الحلقة (226)



وقال ابن القيم في "شرح المنازل": أهل السنة متفقون على أن الشخص الواحد يكون فيه ولاية لله وعداوة من وجهين مختلفين، ويكون محبوبا لله ومبغوضا من وجهين، بل يكون فيه إيمان ونفاق، وإيمان وكفر، ويكون إلى أحدهما أقرب من الآخر، فيكون إلى أهله كما قال تعالى: هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان [آل عمران: من الآية 167] وقال: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون فأثبت لهم - تبارك وتعالى - الإيمان مع مقارفة الشرك، فإن كان مع هذا الشرك تكذيب لرسله لم ينفعهم ما معهم من الإيمان، وإن كان تصديق برسله وهم يرتكبون لأنواع من الشرك لا تخرجهم عن الإيمان بالرسل واليوم الآخر - فهم مستحقون للوعيد أعظم من استحقاق أهل الكبائر، وبهذا الأصل أثبت أهل السنة دخول أهل الكبائر النار ثم خروجهم منها [ ص: 1315 ] ودخولهم الجنة؛ لما قام بهم من السببين.

قال: وقال ابن عباس في قوله تعالى: ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة: من الآية 44] قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس بكفر ينقل عن الملة، إذا فعله فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر، وكذلك قال طاوس وعطاء . انتهى كلامه.

وقال الشيخ تقي الدين : كان الصحابة والسلف يقولون: إنه يكون في العبد إيمان ونفاق، وهذا يدل عليه قوله عز وجل: هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان [آل عمران: من الآية 167] وهذا كثير في كلام السلف، يبينون أن القلب يكون فيه إيمان ونفاق، والكتاب والسنة يدل على ذلك.

ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان .

فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل قليل لم يخلد في النار ، وإن كان معه كثير من النفاق، فهذا يعذب في النار على قدر ما معه ثم يخرج، إلى أن قال: وتمام هذا أن الإنسان قد يكون فيه [ ص: 1316 ] شعبة من شعب الإيمان، وشعبة من شعب الكفر، وشعبة من شعب النفاق، وقد يكون مسلما وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام بالكلية، كما قال الصحابة، ابن عباس وغيره: كفر دون كفر، وهذا عامة قول السلف. انتهى.

فتأمل هذا الفصل وانظر حكايتهم الإجماع من السلف، ولا تظن أن هذا في المخطئ، فإن ذلك مرفوع عنه إثم خطئه كما تقدم مرارا عديدة.

وقال الشيخ تقي الدين في كتاب "الإيمان": الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن، وإن المنافقين الذين قالوا: آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين [البقرة: من الآية 8] هم في الظاهر مؤمنون، يصلون مع المسلمين، ويناكحونهم ويوارثونهم، كما كان المنافقون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم بحكم الكفار المظهرين الكفر لا في مناكحتهم ولا في موارثتهم ولا نحو ذلك، بل لما مات عبد الله بن أبي - وهو من أشهر الناس في النفاق - ورثه عبد الله ابنه، وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون، وإذا مات لهم وارث ورثوه مع المسلمين وإن علم أنه منافق في الباطن، وكذلك كانوا في الحدود والحقوق كسائر المسلمين، وكانوا يغزون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهم من هم بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، ومع هذا - ففي الظاهر - تجري عليهم أحكام أهل الإيمان، إلى أن قال: ودماؤهم وأموالهم معصومة ولا يستحل منهم ما يستحل من الكفار.

والذين يظهرون أنهم مؤمنون، بل يظهرون الكفر دون الإيمان، فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال: أمرت أن أقاتل الناس [ ص: 1317 ] حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله .

وكما قال لأسامة: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ قال: فقلت: إنما قالها تعوذا، قال: هل شققت عن قلبه ؟ وقال: إني لم أؤمر أن أنقب [ ص: 1318 ] عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم .

وكان إذا استؤذن في قتل رجل يقول: أليس يصلي؟ أليس يشهد؟ فإذا قيل له: إنه منافق، قال ذلك.

فكان حكمه في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم ولا يستحل منها شيئا مع أنه يعلم نفاق كثير منهم. انتهى كلام الشيخ.

وقد أوضح حجة الإسلام الغزالي - رضي الله عنه - في "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة" الكفر المخرج عن الملة - والعياذ بالله تعالى - بعد مقدمته المدهشة بقوله: لعلك تشتهي أن تعرف حد الكفر بعد أن تتناقض عليك حدود أصناف المقلدين، فاعلم أن شرح ذلك طويل ومدركه غامض، ولكني أعطيك علامة صحيحة فتطردها وتعكسها لتتخذها مطمح نظرك وترعوي بسببها عن تكفير الفرق وتطويل اللسان في أهل الإسلام، وإن اختلفت طرقهم ما داموا متمسكين بقول: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) صادقين بها غير مناقضين لها، فأقول: الكفر هو تكذيب الرسول - عليه السلام - في شيء مما جاء به، والإيمان تصديقه في جميع ما جاء به. فاليهودي والنصراني كافران لتكذيبهما للرسول عليه السلام. والبرهمي كافر بالطريق الأولى؛ لأنه أنكر مع رسولنا سائر المرسلين. والدهري كافر بالطريق الأولى؛ لأنه أنكر مع رسولنا المرسل سائر الرسل، وهذا لأن الكفر حكم شرعي كالرق والحرية مثلا.

[ ص: 1319 ] إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار، ومدركه شرعي فيدرك إما بنص وإما بقياس على منصوص، وقد وردت النصوص في اليهود والنصارى، والتحق بهم بالطريق الأولى البراهمة والثنوية والزنادقة والدهرية، وكلهم مشركون، فإنهم مكذبون للرسول، فكل كافر مكذب للرسول، وكل مكذب فهو كافر، فهذه هي العلامة المطردة المنعكسة.

وتتمة هذا البحث في هذا الكتاب الذي لا يستغني عنه فاضل، فارجع إليه، وعض بنواجذك عليه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
القول في تأويل قوله تعالى:

ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا [49]

ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم تعجيب من تمادحهم بالتزكية التي هي التطهير والتبرئة من القبيح فعلا وقولا، المنافية لما هم عليه من الطغيان والشرك الذي قصه تعالى عنهم قبل، فالمراد بهم اليهود، وقد حكى تعالى عنهم أنهم يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه [المائدة: من الآية 18] وحكى عنهم أيضا أنهم قالوا: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة [البقرة: من الآية 80] وأنهم قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى [البقرة: من الآية 111].

وروى ابن أبي حاتم، عن ابن عباس [ ص: 1320 ] قال: كان اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب، وكذبوا، قال الله: إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له، وأنزل الله: ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم أي: انظر إليهم فتعجب من ادعائهم أنهم أزكياء عند الله تعالى مع ما هم فيه من الكفر والإثم العظيم، أو من ادعائهم تكفير ذنوبهم مع استحالة أن يغفر للكافر شيء من كفره أو معاصيه.

وقوله تعالى: بل الله يزكي من يشاء تنبيه على أن تزكيته هي المعتد بها دون تزكية غيره، فإنه العالم بما ينطوي عليه الإنسان من حسن وقبيح، وقد ذمهم وزكى المرتضين من عباده المؤمنين.
تنبيه:

قال الزمخشري : يدخل في الآية كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند الله، فإن قلت: أما قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: والله! إني لأمين في السماء، أمين في الأرض؟ قلت: إنما قال ذلك حين قال له المنافقون: اعدل في القسمة؛ إكذابا لهم إذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه، وشتان من شهد الله له بالتزكية ومن شهد لنفسه أو شهد له من لا يعلم.

وقد ورد في ذم التمادح والتزكية أحاديث كثيرة، منها:

عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يثني على رجل ويطريه في المدح فقال: أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل متفق عليه.

وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رجلا ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأثنى عليه رجل خيرا، [ ص: 1321 ] فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ويحك! قطعت عنق صاحبك - يقوله مرارا - إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك، وحسيبه الله، ولا يزكي على الله أحدا متفق عليه.

وعن همام بن الحارث، عن المقداد - رضي الله عنه - أن رجلا جعل يمدح عثمان - رضي الله عنه - فعمد المقداد فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان : ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب رواه مسلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا معتمر ، عن أبيه، عن نعيم بن أبي هند قال: قال عمر بن الخطاب : من قال: أنا مؤمن فهو كافر، ومن قال: هو عالم فهو جاهل، ومن قال: هو في الجنة فهو في النار.

ورواه ابن مردويه من طريق موسى بن عبيدة، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز ، عن عمر أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال إنه مؤمن فهو كافر، ومن قال هو عالم فهو جاهل، ومن قال هو في الجنة فهو في النار.

وروى الإمام أحمد ، عن معبد الجهني قال: كان معاوية قلما كان يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وكان قلما يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإن هذا المال حلو خضر فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه، وإياكم والتمادح فإنه الذبح .

وروى ابن ماجه عنه: إياكم والتمادح فإنه الذبح .

وروى ابن جرير بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: إن الرجل ليغدو بدينه، ثم [ ص: 1322 ] يرجع وما معه منه شيء، يلقى الرجل ليس يملك له نفعا ولا ضرا فيقول له: والله! إنك لذيت وذيت فلعله أن يرجع ولم يحل من حاجته بشيء، وقد أسخط الله عليه، ثم قرأ: ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم الآية.

ولا يظلمون فتيلا عطف على جملة قد حذفت؛ تعويلا على دلالة الحال عليها، وإيذانا بأنها غنية عن الذكر، أي: يعاقبون بتلك الفعلة القبيحة ولا يظلمون في ذلك العقاب فتيلا، أي: أدنى ظلم وأصغره، والفتيل الخيط الذي في شق النواة، أو ما يفتل بين الأصابع من الوسخ، يضرب به المثل في القلة والحقارة، وقيل: التقدير: يثاب المزكون ولا ينقص من ثوابهم شيء أصلا، ولا يساعده مقام الوعيد، قاله أبو السعود .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]