
12-08-2022, 03:47 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,101
الدولة :
|
|
رد: الروضة الوائلية
الروضة الوائلية (9)
وائل حافظ خلف
((فوائد في علوم شتى نفيسات - خواطر عليات - حِكَم فائقات - نوادر مستحسنات - أشعار منتقاة - حكايات مصطفاة))
[هذه - أسعدك الله - روضة لديدة سَنية، ناضرة بهية، دانية قطوفها، مأمونة فصولها؛ فتأنق حيث شئت فيها جَيْئَة وذُهُوبًا، وكن للدعاء لغارسها بذَّالاً وَهُوبًا].
[ كتابٌ محفوظٌ ]
روى الإمام أبو عبد الله القرطبي - رحمه الله - عن يحيى بن أكثم قال:
كان للمأمون - وهو أمير إذ ذاك - مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة، فتكلم فأحسن الكلام والعبارة، فلما أن تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال نعم.
قال له: أَسْلِمْ حتى أفعل بك وأصنع، ووعده.
فقال: ديني ودين آبائي! وانصرف.
فلما كان بعد سنة جاءنا مسلمًا، فتكلم على الفقه فأحسن الكلام، فلما تقوض المجلس دعاه المأمون وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟
قال له: بلى.
قال: فما كان سبب إسلامك؟
قال: انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنت مع ما تراني حسن الخط، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة، فاشتُرِيَتْ مني، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها البِيعَة فاشتريت مني، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الوراقين فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها؛ فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي.
قال يحيى بن أكثم:
فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة، فذكرت له الخبر، فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله - عز وجل -. قلت: في أي موضع؟ قال: في قول الله - تبارك وتعالى - في التوراة والإنجيل: ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 44]، فجعل حفظه إليهم فضاع، وقال - عز وجل -:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فحفظه الله - عز وجل - علينا فلم يَضِع.
♦♦♦
[ أنفس زاكية ]
قال عمرٌو[1]:
• وقف رجل على عامرٍ الشعبيِّ فلم يَدَعْ قبيحًا إلا رماه به، فقال له عامرٌ: ((إن كنتَ كاذبًا فغفر الله لك، وإن كنتَ صادقًا فغفر الله لي)).
• وقال إبراهيمُ النَّخَعيُّ لسليمانَ الأعمشِ وأراد أن يماشيَه، فقال: ((إن الناس إذا رأَوْنا معًا قالوا: أعمشُ وأعورُ!)).
قال: وما عليك أن يأثموا ونُؤجر؟
قال إبراهيم: ((وما عليك أن يَسْلموا ونَسْلم؟!)).
♦♦♦
[موازنات بين شعراء]
• كان مالك بن الأخطل التغلبي قد بعثه أبوه إلى العراق ليسمعَ شعر جرير والفرزدق، فلما قَدِم سأله أبوه عنهما فقال: ((جريرٌ يَغرِف من بحر، والفرزدق ينحِت من صخر)).
فقال: ((الذي يغرف من بحر أشعرهما)) [2].
وفي "تاج العروس": كان الفرزدق ينقح الشعر، وكان جرير يَخْشِبه (أي: يُرسل شعره كما يجيئه من غير تأنُّق ولا تنقيح )، وكان خَشْب جريرٍ خيرًا من تنقيح الفرزدق[3].
وفي "العِقد" (6/106/تحقيق العريان): سُئل عمرو بن العلاء عن جرير والفرزدق، فقال: ((هما بازيان، يصيدان ما بين الفيل والعندليب)).
وقال جرير: ((أنا مدينة الشعر، والفرزدق نبعته)).
• وحُكي أن أبا العلاء المَعَرِّي سُئِل: مَن أشعر الثلاثة: أبو تمام، والبُحتري، والمتنبي؟
فقال: ((حكيمان، والشاعر: البحتري)) [4].
• وفي "رسائل ابن بحر": قال بعض الشعراء لصاحبه: أنا أشعر منك، قال صاحبه: ولِمَ ذاك؟ قال: (( لأني أقول البيت وأخاه، وأنت تقول البيت وابن عمه)).
• وفي "رسائل الرافعي للجاهل" (ص31، 37، 246) كلام عن البارودي - رحمة الله عليه - والموازنة بينه وبين شوقي.
♦♦♦
[لقاح]
نسخت من فوائد ابن القيم - رحمة الله عليه -:
• الطلب لقاح الإيمان، فإذا اجتمع الإيمان والطلب أثمرا العمل الصالح.
• وحسن الظن بالله لقاح الافتقار والاضطرار إليه، فإذا اجتمعا أثمرا إجابة الدعاء.
• والخشية لقاح المحبة، فإذا اجتمعا أثمرا امتثال الأوامر واجتناب والنواهي.
• والصبر لقاح اليقين، فإذا اجتمعا أورثا الإمامة في الدين؛ قال - تعالى -: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾[5].
• وصحة الاقتداء بالرسول لقاح الإخلاص، فإذا اجتمعا أثمرا قبول العمل والاعتداد به.
• والعمل لقاح العلم، فإذا اجتمعا كان الفلاح والسعادة، وإن انفرد أحدهما عن الآخر لم يفد شيئًا.
• والحلم لقاح العلم، فإذا اجتمعا حصلت سيادة الدنيا والآخرة، وحصل الانتفاع بعلم العالم، وإن انفرد أحدهما عن صاحبه فات النفع والانتفاع.
• والعزيمة لقاح البصيرة، فإذا اجتمعا نال صاحبهما خير الدنيا والآخرة، وبلغت به همته من العلياء كل مكان، فتخلف الكمالات إما من عدم البصيرة وإما من عدم العزيمة.
• وحسن القصد لقاح لصحة الذهن[6]، فإذا فُقدا فقد الخير كله، وإذا اجتمعا أثمرا أنواع الخيرات.
• وصحة الرأي لقاح الشجاعة، فإذا اجتمعا كان النصر والظفر، وإن فقدا فالخذلان والخيبة، وإن وجد الرأي بلا شجاعة فالجبن والعجز، وإن حصلت الشجاعة بلا رأي فالتهور والعطب.
• والصبر لقاح البصيرة، فإذا اجتمعا فالخير في اجتماعهما. قال الحسن: ((إذا شئت أن ترى بصيرًا لا صبر له رأيته، وإذا شئت أن ترى صابرًا لا بصيرة له رأيته، فإذا رأيت صابرًا بصيرًا فذاك)).
• والنصيحة لقاح العقل، فكلما قويت النصيحة قوي العقل واستنار.
• والتذكر والتفكر كل منهما لقاح الآخر، فإذا اجتمعا أنتجا الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
• والتقوى لقاح التوكل، فإذا اجتمعا استقام القلب.
• ولقاح أخذِ أُهْبَة الاستعداد للقاء قِصَرُ الأمل، فإذا اجتمعا فالخير كله في اجتماعهما، والشر في فرقتهما.
• ولقاح الهمة العالية النية الصحيحة، فإذا اجتمعا بلغ العبد غاية المراد.
♦♦♦
[من أقوال الرافعي في الاشتراكية]
قال أمير الأدباء أبو السامي - يرحمه الله -:
• تعالَوْا أيها الاشتراكيون فاعرفوا نبيكم الأعظم، إن مذهبكم ما لم تُحْيِهِ فضائل الإسلام وشرائعه، إن مذهبكم لكالشجرة الذابلة تعلقون عليها الأثمار تشدونها بالخيط = كل يوم تَحُلُّون، وكل يوم تربُِطون، ولا ثمرة في الطبيعة.
• هذا فلان كاتب شرقي ينزع إلى الاشتراكية ويدين بها ويراها مائدة الخالق التي مدت في أرضه للناس جميعًا، وينعى علينا أننا نتجاهلها كأننا لم نلم بها، على أننا نراها تلك المائدة بعينها غير أننا نزيد أنها ممدودة للناس جميعا ليتدافع عنها الناس جميعًا فلا يصل إليها أحد = ونفضل على كل هذه المائدة الخيالية بما حفلت به من لذائذها وألوانها، اللقيمات التي يفرضها نظام الزكاة في الإسلام فرضًا لا يتم الإسلام لأحد إلا به، وعلى هذا فاعتبر.
• مَثَل مذهب الاشتراكية في وَهْم توزيع المال، ومذهب الإسلام في الزكاة، مثل رجلين مَرَّ أحدهما بغريق يختبط في اللُّج، فاستغاثه الغريق، فنظر فإذا حبل ملقى على الشاطئ، ولكنه صاح بالهالك: أنت واللهِ في نفسي أكبر منزلةً من أن أُخْرِجَك بالحبل، فأنا ذاهب أبحث لك عن زَوْرَق...!! ومر الثاني فألقى له الحبلَ فنجا.
• ومن بديع قوله في فلسفة الصوم: يضطرب الاشتراكيون في أوربا وقد عجزوا عجز من يحاول تغيير الإنسان بزيادة ونقص في أعصابه، ولا يزال مذهبهم في الدنيا مذهب كتب ورسائل، ولو أنهم تدبروا حكمة الصوم في الإسلام لرأوا هذا الشهر نظامًا عمليًّا من أقوى وأبدع من الأنظمة الاشتراكية؛ فهذا الصوم فقر إجباري تفرضه الشريعة على الناس فرضًا ليتساوى الجميع في بواطنهم، سواء منهم من ملك المليون من الدنانير ومن ملك القرش الواحد ومن لم يملك شيئًا؛ كما يتساوى الناس جميعا في ذهاب كبريائهم الإنسانية بالصلاة التي يفرضها الإسلام على كل مسلم؛ وفي ذهاب تفاوتهم الاجتماعي بالحج الذي يفرضه على من استطاع.
فقر إجباري يراد به إشعار النفس الإنسانية بطريقة عملية واضحة كل الوضوح، أن الحياة الصحيحة وراء الحياة لا فيها، وأنها إنما تكون على أتمها حين يتساوى الناس في الشعور لا حين يختلفون، وحين يتعاطفون بإحساس الألم الواحد لا حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة.
ولو حققت لرأيت الناس لا يختلفون في الإنسانية بعقولهم، ولا بأنسابهم، ولا بمراتبهم، ولا بما ملكوا؛ وإنما يختلفون ببطونهم وأحكام هذه البطون على العقل والعاطفة، فمن البطن نكبة الإنسانية، وهو العقل العملي على الأرض، وإذا اختلف البطن والدماغ في ضرورة؛ مد البطن مده من قوى الهضم فلم يبق ولم يذر.
ومن هاهنا يتناوله الصوم بالتهذيب والتأديب والتدريب، ويجعل الناس فيه سواء، ليس لجميعهم إلا شعور واحد وحس واحد وطبيعة واحدة، ويحكم الأمر فيحول بين هذا البطن وبين المادة، ويبالغ في إحكامه فيمسك حواشيه العصبية في الجسم كله يمنعها تغذيتها ولذتها حتى نفثة من دخينة.
وبهذا يضع الإنسانية كلها في حالة نفسية واحدة تتلبس بها النفس في مشارق الأرض ومغاربها، ويطلق في هذه الإنسانية كلها صوت الروح يعلم الرحمة ويدعو إليها، فيشبع فيها بهذا الجوع فكرة معينة هي كل ما في مذهب الاشتراكية من الحق، وهي تلك الفكرة التي يكون عنها مساواة الغني للفقير من طبيعته، واطمئنان الفقير إلى الغني بطبيعته، ومن هذين: (الاطمئنان، والمساواة) يكون هدوء الحياة بهدوء النفسين اللتين هما السلب والإيجاب في هذا الاجتماع الإنساني، وإذا أنت نزعت هذه الفكرة من الاشتراكية بقي هذا المذهب كله عبثًا من العبث في محاولة جعل التاريخ الإنساني تاريخًا لا طبيعة له.
♦♦♦
[محنة عدم الشكل]
• روى أبو القاسم الْمِهْرَواني[7] أن الْمُبَرِّد محمد بن يزيد أنشد:
هُمُومُ أُنَاسٍ فِي فُنُونٍ كَثِيرَةٍ
وَهَمِّيَ فِي الدُّنْيَا صَدِيقٌ مُسَاعِدُ
نَكُونُ كرُوحٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ قُسِّمَا
فَجِسْمَاهُمَا جِسْمَانِ وَالرُّوحُ وَاحِدُ
• وقال الإمام أبو سليمان الخطابي البُسْتي[8] مصنف كتاب "العزلة":
وإني غريبٌ بين بُسْتَ وأهلِها
وإنْ كان فيها أُسْرَتي وبها أهلي
وما غُربةُ الإنسانِ في غربة النَّوَى
ولكنها واللهِ في عدم الشَّكْلِ
[1] "البيان" (ج2/ص38).
[2] "البيان والتبيين" (ج2/ص59، 144). وفي "تاج العروس": كان الفرزدق ينقح الشعر، وكان جرير يَخْشِبه (أي: يُرسل شعره كما يجيئه من غير تأنُّق ولا تنقيح)، وكان خَشْب جريرٍ خيرًا من تنقيح الفرذق.
[3] تقرأ السر في ذلك في مقالة "بعد شوقي"، تراها في الجزء الثالث من "وحي القلم".
[4] "سير أعلام النبلاء" (ج13/ص487).
[5] [السجدة: 24].
[6] قال في "إعلام الموقعين": ((صحة الفهم وحُسن القصد من أعظم نِعَم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريقَ الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أُمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد، يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى)).
[7] آخر "المهروانيات" تخريج الخطيب البغدادي. والبيتان أنشدهما ابن عبد ربه في "العقد" (ج2/ص205/العريان) لأبي عبد الله بن عُرفة بألفاظ متقاربة.
[8] ذكر البيتين الميدانيُّ في "مجمع الأمثال" تحت المثل رقم (2798): ((فَقْدُ الإخوان غُربة)).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|