
12-08-2022, 06:12 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,147
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(203)
الحلقة (217)
صــ 216إلى صــ 223
2322 - حدثني المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا عثمان بن غياث . قال : سمعت عكرمة يقول في قوله : " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون " قال : أرواح الشهداء في طير خضر في الجنة . [ ص: 216 ]
قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وما في قوله : " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء " ، من خصوصية الخبر عن المقتول في سبيل الله الذي لم يعم به غيره ؟ وقد علمت تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وصف حال المؤمنين والكافرين بعد وفاتهم ، فأخبر عن المؤمنين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى الجنة يشمون منها روحها ، ويستعجلون الله قيام الساعة ، ليصيروا إلى مساكنهم منها ، ويجمع بينهم وبين أهاليهم وأولادهم فيها ، وعن الكافرين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى النار ينظرون إليها ، ويصيبهم من نتنها ومكروهها ، ويسلط عليهم فيها إلى قيام الساعة من يقمعهم فيها ، ويسألون الله فيها تأخير قيام الساعة ، حذارا من المصير إلى ما أعد الله لهم فيها ، مع أشباه ذلك من الأخبار . وإذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما الذي خص به القتيل في سبيل الله ، مما لم يعم به سائر البشر غيره من الحياة ، وسائر الكفار والمؤمنين غيره أحياء في البرزخ ، أما الكفار فمعذبون فيه بالمعيشة الضنك ، وأما المؤمنون فمنعمون بالروح والريحان ونسيم الجنان ؟
قيل : إن الذي خص الله به الشهداء في ذلك ، وأفاد المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره ، إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في برزخهم قبل بعثهم ، ومنعمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر ، من لذيذ مطاعمها الذي لم يطعمها الله أحدا غيرهم في برزخه قبل بعثه . فذلك هو الفضيلة التي فضلهم بها وخصهم بها من غيرهم ، والفائدة التي أفاد المؤمنين بالخبر عنهم ، فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ) [ سورة آل عمران : 169 - 170 ] ، وبمثل الذي قلنا جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2323 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، وعبدة [ ص: 217 ] بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن الحارث بن فضيل ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الشهداء على بارق ، نهر بباب الجنة ، في قبة خضراء - وقال عبدة : في روضة خضراء - يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا .
2324 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح عن الإفريقي ، عن ابن بشار السلمي - أو أبي بشار ، شك أبو جعفر - قال : أرواح الشهداء في [ ص: 218 ] قباب بيض من قباب الجنة ، في كل قبة زوجتان ، رزقهم في كل يوم طلعت فيه الشمس ثور وحوت ، فأما الثور ، ففيه طعم كل ثمرة في الجنة ، وأما الحوت ففيه طعم كل شراب في الجنة .
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فإن الخبر عما ذكرت أن الله تعالى ذكره أفاد المؤمنين بخبره عن الشهداء من النعمة التي خصهم بها في البرزخ غير موجود في قوله : " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء " ، وإنما فيه الخبر عن حالهم ، أموات هم أم أحياء .
قيل : إن المقصود بذكر الخبر عن حياتهم ، إنما هو الخبر عما هم فيه من النعمة ، ولكنه تعالى ذكره لما كان قد أنبأ عباده عما خص به الشهداء في قوله : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) [ سورة آل عمران : 169 ] ، وعلموا حالهم بخبره ذلك ، ثم كان المراد من الله تعالى ذكره في قوله : "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء " ، نهي خلقه عن أن يقولوا للشهداء أنهم موتى ترك إعادة ذكر ما قد بين لهم من خبرهم .
وأما قوله : "ولكن لا تشعرون" ، فإنه يعني به : ولكنكم لا ترونهم فتعلموا أنهم أحياء ، وإنما تعلمون ذلك بخبري إياكم به .
وإنما رفع قوله : "أموات " بإضمار مكني عن أسماء "من يقتل في سبيل الله " ، ومعنى ذلك : ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات . ولا يجوز النصب في [ ص: 219 ] "الأموات " ، لأن القول لا يعمل فيهم ، وكذلك قوله : "بل أحياء " ، رفع ، بمعنى : هم أحياء .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ( 155 ) )
قال أبو جعفر : وهذا إخبار من الله تعالى ذكره أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، أنه مبتليهم وممتحنهم بشدائد من الأمور ، ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، كما ابتلاهم فامتحنهم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، وكما امتحن أصفياءه قبلهم . ووعدهم ذلك في آية أخرى فقال لهم : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم الباساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ سورة البقرة : 214 ] ، وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس وغيره يقول .
2325 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع " ، ونحو هذا ، قال : أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء ، وأنه مبتليهم فيها ، وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال : "وبشر الصابرين " ، ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته ، لتطيب أنفسهم فقال : ( مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ) . [ ص: 220 ]
ومعنى قوله : "ولنبلونكم " ، ولنختبرنكم . وقد أتينا على البيان عن أن معنى "الابتلاء " الاختبار ، فيما مضى قبل .
وقوله : "بشيء من الخوف " ، يعني من الخوف من العدو ، وبالجوع - وهو القحط - يقول : لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة ، وتتعذر المطالب عليكم ، فتنقص لذلك أموالكم ، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار ، فينقص لها عددكم ، وموت ذراريكم وأولادكم ، وجدوب تحدث ، فتنقص لها ثماركم . كل ذلك امتحان مني لكم ، واختبار مني لكم ، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه ، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم ، من أهل النفاق فيه والشك والارتياب .
كل ذلك خطاب منه لأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كما :
2326 - حدثني هارون بن إدريس الكوفي الأصم قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله : "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع " قال : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وإنما قال تعالى ذكره : "بشيء من الخوف " ولم يقل بأشياء ، لاختلاف أنواع ما أعلم عباده أنه ممتحنهم به . فلما كان ذلك مختلفا - وكانت "من " تدل على أن كل نوع منها مضمر "شيء " ، فإن معنى ذلك : ولنبلونكم بشيء من الخوف ، وبشيء من الجوع ، وبشيء من نقص الأموال - اكتفى بدلالة ذكر "الشيء " في أوله ، من إعادته مع كل نوع منها .
ففعل تعالى ذكره كل ذلك بهم ، وامتحنهم بضروب المحن ، كما : -
2327 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 221 ] عن أبيه ، عن الربيع في قوله ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات قال : قد كان ذلك ، وسيكون ما هو أشد من ذلك .
قال الله عند ذلك : " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " .
ثم قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، بشر الصابرين على امتحاني بما أمتحنهم به ، والحافظين أنفسهم عن التقدم على نهيي عما أنهاهم عنه ، والآخذين أنفسهم بأداء ما أكلفهم من فرائضي ، مع ابتلائي إياهم بما أبتليهم به ، القائلين إذا أصابتهم مصيبة : "إنا لله وإنا إليه راجعون " . فأمره الله تعالى ذكره بأن يخص - بالبشارة على ما يمتحنهم به من الشدائد - أهل الصبر ، الذين وصف الله صفتهم .
وأصل "التبشير " : إخبار الرجل الرجل الخبر ، يسره أو يسوءه ، لم يسبقه به إلى غيره
القول في تأويل قوله تعالى ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ( 156 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : وبشر ، يا محمد ، الصابرين الذين يعلمون أن جميع ما بهم من نعمة فمني ، فيقرون بعبوديتي ، ويوحدونني بالربوبية ، [ ص: 222 ] ويصدقون بالمعاد والرجوع إلي فيستسلمون لقضائي ، ويرجون ثوابي ، ويخافون عقابي ، ويقولون - عند امتحاني إياهم ببعض محني ، وابتلائي إياهم بما وعدتهم أن أبتليهم به من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك من المصائب التي أنا ممتحنهم بها - إنا مماليك ربنا ومعبودنا أحياء ، ونحن عبيده وإنا إليه بعد مماتنا صائرون - تسليما لقضائي ورضا بأحكامي .
القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( 157 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "أولئك " ، هؤلاء الصابرون ، الذين وصفهم ونعتهم - "عليهم " ، يعني : لهم ، "صلوات " ، يعني : مغفرة . "وصلوات الله " على عباده ، غفرانه لعباده ، كالذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
2328 - "اللهم صل على آل أبي أوفى " .
يعني : اغفر لهم . وقد بينا "الصلاة " وما أصلها في غير هذا الموضع .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|