عرض مشاركة واحدة
  #225  
قديم 12-08-2022, 06:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(211)
الحلقة (225)
صــ 276إلى صــ 282




2405 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وتصريف الرياح والسحاب المسخر " قال : قادر والله ربنا على ذلك ، إذا شاء [ جعلها رحمة لواقح للسحاب ونشرا بين يدي رحمته ، وإذا شاء ] جعلها عذابا ريحا عقيما لا تلقح ، إنما هي عذاب على من أرسلت عليه . [ ص: 276 ]

وزعم بعض أهل العربية أن معنى قوله : "وتصريف الرياح " ، أنها تأتي مرة جنوبا وشمالا وقبولا ودبورا . ثم قال : وذلك تصريفها . وهذه الصفة التي وصف الرياح بها ، صفة تصرفها لا صفة تصريفها ، لأن "تصريفها " تصريف الله لها ، "وتصرفها " اختلاف هبوبها .

وقد يجوز أن يكون معنى قوله : "وتصريف الرياح " ، تصريف الله تعالى ذكره هبوب الريح باختلاف مهابها .
القول في تأويل قوله تعالى ( والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ( 164 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "والسحاب المسخر " ، وفي السحاب ، جمع "سحابة " . يدل على ذلك قوله تعالى ذكره : ( وينشئ السحاب الثقال ) [ سورة الرعد : 12 ] فوحد المسخر وذكره ، كما قالوا : "هذه تمرة وهذا تمر كثير " . في جمعه ، "وهذه نخلة وهذا نخل " .

وإنما قيل للسحاب "سحاب " إن شاء الله ، لجر بعضه بعضا وسحبه إياه ، من قول القائل : "مر فلان يجر ذيله " ، يعني : "يسحبه " .

فأما معنى قوله : "لآيات " ، فإنه علامات ودلالات على أن خالق ذلك كله ومنشئه ، إله واحد . [ ص: 277 ]

"لقوم يعقلون " ، لمن عقل مواضع الحجج ، وفهم عن الله أدلته على وحدانيته . فأعلم تعالى ذكره عباده ، بأن الأدلة والحجج إنما وضعت معتبرا لذوي العقول والتمييز ، دون غيرهم من الخلق ، إذ كانوا هم المخصوصين بالأمر والنهي ، والمكلفين بالطاعة والعبادة ، ولهم الثواب ، وعليهم العقاب .

فإن قال قائل : وكيف احتج على أهل الكفر بقوله : " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار " الآية ، في توحيد الله ؟ وقد علمت أن أصنافا من أصناف الكفرة تدفع أن تكون السماوات والأرض وسائر ما ذكر في هذه الآية مخلوقة ؟

قيل : إن إنكار من أنكر ذلك غير دافع أن يكون جميع ما ذكر تعالى ذكره في هذه الآية ، دليلا على خالقه وصانعه ، وأن له مدبرا لا يشبهه [ شيء ] ، وبارئا لا مثل له . وذلك وإن كان كذلك ، فإن الله إنما حاج بذلك قوما كانوا مقرين بأن الله خالقهم ، غير أنهم يشركون في عبادته عبادة الأصنام والأوثان . فحاجهم تعالى ذكره فقال - إذ أنكروا قوله : "وإلهكم إله واحد " ، وزعموا أن له شركاء من الآلهة - : [ إن إلهكم الذي خلق السماوات وأجرى فيها الشمس والقمر لكم بأرزاقكم دائبين في سيرهما . وذلك هو معنى اختلاف الليل والنهار في الشمس والقمر ] وذلك هو معنى قوله : "والفلك التي تجري في البحر بما [ ص: 278 ] ينفع الناس " - وأنزل إليكم الغيث من السماء ، فأخصب به جنابكم بعد جدوبه ، وأمرعه بعد دثوره ، فنعشكم به بعد قنوطكم - ، وذلك هو معنى قوله : "وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها " - وسخر لكم الأنعام فيها لكم مطاعم ومآكل ، ومنها جمال ومراكب ، ومنها أثاث وملابس - وذلك هو معنى قوله : "وبث فيها من كل دابة " - وأرسل لكم الرياح لواقح لأشجار ثماركم وغذائكم وأقواتكم ، وسير لكم السحاب الذي بودقه حياتكم وحياة نعمكم ومواشيكم - وذلك هو معنى قوله : " وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض " .

فأخبرهم أن إلههم هو الله الذي أنعم عليهم بهذه النعم ، وتفرد لهم بها . ثم قال : هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ، فتشركوه في عبادتكم إياي ، وتجعلوه لي ندا وعدلا ؟ فإن لم يكن من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ، ففي الذي عددت عليكم من نعمتي ، وتفردت لكم بأيادي ، دلالات لكم إن كنتم تعقلون مواقع الحق والباطل ، والجور والإنصاف . وذلك أنى لكم بالإحسان إليكم متفرد دون غيري ، وأنتم تجعلون لي في عبادتكم إياي أندادا . فهذا هو معنى الآية .

والذين ذكروا بهذه الآية واحتج عليهم بها ، هم القوم الذين وصفت صفتهم ، دون المعطلة والدهرية ، وإن كان في أصغر ما عد الله في هذه الآية ، من الحجج البالغة ، المقنع لجميع الأنام ، تركنا البيان عنه ، كراهة إطالة الكتاب بذكره .
[ ص: 279 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أن من الناس من يتخذ من دون الله أندادا له

وقد بينا فيما مضى أن "الند " ، العدل ، بما يدل على ذلك من الشواهد ، فكرهنا إعادته .

وأن الذين اتخذوا هذه "الأنداد " من دون الله ، يحبون أندادهم كحب المؤمنين الله . ثم أخبرهم أن المؤمنين أشد حبا لله ، من متخذي هذه الأنداد لأندادهم .

واختلف أهل التأويل في "الأنداد " التي كان القوم اتخذوها . وما هي ؟



فقال بعضهم : هي آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله .

ذكر من قال ذلك .

2406 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قوله ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ، من الكفار لأوثانهم .

2407 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله تعالى ذكره : "يحبونهم كحب الله " ، مباهاة ومضاهاة للحق بالأنداد ، "والذين آمنوا أشد حبا لله " ، من الكفار لأوثانهم .

2408 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . [ ص: 280 ]

2409 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله " قال : هي الآلهة التي تعبد من دون الله ، يقول : يحبون أوثانهم كحب الله ، "والذين آمنوا أشد حبا لله " ، أي من الكفار لأوثانهم .

2410 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله " قال : هؤلاء المشركون . أندادهم : آلهتهم التي عبدوا مع الله ، يحبونهم كما يحب الذين آمنوا الله ، والذين آمنوا أشد حبا لله من حبهم هم آلهتهم .

وقال آخرون : بل "الأنداد " في هذا الموضع ، إنما هم سادتهم الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله تعالى ذكره .

ذكر من قال ذلك :

2411 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله " قال : الأنداد من الرجال ، يطيعونهم كما يطيعون الله ، إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله .

فإن قال قائل : وكيف قيل : "كحب الله " ؟ وهل يحب الله الأنداد ؟ وهل كان متخذو الأنداد يحبون الله ، فيقال : "يحبونهم كحب الله " ؟

قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إليه ، وإنما ذلك نظير قول القائل : "بعت غلامي كبيع غلامك " ، بمعنى : بعته كما بيع غلامك ، وكبيعك [ ص: 281 ] غلامك ، "واستوفيت حقي منه استيفاء حقك " ، بمعنى : استيفائك حقك ، فتحذف من الثاني كناية اسم المخاطب ، اكتفاء بكنايته في "الغلام " و"الحق " ، كما قال الشاعر :


فلست مسلما ما دمت حيا على زيد بتسليم الأمير


يعني بذلك : كما يسلم على الأمير .

فمعنى الكلام إذا : ومن الناس من يتخذ ، أيها المؤمنون ، من دون الله أندادا يحبونهم كحبكم الله .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ( 165 ) )

قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأه عامة أهل المدينة والشام : "ولو ترى الذين ظلموا " بالتاء "إذ يرون العذاب " بالياء " أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " بفتح "أن " و "أن " كلتيهما - بمعنى : ولو ترى يا محمد [ ص: 282 ] الذين كفروا وظلموا أنفسهم ، حين يرون عذاب الله ويعاينونه "أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " .

ثم في نصب "أن " و "أن " في هذه القراءة وجهان : أحدهما : أن تفتح بالمحذوف من الكلام الذي هو مطلوب فيه ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا إذ يرون عذاب الله ، لأقروا - ومعنى ترى : تبصر - أن القوة لله جميعا ، وأن الله شديد العذاب . ويكون الجواب حينئذ - إذا فتحت "أن " على هذا الوجه - متروكا ، قد اكتفى بدلالة الكلام عليه ، ويكون المعنى ما وصفت . فهذا أحد وجهي فتح "أن " ، على قراءة من قرأ : "ولو ترى " ب "التاء " .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.21%)]