
12-08-2022, 06:21 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,470
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(215)
الحلقة (229)
صــ 304إلى صــ 310
وأما قوله : " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " ، فهو ما كانوا يحرمون من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي ، ويزعمون أن الله حرم ذلك . فقال تعالى [ ص: 304 ] ذكره لهم : ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ) [ سورة المائدة : 103 ] فأخبرهم تعالى ذكره في هذه الآية ، أن قيلهم : " إن الله حرم هذا " من الكذب الذي يأمرهم به الشيطان ، وأنه قد أحله لهم وطيبه ، ولم يحرم أكله عليهم ، ولكنهم يقولون على الله ما لا يعلمون حقيقته ، طاعة منهم للشيطان ، واتباعا منهم خطواته ، واقتفاء منهم آثار أسلافهم الضلال وآبائهم الجهال ، الذين كانوا بالله وبما أنزل على رسوله جهالا وعن الحق ومنهاجه ضلالا - وإسرافا منهم ، كما أنزل الله في كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى ذكره : " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا " .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ( 170 ) )
قال أبو جعفر : وفي هذه الآية وجهان من التأويل .
أحدهما : أن تكون " الهاء والميم " من قوله : " وإذا قيل لهم " عائدة على " من " في قوله : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " فيكون معنى الكلام : ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ، وإذا قيل لهم : اتبعوا ما أنزل الله . قالوا : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا .
والآخر : أن تكون " الهاء والميم " اللتان في قوله : " وإذا قيل لهم " ، من ذكر " الناس " الذين في قوله : " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا " ، فيكون [ ص: 305 ] ذلك انصرافا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب ، كما في قوله تعالى ذكره : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة ) [ سورة يونس : 22 ]
قال أبو جعفر : وأشبه عندي بالصواب وأولى بتأويل الآية أن تكون " الهاء والميم " في قوله : " لهم " ، من ذكر " الناس " ، وأن يكون ذلك رجوعا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب . لأن ذلك عقيب قوله : " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض" . فلأن يكون خبرا عنهم ، أولى من أن يكون خبرا عن الذين أخبر أن منهم " من يتخذ من دون الله أندادا " ، مع ما بينهما من الآيات ، وانقطاع قصصهم بقصة مستأنفة غيرها وأنها نزلت في قوم من اليهود قالوا ذلك ، إذ دعوا إلى الإسلام ، كما : -
2446 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه ، وحذرهم عقاب الله ونقمته ، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ، فإنهم كانوا أعلم وخيرا منا! فأنزل الله في ذلك من قولهما " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون " [ ص: 306 ] .
2447 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس مثله - إلا أنه قال : فقال له أبو رافع بن خارجة ومالك بن عوف .
وأما تأويل قوله : " اتبعوا ما أنزل الله " ، فإنه : اعملوا بما أنزل الله في كتابه على رسوله ، فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واجعلوه لكم إماما تأتمون به ، وقائدا تتبعون أحكامه .
وقوله : " ألفينا عليه آباءنا " ، يعني وجدنا ، كما قال الشاعر :
فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلا [ ص: 307 ]
يعني : وجدته ، وكما : -
2448 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا " ، أي : ما وجدنا عليه آباءنا .
2449 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
قال أبو جعفر : فمعنى الآية : وإذا قيل لهؤلاء الكفار : كلوا مما أحل الله لكم ، ودعوا خطوات الشيطان وطريقه ، واعملوا بما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه - استكبروا عن الإذعان للحق وقالوا : بل نأتم بآبائنا فنتبع ما وجدناهم عليه ، من تحليل ما كانوا يحلون ، وتحريم ما كانوا يحرمون .
قال الله تعالى ذكره : " أو لو كان آباؤهم " - يعني : آباء هؤلاء الكفار الذين مضوا على كفرهم بالله العظيم - " لا يعقلون شيئا " من دين الله وفرائضه ، وأمره ونهيه ، فيتبعون على ما سلكوا من الطريق ، ويؤتم بهم في أفعالهم - " ولا يهتدون " لرشد ، فيهتدي بهم غيرهم ، ويقتدي بهم من طلب الدين ، وأراد الحق والصواب؟
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفار : فكيف أيها الناس تتبعون ما وجدتم عليه [ ص: 308 ] آباءكم فتتركون ما يأمركم به ربكم ، وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئا ، ولا هم مصيبون حقا ، ولا مدركون رشدا؟ وإنما يتبع المتبع ذا المعرفة بالشيء المستعمل له في نفسه ، فأما الجاهل فلا يتبعه - فيما هو به جاهل - إلا من لا عقل له ولا تمييز .
القول في تأويل قوله تعالى ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .
فقال بعضهم : معنى ذلك : مثل الكافر في قلة فهمه عن الله ما يتلى عليه في كتابه ، وسوء قبوله لما يدعى إليه من توحيد الله ويوعظ به مثل البهيمة التي تسمع الصوت إذا نعق بها ، ولا تعقل ما يقال لها .
ذكر من قال ذلك :
2450 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : مثل البعير أو مثل الحمار ، تدعوه فيسمع الصوت ولا يفقه ما تقول .
2451 - حدثني محمد بن عبد الله بن زريع قال : حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال : حدثنا نافع بن مالك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " قال : هو كمثل الشاة ونحو ذلك . [ ص: 309 ]
2452 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، كمثل البعير والحمار والشاة ، إن قلت لبعضها " كل " - لا يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك ، وكذلك الكافر ، إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته ، لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك .
2453 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : مثل الدابة تنادى فتسمع ولا تعقل ما يقال لها . كذلك الكافر ، يسمع الصوت ولا يعقل .
2454 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف عن مجاهد : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " قال : مثل الكافر مثل البهيمة تسمع الصوت ولا تعقل .
2455 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " كمثل الذي ينعق " ، مثل ضربه الله للكافر يسمع ما يقال له ولا يعقل ، كمثل البهيمة تسمع النعيق ولا تعقل .
2456 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، يقول : مثل الكافر كمثل البعير والشاة ، يسمع الصوت ولا يعقل ولا يدري ما عني به . [ ص: 310 ]
2457 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : هو مثل ضربه الله للكافر؛ يقول : مثل هذا الكافر مثل هذه البهيمة التي تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها . فكذلك الكافر لا ينتفع بما يقال له .
2458 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : هو مثل الكافر ، يسمع الصوت ولا يعقل ما يقال له .
2459 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : سألت عطاء ثم قلت له : يقال : لا تعقل - يعني البهيمة - إلا أنها تسمع دعاء الداعي حين ينعق بها ، فهم كذلك لا يعقلون وهم يسمعون . فقال : كذلك . قال : وقال مجاهد : " الذي ينعق " ، الراعي " بما لا يسمع " من البهائم .
2460 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كمثل الذي ينعق " الراعي " بما لا يسمع " من البهائم .
2461 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، لا يعقل ما يقال له إلا أن تدعي فتأتي ، أو ينادى بها فتذهب . وأما " الذي ينعق " ، فهو الراعي الغنم ، كما ينعق الراعي بما لا يسمع ما يقال له ، إلا أن يدعى أو ينادى . فكذلك محمد صلى الله عليه وسلم ، يدعو من لا يسمع إلا خرير الكلام ، يقول الله : ( صم بكم عمي ) [ سورة البقرة : 18 ]
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|