عرض مشاركة واحدة
  #230  
قديم 12-08-2022, 06:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(216)
الحلقة (230)
صــ 311إلى صــ 317






قال أبو جعفر : ومعنى قائلي هذا القول - في تأويلهم ما تأولوا ، على ما حكيت عنهم - : ومثل وعظ الذين كفروا وواعظهم ، كمثل نعق الناعق بغنمه [ ص: 311 ] ونعيقه بها . فأضيف " المثل " إلى الذين كفروا ، وترك ذكر " الوعظ والواعظ " ، لدلالة الكلام على ذلك . كما يقال : " إذا لقيت فلانا فعظمه تعظيم السلطان " ، يراد به : كما تعظم السلطان ، وكما قال الشاعر :


فلست مسلما ما دمت حيا على زيد بتسليم الأمير


يراد به : كما يسلم على الأمير .

وقد يحتمل أن يكون المعنى - على هذا التأويل الذي تأوله هؤلاء - : ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم عن الله وعن رسوله ، كمثل المنعوق به من البهائم ، الذي لا يفقه من الأمر والنهي غير الصوت . وذلك أنه لو قيل له : " اعتلف ، أورد الماء " ، لم يدر ما يقال له غير الصوت الذي يسمعه من قائله . فكذلك الكافر مثله في قلة فهمه لما يؤمر به وينهى عنه - بسوء تدبره إياه وقلة نظره وفكره فيه - مثل هذا المنعوق به فيما أمر به ونهي عنه . فيكون المعنى للمنعوق به ، والكلام خارج على الناعق ، كما قال نابغة بني ذبيان :


وقد خفت ، حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل


والمعنى : حتى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي ، وكما قال الآخر : [ ص: 312 ]


كانت فريضة ما تقول ، كما كان الزناء فريضة الرجم


والمعنى : كما كان الرجم فريضة الزنا ، فجعل الزنا فريضة الرجم ، لوضوح معنى الكلام عند سامعه ، وكما قال الآخر :


إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره


والمعنى : يحلى بالعين ، فجعله تحلى به العين . ونظائر ذلك من كلام العرب أكثر من أن تحصى ، مما توجهه العرب من خبر ما تخبر عنه إلى ما صاحبه ، لظهور معنى ذلك عند سامعه ، فتقول : " اعرض الحوض على الناقة " ، وإنما تعرض الناقة على الحوض ، وما أشبه ذلك من كلامها .

وقال آخرون : معنى ذلك : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم وأوثانهم التي لا تسمع ولا تعقل كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ، وذلك الصدى الذي يسمع صوته ، ولا يفهم به عنه الناعق شيئا .

فتأويل الكلام على قول قائلي ذلك : ومثل الذين كفروا وآلهتهم - في دعائهم إياها وهي لا تفقه ولا تعقل - كمثل الناعق بما لا يسمعه الناعق إلا دعاء ونداء ، أي : لا يسمع منه الناعق إلا دعاءه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 313 ]

2462 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : الرجل الذي يصيح في جوف الجبال فيجيبه فيها صوت يراجعه يقال له " الصدى " . فمثل آلهة هؤلاء لهم ، كمثل الذي يجيبه بهذا الصوت ، لا ينفعه ، لا يسمع إلا دعاء ونداء . قال : والعرب تسمي ذلك الصدى .

وقد تحتمل الآية على هذا التأويل وجها آخر غير ذلك . وهو أن يكون معناها : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم ، كمثل الناعق بغنم له من حيث لا تسمع صوته غنمه ، فلا تنتفع من نعقه بشيء ، غير أنه في عناء من دعاء ونداء ، فكذلك الكافر في دعائه آلهته ، إنما هو في عناء من دعائه إياها وندائه لها ، ولا ينفعه شيء .

قال أبو جعفر : وأولى التأويل عندي بالآية ، التأويل الأول الذي قاله ابن عباس ومن وافقه عليه . وهو أن معنى الآية : ومثل وعظ الكافر وواعظه ، كمثل الناعق بغنمه ونعيقه ، فإنه يسمع نعقه ولا يعقل كلامه ، على ما قد بينا قبل .

فأما وجه جواز حذف " وعظ " اكتفاء بالمثل منه ، فقد أتينا على البيان عنه في قوله : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) [ سورة البقرة : 17 ] ، وفي غيره من نظائره من الآيات ، بما فيه الكفاية عن إعادته .

وإنما اخترنا هذا التأويل ، لأن هذه الآية نزلت في اليهود ، وإياهم عنى الله تعالى ذكره بها ، ولم تكن اليهود أهل أوثان يعبدونها ، ولا أهل أصنام يعظمونها ويرجون نفعها أو دفع ضرها . ولا وجه - إذ كان ذلك كذلك - لتأويل من [ ص: 314 ] تأول ذلك أنه بمعنى : مثل الذين كفروا في ندائهم الآلهة ودعائهم إياها .

فإن قال قائل : وما دليلك على أن المقصود بهذه الآية اليهود؟

قيل : دليلنا على ذلك ما قبلها من الآيات وما بعدها ، فإنهم هم المعنيون به . فكان ما بينهما بأن يكون خبرا عنهم ، أحق وأولى من أن يكون خبرا عن غيرهم ، حتى تأتي الأدلة واضحة بانصراف الخبر عنهم إلى غيرهم . هذا ، مع ما ذكرنا من الأخبار عمن ذكرنا عنه أنها فيهم نزلت ، والرواية التي روينا عن ابن عباس أن الآية التي قبل هذه الآية نزلت فيهم . وبما قلنا من أن هذه الآية معني بها [ ص: 315 ] اليهود كان عطاء يقول :

2463 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال لي عطاء في هذه الآية : هم اليهود الذين أنزل الله فيهم : ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ) إلى قوله : ( فما أصبرهم على النار ) [ سورة البقرة : 174 - 175 ] .

وأما قوله : " ينعق " ، فإنه : يصوت بالغنم "النعيق ، والنعاق" ، ومنه قول الأخطل :


فانعق بضأنك يا جرير ، فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا


يعني : صوت به .
القول في تأويل قوله تعالى ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ( 171 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " صم بكم عمي " ، هؤلاء الكفار الذين مثلهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " صم " عن الحق فهم لا يسمعون - " بكم " يعني : خرس عن قيل الحق والصواب ، والإقرار بما أمرهم الله أن يقروا به ، وتبيين ما أمرهم الله تعالى ذكره أن يبينوه من أمر محمد صلى الله عليه وسلم للناس ، فلا ينطقون به ولا يقولونه ، ولا يبينونه للناس - ، " عمي " [ ص: 316 ] عن الهدى وطريق الحق فلا يبصرونه ، كما : -

2464 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة قوله : " صم بكم عمي " ، يقول : صم عن الحق فلا يسمعونه ، ولا ينتفعون به ولا يعقلونه; عمي عن الحق والهدى فلا يبصرونه; بكم عن الحق فلا ينطقون به .

2465 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " صم بكم عمي " يقول : عن الحق .

2466 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " صم بكم عمي " ، يقول : لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه .

وأما الرفع في قوله : " صم بكم عمي " ، فإنه أتاه من قبل الابتداء والاستئناف ، يدل على ذلك قوله : " فهم لا يعقلون " ، كما يقال في الكلام : " هو أصم لا يسمع ، وهو أبكم لا يتكلم " .
القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ( 172 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " يا أيها الذين آمنوا " ، يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، وأقروا لله بالعبودية ، وأذعنوا له بالطاعة ، كما : -

2467 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن [ ص: 317 ] جويبر ، عن الضحاك في قوله : " يا أيها الذين آمنوا " ، يقول : صدقوا .

" كلوا من طيبات ما رزقناكم " ، يعني : اطعموا من حلال الرزق الذي أحللناه لكم ، فطاب لكم بتحليلي إياه لكم ، مما كنتم تحرمون أنتم ، ولم أكن حرمته عليكم ، من المطاعم والمشارب . " واشكروا لله " ، يقول : وأثنوا على الله بما هو أهله منكم ، على النعم التي رزقكم وطيبها لكم . " إن كنتم إياه تعبدون " ، يقول : إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين ، فكلوا مما أباح لكم أكله وحلله وطيبه لكم ، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان .

وقد ذكرنا بعض ما كانوا في جاهليتهم يحرمونه من المطاعم ، وهو الذي ندبهم إلى أكله ونهاهم عن اعتقاد تحريمه ، إذ كان تحريمهم إياه في الجاهلية طاعة منهم للشيطان ، واتباعا لأهل الكفر منهم بالله من الآباء والأسلاف . ثم بين لهم تعالى ذكره ما حرم عليهم ، وفصله لهم مفسرا .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]