
12-08-2022, 06:27 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,491
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(226)
الحلقة (240)
صــ 381إلى صــ 387
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بقوله : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ، تأويل من قال : فمن اعتدى بعد أخذه الدية ، فقتل قاتل وليه ، فله عذاب أليم في عاجل الدنيا ، وهو القتل . لأن الله تعالى جعل لكل ولي قتيل قتل ظلما سلطانا على قاتل وليه ، فقال تعالى ذكره ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل ) [ سورة الإسراء : 33 ] . فإذ كان ذلك كذلك : وكان الجميع من أهل العلم مجمعين على أن من قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه وأخذه منه دية قتيله أنه بقتله إياه له ظالم في قتله - كان بينا أن لا يولي من قتله ظلما كذلك ، السلطان عليه في القصاص والعفو وأخذ الدية ، أي ذلك شاء . وإذا كان ذلك كذلك ، كان معلوما أن ذلك عذابه ، لأن من أقيم عليه حده في الدنيا ، كان ذلك عقوبته من ذنبه ، ولم يكن به متبعا في الآخرة ، على ما قد ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 381 ]
وأما ما قاله ابن جريج : من أن حكم من قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه ، وأخذه دية وليه المقتول - إلى الإمام دون أولياء المقتول ، فقول خلاف لما دل عليه ظاهر كتاب الله ، وأجمع عليه علماء الأمة . وذلك أن الله جعل لولي كل مقتول ظلما السلطان دون غيره ، من غير أن يخص من ذلك قتيلا دون قتيل . فسواء كان ذلك قتيل ولي من قتله أو غيره . ومن خص من ذلك شيئا سئل البرهان عليه من أصل أو نظير ، وعكس عليه القول فيه ، ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله . ثم في إجماع الحجة على خلاف ما قاله في ذلك ، مكتفى في الاستشهاد على فساده بغيره .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " ، ولكم يا أولي العقول ، فيما فرضت عليكم وأوجبت لبعضكم على بعض ، من القصاص في النفوس والجراح والشجاج ، ما منع به بعضكم من قتل بعض ، وقدع بعضكم عن بعض ، فحييتم بذلك ، فكان لكم في حكمي بينكم بذلك حياة .
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك .
فقال بعضهم في ذلك نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 382 ]
2617 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " قال : نكال ، تناه .
2618 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : نكال ، تناه .
2619 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
2620 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد عن قتادة : " ولكم في القصاص حياة " ، جعل الله هذا القصاص حياة ، ونكالا وعظة لأهل السفه والجهل من الناس . وكم من رجل قد هم بداهية ، لولا مخافة القصاص لوقع بها ، ولكن الله حجز بالقصاص بعضهم عن بعض; وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا والآخرة ، ولا نهى الله عن أمر قط إلا وهو أمر فساد في الدنيا والدين ، والله أعلم بالذي يصلح خلقه .
2621 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " قال : قد جعل الله في القصاص حياة ، إذا ذكره الظالم المتعدي كف عن القتل .
2622 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " ولكم في القصاص حياة " الآية ، يقول : جعل الله هذا القصاص حياة وعبرة لكم . كم من رجل قد هم بداهية فمنعه مخافة القصاص أن يقع بها! وإن الله قد حجز عباده بعضهم عن بعض بالقصاص .
2623 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : نكال ، تناه . قال ابن جريج : حياة . منعة . [ ص: 383 ]
2624 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : حياة ، بقية . إذا خاف هذا أن يقتل بي كف عني ، لعله يكون عدوا لي يريد قتلي ، فيذكر أن يقتل في القصاص ، فيخشى أن يقتل بي ، فيكف بالقصاص الذي خاف أن يقتل ، لولا ذلك قتل هذا .
2625 - حدثت عن يعلى بن عبيد قال : حدثنا إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : بقاء .
وقال آخرون : معنى ذلك : ولكم في القصاص من القاتل بقاء لغيره ، لأنه لا يقتل بالمقتول غير قاتله في حكم الله . وكانوا في الجاهلية يقتلون بالأنثى الذكر ، وبالعبد الحر .
ذكر من قال ذلك :
2626 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولكم في القصاص حياة " يقول : بقاء ، لا يقتل إلا القاتل بجنايته .
وأما تأويل قوله : " يا أولي الألباب " ، فإنه : يا أولي العقول . " والألباب " جمع " اللب " ، و" اللب " العقل .
وخص الله تعالى ذكره بالخطاب أهل العقول ، لأنهم هم الذين يعقلون عن الله أمره ونهيه ، ويتدبرون آياته وحججه دون غيرهم .
[ ص: 384 ] القول في تأويل قوله تعالى ( لعلكم تتقون ( 179 ) )
قال أبو جعفر : وتأويل قوله : " لعلكم تتقون " ، أي تتقون القصاص ، فتنتهون عن القتل ، كما : -
269 - حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " لعلكم تتقون " قال : لعلك تتقي أن تقتله فتقتل به .
القول في تأويل قوله تعالى ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ( 180 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " كتب عليكم " ، فرض عليكم ، أيها المؤمنون ، الوصية إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا - والخير : المال للوالدين والأقربين الذين لا يرثونه ، بالمعروف : وهو ما أذن الله فيه وأجازه في الوصية مما لم يجاوز الثلث ، ولم يتعمد الموصي ظلم ورثته ، حقا على المتقين يعني بذلك : فرض عليكم هذا وأوجبه ، وجعله حقا واجبا على من اتقى الله فأطاعه أن يعمل به .
فإن قال قائل : أوفرض على الرجل ذي المال أن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه؟
قيل : نعم . [ ص: 385 ]
فإن قال : فإن هو فرط في ذلك فلم يوص لهم ، أيكون مضيعا فرضا يحرج بتضييعه؟
قيل : نعم .
فإن قال : وما الدلالة على ذلك؟
قيل : قول الله تعالى ذكره : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فأعلم أنه قد كتبه علينا وفرضه ، كما قال : ( كتب عليكم الصيام ) [ سورة البقرة : 183 ] ، ولا خلاف بين الجميع أن تارك الصيام وهو عليه قادر مضيع بتركه فرضا لله عليه . فكذلك هو بترك الوصية لوالديه وأقربيه وله ما يوصي لهم فيه ، مضيع فرض الله عز وجل .
فإن قال : فإنك قد علمت أن جماعة من أهل العلم قالوا : الوصية للوالدين والأقربين منسوخة بآية الميراث؟
قيل له : وخالفهم جماعة غيرهم فقالوا : هي محكمة غير منسوخة . وإذا كان في نسخ ذلك تنازع بين أهل العلم ، لم يكن لنا القضاء عليه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها ، إذ كان غير مستحيل اجتماع حكم هذه الآية وحكم آية المواريث في حال واحدة على صحة ، بغير مدافعة حكم إحداهما حكم الأخرى - وكان الناسخ والمنسوخ هما المعنيان اللذان لا يجوز اجتماع حكمهما على صحة في حالة واحدة ، لنفي أحدهما صاحبه .
وبما قلنا في ذلك قال جماعة من المتقدمين والمتأخرين .
ذكر من قال ذلك :
2628 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر عن الضحاك أنه كان يقول : من مات ولم يوص لذوي قرابته . فقد ختم عمله بمعصية .
2629 - حدثني سلم بن جنادة . قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش [ ص: 386 ] عن مسلم عن مسروق : أنه حضر رجلا فوصى بأشياء لا تنبغي ، فقال له مسروق : إن الله قد قسم بينكم فأحسن القسم ، وإنه من يرغب برأيه عن رأي الله يضله ، أوص لذي قرابتك ممن لا يرثك ، ثم دع المال على ما قسمه الله عليه .
2630 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد عن الضحاك قال : لا تجوز وصية لوارث ، ولا يوصي إلا لذي قرابة ، فإن أوصى لغير ذي قرابة فقد عمل بمعصية; إلا أن لا يكون قرابة ، فيوصي لفقراء المسلمين .
2631 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة قال : العجب لأبي العالية أعتقته امرأة من بني رياح وأوصى بماله لبني هاشم !
2632 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن رجل ، عن الشعبي قال : لم يكن له [ موال ] ، ولا كرامة .
2633 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا [ ص: 387 ] أيوب ، عن محمد قال : قال عبد الله بن معمر في الوصية : من سمى ، جعلناها حيث سمى - ومن قال : حيث أمر الله ، جعلناها في قرابته .
2634 - حدثني محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال : حدثنا المعتمر قال : حدثنا عمران بن حدير قال : قلت لأبي مجلز : الوصية على كل مسلم واجبة؟ قال : على من ترك خيرا .
2635 - حدثنا سوار بن عبد الله قال : حدثنا عبد الملك بن الصباح قال : حدثنا عمران بن حدير قال : قلت للاحق بن حميد : الوصية حق على كل مسلم؟ قال : هي حق على من ترك خيرا .
واختلف أهل العلم في حكم هذه الآية .
فقال بعضهم : لم ينسخ الله شيئا من حكمها ، وإنما هي آية ظاهرها ظاهر عموم في كل والد ووالدة والقريب ، والمراد بها في الحكم البعض منهم دون الجميع ، وهو من لا يرث منهم الميت دون من يرث . وذلك قول من ذكرت قوله ، وقول جماعة آخرين غيرهم معهم .
ذكر قول من لم يذكر قوله منهم في ذلك :
2636 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة عن جابر بن زيد : في رجل أوصى لغير ذي قرابة وله قرابة محتاجون ، قال : يرد ثلثا الثلث عليهم ، وثلث الثلث لمن أوصى له به .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|