عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18-08-2022, 07:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,340
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أغراض شعر ابن القم

والملاحظ أن ابن القُمِّ كان يدفعه الإعجاب بمليكه إلى اهتبال كل مناسبة للإطراء عليه ومديحه، فلقد روى المؤرخون أن سبأ بن أحمد اصطحب شاعرنا معه يومًا وهو يتفقَّد ما بحديقة قصره من أُسُودٍ وكلاب، وكان السلطان على ما يبدو يقدم لها الطعام بنفسه، ولاحَظَ الشاعر أن أسدًا منها لم يُقْدِمْ على الأكل من الفريسة التي طرحها السلطان أمامه، فأنشأ يقول[11]:



يا أكرمَ الناسِ في بُؤْسٍ وفي نِعَمٍ

وخيرَ ساعٍ إلى مجد على قَدَمِ




لا تعجبَنْ لعمومِ الأمن في بلدٍ

أضحيْتَ فيها فأضحَتْ منكَ فِي حَرَمِ




أمَا ترى الليثَ لَمَّا أنْ طَرَحتَ له

فريسةً حاد عنها وهو ذو قُدُمِ




ملأْتَ بالخَوْفِ أكبادَ الورى ذُعُرًا

فعبدُكَ الليثُ لا يَسْطُو على الغَنَمِ







والشاعر في هذه الأبيات يُثني على سياسة الحزم والشدة التي انتهجها السلطان في تدبير شؤون مملكته، ويشير إلى أن هذه السياسة قد أدت إلى استقرار الأمور، واستتباب الأمن في ربوع البلاد، وهذا بلا ريب مما يُمتدَح به الملوك في الشعر، إلا أن الشاعر قد خانه التعبير في البيت الأخير؛ لأنه - فيما أتصور - يوحي بأن هذا السلطان قد ساس الناس بالقهر والبطش، والتسلط والجبروت والظلم.



ومن المواضع التي أخفق فيها الشاعر في امتداح هذا السلطان قوله من قصيدة:



لَوْلاَ المخافةُ من أن لا تدومَ له

إرادةُ البذلِ أعطَتْ نَفْسَهَا يَدُهُ[12]




كأنَّه خافَ أن ينسى السماحَ فما

يزال منه له دَرْسٌ يُرَدِّدُهُ







لأن هذين البيتين يوحيان بأن السلطان يعطي ويمنح تطبُّعًا لا طبعًا؛ ففي البيت الأول يتحدث الشاعر عما يتلبس السلطان من الخوف لحظة العطاء، فيقول: إنه يريد أن يعطي، وإنه ليريد أن يعطي بسخاء، وإنه ليريد أن يجود بأغلى ما يَملِك؛ بنفسه التي بين جنبيه، لكنه لا يفعل، بل ينتهج في العطاء سبيلَ التوسط والاعتدال؛ كي تدوم له إرادة البذل، وفي البيت الثاني يصوره رجلاً بخيلا ًشحيحًا يحاول بالعطاء المستمر، والبذل المتواصل أن يُعَوِّدَ نفسَه الأَرْيَحِيَّةَ والجُودَ.



ولقد امتدح ابن القُمِّ عددًا من شخصيات البيت الصليحي الذين حكموا اليمن بعد سبأ بن أحمد، من مثل السيدة الحرة أروى بنت أحمد الصليحية، التي يقول فيها من قصيدة[13]:



أَعْلَى الأنام أبًا، وأكرمُ طيبةً

وأتمُّ أعراقًا، وأصلبُ عُودَا




لو كان يُعْبَدُ للجلالة في الورى

بَشَرٌ لكانت ذلك المَعْبُودَا




هي نعمةُ الله التي لا ماؤها

ثمدًا ولا معروفها مَجْحُودَا




هي رحمة الله التي ما زال من

فوق البريَّةِ ظلُّها ممدودَا







والشاعر في هذه الأبيات يمتدح السيدة الحرة بصراحة النسب، وعراقة الأصل، وقوة الشكيمة التي تتمثَّل في صلابة العود، وكأنه يشير إلى ما تميَّزت به هذه السيدة من الحزم في إدارة شؤون البلاد بعد وفاة زوجها سبأ بن أحمد، حيث تحصَّنت بما تملك من معاقل، وتولَّت ما كانت تحكم من حصون، وأقامت لها وزراءَ وعمالاً، واستطاعت أن تطيل حكم الصليحِيِّين أربعين سنة بعد أن كاد يضعف أمرهم[14].



وفي البيت الثاني من هذه الأبيات يشير الشاعر إلى ما كانت عليه هذه السيدة من الجمال والحسن، والبهاء والإشراق، كما يشير إلى المكانة السامية التي احتلتها هذه المرأة في قلوب رعاياها، حيث تغلغل حبها في كل قلب، وأصبحت في قلوب اليمنيين رمزًا دالاًّ على الجمال والحب مثلها في ذلك مثل حتحور عند قدماء المصريين، أو أفروديت عند اليونانيين القدماء.



ويستوقفنا وصفه لها في البيت الثالث بقوله: "هي نعمة الله"؛ لأنه يشير به - في غالب الظن - إلى ما أصاب اليمن في عهدها من رغد العيش، فقد روى المؤرخون من مآثرها أنها اهتمت "برعي المواشي، وتحسين النسل؛ لكي توفِّر للشعب بمختلِفِ طبقاته اللحومَ والألبانَ"[15]، وأنها اهتمت بتعبيد الطرق، وبناء المدارس والمساجد[16]، وعملت على نشرِ العدل، وإقامة الحدود، وولت من الوزراء والعمال من عفَّ عما بأيدي الناس من مثل الأمير المفضل بن أبي البركات الحِمْيَري، والأمير الموفَّق علي بن إبراهيم بن نجيب الدولة[17].



كما يستوقفنا وصفه لها في البيت الرابع بقوله: "هي رحمة الله"؛ لأنه يشير في غالب الظن إلى ما كانت عليه من الورع والتقى والصلاح، قال عماد الدين بن الحسن القرشي المتوفى 472هـ: "وكانت امرأة فاضلة ذات نسك وورع وفضل، وكمال عقل وعبادة وعلم، تَفُوقُ الرجال، فضلاً عن ربَّاتِ الحِجَال"[18].



ب- العتاب:

لابن القُمِّ ثمانية نصوص شعرية في العتاب أوردها العماد الكاتب في خريدته، ونصٌّ واحدٌ أورده ياقوت الحموي في معجم الأدباء؛ ومن ثمَّ فإن مجموع ما لدينا من شعر صاحبنا في هذا الباب تسعة نصوص، يبلغ عدد أبياتها أربعة وخمسين بيتًا.

ومن هذه النصوص قوله معاتبًا سبأ بن أحمد[19]:

أبا حِمْيَرٍ إنَّ المعالي رخيصةٌ
ولو بُذِلَت فيها النفوسُ الكَرَائِمُ

وجدتُ مطارًا يا ابنَ أحمدَ واسعًا
إلى غرض لو سَاعَدَتْنِي القَوَادِمُ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]