عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18-08-2022, 07:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رفع الملام عن لحن الأئمة الأعلام

وغَصَّ من هيبةٍ بالريق والبَهَرِ



فمثلُ سيِّدِنا حالتْ مهابتُهُ

بين البليغ وبين القول بالحَصَرِ



فإن يكُنْ خفَضَ الأيامَ عن دَهَشٍ

من شدَّة الخوف لا من قِلَّة البَصَرِ



فقد تفاءَلتُ من هذا لسيِّدِنا

والفألُ مأثَرةٌ عن سيِّدِ البشَرِ



بأنَّ أيامَهُ خفضٌ بلا نَصَبٍ

وأنَّ دولَتَهُ صفوٌ بلا كَدَرِ





أو خرج منهم مراعاة للأدب في مخاطبتهم بما ليس من منتحلاتـهم منعاً لوقوعهم في الحرج بحضور الناس فتقلّ هيبة الملك في نفوس العامة، إذ كان يقبح في عرفهم أن يلحن الملك أو الأمير.

كما روي عن المأمون أن بعض العلماء تكلم في مجلسه بغامض لم يفهمه المأمون، فلما خفَّ المجلس خلا به المأمون وقال له: لا تتكلم في مجلسنا بما لا نُحسنه، وإذا أردت ذلك فأعلمنا به فإنه يقبح بالأمير الجهل.!

وذكر أبو بكر الزبيدي عن أبان بن عثمان أنه قال: (اللحن في الرجل السَّريِّ، كالتغيير في الثوب الجديد).

وقد ذكر القاضي أبو الفرج المعافى الجريري في (نوادره) أن النضر بن شُميل حضر عند المأمون فجرى ذكر النساء فحدّث المأمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوج الرجلُ المرأةَ لدينها وجمالها كان فيها سَداد من عَوز) فأورده بفتح السين.!

قال: فقلت: صدق يا أمير المؤمنين هشيم؛ حدثنا عوف بن أبي جميلة عن الحسن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوج الرجلُ المرأةَ لدينها وجمالها كان فيها سِداد من عَوز) فأورده بالكسر.

قال: وكان المأمون مُتَّكئاً فاستوى جالساً، وقال: يا نضر، كيف قلت: سِداد؟ قلت: نعم، لأن السَّداد ههنا لحن.

قال: أو تُلحّنني! قلت: إنما لحن هشيم وكان لحاناً، فتبع أميرُ المؤمنين لفظَه.!

قال: فما الفرق بينهما؟

قال فقلت: السَّداد بالفتح: القصد في الدين والسبيل، والسِّداد بالكسر: البُلغة، وكل ما سددت به شيئاً فهو سِداد.

قال: أو تعرف العرب ذلك.؟




قلت: نعم، هذا العَرْجي يقول:



أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا

ليوم كريهة وسِداد ثغرِ



كأنِّي لم أكُنْ فيهمْ وسيطًا

ولم تكُ نسبتي في آل عَمْرِ






فقال المأمون: قبّح الله من لا أدبَ له.

وحكى القفطي عن الحجاج أنه بلغه أن يحيى بن يعمر يقول: إن الحسن والحسين عليهما السلام من ذرّية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويحيى يومئذ بخراسان، فكتب إلى قتيبة بن مسلم: أن ابعث إليَّ بيحيى بن يعمر، فبعث به إليه.

فقال: أنت الذي تزعم أن الحسن والحسين من ذرّية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! والله لأُلقيّنَّ الأكثرَ منك شعراً أو لتخرُجَنَّ من ذلك.

قال: فإن الله جل وعز يقول: (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ، وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى..) الاية، وما بين عيسى وإبراهيم أكثرمما بين الحسن والحسين ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم.؟!

فقال الحجاج: ما أراك إلا وقد خرجت، والله لقد قرأتـها وما علمت بـها قطّ، خبِّرني عني هل ألحن.؟

فقال: أما إذ سألتني أيها الأمير، فإنك ترفع ما يوضع، وتضع ما يرفع.! فقال الحجاج: ذلك والله اللحن السيئ.

فقال يحيى: وتلحن في حروف.!

قال: فأين؟ قال: في القرآن، قال: ذاك أشنع ما هو.؟

قال: تقول: (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ..) إلى قوله: (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ) تقرؤها بالرفع.!

قال: لا جرم، لا تسمع لي لحناً.

وحُكي أن رجلاً دخل على عبد العزيز بن مروان يشكو إليه صهراً له فقال له: (من ختنَك) بالفتح.!

فقال الرجل: ليس الختان الذي يختتن الناس.!

فقال عبد العزيز لكاتبه: ويحك ما هذا الجواب.؟

فقال: أيها الأمير إنك لحنت، والرجل يعرف اللحنة، وينبغي أن تقول له (من ختنُك) بالضمّ.

فقال عبد العزيز: أُراني أتكلّم بكلام لا تعرفهُ العرب، والله لا شاهدتُ الناس حتى أعرف اللحن.!

فأقام في بيته جمعةً لا يظهر، ومعه من يُعلِّمهُ العربية، فصلى بالناسِ الجمعة الأخرى وهو من أفصح الناس، ثمَّ كان بعد ذلك يُعطي على العربية ويمنع على اللحن.!

بل إن من الملوك من يستعظم اللحن جداً، فكان عمر بن عبد العزيز قد حضر خطبة للوليد بن عبد الملك وكان لحاناً، فقال في خطبته: يا أهلُ المدينة، بالضم، فنكس عمر رأسه واسترجع.!




ومما حُكي عن عبد الملك بن مروان أنه أُتيَ بخارجي من الشبيبية فأمر بضرب عنقه وقال له: ألست القائل:

ومنا سويدٌ والبطينُ وقعنبُ ♦♦♦ ومنا أميرُ المؤمنين شبيبُ



فقال: ما هكذا قلت يا أمير المؤمنين، ولكن قلت:

ومنا أميرَ المؤمنين شبيبُ



ونصب، فأطلقه عبد الملك وعفا عنه.!

فإذا كان هذا اللحن يقبح في أيامهم بالملوك فكيف يليق بالأئمة العلماء، وإذا كان ملوك الدنيا يستعظمون اللحن حتى يُجزلون العطاء على اجتنابه وإقامة الإعراب، فكيف بملوك الآخرة، أعني أهلَ العلم.؟!

ومن مستملح ما بلغنا من الأخبار أن صدام حسين كان قد نصب ابنَ عمه حسين كامل وزيراً للصناعة وكان جاهلاً أحمق، فزار يوماً مصنعاً للمعدات الحربية فجعل كبيرُ المهندسين يطوف به ويشرح له، ويخاطبه على العادة ببعض المصطلحات الإنجليزية العلمية التي تجري على ألسنة المهندسين.

حتى ذكر له أن بعض الصناعات متوقف لعدم القدرة على إنتاج الـ(steam) فظن هو لجهله أنه يريد الـ(سيم) وهو بالعامية ما يُغسل به أطباق الطعام، فقال من فوره: اجمعوا كل ما في السوق من الــ(سيم) فضحك المهندسون ووقع هو في حرج شديد دفعه إلى إصدار قانون بمنع التحدُّث مع الوزير بغير العربية.!




ولهذا قال الخليل:



أيُّ شيءٍ من اللِّباس على ذي السَّ

رْو أبهى من اللسان البَهيِّ



ينظِمُ الحُجةَ الشَّتيتةَ في السِّلْ

كِ من القول مثل عِقْد الهَدِيِّ



وترى اللحنَ بالحسيب أخي الهي

ئةِ مثل الصَّدَا على المَشْرَفِيِّ






العاشر: ومن اللحن ما يكون مقصوداً لهم وهم يعلمون أنه لحن، لكن جرى منهم على سبيل اتّباع الرواية، كما مر في حديث قتل أبي جهل وقول ابن مسعود له: (أنت أبا جهل) قال ابن علية: قال سُليم هكذا، أي هكذا الرواية والسماع.

وأيضاً فقد عُلم أن بعض الرواة كان يكون لُحَنةً لا يُقيم إعراب الغامض من الحروف الواقعة في المرويات، فيرويه ملحوناً فيسمعه منه هؤلاء السادة الأعيان فيروونه كما سمعوه احتياطاً أن يكون موجوداً مروياً في اللغة، ولا يعرفونه لسعة العربية كما تقدَّم.

ولأن من مذهب بعضهم منع الرواية بالمعنى لغير العارف بالعربية، وفي غير الألفاظ التي يُتعبد بـها كألفاظ التشهد ونحو لك، وقد قال بعض العلماء:



روايةُ الحديث بالمعنى اختلفْ

فيها كثيرٌ من أكابر السلفْ



فذهبتْ لمنعِهِ منهمْ زُمَرْ

موافقو عبد الإله ابنِ عمرْ



والحقُّ أنَّ العارَ كلَّ العار في

تغيير لفظِهِ لغير العارفِ







الحادي عشر: ومن اللحن ما يجري سهواً على ألسنة الكبار فينقله الناس دون فحص ومحص، وتسير به الركبان وما هو بلحن، وإنما زلة لسان وكبوة جواد، وقد قال الفرّاء: سمعتُ الكسائيَّ يقول: (ربما سبقني لساني باللحن فلا يُـمكنني أن أردَّه).

وفي حكاية الكسائي مع الرشيد أنه قرأ وهو يؤمه: (لعلهم ترجعين).!

فقال الرشيد بعد فراغه من الصلاة وقد تـهيَّب أن يفتح عليه: أهي قراءة.؟

فقال الكسائي: لا، ولكن الجواد قد يعثر.

فقال: أما هذا فنعم.

ومن عجب أن الكسائي اجتمع واليزيدي عند الرشيد، فحضرت صلاة الجهر فقدَّموا الكسائي فصلى بـهم، فأُرْتِجَ عليه في قراءة: (قل يا أيها الكافرون) فلما سلَّم قال اليزيدي: قارئ أهل الكوفة يُرْتَجُ عليه في (قل يا أيها الكافرون).!




فحضرت صلاة الجهر وتقدَّم اليزيدي فصلى، فأُرْتِجَ عليه في سورة الحمد، فلما سلم قال:

احفظْ لسانَكَ لا تقولُ فتُبتلى ♦♦♦ إنَّ البلاءَ مُوكَّلٌ بالمنطقِ




وما أحسن ما قال العلامة العيني رحمه الله: (ومن شأن المسلم ومقتضى الإسلام أن لا يتكلم في حقِّ إمام من هؤلاء الأئمة، ولا سيما الأئمة الأربعة؛ فإنـهم من خواص الله تعالى وسُرج دينه المتين).




آخره

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]