عرض مشاركة واحدة
  #243  
قديم 19-08-2022, 11:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1451 الى صـ 1458
الحلقة (243)



قال المهايمي : توبة من الله أي: قبولا من الله ورحمة منه [ ص: 1451 ] من (تاب عليه) إذا قبل توبته (فتوبة) منصوب على أنه مفعول له، أي: شرع لكم ذلك توبة منه، أو مصدر مؤكد لمحذوف، أي: تاب عليكم توبة منه.

وكان الله عليما بجميع الأشياء التي منها مقدار كدورة هذا الخطأ العظيم حكيما في دواء إزالتها.

قال المهايمي : وإذا كان للخطأ هذه الكدورة مع العفو عنه، فأين كدورة العمد؟! أي: وهي التي ذكرت في قوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى:

ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما [93]

ومن يقتل مؤمنا متعمدا لقتله فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه إذ قتل وليه عمدا ولعنه أي: أبعده عن الرحمة وأعد له وراء ذلك عذابا عظيما أي: فوق عذاب سائر الكبائر، سوى الشرك.

قال الإمام ابن كثير : هذا تهديد شديد ووعد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله، حيث يقول سبحانه في سورة (الفرقان): والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق [الفرقان: من الآية 68] الآية، وقال تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا [الأنعام: من الآية 151] الآية، والآيات والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدا.

فمن ذلك ما ثبت [ ص: 1452 ] في الصحيحين، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء .

وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو داود ، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بلح .

وفي حديث آخر: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم قلت: رواه الترمذي والنسائي عن ابن عمرو

وفي الحديث الآخر: لو اجتمع أهل السماوات والأرض على قتل رجل مسلم لكبهم الله في النار .

قلت: رواه الترمذي ، عن أبي سعيد ، وأبي هريرة بلفظ: لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله عز وجل في النار .

وفي الحديث الآخر: من أعان على قتل المسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة الله .

قلت: رواه ابن ماجه عن أبي هريرة .

وقد كان ابن عباس يرى أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمدا .

[ ص: 1453 ] وقال البخاري : حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا المغيرة بن النعمان قال: سمعت ابن جبير ، قال: اختلف فيها أهل الكوفة ، فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها، فقال: نزلت هذه الآية: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم هي آخر ما نزل وما نسخها شيء.

وكذا رواه هو أيضا ومسلم والنسائي من طرق عن شعبة به.

ورواه أبو داود ، عن أحمد بن حنبل ، عن ابن مهدي، عن سفيان الثوري ، عن مغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم فقال: ما نسخها شيء.

وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار قال حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: قال لي عبد الرحمن بن أبزى: سئل ابن عباس عن قوله: ومن يقتل مؤمنا متعمدا الآية؟ فقال: لم ينسخها شيء، وقال في هذه الآية: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى آخرها، قال: نزلت في أهل الشرك.

وروى ابن جرير - أيضا - عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام، ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم، ولا توبة له، فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إلا من ندم.

وروى الإمام أحمد، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس أن رجلا أتى إليه فقال: أرأيت رجلا قتل رجلا عمدا؟ فقال: فجزاؤه جهنم خالدا فيها الآية، قال: لقد نزلت من آخر ما نزل، ما نسخها [ ص: 1454 ] شيء حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وما نزل وحي بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى؟ قال: وأنى له بالتوبة؟ وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ثكلته أمه، رجل قتل رجلا متعمدا يجيء يوم القيامة آخذا قاتله بيمينه أو بيساره أو آخذا رأسه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه دما قبل العرش يقول: يا رب سل عبدك فيم قتلني ورواه النسائي وابن ماجه .

وقد روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة.

وممن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف زيد بن ثابت ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عمر ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد بن عمير، والحسن، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم ، نقله ابن أبي حاتم .

وفي الباب أحاديث كثيرة، فمن ذلك ما رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه، عن ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يجيء المقتول متعلقا بقاتله يوم القيامة آخذا رأسه بيده الأخرى، فيقول: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ قال: فيقول: قتلته لتكون العزة لك فيقول: فإنها لي.

قال: ويجيء آخر متعلقا بقاتله، فيقول: رب سل هذا فيم قتلني؟ قال: فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له بؤ بإثمه، قال فيهوى به في النار سبعين خريفا
ورواه النسائي .

وأخرج الإمام أحمد والنسائي عن معاوية قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا النضر ، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد، قال: أتاني أبو العالية أنا وصاحب لي، فقال لنا: هلما فأنتما أشب سنا مني، وأوعى للحديث مني، فانطلق بنا إلى بشر بن عاصم، فقال له أبو العالية: حدث هؤلاء حديثك، فقال: حدثنا عقبة بن مالك الليثي قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية فأغارت على قوم فشد مع القوم رجل [ ص: 1455 ] فاتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه، فقال الشاد من القوم: إني مسلم، فلم ينظر فيما قال، فضربه فقتله، فنمى الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال فيه قولا شديدا، فبلغ القاتل، فبينا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يخطب إذ قال القاتل: والله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، قال فأعرض رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عنه وعمن قبله من الناس، وأخذ في خطبته، ثم قال أيضا: يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، فأعرض عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته، ثم لم يصبر حتى قال الثالثة: والله يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعرف المساءة في وجهه، فقال: إن الله أبى على من قتل مؤمنا (ثلاث مرات) ورواه النسائي .

ثم قال ابن كثير : والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عز وجل، فإن تاب وأناب وخشع وخضع، وعمل عملا صالحا بدل الله سيئاته حسنات، وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن ظلامته، قال الله تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها إلى قوله: إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا [الفرقان: 68 - 70] الآية، وهذا خبر لا يجوز نسخه، وحمله على المشركين وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر، ويحتاج حمله إلى دليل، والله أعلم.

وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله [الزمر: من الآية 53] الآية، وهذا عام في جميع الذنوب، من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك، كل من تاب من أي ذلك تاب الله عليه، قال الله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: من الآية 48 و 116] فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك، وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وقبلها؛ لتقوية الرجاء، والله أعلم.

[ ص: 1456 ] وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس، ثم سأل عالما هل لي من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أرشده إلى بلد يعبد الله فيه فهاجر إليه فمات في الطريق، فقبضته ملائكة الرحمة.

وإذا كان هذا في بني إسرائيل فلأن يكون في هذه الأمة التوبة مقبولة بطريق الأولى والأحرى؛ لأن الله وضع عنا الآصار والأغلال التي كانت عليهم، وبعث نبينا بالحنيفية السمحة. فأما الآية الكريمة وهي قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا الآية، فقد قال أبو هريرة وجماعة من السلف: هذا جزاؤه إن جازاه.

وقد رواه ابن مردويه بإسناده مرفوعا، ولكن لا يصح، ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه، وكذا كل وعيد على ذنب، لكن قد لا يكون لذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه، على قولي أصحاب الموازنة والإحباط، وهذا أحسن ما يسلك في باب الوعيد، والله أعلم بالصواب.

وبتقدير دخول القاتل في النار، إما على قول ابن عباس - ومن وافقه - أنه لا توبة له، أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالحا ينجو به - فليس بمخلد فيها أبدا، بل الخلود هو المكث الطويل، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من الإيمان.

[ ص: 1457 ] ثم قال ابن كثير : وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة فإنه من حقوق الآدميين، وهي لا تسقط بالتوبة، ولكن لا بد من ردها إليهم، ولا فرق بين المقتول والمسروق منه والمغصوب منه والمغبون والمقذوف وسائر حقوق الآدميين، فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة، ولكن لا بد من ردها إليهم في صحة التوبة، فإن تعذر ذلك فلا بد من المطالبة يوم القيامة، لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة، إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول، أو بعضها، ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة، أو يعوض الله المقتول بما يشاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها ورفع درجته فيها ونحو ذلك، والله أعلم. انتهى.

وقال النووي في "شرح مسلم " في شرح حديث الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس: استدل به على قبول توبة القاتل عمدا ، وهو مذهب أهل العلم وإجماعهم، ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس، وأما ما نقل عن بعض السلف من خلال هذا فمراد قائله الزجر والتوبة، لا أنه يعتقد بطلان توبته.

وهذا الحديث وإن كان شرع من قبلنا وفي الاحتجاج به خلاف - فليس هذا موضع الخلاف، وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره، فإن ورد كان شرعا لنا بلا شك، وهذا قد ورد شرعنا به، وذلك قوله تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس إلى قوله: إلا من تاب [الفرقان: 68] الآية.

وأما قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا الآية، فالصواب في معناها: أن جزاءه جهنم، فقد يجازى بذلك وقد يجازى بغيره، وقد لا يجازى بل يعفى عنه، فإن قتل عمدا مستحلا بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد، يخلد في جهنم بالإجماع، وإن كان غير مستحل بل معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص، مرتكب كبيرة، جزاؤها جهنم خالدا فيها، لكن تفضل الله تعالى وأخبر أنه لا يخلد من مات موحدا فيها، فلا يخلد هذا، ولكن قد يعفى عنه ولا يدخل النار أصلا، وقد لا يعفى عنه [ ص: 1458 ] بل يعذب كسائر عصاة الموحدين، ثم يخرج معهم إلى الجنة، ولا يخلد في النار.

قال: فهذا هو الصواب في معنى الآية، ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم ذلك الجزاء، وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم، وإنما فيها أنها جزاؤه، أي: يستحق أن يجازى بذلك، وقيل: وردت الآية في رجل بعينه، وقيل: المراد بالخلود طول المدة لا الدوام، وقيل: معناها: هذا جزاؤه إن جازاه، وهذه الأقوال كلها ضعيفة أو فاسدة؛ لمخالفتها حقيقة لفظ الآية، فالصواب ما قدمناه. انتهى.

وقال علاء الدين الخازن : اختلف العلماء في حكم هذه الآية، هل هي منسوخة أم لا؟ وهل لمن قتل متعمدا توبة أم لا؟ فروي عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس : ألمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال: لا، فتلوت عليه الآية التي في الفرقان: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق [الفرقان: من الآية 68] إلى آخر الآية، قال: هذه آية مكية، نسختها آية مدنية: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]