عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-08-2022, 05:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قانصوه الغوري .. السلطان الشاعر


نتصور السّلطان جالسًا والملك ساعٍ إليه بجد، فيرحب السّلطان به إذ يأتي. ولكن، ما كان ليجرد سيفه لو أنه رأه ساعيًا إلى غيره. أو ليس للإيمان النّصيب الأكبر في فلسفة السّلطان السياسيّة:
لان إلينا مالك الملك ساقه
بحيث أتانا وهو يسعى ويجهد[11]



هذا الاسترخاء في استقبال الملك إنما ينبئ عن قناعة وإيمان بأن الله - حين يريد الإعطاء - لا يحتاج إلى قتال ودماء وعنف بل يعطي بسخاء. لكن هذا الاسترخاء في استقبال الملك يقابله اهتمام بالضّيف، وكأن الملك هو القاضي أحمد بن فرفور الّذي استقبله السّلطان أجمل استقبال فكرمه وأعطاه الوقت والاهتمام:
فأهلاً وسهلاً مرحبًا لقدومه
له عندنا أحلى مقام وأحمد

وسوف يرى مِن قربنا ما يسرُّه
ونطرد عنه كل سوء ونبعد[12]




وكما على المضيف أن يقدم السّرور لضيفه ويطرد عنه كل سوء، فقد كان الملك ضيفًا عزيزًا يستحق كل الاهتمام والرّعاية، فكيف اهتم السّلطان بالضّيف الملك؟ وهل كان مضيفًا كريمًا؟ وهل كانت مضافته رحبة وثرية؟

لقد اهتم السّلطان - إذ وصل إلى الحكم - بتوطيد هذا الحكم واهتم بأن يؤيَّد بنصر الله، فكان "من أعظم سلاطين مصر"[13]، وهو يعتبر الدعاء له بتمكين الملك والنصر على الأعداء بشارة سارة يشكر عليها حاملها:
وبشرنا[14] فيها بتمكينِ ملكِنا
وأنَّا بنصر الله فيه نؤيد

وأنَّا بعون الله نقهرُ ضدّنا
ومَن قد بغى جهلاً ومَن كان يحسد[15]



كثر الأعداء والبغاة والحساد، ومع ذلك فقد واجه الشّرور و"قمع الأمراء وأذل المعاندين حتى اشتد ملكه وهيبته فهادته الملوك وأرسلت قصّادها إليه"[16].

لقد تسلم الغوري مصر وهي في أحرج ساعاتها، لكنه استطاع - بأسلوبه المسالم وطبيعته الهادئة غير الميالة إلى المناهضة أو الحرب[17] - أن يضبط الوضع في غير ما عنف أو هدر دماء فعقد معاهدة سياسية مع جمهورية فلورانسا بإيطاليا عام 910ه، كذلك عقد معاهدة صداقة وسلام مع ملك إسبانيا محاولاً الحد - في هاتين المعاهدتين - من عدوان البرتغاليين الّذين صادروا السّفن المصرية وهاجموا شواطئ مصر إثر اكتشافهم الطّريق البحري إلى الهند حول القارة الأفريقية عام 1498م[18]. وهو إذ يعترف أن تسوية الأمور لم تكن سهلة، يعلن أنه توصل إلى إخضاع المعادين:
ولقد كفانا الله في أعدائِنا
فضلاً فبعد صعوبة قد هانوا[19]



ويهتم الغوري في شعره كما في واقعه بأحوال الأمراء مِن حوله ويصرّ على أن يحبوه ويوالوه، فيشكر الله تعالى إذ يتوصل إلى هذا الهدف:
وعلى محبتنا بصدق أجمعَتْ
أمراؤنا في المُلك والأعيان[20]



وهو - إذ يدعو الله له ولمن حوله - يكون الأمراء في أوائل مَن يدعو لهم بالنَّصر، فنصرهم نصر الملك، وبالسَّعادة، فسعادتهم تعطي الرَّخاء للوطن وأهله:
واحفظ لي الأمراء وانصرهُم فهم
في الملك أركان له وحماة

وانظرْ لهم واشملْهم بعناية
وسعادة تعلو بها الدّرجات

لا سيما أركان دولتنا ففي
وجه الزَّمان وجودهم حسنات[21]




إنها دعوات مزيج مِن الإيمان والدّبلوماسية، فالدعاء موجه إلى الله مخصص للأشخاص الّذين يحمون لا السّلطان فحسب، بل الوطن، وهم الأمراء والوزراء والكبار والجنود. ويكرر السّلطان الدعاء في كل مناسبة:
رب فاحفظ الأمرا
فيه لي مع الوزرا

والصدور والكبرا
والجنود بالجملة[22]








يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.34%)]