عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-08-2022, 06:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,615
الدولة : Egypt
افتراضي الضرورة الشعرية في كتاب سيبويه

الضرورة الشعرية في كتاب سيبويه
أ. د. أحمد محمد عبدالدايم عبدالله
















مقدمة:



معلومٌ أن الشاعر ليس حرًّا في اختيار كلمات قصائده أو تراكيبها، كما أنه ليس حرًّا في الخروج على قواعد النَّحْو والصرف واللُّغة، وحريتُه تكون أكثر تعقيدًا إذا اختار رويًّا مِن حرف معين، يلزمه الرفع، أو النصب، أو الجر؛ حيث يجب عليه الالتزام بما ألزَم نفسَه به، بينما نراه غير مُقيَّد إذا اختار رويًّا ساكنًا.




كل ذلك قد يدفع الشاعرَ أحيانًا إلى الخروج عن "المألوف" مضطرًّا إلى "غير المألوف"، مما أُطلِق عليه اسم "الضرورة الشعرية".








ويُرجِع الدكتور "عوني عبدالرؤوف" كثرةَ ارتكاب الضرورة إلى الأبحر القصيرة ذات الكلمات القليلة، مما يكون "عسيرًا" على الشاعر حين تأليف قصيدتِه، يقول في ذلك:



"إذا ما نظرنا إلى عدد الكلمات التي يتكوَّن منها سطر الشعر عادةً، لوجدنا أنه في الأبحر القصيرة يتكوَّن من أربع كلمات، إذا كان مكوَّنًا من ثلاث تفعيلات، أما في الأبحر الطويلة التي تتكون من شطرين، فعدد كلماتها يتراوح فيها من ثمان إلى عشر كلمات، ولذلك فإن على الشاعر في الأبحر القصيرة أن يأتي بالقافية بعد كل ثلاث كلمات؛ أي: في الكلمة الرابعة، وهو أمرٌ عسير، وكثيرًا ما يضطر إلى استعمال ما ليس بجائز لُغَويًّا، أو نَحْويًّا، ولذلك أيضًا، فإن ضرائر القافية في الأبحر القصيرة - وأهم ما يمثلها الرَّجَز - أكثر بكثيرٍ من نظائرها في الأبحر الطويلة، وخاصة إذا كان الرَّجَز من تفعيلتين"[1].



لذلك يرتكب الشاعر - مضطرًّا - مخالفاتِه التي حصرها الدكتور عوني في قوله: "لتغيير تركيب الجملة، ولاختصار الكلمات، أو إضافة حروفٍ أكثر إليها، أو تغيير نُطقها، أو لتغيير الأصوات اللُّغوية في الرويِّ، أو تغيير كميتها"[2].








وكلام الدكتور عوني في تعليله للضرورة الشعرية كلامٌ وجيه، جدير بالاحترام والتقدير، إلا أنني لا أوافقه في شيئينِ:



1- اتخاذه بحر الرَّجَز مثالًا للأبحر القصيرة، ولا أدري كيف يكون من الأبحر القصيرة، وتفعيلاته ست، وهو مبني على (مُسْتَفْعِلُنْ) ستة أجزاء[3]، بينما نراه يعرِّف الأبحر القصيرة بأنها تتكوَّن من ثلاث تفعيلات ومن أربع كلمات.



2- أرى أيضًا أن صياغةَ القوافي في الأبحر القصيرة أسهلُ بكثير من صياغتها في الأبحر الطويلة، خلافًا لِمَا يراه أستاذنا الدكتور عوني، لذلك فإننا نراهم جعلوا للرجز مجزوءًا ومشطورًا ومنهوكًا، كما أننا نرى أن الشعراء جنحوا للمجزوءات من البحور الطويلة كثيرًا؛ مثل مجزوء الوافر، والكامل، والرَّجَز، والرَّمَل... إلخ.



ولقد حصر ابنُ جِنِّي الضرورات الشعرية في "قصر الممدود، وصرف ما لا ينصرف، وتذكير المؤنث ونحوه"[4].








ولقد مثَّل لنا ابنُ جني بأمثلةٍ للضرورات، وما فيها من طرافة، يقول[5]: "ومِن طريف الضرورات وغريبها ووحشيِّها وعجيبها، ما أنشده أبو زيد مِن قول الشاعر:





هل تعرفُ الدار ببيدا إِنَّهْ

دار لخودٍ قَدْ تعفَّتْ إِنَّهْ




فانهلَّتِ العينانِ تسفحنَّهْ

مثلَ الجُمانِ جال فِي سِلكِنَّهْ




لا تعجَبِي منَّا سُلَيمَى إنَّهْ

إنَّا لحلَّالونَ بالثغرنَّهْ









ويقول الأخفش - سعيد بن مسعدة - عما يجوز ولا يجوز في الشعر:



"واعلَمْ أن كل ما لا ينصرف يجوز صرفه في الشعر، نحو قصر المدود، ولا يجوز الحذف في الشعر، فإذا قصرته فإنما تحذف حرفًا، ولا يجوز مد المقصور؛ لأنه لا يجوز الزيادة فيما كان في الجمع ثالث حروفه ألف وبعد الألف حرفان"[6].



ويرى الدكتور عوني عبد الرؤوف أيضًا أن الشاعر كثيرًا ما يعجِز في أن يجد الكلمة المناسبة للقافية، فيضطرُّ إلى استعمال كلمة قد لا تفي بالمعنى، أو ينحت كلمة أخرى، أو يشتق غيرها، فيجمع جمع تكسير غير مألوف، أو يضع حركةً مكان أخرى، أو قد يُغيِّر في بناء الجملة"[7].








ولقد مثَّل لنا الدكتور عوني بأمثلة عديدة للضرائر في كتابه القيِّم "القافية والأصوات اللُّغوية"؛ من ذلك:



1- ضرائر القافية والنَّحْو واللغة، وقد مثل لذلك بأمثلة؛ منها قوله:



وعندما يتعرضون لشرح



/ وزقَّةِ الدِّيكِ يصوت زَقًّا /



يقولون: "إنما أنَّثه على إرادة الدجاجة؛ لأن الديك دجاجة أيضًا؛ وفي:



/ يا حبذا عَيْنَا سُلَيْمَي والفما /



يقال "فالفما" لدى اللُّغويين بدل من "والفم"، والبيت ينبغي أن يكون مثلا لإحلال المفرد محل المثنى، مثل مات حتف أنفيه" بدلًا من أنفه، وفي:



/ يا ليتَ أيامَ الصِّبا رَواجِعا /



يريد الفرَّاء أن يجعل (ليت) بمعنى (أتمنَّى) حتى تكون (رواجعا) بدلًا، أما الكسائي، فيرى أن (كان) حذفت، وأن رواجعا خبر كان المحذوف"[8].








2- ضرائر القافية وبناء الكلمة، وقد مثَّل لها بأمثلة عدة؛ منها قوله:



وقد يفكُّ التضعيف بسبب القافية، ومن ثم يصرف الفعل تصرُّف الفعل الصحيح؛ مثل قول الحجاج:



/ لقد لَجَجْنا في هواك لَجَاجا /



أي (لجَّا)، وقوله:



/ فوق الجلاذيِّ إذا ما أَمْجَجا؟



أي (أمجَّا)[9]".








ويقول بعدها: وأحيانًا يفك التضعيف بكلمة القافية، وقد يفك أيضًا بالكلمة داخل البيت بدون داعٍ؛ مثل قول العجاج:



/ تشكو الوَجَى مِن أظللِ وأظللِ /



بدلًا مِن (أظلَّ وأظلَّ).








وفك التضعيف داخل البيت بدون داعٍ؛ مثل:



/ يا دارُ حُيِّتِ ومَن أَلْمَمَ بِشِ /



أي (ألمَّ بِكِ)[10]..." إلخ.












الضرورة في الكتاب:



القارئ لكتاب سيبويه يراه يتناول الضرورةَ الشعرية متمثِّلةً في العناوين الآتية - تقريبًا - وهي:



1- الترخيم ضرورة.



2- الإجراء على الأصل ضرورة.



3- الإجراء على غير الأصل ضرورة.



4- الحذف للضرورة.



5- حذف تاء التأنيث.



6- استعمال ما يُقبح استعماله ضرورة.



7- صرف ما لا ينصرف، وتنوين ما لا ينون.



8- عدم إشباع ما يشبع.



9- إخفاء احدى الهمزتين.



10- إبدال الألف بالهمزة.



11- إبدال حرف بحرف للضرورة.



ولقد جمعتُ هذه الأشياء من مظانِّها، وقاربتُ بين المثال والمثال، والرأي والرأي، والشبيه بالمشابه، على الرغم مِن تباعدها في الكتاب، مع كثرة استدراكاته واستطراداته المعلومة، حتى صارت عناوينَ كبرى يندرج تحتها عناوين صغرى، تتضح من خلال تناولنا للموضوع بالتفصيل إن شاء الله.







أولًا: الترخيم ضرورة:



(أ) يقول سيبويه: "واعلم أن الترخيمَ لا يكون إلا في النداء، إلا أن يضطر شاعر"[11]، ومعنى هذا: ألا يُرخَّم اسم إلا إذا كان في موضع منادى، ولا يُرخَّم في غير هذا الموضع، إلا في ضرورة الشعر.



(ب) وقد مثَّل لنا شيخنا بأمثلةٍ عدة للضرورة الشعرية في باب الترخيم، جاءت متناثرة في الكتاب، غير أنه خصَّص بالإضافة إلى ذلك "بابًا"، هو "ما رخمتِ الشعراءُ في غير النداءِ اضطرارًا"[12].



يقول سيبويه في ذلك[13]: قال الراجز:



/ وقد وسطت مالكًا وحنظلًا / "؛ اهـ.



والشاهد في قول الراجز أنه رخَّم "حنظلةَ" في غير النداء، للضرورة.








وقال بعد ذلك بقليل[14]: وقال جَرير:



أَلَا أضحَتْ حبالُكمُ رمامَا ♦♦♦ وأضحَتْ منكَ شاسعةً أُمَامَا



والشاهد أيضًا في البيت السابق ترخيم "أُمامة" في غير النداء ضرورةً، وترك الميم على لفظها مفتوحة، وهي في موضع رفعٍ.



ومنشأ الضرورة في البيت الأول (الرَّجَز) على الرغم من أن البيت لا ينكسر لوجود تاء التأنيث المربوطة في (حنظلة) إذا سكنت، إلا أن العيب يكمن في "الوصل"؛ لأن القصيدة حرفُ الوصل فيها "بالألف"، وفي هذا البيت إذا لم يُرخِّم الشاعر سيكون الوصل "بالهاء"، لذلك رخم الشاعر في غير نداء للضرورة.








وكذلك نقول في بيت جَرير؛ حيث جاء الوصل في القصيدة ألفًا بعد الروي، وكلمة "أمامة" إذا سكنت تاء التأنيث لا ينكسر البيت، إلا أن الوصل بها سيكون "بالهاء"، وهو مخالف لوصل القصيدة، لذلك اضطرَّ الشاعر فرخَّم في غير نداء.



والوصل الذي نتحدَّث عنه، هو ما جاء بعد الرَّوي من حرف مدٍّ أشبعت به حركة الروي، أو هاء وليت الروي[15]، وحرف المد يكون ألفًا أو واوًا أو ياءً، ومثال الهاء التي تلي الروي قولُ ابن ميادة:



لقد سبقَتْكَ اليومَ عَيْناك سبقةً ♦♦♦ وأبكَاك مِن عهدِ الشَّبابِ ملاعبُه



فالباء روي والهاء وصل.








(ج) ويقول أيضًا سيبويه تحت باب "هذا باب يكون فيه الاسم بعدما يحذف منه الهاء بمنزلة اسم يتصرف في الكلام لم يكن فيه قط"[16]، يقول:



"وذلك قول بعض العرب، وهو عَنْترة العَبْسي:



يدعون عنترَ والرِّماح ُكأنَّها ♦♦♦ أَشْطانُ بئرٍ في لَبانِ الأَدْهمِ



جعلوا الاسم عنترًا، وجعلوا الراء حرف الإعراب".



والشاهد بطبيعة الحال ترخيم عنترة للضرورة حتى لا ينكسر البيتُ.



ويضيف سيبويه بعدها[17]: "وقال الأسود بن يعفر تصديقًا لهذه اللغة:



أَلَا هَلْ لهذا الدَّهرِ مِن مُتعلِّلِ ♦♦♦ عنِ النَّاسِ، مهما شاء بالناسِ يَفْعَلِ



ثم قال:



وهذا ردائي عندَه يستعيرُهُ ♦♦♦ ليَسْلُبَني حقِّي أَمَالِ بنَ حَنْظَلِ



وذلك لأن الترخيم يجوز في الشعر في غير النداء، فلما رخَّم جعل الاسم بمنزلة اسم ليست فيه هاءٌ"، والشاهد فيما ذكره سيبويه ترخيم (حنظلة)، وإجراؤه بعد الترخيم مجرى اسم لم يُرخَّم، مما أباح له الجر بالكسرة مثله، وهو مما يرخم في غير النداء ضرورة.








ولقد مثَّل سيبويه بمثال آخر مما رخم فيه الاسم، وحذفت هاؤه دون نداءٍ للضرورة، فقال[18]: وقال رُؤْبة:



إما تَرَيْني اليومَ أمَّ حَمْزِ ♦♦♦ قارَبْت بين عَنَقِي وجَمْزِي



فكما هو واضح رخَّم الشاعر "حمزة" في غير النداء ضرورةً، ألزمه بها تصريع البيت، إن كان من الرجز التام، أو وصل الروى إن كان من "المجزوء"، كما أنه أجرى (حمزة) بعد ترخيمِها مجرى الاسم المنصرف.








(د) ولقد قرَّر سيبويه في موضعٍ آخر، أن الشعراءَ قد يُبدِلون الهاء التي حذفوها للترخيم ألفًا للمد، وهو ما يسمى "عروضيًّا" الإشباع، وذلك للضرورة أيضًا.



يقول سيبويه[19]: "واعلَمْ أن الشعراء إذا اضطروا حذَفوا هذه الهاء في الوقف؛ وذلك لأنهم يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلًا منها، قال الشاعر ابن الخرع:



وكادَتْ فزارةُ تشقى بنا ♦♦♦ فأولى فزارةَ أولى فزارا"؛ اهـ.



والشاهد في البيت حذف الهاء من (فزارة) الأخيرة؛ حيث رخمها ضرورة في غير نداء، ووقف عليها بالألف عِوَضًا عن الهاء؛ لأنهم إذا رخَّموا ثم وقفوا عليه، ردوها للوقف، ولَمَّا لم يتمكَّنِ الشاعر من ردِّ الهاء هنا؛ لأن القصيدة وصلها بالألف، فقد اضطر إلى أن يجعل الألف عوضًا عنها.








وهذا مثال ثانٍ مثَّل به سيبويهِ لذات الموضوع، فقال[20]:



وقال الفطامي:



/ قِفي قبل التفرُّقِ يا ضباعَا"؛ اهـ.



وهذا صدر بيت مُصرَّع، عجزه:



/ ولا يَكُ موقفٌ منك الوَدَاعَا / [21]



وليس خافيًا أن الهاء (لا بد من حذفها من ضباعةَ) ترخيمًا، ثم اضطر الشاعر لإبدالها ألفًا لضرورة التصريع.








ومثَّل لنا سيبويهِ بمثال ثالث، فقال[22]: "وقال هدبة:



/ عوجي علينا واربعي يا فاطِمَا / "؛ اهـ.



والشاهد فيه أيضًا أن الشاعر رخَّم (فاطمة) فحذف الهاء، ثم أبدلها ألفًا للمد (وصلًا) ضرورة.








(هـ) وهناك كثير من الشعراء يُجْرون الاسم الذي ليس بآخره هاءٌ، مجرى الاسم المختوم بالهاء في الترخيم ضرورة، وإن كان ذلك أقل في كلام العرب، فإنه عربي فصيح.



يقول سيبويه[23]: "واعلم أن ما يجعل بمنزلة اسم ليست فيه هاء، أقل في كلام العرب، وترك الحرف على ما كان عليه قبل أن تحذف الهاء أكثر؛ مِن قِبَل أن حرف الإعراب في سائر الكلام غيرُه، وهو على ذلك عربي، وقد حملهم ذلك على أن رخَّموه؛ حيث جعلوه بمنزلة ما لا هاء فيه، قال الحجاج:



فقد رأى الراؤونَ غير البُطَّلِ ♦♦♦ أنكَ يا مُعاوِ يَا بْنَ الأفضلِ



يريد: يا مُعاوية".








ولقد علق الأستاذ عبدالسلام هارون - محقق الكتاب - في الهامش[24] تعليقًا طيبًا، على ما صنع العجاج في "معاوية"، فقال: "والشاهد فيه إدخال ترخيم على ترخيم في "يا معاوِ"، رخَّم أولًا فصار "يا معاويَ"، وثانيًا فصار "يا معاوِ"، وهي ضرورة قبيحة".








وفي موضع آخرَ أورد لنا سيبويهِ مثالًا للترخيم في غير النداء ضرورةً، اضطرَّ فيه الشاعر إلى حذف نصف كلمة "فلان"، حذف منها حرفين (الألف والنون)، وأبقى منها حرفين (الفاء واللام)، وهو ترخيمٌ في غير موضعه للضرورة، يقول سيبويه[25]: "وأما فلان، فإنما هو كناية عن اسم مسمى به المحدَّث عنه، خاص غالب، وقد اضطر الشاعر فبَناه على حرفين، وفي هذا المعنى قال أبو النجم:




/ في لجةٍ أمسِكْ فُلانًا عَن فُلِ / "؛ اهـ.



والشاهد فيه استعمال "فل" موضع فلان في غير النداء ضرورة.
منقول



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.68%)]