عرض مشاركة واحدة
  #157  
قديم 23-08-2022, 09:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (157)
صــــــــــ 92 الى صـــــــــــ98






ميراث المشركة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قلنا : إن المشركة زوج وأم وأخوان لأب وأم وأخوان لأم فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث ويشركهم بنو الأب ; لأن الأب لما سقط حكمه صاروا [ ص: 92 ] بني أم معا وقال : بعض الناس مثل قولنا إلا أنهم قالوا لا يشركهم بنو الأب والأم واحتجوا علينا بأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيها فقال بعضهم قولنا وقال بعضهم قولهم فقالوا اخترنا قول من قلنا بقوله من قبل أنا وجدنا بني الأب والأم قد يكونون مع بني الأم فيكون للواحد منهم الثلثان وللجماعة من بني الأم الثلث ووجدنا بني الأب والأم قد يشركهم أهل الفرائض فيأخذون أقل مما يأخذ بنو الأم فلما وجدناهم مرة يأخذون أكثر مما يأخذون ومرة أقل مما يأخذون فرقنا بين حكميهم فورثنا كلا على حكمه ; لأنا وإن جمعتهم الأم لم نعطهم دون الأب ، وإن أعطيناهم بالأب مع الأم فرقنا بين حكميهم فقلنا إنا إنما أشركناهم مع بني الأم ; لأن الأم جمعتهم وسقط حكم الأب ، فإذا سقط حكم الأب كان كأن لم يكن ، ولو صار للأب موضع يكون له فيه حكم استعملناه قل نصيبهم ، أو كثر قال : فهل تجد مثل ما وصفت من أن يكون الرجل مستعملا في حال ثم تأتي حال فلا يكون مستعملا فيها ؟ قلنا نعم ، قال : وما ذاك ؟ قلنا ما قلنا نحن وأنت وخالفت فيه صاحبك من الزوج ينكح المرأة بعد ثلاث تطليقات ثم يطلقها فتحل للزوج قبله ويكون مبتدئا لنكاحها وتكون عنده على ثلاث ، ولو نكحها بعد واحدة ، أو اثنتين لم يهدم الواحد ، ولا الثنتين كما يهدم الثلاث ; لأنه لما كان له معنى في إحلال المرأة هدم الطلاق الذي تقدمه إذا كانت لا تحل إلا به ولما لم يكن له معنى في الواحدة والثنتين وكانت تحل لزوجها بنكاح قبل زوج كما كانت تحل لو لم يطلقها لم يكن له معنى فلم نستعمله قال : إنا لنقول هذا خبرا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت : وقياسا كما وصفنا ; لأنه قد خالف عمر فيه غيره .

قال : فهل تجد لي هذا في الفرائض ؟ قلت : نعم الأب يموت ابنه وللابن إخوة فلا يرثون مع الأب ، فإذا كان الأب قاتلا ورثوا ، ولم يورث الأب من قبل أن حكم الأب قد زال وما زال حكمه كان كمن لم يكن فلم نمنعهم الميراث له إذا صار لا حكم له كما منعناهم به إذا كان له حكم ، وكذلك لو كان كافرا أو مملوكا قال : فهذا لا يرث بحال وأولئك يرثون بحال قلنا : أوليس إنما ننظر في الميراث إلى الفريضة التي يدلون فيها بحقوقهم لا ننظر إلى حالهم قبلها ، ولا بعدها ؟ قال : وما تعني بذلك ؟ قلت : لو لم يكن قاتلا ورث ، وإذا صار قاتلا لم يرث ، ولو كان مملوكا فمات ابنه لم يرث ، ولو عتق قبل أن يموت ورث قال : هذا هكذا ؟ قلنا فنظرنا إلى الحال التي لم يكن فيها للأب حكم في الفريضة أسقطناه ووجدناهم لا يخرجون من أن يكونوا إلى بني الأم .
كتاب الوصايا

أخبرنا الربيع بن سليمان قال : كتبنا هذا الكتاب من نسخة الشافعي من خطه بيده ، ولم نسمعه منه وذكر الربيع في أوله ، وإذا أوصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده وذكر بعده تراجم ، وفي آخرها ما ينبغي أن يكون مقدما ، وهو : باب الوصية وترك الوصية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية : إن قوله صلى الله عليه وسلم { ما حق امرئ له مال يحتمل ما لامرئ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده } ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا لا من وجه الفرض . [ ص: 93 ] باب الوصية بمثل نصيب أحد ولده ، أو أحد ورثته ونحو ذلك ، وليس في التراجم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا وصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده ، فإن كانوا اثنين فله الثلث ، وإن كانوا ثلاثة فله الربع حتى يكون مثل أحد ولده ، وإن كان أوصى بمثل نصيب ابنه ، فقد أوصى له بالنصف فله الثلث كاملا إلا أن يشاء الابن أن يسلم له السدس .

( قال ) وإنما ذهبت إذا كانوا ثلاثة إلى أن يكون له الربع ، وقد يحتمل أن يكون له الثلث ; لأنه يعلم أن أحد ولده الثلاثة يرثه الثلث وأنه لما كان القول محتملا أن يكون أراد أن يكون كأحد ولده وأراد أن يكون له مثل ما يأخذ أحد ولده ، جعلت به الأقل فأعطيته إياه ; لأنه اليقين ومنعته الشك ، وهكذا لو قال : أعطوه مثل نصيب أحد ولدي فكان في ولده رجال ونساء أعطيته نصيب امرأة ; لأنه أقل ، وهكذا لو كان ولده ابنة وابن ابن ، فقال : أعطوه مثل نصيب أحد ولدي أعطيته السدس ، ولو كان ولد الابن اثنين ، أو أكثر أعطيته أقل ما يصيب واحدا منهم ، ولو قال : له مثل نصيب أحد ورثتي ، فكان في ورثته امرأة ترثه ثمنا ، ولا وارث له يرث أقل من ثمن أعطيته إياه ، ولو كان له أربع نسوة يرثنه ثمنا أعطيته ربع الثمن ، وهكذا لو كانت له عصبة فورثوه أعطيته مثل نصيب أحدهم ، وإن كان سهما من ألف سهم ، وهكذا لو كانوا موالي ، وإن قل عددهم وكان معهم وارث غيرهم زوجة أو غيرها أعطيته أبدا الأقل مما يصيب أحد ورثته ، ولو كان ورثته إخوة لأب وأم وإخوة لأب وإخوة لأم ، فقال : أعطوه مثل نصيب أحد إخوتي ، أو له مثل نصيب أحد إخوتي فذلك كله سواء ، ولا تبطل وصيته بأن الإخوة للأب لا يرثون ويعطي مثل نصيب أقل إخوته الذين يرثونه نصيبا ، إن كان أحد إخوته لأم أقل نصيبا ، أو بني الأم والأب أعطى مثل نصيبه .

( قال ) ولو قال : أعطوه مثل أكثر نصيب وارث لي نظر من يرثه فأيهم كان أكثر له ميراثا أعطي مثل نصيبه حتى يستكمل الثلث ، فإن جاوز نصيبه الثلث لم يكن له إلا الثلث ، إلا أن يشاء ذلك الورثة ، وهكذا لو قال : أعطوه أكثر مما يصيب أحدا من ميراثي ، أو أكثر نصيب أحد ولدي أعطى ذلك حتى يستكمل الثلث ، ولو قال : أعطوه ضعف ما يصيب أكثر ولدي نصيبا أعطى مثلي ما يصيب أكثر ولده نصيبا ، ولو قال : ضعفي ما يصيب ابني نظرت ما يصيب ابنه فإن كان مائة أعطيته ثلثمائة فأكون أضعفت المائة التي تصيبه بميراثه مرة ثم مرة فذاك ضعفان وهكذا إن قال : ثلاثة أضعاف وأربعة لم أزد على أن أنظر أصل الميراث فأضعفه له مرة بعد مرة حتى يستكمل ما أوصى له به ، ولو قال : أعطوه مثل نصيب أحد من أوصيت له أعطي أقل ما يصيب أحدا ممن أوصى له لأني إذا أعطيته أقل ، فقد أعطيته ما أعلم أنه أوصى له به فأعطيته باليقين ، ولا أجاوز ذلك ; لأنه شك والله تعالى أعلم .
باب الوصية بجزء من ماله .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو قال : لفلان نصيب من مالي ، أو جزء من مالي ، أو حظ من مالي كان هذا كله سواء ويقال للورثة أعطوه منه ما شئتم ; لأن كل شيء جزء ونصيب وحظ ، فإن قال : الموصى له قد علم الورثة أنه أراد أكثر من هذا أحلف الورثة ما تعلمه أراد أكثر مما أعطاه ونعطيه وهكذا لو قال : أعطوه جزءا قليلا من مالي ، أو حظا ، أو نصيبا ، ولو قال : مكان قليل كثيرا ما عرفت للكثير حدا وذلك أني لو ذهبت إلى أن أقول الكثير كل ما كان له حكم وجدت قوله تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا [ ص: 94 ] يره ومن يعمل مثقال : ذرة شرا يره } فكان مثقال ذرة قليلا ، وقد جعل الله تعالى لها حكما يرى في الخير والشر ورأيت قليل مال الآدميين وكثيره سواء يقضي بأدائه على من أخذه غصبا ، أو تعديا أو استهلكه .

( قال الشافعي ) ووجدت ربع دينار قليلا ، وقد يقطع فيه .

( قال الشافعي ) ووجدت مائتي درهم قليلا ، وفيها زكاة وذلك قد يكون قليلا فكل ما وقع عليه اسم قليل وقع عليه اسم كثير فلما لم يكن للكثير حد يعرف وكان اسم الكثير يقع على القليل كان ذلك إلى الورثة ، وكذلك لو كان حيا فأقر لرجل بقليل ماله أو كثيره كان ذلك إليه فمتى لم يسم شيئا ، ولم يحدده فذلك إلى الورثة ; لأني لا أعطيه بالشك ، ولا أعطيه إلا باليقين .
باب الوصية بشيء مسمى بغير عينه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أوصى لرجل فقال : أعطوه عبدا من رقيقي أعطوه أي عبد شاءوا ، وكذلك لو قال : أعطوه شاة من غنمي أو بعيرا من إبلي ، أو حمارا من حميري ، أو بغلا من بغالي أعطاه الورثة أي ذلك شاءوا مما سماه ، ولو قال أعطوه أحد رقيقي ، أو بعض رقيقي ، أو رأسا من رقيقي أعطوه أي رأس شاءوا من رقيقه ذكرا أو أنثى صغيرا ، أو كبيرا معيبا أو غير معيب ، وكذلك إذا قال : دابة من دوابي أعطوه أي دابة شاءوا أنثى ، أو ذكرا صغيرة كانت أو كبيرة ، وكذلك يعطونه صغيرا من الرقيق إن شاءوا ، أو كبيرا ، ولو أوصى فقال : أعطوه رأسا من رقيقي ، أو دابة من دوابي فمات من رقيقه رأس ، أو من دابة فقال الورثة هذا الذي أوصى لك به وأنكر الموصى له ذلك ، فقد ثبت للموصي له عبدا ، أو رأسا من رقيقه فيعطيه الورثة أي ذلك شاءوا وليس عليه ما مات ما حمل الثلث ذلك كما لو أوصى له بمائة دينار فهلك من ماله مائة دينار لم يكن عليه أن يحسب عليه ما حمل ذلك الثلث وذلك أنه جعل المشيئة فيما يقطع به إليهم فلا يبرءون حتى يعطوه إلا أن يهلك ذلك كله فيكون كهلاك عبد أوصى له به بعينه ، وإن لم يبق إلا واحد مما أوصى له به من دواب ، أو رقيق فهو له ، وإن هلك الرقيق ، أو الدواب أو ما أوصى له به كله بطلت الوصية .
باب الوصية بشيء مسمى لا يملكه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو قال : الموصي أعطوا فلانا شاة من غنمي ، أو بعيرا من إبلي أو عبدا من رقيقي ، أو دابة من دوابي فلم يوجد له دابة ، ولا شيء من الصنف الذي أوصى له به بطلت الوصية ; لأنه أوصى له بشيء مسمى إضافة إلى ملكه لا يملكه ، وكذلك لو أوصى له وله هذا الصنف فهلك ، أو باعه قبل موته بطلت الوصية له ، ولو مات وله من صنف ما أوصى فيه شيء فمات ذلك الصنف إلا واحدا كان ذلك الواحد للموصى له إذا حمله الثلث ، ولو مات فلم يبق منه شيء بطلت وصية الرجل له بذهابه ، ولو تصادقوا على أنه بقي منه شيء فقال الموصى له استهلكه الورثة وقال : الورثة بل هلك من السماء كان القول قول الورثة على الموصى له البينة فإن جاء بها قيل للورثة أعطوه ما شئتم مما يكون مثله ثمنا لأقل الصنف الذي أوصى له به والقول في ثمنه قولكم إذا جئتم بشيء يحتمل واحلفوا له إلا أن يأتي ببينة على أن أقله ثمنا كان مبلغ ثمنه كذا ، ولو استهلك ذلك كله وارث ، أو أجنبي كان للموصى له أن [ ص: 95 ] يرجع على مستهلكه من كان بثمن أي شيء سلمه له الوارث منه فإن أخذ الوارث منه ثمن بعض ذلك الصنف وأفلس ببعضه رجع الموصى له على الوارث بما أصاب ما سلم له الوارث من ذلك الصنف بقدر ما أخذ كأنه أخذ نصف ثمن غنم فقال : الوارث أسلم له أدنى شاة منها وقيمتها درهمان فيرجع على الوارث بدرهم وهكذا هذا في كل صنف ، والله تعالى أعلم .
باب الوصية بشاة من ماله .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا أوصى لرجل بشاة من ماله قيل : للورثة أعطوه أي شاة شئتم كانت عندكم ، أو اشتريتموها له صغيرة ، أو كبيرة ضائنة ، أو ماعزة فإن قالوا نعطيه ظبيا ، أو أروية لم يكن ذلك لهم ، وإن وقع على ذلك اسم شاة ; لأن المعروف إذا قيل : شاة ضائنة ، أو ماعزة وهكذا لو قالوا نعطيك تيسا ، أو كبشا لم يكن ذلك لهم ; لأن المعروف إذا قيل شاة أنها أنثى ، وكذلك لو قال أعطوه بعيرا ، أو ثورا من مالي لم يكن لهم أن يعطوه ناقة ، ولا بقرة ; لأنه لا يقع على هذين اسم البعير ، ولا الثور على الانفراد وهكذا لو قال : أعطوه عشر أينق من مالي لم يكن لهم أن يعطوه فيها ذكرا وهكذا لو قال : أعطوه عشرة أجمال ، أو عشرة أثوار ، أو عشرة أتياس لم يكن لهم أن يعطوه أنثى من واحد من هذه الأصناف ، ولو قال : أعطوه عشرا من غنمي ، أو عشرا من إبلي ، أو عشرا من أولاد غنمي ، أو إبلي ، أو بقري ، أو قال : أعطوه عشرا من الغنم ، أو عشرا من البقر أو عشرا من الإبل كان لهم أن يعطوه عشرا إن شاءوا إناثا كلها ، وإن شاءوا ذكورا كلها ، وإن شاءوا ذكورا وإناثا ; لأن الغنم والبقر والإبل جماع يقع على الذكور والإناث ، ولا شيء أولى من شيء .

ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ليس فيما دون خمس ذود صدقة } فلم يختلف الناس أن ذلك في الذكور دون الإناث والإناث دون الذكور والذكور والإناث لو كانت لرجل ، ولو قال : أعطوا فلانا من مالي دابة قيل : لهم أعطوه إن شئتم من الخيل ، أو البغال أو الحمير أنثى ، أو ذكرا ; لأنه ليس الذكر منها بأولى باسم الدابة من الأنثى ، ولكنه لو قال : أنثى من الدواب ، أو ذكرا من الدواب لم يكن له إلا ما أوصى به ذكرا كان ، أو أنثى صغيرا كان ، أو كبيرا أعجف كان ، أو سمينا معيبا كان أو سليما . والله تعالى الموفق .
باب الوصية بشيء مسمى فيهلك بعينه ، أو غير عينه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، ولو أوصى الرجل لرجل بثلث شيء واحد بعينه مثل عبد وسيف ودار وأرض وغير ذلك فاستحق ثلثا ذلك الشيء ، أو هلك وبقي ثلثه مثل دار ذهب السيل بثلثيها ، أو أرض كذلك فالثلث كالباقي للموصى له به إذا خرج من الثلث من قبل أن الوصية موجودة وخارجة من الثلث .
باب ما يجوز من الوصية في حال ، ولا يجوز في أخرى .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، ولو قال : أعطوا فلانا كلبا من كلابي وكانت له كلاب كانت الوصية [ ص: 96 ] جائزة ; لأن الموصى له يملكه بغير ثمن ، وإن استهلكه الورثة ، ولم يعطوه إياه ، أو غيرهم لم يكن له ثمن يأخذه ; لأنه لا ثمن للكلب ، ولو لم يكن له كلب فقال : أعطوا فلانا كلبا من مالي كانت الوصية باطلة ; لأنه ليس على الورثة ، ولا لهم أن يشتروا من ثلثه كلبا فيعطوه إياه ، ولو استوهبوه فوهب لهم لم يكن داخلا في ماله وكان ملكا لهم ، ولم يكن عليهم أن يعطوا ملكهم للموصى له والموصي لم يملكه .

ولو قال : أعطوه طبلا من طبولي وله الطبل الذي يضرب به للحرب والطبل الذي يضرب به للهو فإن كان الطبل الذي يضرب به للهو يصلح لشيء غير اللهو قيل : للورثة أعطوه أي الطبلين شئتم ; لأن كلا يقع عليه اسم طبل ، ولو لم يكن له إلا أحد الصنفين ، لم يكن لهم أن يعطوه من الآخر وهكذا لو قال : أعطوه طبلا من مالي ، ولا طبل له ابتاع له الورثة أي الطبلين شاءوا بما يجوز له فيه ، وإن ابتاعوا له الطبل الذي يضرب به للحرب فمن أي عود ، أو صفر شاءوا ابتاعوه ويبتاعونه وعليه أي جلد شاءوا مما يصلح على الطبول فإن أخذه بجلدة لا تعمل على الطبول لم يجز ذلك حتى يأخذوه بجلدة يتخذ مثلها على الطبول ، وإن كانت أدنى من ذلك فإن اشترى له الطبل الذي يضرب به فكان يصلح لغير الضرب واشترى له طبلا فإن كان الجلدان اللذان يجعلان عليهما يصلحان لغير الضرب أخذ بجلدته ، وإن كانا لا يصلحان لغير الضرب أخذ الطبلين بغير جلدين ، وإن كان يقع على طبل الحرب اسم طبل بغير جلدة أخذته الورثة إن شاءوا بلا جلد ، وإن كان الطبل الذي يضرب به لا يصلح إلا للضرب لم يكن للورثة أن يعطوه طبلا إلا طبلا للحرب كما لو كان أوصى له بأي دواب الأرض شاء الورثة لم يكن لهم أن يعطوه خنزيرا .

ولو قال : أعطوه كبرا كان الكبر الذي يضرب به دون ما سواه من الطبول ودون الكبر الذي يتخذه النساء في رءوسهن ; لأنهن إنما سمين ذلك كبرا تشبيها بهذا وكان القول فيه كما وصفت إن صلح لغير الضرب جازت الوصية ، وإن لم يصلح إلا للضرب لم تجز عندي ، ولو قال : أعطوه عودا من عيداني وله عيدان يضرب بها وعيدان قسي وعصي وغيرها فالعود إذا وجه به المتكلم للعود الذي يضرب به دون ما سواه مما يقع عليه اسم عود فإن كان العود يصلح لغير الضرب جازت الوصية ، ولم يكن عليه إلا أقل ما يقع عليه اسم عود وأصغره بلا وتر ، وإن كان لا يصلح إلا للضرب بطلت عندي الوصية وهكذا القول في المزامير كلها .

وإن قال : مزمار من مزاميري ، أو من مالي فإن كانت له مزامير شتى فأيها شاءوا أعطوه ، وإن لم يكن له إلا صنف منها أعطوه من ذلك الصنف ، وإن قال : مزمار من مالي أعطوه أي مزمار شاءوا - ناي ، أو قصبة أو غيرها - إن صلحت لغير الزمر ، وإن لم تصلح إلا للزمر لم يعط منها شيئا ، ولو أوصى رجل لرجل بجرة خمر بعينها بما فيها أهريق الخمر وأعطي ظرف الجرة .

ولو قال : أعطوه قوسا من قسيي وله قسي معمولة وقسي غير معمولة ، أو ليس له منها شيء فقال : أعطوه عودا من القسي كان عليهم أن يعطوه قوسا معمولة أي قوس شاءوا - صغيرة أو كبيرة عربية ، أو أي عمل شاءوا - إذا وقع عليها اسم قوس ترمى بالنبل ، أو النشاب ، أو الحسبان ومن أي عود شاءوا ، ولو أرادوا أن يعطوه قوس جلاهق ، أو قوس نداف أو قوس كرسف لم يكن لهم ذلك ; لأن من وجه بقوس فإنما يذهب إلى قوس رمى بما وصفت ، وكذلك لو قال أي قوس شئتم ، أو أي قوس الدنيا شئتم ، ولكنه لو قال : أعطوه أي قوس شئتم مما يقع عليه اسم قوس أعطوه إن شاءوا قوس نداف ، أو قوس قطن ، أو ما شاءوا مما وقع عليه اسم قوس ، ولو كان له صنف من القسي فقال : أعطوه [ ص: 97 ] من قسيي لم يكن لهم أن يعطوه من غير ذلك الصنف ، ولا عليهم وكان لهم أن يعطوه أيها شاءوا أكانت عربية ، أو فارسية ، أو دودانية أو قوس حسبان ، أو قوس قطن .
باب الوصية في المساكين والفقراء .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فقال : ثلث مالي في المساكين فكل من لا مال له ، ولا كسب يغنيه داخل في هذا المعنى ، وهو للأحرار دون المماليك ممن لم يتم عتقه .

( قال ) وينظر أين كان ماله فيخرج ثلثه فيقسم في مساكين أهل ذلك البلد الذي به ماله دون غيرهم فإن كثر حتى يغنيهم نقل إلى أقرب البلدان له ثم كان هكذا حيث كان له مال صنع به هذا وهكذا لو قال : ثلث مالي في الفقراء كان مثل المساكين يدخل فيه الفقير والمسكين ; لأن المسكين فقير والفقير مسكين إذا أفرد الموصي القول هكذا ، ولو قال : ثلث مالي في الفقراء والمساكين ، علمنا أنه أراد التمييز بين الفقير والمسكنة ، فالفقير الذي لا مال له ، ولا كسب يقع منه موقعا ، والمسكين من له مال ، أو كسب يقع منه موقعا ، ولا يغنيه ، فيجعل الثلث بينهم نصفين ونعني به مساكين أهل البلد الذي بين أظهرهم مال ، وفقراءهم ، وإن قل ، ومن أعطى في فقراء ، أو مساكين ، فإنما أعطى لمعنى فقر أو مسكنة ، فينظر في المساكين فإن كان فيهم من يخرجه من المسكنة مائة وآخر يخرجه من المسكنة خمسون أعطى الذي يخرجه من المسكنة مائة سهمين والذي يخرجه خمسون سهما ، وهكذا يصنع في الفقراء على هذا الحساب ، ولا يدخل فيهم ، ولا يفضل ذو قرابة على غيره إلا بما وصفت في غيره من قدر مسكنته ، أو فقره .

( قال ) فإذا نقلت من بلد إلى بلد أو خص بها بعض المساكين والفقراء دون بعض كرهته ، ولم يبن لي أن يكون على من فعل ذلك ضمان ، ولكنه لو أوصى لفقراء ومساكين فأعطى أحد الصنفين دون الآخر ضمن نصف الثلث ، وهو السدس ; لأنا قد علمنا أنه أراد صنفين فحرم أحدهما ، ولو أعطى من كل صنف أقل من ثلاثة ضمن ، ولو أعطى واحدا ضمن ثلثي السدس ; لأن أقل ما يقسم عليه السدس ثلاثة ، وكذلك لو كان الثلث لصنف كان أقل ما يقسم عليه ثلاثة ، ولو أعطاها اثنين ضمن حصة واحد إن كان الذي أوصى به السدس فثلث السدس ، وإن كان الثلث فثلث الثلث ; لأنه حصة واحدة ، وكذلك لو قال : ثلث مالي في المساكين يضعه حيث رأى منهم كان له أقل ما يضعه فيه ثلاثة يضمن إن وضعه في أقل حصة ما بقي من الثلاثة وكان الاختيار له أن يعمهم ، ولا يضيق عليه أن يجتهد فيضعه في أحوجهم ، ولا يضعه كما وصفت في أقل من ثلاثة ، وكان له الاختيار إذا خص أن يخص قرابة الميت ; لأن إعطاء قرابته يجمع أنهم من الصنف الذي أوصى لهم وأنهم ذو رحم على صلتها ثواب .
باب الوصية في الرقاب .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى بثلث ماله في الرقاب أعطى منها في المكاتبين ، ولا يبتدئ منها عتق رقبة ، وأعطى من وجد من المكاتبين بقدر ما بقي عليهم وعموا كما وصفت في الفقراء والمساكين لا يختلف ذلك ، وأعطى ثلث كل مال له في بلد في مكاتبي أهله .

( قال ) : وإن قال : يضعه منهم حيث رأى فكما قلت : في الفقراء والمساكين لا يختلف ، فإن قال : يعتق به عني رقابا لم يكن له أن [ ص: 98 ] يعطي مكاتبا منه درهما ، وإن فعل ضمن ، وإن بلغ أقل من ثلاث رقاب لم يجزه أقل من عتق ثلاث رقاب ، فإن فعل ضمن حصة من تركه من الثلث ، وإن لم يبلغ ثلاث رقاب وبلغ أقل من رقبتين يجدهما ثمنا وفضل فضل جعل الرقبتين أكثر ثمنا حتى يذهب في رقبتين ، ولا يحبس شيئا لا يبلغ رقبة ، وهكذا لو لم يبلغ رقبتين وزاد على رقبة ، ويجزيه أي رقبة اشترى صغيرة ، أو كبيرة ، أو ذكرا ، أو أنثى ، وأحب إلي أزكى الرقاب وخيرها وأحراها أن يفك من سيده ملكه ، وإن كان في الثلث سعة تحتمل أكثر من ثلاث رقاب فقيل : أيهما أحب إليك إقلال الرقاب واستغلاؤها ، أو إكثارها واسترخاصها ؟ قال : إكثارها واسترخاصها أحب إلي ، فإن قال ولم ؟ ; لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار } ويزيد بعضهم في الحديث { حتى الفرج بالفرج } .
باب الوصية في الغارمين .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى بثلث ماله في الغارمين فالقول أنه يقسم في غارمي البلد الذي به ماله ، وفي أقل ما يعطاه ثلاثة فصاعدا كالقول في الفقراء والرقاب ، وفي أنه يعطى الغارمون بقدر غرمهم كالقول في الفقراء لا يختلف ، ويعطى من له الدين عليهم أحب إلي ، ولو أعطوه في دينهم رجوت أن يسع .
باب الوصية في سبيل الله .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل بثلث ماله في سبيل الله أعطيه من أراد الغزو لا يجزي عندي غيره ; لأن من وجه بأن أعطى في سبيل الله لا يذهب إلى غير الغزو ، وإن كان كل ما أريد الله به من سبيل الله . والقول في أن يعطاه من غزا من غير البلد الذي به مال الموصي ويجمع عمومهم ، وإن يعطوا بقدر مغازيهم إذا بعدت وقربت مثل القول في أن تعطى المساكين بقدر مسكنتهم لا يختلف ، وفي أقل من يعطاه ، وفي مجاوزته إلى بلد غيره مثل القول في المساكين لا يختلف ، ولو قال : أعطوه في سبيل الله ، أو في سبيل الخير ، أو في سبيل البر ، أو في سبيل الثواب جزئ أجزاء فأعطيه ذو قرابته فقراء كانوا أو أغنياء ، والفقراء والمساكين ، وفي الرقاب والغارمين ، والغزاة ، وابن السبيل ، والحاج ، ودخل الضيف وابن السبيل والسائل والمعتر فيهم ، أو في الفقراء والمساكين لا يجزئ عندي غيره أن يقسم بين هؤلاء لكل صنف منهم سهم فإن لم يفعل الوصي ضمن سهم من منعه إذا كان موجودا ومن لم يجده حبس له سهمه حتى يجده بذلك البلد ، أو ينقل إلى أقرب البلدان به ممن فيه ذلك الصنف فيعطونه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]