عرض مشاركة واحدة
  #159  
قديم 23-08-2022, 09:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (159)
صــــــــــ 106 الى صـــــــــــ112





( قال الشافعي ) وفي قول الله عز وجل { من بعد وصية توصون بها أو دين } معان سأذكرها إن شاء الله تعالى فلما لم يكن بين أهل العلم خلاف علمته في أن ذا الدين أحق بمال الرجل في حياته منه حتى يستوفي دينه وكان أهل الميراث إنما يملكون عن الميت ما كان الميت أملك به كان بينا [ ص: 106 ] والله أعلم - في حكم الله عز وجل ثم ما لم أعلم أهل العلم فاختلفوا فيه أن الدين مبدأ على الوصايا والميراث فكان حكم الدين كما وصفت منفردا مقدما ، وفي قول الله عز وجل " أو دين " ثم إجماع المسلمين أن لا وصية ولا ميراث إلا بعد الدين دليل على أن كل دين في صحة كان أو في مرض بإقرار ، أو بينة ، أو أي وجه ما كان سواء ; لأن الله عز وجل لم يخص دينا دون دين .

( قال الشافعي ) وقد روي في تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت أهل الحديث مثله أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية } وأخبرنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس أنه قيل : له كيف تأمرنا بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول { وأتموا الحج والعمرة لله ؟ } فقال : كيف تقرءون الدين قبل الوصية ، أو الوصية قبل الدين ؟ فقالوا الوصية قبل الدين قال : فبأيهما تبدءون ؟ قالوا بالدين قال : فهو ذاك .

( قال الشافعي ) يعني أن التقديم جائز ، وإذا قضي الدين كان للميت أن يوصي بثلث ماله فإن فعل كان للورثة الثلثان ، وإن لم يوص ، أو أوصى بأقل من ثلث ماله كان ذلك مالا من مال تركه قال : فكان للورثة ما فضل عن الوصية من المال إن أوصى .

( قال الشافعي ) ولما جعل الله عز ذكره للورثة الفضل عن الوصايا والدين فكان الدين كما وصفت وكانت الوصايا محتملة أن تكون مبدأة على الورثة ، ويحتمل أن تكون كما وصفت لك من الفضل عن الوصية وأن يكون للوصية غاية ينتهي بها إليها كالميراث بكل وارث غاية كانت الوصايا مما أحكم الله عز وجل فرضه بكتابه وبين كيف فرضه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا مالك عن ابن شهاب .

( قال الشافعي ) فكان غاية منتهى الوصايا التي لو جاوزها الموصي كان للورثة رد ما جاوز ثلث مال الموصي قال : وحديث عمران بن حصين يدل على أن من جاوز الثلث من الموصين ردت وصيته إلى الثلث ويدل على أن الوصايا تجوز لغير قرابة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رد عتق المملوكين إلى الثلث دل على أنه حكم به حكم الوصايا والمعتق عربي ، وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه والله تعالى أعلم .
باب الوصية بالثلث وأقل من الثلث وترك الوصية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فواسع له أن يبلغ الثلث وقال : في { قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد الثلث والثلث كثير ، أو كبير ، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس } .

( قال الشافعي ) غيا كما قال : من بعده في الوصايا وذلك بين في كلامه ; لأنه إنما قصد قصد اختيار أن يترك الموصي ورثته أغنياء ، فإذا تركهم أغنياء اخترت له أن يستوعب الثلث ، وإذا لم يدعهم أغنياء كرهت له أن يستوعب الثلث وأن يوصي بالشيء حتى يكون يأخذ بالحظ من الوصية ، ولا وقت في ذلك إلا ما وقع عليه اسم الوصية لمن لم يدع كثير مال ومن ترك أقل مما يغني ورثته وأكثر من التافه زاد شيئا في وصيته ، ولا أحب بلوغ الثلث إلا لمن ترك ورثته أغنياء .

( قال الشافعي ) في قول النبي صلى الله عليه وسلم { الثلث والثلث كثير ، أو كبير } يحتمل الثلث غير قليل ، وهو أولى معانيه ; لأنه لو كرهه لسعد لقال له : غض منه ، وقد كان يحتمل أن له بلوغه ويجب له الغض منه وقل كلام إلا ، وهو محتمل وأولى معاني الكلام به ما دل عليه الخبر والدلالة ما وصفت من أنه لو كرهه لسعد أمره أن يغض منه قيل : للشافعي فهل اختلف الناس في هذا ؟ قال : لم أعلمهم اختلفوا في أن جائزا لكل موص أن يستكمل [ ص: 107 ] الثلث قل ما ترك ، أو كثر وليس بجائز له أن يجاوزه فقيل للشافعي وهل اختلفوا في اختيار النقص عن الثلث أو بلوغه ؟ قال : نعم ، وفيما وصفت لك من الدلالة عن رسول صلى الله عليه وسلم ما أغنى عما سواه . فقلت : فاذكر اختلافهم . فقال : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر
باب عطايا المريض أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى لما أعتق الرجل ستة مملوكين له لا مال له غيرهم في مرضه ، ثم مات فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة دل ذلك على أن كل ما أتلف المرء من ماله في مرضه بلا عوض يأخذه مما يتعوض الناس ملكا في الدنيا فمات من مرضه ذلك فحكمه حكم الوصية ، ولما كان إنما يحكم بأنه كالوصية بعد الموت فما أتلف المرء من ماله في مرضه ذلك فحكمه حكم الوصايا فإن صح تم عليه ما يتم به عطية الصحيح ، وإن مات من مرضه ذلك كان حكمه حكم وصيته ومتى حدثت له صحة بعد ما أتلف منه ، ثم عاوده مرض فمات تمت عطيته إذا كانت الصحة بعد العطية فحكم العطية حكم عطية الصحيح .

( قال الشافعي ) وجماع ذلك ما وصفت من أن يخرج من ملكه شيئا بلا عوض يأخذه الناس من أموالهم في الدنيا فالهبات كلها والصدقات والعتاق ومعاني هذه كلها هكذا فما كان من هبة ، أو صدقة ، أو ما في معناها لغير وارث ، ثم مات فهي من الثلث فإن كان معها وصايا فهي مبدأة عليها ; لأنها عطية بتات قد ملكت عليه ملكا يتم بصحته من جميع ماله ويتم بموته من ثلثه إن حمله والوصايا مخالفة لهذا .

الوصايا لم تملك عليه وله الرجوع فيها ، ولا تملك إلا بموته وبعد انتقال الملك إلى غيره ( قال الشافعي ) وما كان من عطية بتات في مرضه لم يأخذ بها عوضا أعطاه إياها ، وهو يوم أعطاه ممن يرثه لو مات أولا يرثه فهي موقوفة ، فإذا مات فإن كان المعطى وارثا له حين مات أبطلت العطية ; لأني إذا جعلتها من الثلث لم أجعل لوارث في الثلث شيئا من جهة الوصية ، وإن كان المعطى حين مات المعطي غير وارث أجزتها له ; لأنها وصية لغير وارث
( قال الشافعي ) وما كان من عطايا المريض على عوض أخذه مما يأخذ الناس من الأموال في الدنيا فأخذ به عوضا يتغابن الناس بمثله ، ثم مات فهو جائز من رأس المال ، وإن أخذ به عوضا لا يتغابن الناس بمثله فالزيادة عطية بلا عوض فهي من الثلث فمن جازت له وصية جازت له ومن لم تجز له وصية لم تجز له الزيادة وذلك ، الرجل يشتري العبد ، أو يبيعه ، أو الأمة ، أو الدار ، أو غير ذلك مما يملك الآدميون ، فإذا باع المريض ودفع إليه ثمنه ، أو لم يدفع حتى مات فقال ورثته حاباك فيه ، أو غبنته فيه نظر إلى قيمة المشترى يوم وقع البيع والثمن الذي اشتراه به فإن كان اشتراه بما يتغابن أهل المصر بمثله كان الشراء جائزا من رأس المال ، وإن كان اشتراه بما لا يتغابن الناس بمثله كان ما يتغابن أهل المصر بمثله جائزا من رأس المال وما جاوزه جائزا من الثلث فإن حمله الثلث جاز له البيع ، وإن لم يحمله الثلث قيل للمشتري لك الخيار في رد البيع إن كان قائما وتأخذ ثمنه الذي أخذ منك ، أو تعطي الورثة الفضل عما يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث فإن كان البيع فائتا رد ما بين قيمة ما لا يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث ، وكذلك إن كان البيع قائما قد دخله عيب رد قيمته .

( قال الشافعي ) فإن كان المريض المشتري فهو في هذا المعنى ويقال للبائع البيع جائز فيما يتغابن الناس بمثله من رأس المال وبما جاوز ما يتغابن الناس بمثله من الثلث فإن لم يكن له ثلث ، أو كان [ ص: 108 ] فلم يحمله الثلث قيل له إن شئت سلمته بما سلم لك من رأس المال والثلث وتركت الفضل والبيع جائز ، وإن شئت رددت ما أخذت ونقضت البيع إن كان البيع قائما بعينه .

( قال الشافعي ) : وإن كان مستهلكا ، ولم تطب نفس البائع عن الفضل فللبائع من مال الميت ما يتغابن الناس بمثله في سلعته وما حمل الثلث مما لا يتغابن الناس بمثله ويرد الفضل عن ذلك على الورثة ، وإن كان السلعة قائمة قد دخلها عيب
( قال الشافعي ) : وإن كان المبيع عبدا ، أو غيره فاشتراه المريض فظهر منه على عيب فأبرأ البائع من العيب فكان في ذلك غبن كان القول فيه كالقول فيما انعقد عليه البيع ، وفيه غبن ، وكذلك لو اشتراه صحيحا ، ثم ظهر منه على عيب ، وهو مريض فأبرأه منه أو اشتراه وله فيه خيار رؤية أو خيار شرط ، أو خيار صفقة فلم يسقط خيار الصفقة بالتفرق ، ولا خيار الرؤية بالرؤية ، ولا خيار الشرط بانقضاء الشرط حتى مرض ففارق البائع ، أو رأى السلعة فلم يردها ، أو مضت أيام الخيار ، وهو مريض فلم يرده ; لأن البيع تم في هذا كله ، وهو مريض .

( قال الشافعي ) وسواء في هذا كله كان البائع الصحيح والمشتري المريض ، أو المشتري الصحيح والبائع المريض على أصل ما ذهبنا إليه من أن الغبن يكون في الثلث وهكذا لو باع مريض من مريض ، أو صحيح من صحيح ، ولو اختلف ورثة المريض البائع والمشتري الصحيح في قيمة ما باع المريض فقال المشتري اشتريتها منه وقيمتها مائة وقال الورثة بل باعكها وقيمتها مائتان ، ولو كان المشتري في هذا كله وارثا ، أو غير وارث فلم يمت الميت حتى صار وارثا كان بمنزلة من لم يزل وارثا له إذا مات الميت ، فإذا باعه الميت وقبض الثمن منه ، ثم مات فهو مثل الأجنبي في جميع حاله إلا فيما زاد على ما يتغابن الناس به فإن باعه بما يتغابن الناس بمثله جاز ، وإن باعه بما لا يتغابن الناس بمثله قيل : للوارث حكم الزيادة على ما يتغابن الناس بمثله حكم الوصية وأنت فلا وصية لك فإن شئت فاردد البيع إذا لم يسلم لك ما باعك ، وإن شئت فأعط الورثة من ثمن السلعة ما زاد على ما يتغابن الناس بمثله ، ثم هو في فوت السلعة وغبنها مثل الأجنبي ، وكذلك إن باع مريض وارث من مريض وارث .
باب نكاح المريض

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ويجوز للمريض أن ينكح جميع ما أحل الله تعالى أربعا وما دونهن كما يجوز له أن يشتري ، فإذا أصدق كل واحدة منهن صداق مثلها جاز لها من جميع المال وأيتهن زاد على صداق مثلها فالزيادة محاباة فإن صح قبل أن يموت جاز لها من جميع المال ، وإن مات قبل أن يصح بطلت عنها الزيادة على صداق مثلها وثبت النكاح وكان لها الميراث .

( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع مولى ابن عمر أنه قال : كانت ابنة حفص بن المغيرة عند عبد الله بن أبي ربيعة فطلقها تطليقة ، ثم إن عمر بن الخطاب تزوجها بعده فحدث أنها عاقر لا تلد فطلقها قبل أن يجامعها فمكثت حياة عمر وبعض خلافة عثمان بن عفان ثم تزوجها عبد الله بن أبي ربيعة ، وهو مريض لتشرك نساءه في الميراث وكان بينها وبينه قرابة .

أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج [ ص: 109 ] عن عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة بن خالد يقول أراد عبد الرحمن بن أم الحكم في شكواه أن يخرج امرأته من ميراثها منه فأبت فنكح عليها ثلاث نسوة وأصدقهن ألف دينار كل امرأة منهن فأجاز ذلك عبد الملك بن مروان وشرك بينهن في الثمن .

( قال الشافعي ) أرى ذلك صداق مثلهن ، ولو كان أكثر من صداق مثلهن لجاز النكاح وبطل ما زادهن على صداق مثلهن إذا مات من مرضه ذلك ; لأنه في حكم الوصية والوصية لا تجوز لوارث .

( قال الشافعي ) وبلغنا أن معاذ بن جبل قال في مرضه الذي مات فيه زوجوني لا ألقى الله تبارك وتعالى وأنا عزب .

( قال ) وأخبرني سعيد بن سالم أن شريحا قضى في نكاح رجل نكح عند موته فجعل الوارث والصداق في ماله .

( قال الشافعي ) ولو نكح المريض فزاد المنكوحة على صداق مثلها ، ثم صح ، ثم مات جازت لها الزيادة ; لأنه قد صح قبل أن يموت ، فكان كمن ابتدأ نكاحا ، وهو صحيح ، ولو كانت المسألة بحالها ، ثم لم يصح حتى ماتت المنكوحة فصارت غير وارث كان لها جميع ما أصدقها صداق مثلها من رأس المال والزياد من الثلث كما يكون ما وهب لأجنبية فقبضته من الثلث فما زاد من صداق المرأة على الثلث إذا ماتت مثل الموهوب المقبوض .

( قال الشافعي ) ولو كانت المسألة بحالها والمتزوجة ممن لا ترث بأن تكون ذمية ، ثم مات وهي عنده جاز لها جميع الصداق صداق مثلها من جميع المال والزيادة على صداق مثلها من الثلث ; لأنها غير وارث ، ولو أسلمت فصارت وارثا بطل عنها ما زاد على صداق مثلها
( قال الشافعي ) ولو نكح المريض امرأة نكاحا فاسدا ثم مات لم ترثه ، ولم يكن لها مهر إن لم يكن أصابها فإن كان أصابها فلها مهر مثلها كان أقل مما سمي لها ، أو أكثر .

( قال الشافعي ) ولو كانت لرجل أمة فأعتقها في مرضه ، ثم نكحها وأصدقها صداقا وأصابها - بقي الجواب قال الربيع أنا أجيب فيها وأقول ينظر فإن خرجت من الثلث كان العتق جائزا وكان النكاح جائزا بصداق مثلها إلا أن يكون الذي سمي لها من الصداق أقل من صداق مثلها فليس لها إلا ما سماه لها فإن كان أكثر من صداق مثلها ردت إلى صداق مثلها وكانت وارثة ، وإن لم تخرج من الثلث عتق منها ما احتمل الثلث وكان لها صداق مثلها بحساب ما عتق منها ، ولم تكن وارثة ; لأن بعضها رقيق .
هبات المريض

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وما ابتدأ المريض هبة في مرضه لوارث ، أو غير وارث فدفع إليه ما وهب له فإن كان وارثا ، ولم يصح المريض حتى مات من مرضه الذي وهب فيه فالهبة مردودة كلها ، وكذلك إن وهبه له ، وهو غير وارث ، ثم صار وارثا فإن استغل ما وهب له ، ثم مات الواهب قبل أن يصح رد الغلة ; لأنه إذا مات استدللنا على أن ملك ما وهب له كان في ملك الواهب ، ولو وهب لوارث ، وهو مريض ، ثم صح ، ثم مرض فدفع إليه الهبة في مرضه الذي مات فيه كانت الهبة مردودة ; لأن الهبة إنما تتم بالقبض وقبضه إياها كان ، وهو مريض ، ولو كانت الهبة ، وهو مريض ، ثم كان الدفع ، وهو صحيح ، ثم مرض فمات كانت الهبة تامة من قبل أنها تمت بالقبض ، وقد كان للواهب حبسها وكان دفعه إياها كهبته إياها ودفعه ، وهو صحيح .

( قال الشافعي ) ولو كانت الهبة لمن يراه يرثه فحدث دونه وارث فحجبه فمات ، وهو غير وارث أو لأجنبي كانت سواء ; لأن كليهما غير وارث ، فإذا كانت هبته لهما صحيحا ، أو مريضا وقبضهما الهبة ، وهو صحيح فالهبة لهما جائزة من رأس ماله خارجة من ملكه ، وكذلك لو كانت هبته ، وهو مريض ، ثم صح ، ثم مات كان ذلك كقبضهما ، وهو صحيح ، ولو كان قبضهما الهبة ، وهو مريض فلم يصح كانت الهبة [ ص: 110 ] وهو صحيح ، أو مريض فذلك سواء والهبة من الثلث مبدأة على الوصايا ; لأنها عطية بتات وما حمل الثلث منها جاز وما لم يحمل رد وكان الموهوب له شريكا للورثة بما حمل الثلث مما وهب له
( قال الشافعي ) وما نحل ، أو ما تصدق به على رجل بعينه فهو مثل الهبات لا يختلف ; لأنه لا يملك من هذا شيء إلا بالقبض وكل ما لا يملك إلا بالقبض فحكمه حكم واحد لا يختلف ، ألا ترى أن الواهب والناحل والمتصدق لو مات قبل أن يقبض الموهوب له والمنحول والمتصدق عليه ما صير لكل واحد منهم بطل ما صنع وكان مالا من مال الواهب الناحل المتصدق لورثته ؟ أولا ترى أن جائزا لمن أعطى هذا أن يرده على معطيه فيحل لمعطيه ملكه ويحل لمعطيه شراؤه منه وارتهانه منه ويرثه إياه فيملكه كما كان يملكه قبل خروجه من يده ؟

( قال الشافعي ) ولو كانت دار رجل أو عبده في يدي رجل بسكنى أو إجارة ، أو عارية فقال : قد وهبت لك الدار التي في يديك وكنت قد أذنت لك في قبضه لنفسك كانت هذه هبة مقبوضة للدار والعبد الذي في يديه ، ثم لم يحدث له منعا لما وهب له حتى مات علم أنه لها قابض

( قال الشافعي ) وما كان يجوز بالكلام دون القبض مخالف لهذا وذلك الصدقات المحرمات ، فإذا تكلم بها المتصدق وشهد بها عليه فهي خارجة من ملكه تامة لمن تصدق بها عليه لا يزيدها القبض تماما ، ولا ينقص منها ترك ذلك وذلك أن المخرج لها من ملكه أخرجها بأمر منعها به أن يكون ملكه منها متصرفا فيما يصرف فيه المال من بيع وميراث وهبة ورهن وأخرجها من ملكه خروجا لا يحل له أن يعود إليه بحال فأشبهت العتق في كثير من أحكامها ، ولم تخالفه إلا في المعتق يملك منفعة نفسه وكسبها وأن منفعة هذه مملوكة لمن جعلت له وذلك أنها لا تكون مالكة ، وإنما منعنا من كتاب الآثار في هذا أنه موضوع في غيره ، فإذا تكلم بالصدقة المحرمة صحيحا ، ثم مرض ، أو مريضا ، ثم صح فهي جائزة خارجة من ماله ، وإذا كان تكلم بها مريضا فلم يصح فهي من ثلثه جائزة بما تصدق به لمن جازت له الوصية بالثلث ومردودة عمن ترد عنه الوصية بالثلث .
" باب الوصية بالثلث " وفيه الوصية بالزائد على الثلث وشيء يتعلق بالإجارة ، ولم يذكر الربيع ترجمة تدل على الزائد على الثلث " .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا يجوز لأحد وصية إذا جاوز الثلث مما ترك فمن أوصى فجاوز الثلث ردت وصاياه كلها إلى الثلث إلا أن يتطوع الورثة فيجيزون له ذلك فيجوز بإعطائهم ، وإذا تطوع له الورثة فأجازوا ذلك له فإنما أعطوه من أموالهم فلا يجوز في القياس إلا أن يكون يتم للمعطى بما يتم به له ما ابتدءوا به عطيته من أموالهم من قبضة ذلك ويرد بما رد به ما ابتدءوا من أموالهم إن مات الورثة قبل أن يقبضه الموصى له ( قال الشافعي ) فلو أوصى [ ص: 111 ] لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه ولآخر بربعه ، ولم تجز ذلك الورثة اقتسم أهل الوصايا الثلث على قدر ما أوصي لهم به يجزأ الثلث ثلاثة عشر جزءا فيأخذ منه صاحب النصف ستة وصاحب الثلث أربعة وصاحب الربع ثلاثة ، ولو أجاز الورثة اقتسموا جميع المال على أنه دخل عليهم عول نصف السدس فأصاب كل واحد منهم من العول نصف سدس وصيته واقتسموا المال كله كما اقتسموا الثلث حتى يكونوا سواء في العول .

( قال الشافعي ) ولو قال لفلان غلامي فلان ولفلان داري ووصفها ولفلان خمسمائة دينار فلم يبلغ هذا الثلث ، ولم تجزه لهم الورثة وكان الثلث ألفا والوصية ألفين وكانت قيمة الغلام خمسمائة وقيمة داره ألفا والوصية خمسمائة دخل على كل واحد منهم في وصيته عول النصف وأخذ نصف وصيته فكان للموصى له بالغلام نصف الغلام وللموصى له بالدار نصف الدار وللموصى له بالخمسمائة مائتان وخمسون دينارا لا تجعل وصية أحد منهم أوصي له في شيء بعينه إلا فيما أوصي له به ، ولا يخرج إلى غيره إلا ما سلمها الورثة فإن قال الورثة : لا نسلم له من الدار إلا ما لزمنا قيل له ثلث الدار شريك لكم بها إن شاء وشئتم اقتسمتم ويضرب بقيمة سدس الدار الذي جاز له من وصيته في مال الميت يكون شريكا لكم به وهكذا العبد وكل ما أوصي له به بعينه فلم تسلمه له الورثة والله تعالى الموفق .
باب الوصية في الدار والشيء بعينه

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أوصى رجل لرجل بدار فقال داري التي كذا - ووصفها وصية - لفلان فالدار له بجميع بنائها وما ثبت فيها من باب وخشب وليس له متاع فيها ، ولا خشب ، ولا أبواب ليست بثابتة في البناء ، ولا لبن ، ولا حجارة ، ولا آجر لم يبن به ; لأن هذا لا يكون من الدار حتى يبنى به فيكون عمارة للدار ثابتة فيها ، ولو أوصى له بالدار فانهدمت في حياة الموصي لم يكن له ما انهدم من الدار وكان له ما بقي لم ينهدم من الدار وما ثبت فيها لم ينهدم منها من خشب وأبواب وغيره ، ولو جاء عليها سيل فذهب بها أو ببعضها بطلت وصيته ، أو بطل منها ما ذهب من الدار وهكذا لو أوصى له بعبد فمات ، أو اعور ، أو نقص منه شيء بعينه فذهب لم يكن له فيما بقي من الثلث سوى ما أوصى له به شيء ; لأن ما أوصى له به قد ذهب وهكذا كل ما أوصى له به بعينه فهلك ، أو نقص وهكذا لو أوصى له بشيء فاستحق على الموصي بشيء بشراء ، أو هبة ، أو غصب بطلت الوصية ; لأنه أوصى له بما لا يملك
[ ص: 112 ] باب الوصية بشيء بصفته

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أوصى رجل لرجل بعبد فقال له غلامي البربري ، أو غلامي الحبشي أو نسبه إلى جنس من الأجناس وسماه باسمه ، ولم يكن له عبد من ذلك الجنس يسمى بذلك الاسم كان غير جائز ، ولو زاد فوصفه وكان له عبد من ذلك الجنس يسمى باسمه وتخالف صفته صفته كان جائزا له .

( قال الربيع ) أخاف أن يكون هذا غلطا من الكاتب ; لأنه لم يقرأ على الشافعي ، ولم يسمع منه والجواب فيها عندي أنه إن وافق اسمه أنه إن أوصى له بغلام وسماه باسمه وجنسه ووصفه فوجدنا له غلاما بذلك الاسم والجنس غير أنه مخالف لصفته كأنه قال في صفته : أبيض طوال حسن الوجه فأصبنا ذلك الاسم والجنس أسود قصيرا أسمج الوجه لم نجعله له .

( قال الشافعي ) ولو كان سماه باسمه ونسبه إلى جنسه فكان له عبدان أو أكثر من ذلك الجنس فاتفق اسماهما وأجناسهما لا تفرق بينهما صفة ، ولم تثبت الشهود أيهما أراد .

( قال الربيع ) ففيها قولان أحدهما أن الشهادة باطلة إذا لم يثبتوا العبد بعينه كما لو شهدوا لرجل على رجل أن له هذا العبد ، أو هذه الجارية أن الشهادة باطلة ; لأنهم لم يثبتوا العبد بعينه .

والقول الثاني أن الوصية جائزة في أحد العبدين وهما موقوفان بين الورثة والموصى له حتى يصطلحوا ; لأنا قد عرفنا أن له أحدهما ، وإن كان بغير عينه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]