عرض مشاركة واحدة
  #160  
قديم 23-08-2022, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (160)
صــــــــــ 113 الى صـــــــــــ119







باب المرض الذي تكون عطية المريض فيه جائزة ، أو غير جائزة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى المرض مرضان فكل مرض كان الأغلب منه أن الموت مخوف منه فعطية المريض فيه إن مات في حكم الوصايا وكل مرض كان الأغلب منه أنه غير مخوف فعطية المريض فيه كعطية الصحيح ، وإن مات منه ، فأما المرض الذي الأغلب منه أن الموت مخوف منه فكل حمى بدأت بصاحبها حتى جهدته أي حمى كانت ، ثم إذا تطاولت فكلها مخوف إلا الربع فإنها إذا استمرت بصاحبها ربعا كان الأغلب فيها أنها غير مخوفة فما أعطى الذي استمرت به حمى الربع ، وهو في حماه فهو كعطية الصحيح وما أعطى من به حمى غير ربع فعطية مريض ، فإن كان مع الربع غيرها من الأوجاع وكان ذلك الوجع مخوفا فعطيته كعطية المريض ما لم يبرأ من ذلك الوجع وذلك مثل البرسام والرعاف الدائم وذات الجنب والخاصرة والقولنج وما أشبه هذا وكل واحد من هذا انفرد فهو مرض مخوف ، وإذا ابتدأ البطن بالرجل فأصابه يوما أو يومين لا يأتي فيه دم ، ولا شيء غير ما يخرج من الخلاء لم يكن مخوفا ، فإن استمر به بعد يومين حتى يعجله ، أو يمنعه نوما ، أو يكون منخرقا فهو مخوف [ ص: 113 ] وإن لم يكن البطن منخرقا وكان معه زحير ، أو تقطيع فهو مخوف ( قال ) وما أشكل من هذا أن يخلص بين مخوفه وغير مخوفه سئل عنه أهل العلم به ، فإن قالوا : هو مخوف لم تجز عطيته إذا مات إلا من ثلثه ، وإن قالوا : لا يكون مخوفا جازت عطيته جواز عطية الصحيح ، ومن ساوره الدم حتى تغير عقله أو تغلبه ، وإن لم يتغير عقله ، أو المزار فهو في حاله تلك مخوف عليه ، وإن تطاول به كان كذلك ، ومن ساوره البلغم كان مخوفا عليه في حال مساورته ، فإن استمر به فالج فالأغلب أن الفالج يتطاول به وأنه غير مخوف المعاجلة ، وكذلك إن أصابه سل فالأغلب أن السل يتطاول ، وهو غير مخوف المعاجلة ، ولو أصابه طاعون فهذا مخوف عليه حتى يذهب عنه الطاعون ، ومن أنفذته الجراح حتى تصل منه إلى جوف فهو مخوف عليه ومن أصابه من الجراح ما لا يصل منه إلى مقتل فإن كان لا يحم عليها ، ولا يجلس لها ، ولا يغلبه لها وجع ، ولا يصيبه فيها ضربان ولا أذى ، ولم يأكل ويرم فهذا غير مخوف ، وإن أصابه بعض هذا فهو مخوف .

( قال الشافعي ) : ثم جميع الأوجاع التي لم تسم على ما وصفت يسأل عنها أهل العلم بها فإن قالوا مخوفة فعطية المعطي عطية مريض ، وإن قالوا : غير مخوفة فعطيته عطية صحيح ، وأقل ما يكون في المسألة عن ذلك والشهادة به شاهدان ذوا عدل .
باب عطية الحامل وغيرها ممن يخاف

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وتجوز عطية الحامل حتى يضربها الطلق لولاد ، أو إسقاط فتكون تلك حال خوف عليها إلا أن يكون بها مرض غير الحمل مما لو أصاب غير الحامل كانت عطيتها عطية مريض ، وإذا ولدت الحامل فإن كان بها وجع من جرح ، أو ورم ، أو بقية طلق ، أو أمر مخوف فعطيتها عطية مريض ، وإن لم يكن بها من ذلك شيء فعطيتها عطية صحيح .

( قال الشافعي ) فإن ضربت المرأة ، أو الرجل بسياط ، أو خشب ، أو حجارة فثقب الضرب جوفا أو ورم بدنا ، أو حمل قيحا فهذا كله مخوف ، وهو قبل أن يبلغ هذا في أول ما يكون الضرب إن كان مما يصنع مثله مثل هذا مخوف ، فإن أتت عليه أيام يؤمن فيها أن يبقى بعدها وكان مقتلا فليس بمخوف .
باب عطية الرجل في الحرب والبحر

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وتجوز عطية الرجل في الحرب حتى يلتحم فيها ، فإذا التحم كانت عطيته كعطية المريض كان محاربا مسلمين ، أو عدوا .

( قال الربيع ) وله فيما أعلم قول آخر : أن عطيته عطية الصحيح حتى يجرح .

( قال ) وقد قال : لو قدم في قصاص ; لضرب عنقه إن عطيته عطية الصحيح ; لأنه قد يعفى عنه ، فإذا أسر فإن كان في أيدي المسلمين جازت عطيته في ماله ، وإن كان في أيدي مشركين لا يقتلون أسيرا فكذلك ، وإن كان في أيدي مشركين يقتلون الأسرى ويدعونهم فعطيته عطية المريض ; لأن الأغلب منهم أن يقتلوا وليس يخلو المرء في حال أبدا من رجاء الحياة وخوف الموت لكن إذا كان الأغلب عنده ، وعند غيره الخوف عليه فعطيته عطية مريض ، وإذا كان الأغلب عنده ، وعند غيره الأمان عليه مما نزل به من وجع أو إسار ، أو حال كانت عطيته عطية الصحيح ( قال الشافعي ) وإن [ ص: 114 ] كان في مشركين يفون بالعهد فأعطوه أمانا على شيء يعطيهموه ، أو على غير شيء فعطيته عطية الصحيح .
باب الوصية للوارث

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن سليمان الأحول عن مجاهد يعني في حديث { لا وصية لوارث } .

( قال الشافعي ) ورأيت متظاهرا عند عامة من لقيت من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته عام الفتح { لا وصية لوارث } ، ولم أر بين الناس في ذلك اختلافا ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا وصية لوارث } فحكم الوصية لوارث حكم ما لم يكن فمتى أوصى رجل لوارث وقفنا الوصية فإن مات الموصي والموصى له وارث فلا وصية له ، وإن حدث للموصي وارث يحجبه ، أو خرج الموصى له من أن يكون يوم يموت وارثا له ، بأن يكون أوصى صحيحا لامرأته ، ثم طلقها ثلاثا ، ثم مات مكانه فلم ترثه فالوصية لها جائزة لأنها غير وارثة ، وإنما ترد الوصية وتجوز إذا كان لها حكم ، ولا يكون لها حكم إلا بعد موت الموصي حتى تجب ، أو تبطل .

ولو أوصى لرجل وله دونه وارث يحجبه فمات الوارث قبل الموصي فصار الموصى له وارثا أو لامرأة ، ثم نكحها ومات وهي زوجته بطلت الوصية لهما معا ; لأنها صارت وصية لوارث ، ولو أوصى لوارث وأجنبي بعبد ، أو أعبد ، أو دار ، أو ثوب ، أو مال مسمى ما كان بطل نصيب الوارث وجاز للأجنبي ما يصيبه ، وهو النصف من جميع ما أوصى به للوارث والأجنبي ، ولكن لو قال أوصيت بكذا لفلان وفلان فإن كان سمى للوارث ثلثا وللأجنبي ثلثي ما أوصى به جاز للأجنبي ما سمي له ورد عن الوارث ما سمي له ، ولو كان له ابن يرثه ولابنه أم ولدته أو حضنته ، أو أرضعته ، أو أب أرضعه ، أو زوجة ، أو ولد لا يرثه أو خادم ، أو غيره فأوصى لهؤلاء كلهم ، أو لبعضهم جازت لهم الوصية ; لأن كل هؤلاء غير وارث ، وكل هؤلاء مالك لما أوصى له به ; لملكه ماله إن شاء منعه ابنه ، وإن شاء أعطاه إياه ، وما أحد أولى بوصيته من ذوي قرابته ومن عطف على ولده ولقد ذكر الله تبارك وتعالى الوصية فقال { إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } وأن الأغلب من الأقربين ; لأنهم يبتلون أولاد الموصي بالقرابة ، ثم الأغلب أن يزيدوا وأن يبتلوهم بصلة أبيهم لهم بالوصية وينبغي لمن منع أحدا مخافة أن يرد على وارث أو ينفعه أن يمنع ذوي القرابة وأن لا يعتق العبيد الذين قد عرفوا بالعطف على الورثة ، ولكن لا يمنع أحد وصية غير الوارث بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لا يختلف فيه من أحفظ عنه ممن لقيت .
باب ما يجوز من إجازة الوصية للوارث وغيره وما لا يجوز

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أراد الرجل أن يوصي لوارث فقال للورثة إني أريد أن أوصي بثلثي لفلان وارثي فإن أجزتم ذلك فعلت ، وإن لم تجيزوا أوصيت بثلثي لمن تجوز الوصية له فأشهدوا له على أنفسهم بأن قد أجازوا له جميع ما أوصى له وعلموه ، ثم مات فخير لهم فيما بينهم وبين الله عز وجل أن يجيزوه ; لأن في ذلك صدقا ووفاء بوعد وبعدا من غدر وطاعة للميت وبرا للحي فإن لم يفعلوا لم يجبرهم الحاكم على إجازته ، ولم يخرج ثلث مال الميت في شيء إذا لم يخرجه هو فيه ، وذلك أن [ ص: 115 ] إجازتهموه قبل أن يموت الميت لا يلزمهم بها حكم من قبل أنهم أجازوا ما ليس لهم ، ألا ترى أنهم قد يكونون ثلاثة واثنين وواحدا فتحدث له أولاد أكثر منهم فيكونون أجازوا كل الثلث إنما لهم بعضه ويحدث له وارث غيرهم يحجبهم ويموتون قبله فلا يكونون أجازوا في واحدة من الحالين في شيء يملكونه بحال ، وإن أكثر أحوالهم فيه أنهم لا يملكونه أبدا إلا بعدما يموت أولا ترى أنهم لو أجازوها لوارث كان الذي أجيزت له الوصية قد يموت قبل الموصي ، فلو كان ملك الوصية بوصية الميت وإجازتهم ملكها كان لم يملكها ، ولا شيء من مال الميت إلا بموته وبقائه بعده فكذلك الذين أجازوا له الوصية أجازوها فيما لا يملكون ، وفيما قد لا يملكونه أبدا .

( قال ) وهكذا لو استأذنهم فيما يجاوز الثلث من وصيته فأذنوا له به وهكذا لو قال رجل منهم ميراثي منك لأخي فلان ، أو لبني فلان لم يكن له ; لأنه أعطاه ما لم يملك وهكذا لو استأذنهم في عتق عبيد له أعتقهم بعد موته فلم يخرجوا من الثلث كان لهم رد من لا يخرج من الثلث منهم وخير في هذا كله أن يجيزوه ، ولكنه لو أوصى لوارث بوصية فقال : فإن أجازها الورثة وإلا فهي لفلان رجل أجنبي ، أو في سبيل الله ، أو في شيء مما تجوز له الوصية به مضى ذلك على ما قال إن أجازها الورثة جازت ، وإن ردوها فذلك لهم وعليهم أن ينفذوها لمن أوصى له بها إن لم تجزها الورثة ; لأنها وصية لغير وارث ، وكذلك لو أوصى بوصية لرجل فقال : فإن مات قبلي فما أوصيت له به لفلان ، فمات قبله كانت الوصية لفلان ، وكذلك لو قال لفلان ثلثي إلا أن يقدم فلان فقدم فلان هذا البلد فهو له جاز ذلك على ما قال .
باب ما يجوز من إجازة الورثة للوصية وما لا يجوز

أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإذا أوصى الميت لمن لا تجوز له وصيته من وارث أو غيره ، أو بما لا تجوز به مما جاوز الثلث فمات ، وقد علموا ما أوصى به وترك ، فقالوا : قد أجزنا ما صنع ففيها قولان : أحدهما : أن قولهم بعد علمهم وقصهم ميراثه لهم قد أجزنا ما صنع جائز لمن أجازوه له كهبته لو دفعوه إليه من أيديهم ، ولا سبيل لهم في الرجوع فيه ومن قال هذا القول قال إن الوصاية بعد الموت مخالفة عطايا الأحياء التي لا تجوز إلا بقبض من قبل أن معطيها قد مات ، ولا يكون مالكا قابضا لشيء يخرجه من يديه ، وإنما هي إدخال منه لأهل الوصية على الورثة فقوله في وصيته يثبت لأهل الوصية فيما يجوز لهم يثبت لهم ما يثبت لأهل الميراث ، وإذا كان هكذا فأجاز الورثة بعد علمهم وملكهم فإنما قطعوا حقوقهم من مواريثهم عما أوصى به الميت مضى على ما فعل منه جائز له جواز ما فعل مما لم يردوه وليس ما أجازوا لأهل الوصايا بشيء في أيديهم فيخرجونه إليهم إنما هو شيء لم يصر إليهم إلا بسبب الميت ، وإذا سلموا حقوقهم سلم ذلك لمن سلموه له كما يبرءون من الدين والدعوى فيبرأ منها من أبرءوه ويبرءون من حقوقهم من الشفعة فتنقطع حقوقهم فيها ، ولهذا وجه محتمل ، والقول الثاني : أن يقول ما ترك الميت مما لا تجوز له الوصية به فهو ملك نقله الله تعالى إليهم فكينونته في أيديهم وغير كينونته سواء .

وإجازتهم ما صنع الميت هبة منهم لمن وهبوه له فمن دفعوه إليه جاز له ولهم الرجوع ما لم يدفعوه كما [ ص: 116 ] تكون لهم أموال ودائع في أيدي غيرهم فيهبون منها الشيء لغيرهم فلا تتم له الهبة إلا بالقبض ، ولهذا وجه محتمل والله تعالى أعلم ، وإن قالوا أجزنا ما صنع ، ولا نعلمه وكنا نراه يسيرا انبغى في الوجهين جميعا أن يقال أجيزوا يسيرا واحلفوا ما أجزتموه إلا وأنتم ترونه هكذا ، ثم لهم الرجوع فيما بقي ، وكذلك إن كانوا غيبا ، وإن أقيمت عليهم البينة بأنهم علموه جازت عليهم في قول من أجاز إجازتهم بغير قبض ، وإنما تجوز عليهم إذا أوصى بثلثي ماله ، أو بماله كله أو بجزء معلوم منه إن علموا كم ترك كأن أوصى بشيء يسميه فقال لفلان كذا وكذا دينارا ولفلان عبدي فلان ولفلان من إبلي كذا وكذا فقالوا قد أجزنا له ذلك ، ثم قالوا إنما أجزنا ذلك ونحن نراه يجاوز الثلث بيسير لأنا قد عهدنا له مالا فلم نجده أو عهدناه غير ذي دين فوجدنا عليه دينا ففيه قولان أحدهما أن يقال هذا يلزمهم في قول من أجاز إجازتهم ; لأنهم أجازوا ما يعرفون وما لا يعذرون بجهالتهم والآخر أن لهم أن يحلفوا ويردوا الآن هذا إنما يجوز من مال الميت ويقال لهم - إذا احلفوا - : أجيزوا منه ما كنتم ترونه يجاوز الثلث سدسا كان أو ربعا ، أو أقل ، أو أكثر .
باب اختلاف الورثة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن أجاز بعض الورثة فيما تلزم الإجازة فيه ، ولم يجز بعضهم جاز في حصة من أجاز ما أجاز كأن الورثة كانوا اثنين فيجب للموصى له نصف ما أوصى له به مما جاوز الثلث .

( قال الشافعي ) ولو كان في الورثة صغير ، أو بالغ محجور عليه ، أو معتوه لم يجز على واحد من هؤلاء أن يجيز في نصيبه بشيء جاوز الثلث من الوصية ، ولم يكن لولي واحد من هؤلاء أن يجيز ذلك في نصيبه ، ولو أجاز ذلك في ماله كان ضامنا له في ماله ، وإن وجد في يدي من أجيز له أخذ من يديه وكان للولي أن يتبع من أعطاه إياه بما أعطى منه ; لأنه أعطاه ما لا يملك .
. الوصية للقرابة

( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا أوصى الرجل فقال : ثلث مالي لقرابتي أو لذوي قرابتي ، أو لرحمي ، أو لذوي رحمي ، أو لأرحامي ، أو لأقربائي ، أو قراباتي فذلك كله سواء والقرابة من قبل الأم والأب في الوصية سواء وأقرب قرابته وأبعدهم منه في الوصية سواء الذكر والأنثى والغني والفقير والصغير والكبير ; لأنهم أعطوا باسم القرابة فاسم القرابة يلزمهم معا كما أعطي من شهد القتال باسم الحضور .

وإذا كان الرجل من قبيلة من قريش فأوصى في قرابته فلا يجوز إذا كان كل من يعرف نسبه إلا أن يكون بينه وبين من يلقاه إلى أب ، وإن بعد قرابة ، فإذا كان المعروف عند العامة أن من قال من قريش لقرابتي لا يريد جميع قريش ، ولا من هو أبعد منهم ومن قال : لقرابتي لا يريد أقرب الناس ، أو ذوي قرابة أبعد منه بأب ، وإن كان قريبا صير إلى المعروف من قول العامة ذوي قرابتي فينظر إلى القبيلة التي ينسب إليها ؟ فيقال : من بني عبد مناف ، ثم يقال : قد يتفرق بنو عبد مناف فمن أيهم ؟ فيقال من بني المطلب فيقال أيتميز بنو المطلب ؟ قيل : نعم هم قبائل فمن أيهم ؟ قيل : من بني عبد يزيد بن هاشم بن المطلب فيقال أفيتميز هؤلاء ؟ قيل : نعم هم قبائل قيل فمن أيهم ؟ قيل : من بني عبيد بن عبد يزيد قيل أفيتميز هؤلاء ؟ [ ص: 117 ] قيل نعم هم بنو السائب بن عبيد بن عبد يزيد قيل : وبنو شافع وبنو علي وبنو عباس وكل هؤلاء من بني السائب ، فإن قيل : أفيتميز هؤلاء ؟ قيل : نعم كل بطن من هؤلاء يتميز عن صاحبه ، فإذا كان من آل شافع فقال لقرابته فهو لآل شافع دون آل علي وآل عباس ، وذلك أن كل هؤلاء يتميزون ظاهر التمييز من البطن الآخر يعرف ذلك منهم إذا قصدوا آباءهم دون الشعوب والقبائل في آبائهم ، وفي تناصرهم وتناكحهم ويحول بعضهم لبعض على هؤلاء الذين معهم .
ولو قال : ثلث مالي لأقرب قرابتي ، أو لأدنى قرابتي ، أو لألصق قرابتي كان هذا كله سواء ونظرنا إلى أقرب الناس منه رحما من قبل أبيه وأمه فأعطيناه إياه ، ولم نعطه غيره ممن هو أبعد منه كأنا وجدنا له عمين وخالين وبني عم وبني خال وأعطينا المال عميه وخاليه سواء بينهم دون بني العم والخال ; لأنهم يلقونه عند أبيه وأمه قبل بني عمه وخاله وهكذا لو وجدنا له إخوة لأب وإخوة لأم وعمين وخالين أعطينا المال إخوته لأبيه وإخوته لأمه دون عميه وخاليه ; لأنهم يلقونه عند أبيه وأمه الأدنيين قبل عميه وخاليه ، ولو كان مع الإخوة للأب والإخوة للأم إخوة لأب وأم كان المال لهم دون الإخوة للأب والإخوة للأم ; لأنا إذا عددنا القرابة من قبل الأب والأم سواء فجمع الإخوة للأب والأم قرابة الأب والأم كانوا أقرب بالميت ، ولو كان مع الإخوة للأب والأم ولد ولد متسفل لا يرث كان المال له دون الإخوة ; لأنه ابن نفسه ، وابن نفسه أقرب إليه من ابن أبيه ، ولو كان مع ولد الولد المستفل جد كان الولد أولى منه ، وإن كان جدا أدنى .

( قال ) : ولو كان مع الإخوة للأب أو الأم جد كان الإخوة أولى من الجد في قول من قال الإخوة أولى بولاء الموالي من الجد ; لأنهم أقرب منه وأنهم يلقون الميت قبل أن يصير الميت إلى الجد ، ولو قال في هذا كله ثلث مالي لجماعة من قرابتي فإن كان أقرب الناس به ثلاثة فصاعدا فهو لهم وسواء كانوا رجالا أو نساء ، وإن كانوا اثنين ، ثم الذين يلونهم واحد ، أو أكثر كان للاثنين الثلثان من الثلث وللواحد فأكثر ما بقي من الثلث ، وإن كانوا واحدا فله ثلث الثلث ولمن يليه من قرابته إن كانوا اثنين فصاعدا ثلثا الثلث ، ولو كان أقرب الناس واحدا والذي يليه في القرابة واحد أخذ كل واحد منهما ثلث الثلث وأخذ الذين يلونهما في القرابة واحد أو أكثر الثلث الباقي سواء بينهم .
باب الوصية لما في البطن والوصية بما في البطن

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وتجوز الوصية بما في البطن ولما في البطن إذا كان مخلوقا يوم وقعت الوصية ، ثم يخرج حيا ، فلو قال رجل : ما في بطن جاريتي فلانة لفلان ، ثم توفي فولدت جاريته لأقل من ستة أشهر من يوم تكلم بالوصية كان لمن أوصى له به ، وإن ولدت لستة أشهر فأكثر لم يكن له ; لأنه قد يحدث الحمل فيكون الحمل الحادث غير الذي أوصي به ، ولو قال : ولد جاريتي ، أو جاريتي أو عبد بعينه وصية لما في بطن فلانة امرأة يسميها بعينها فإن ولدت تلك المرأة لأقل من ستة أشهر من يوم تكلم بالوصية فالوصية جائزة ، وإن ولدت لستة أشهر من يوم تكلم بالوصية فأكثر فالوصية مردودة ; لأنه قد يحدث حمل بعد الوصية فيكون غير ما أوصى له ، وإن كان الحمل الذي أوصى به غلاما ، أو جارية ، أو غلاما وجارية ، أو أكثر كانت الوصية بهم كلهم جائزة لمن أوصى له بهم ، وإن كان الحمل الذي أوصى له غلاما وجارية ، أو أكثر كانت الوصية بينهم سواء على العدد ، وإن مات الموصي قبل أن تلد التي أوصى لحملها وقفت الوصية حتى تلد ، فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر كانت الوصية له .
[ ص: 118 ] باب الوصية المطلقة والوصية على الشيء

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن أوصى فقال : إن مت من مرضي هذا ففلان - لعبد له - حر ولفلان كذا وصية ويتصدق عني بكذا ، ثم صح من مرضه الذي أوصى فيه ، ثم مات بعده فجأة ، أو من مرض غير ذلك المرض بطلت تلك الوصية ; لأنه أوصى إلى أجل ومن أوصى له وأعتق على شرط لم يكن ، وكذلك إذا حد في وصيته حدا فقال : إن مت في عامي هذا ، أو في مرضي هذا فمات من مرض سواه بطل فإن أبهم هذا كله وقال : هذه وصيتي ما لم أغيرها فهو كما قال وهي وصيته ما لم يغيرها ولكنه لو قال : هذا وأشهد أن وصيته هذه ثابتة ما لم يغيرها كانت وصيته نافذة .

( قال الشافعي ) وإن أوصى فقال : إن حدث بي حدث الموت وصية مرسلة ، ولم يحدد لها حدا ، أو قال : متى حدث بي حدث الموت ، أو متى مت فوصيته ثابتة ينفذ جميع ما فيها مما جاز له متى مات ما لم يغيرها .
باب الوصية للوارث

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال : الله عز وجل { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين } الآية إلى " المتقين " وقال عز وجل في آي المواريث { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } وذكر من ورث جل ثناؤه في آي من كتابه .

( قال الشافعي ) واحتمل إجماع أمر الله تعالى بالوصية للوالدين والأقربين معنيين : أحدهما : أن يكون للوالدين والأقربين الأمران معا فيكون على الموصي أن يوصي لهم فيأخذون بالوصية ويكون لهم الميراث فيأخذون به واحتمل أن يكون الأمر بالوصية نزل ناسخا لأن تكون الوصية لهم ثابتة فوجدنا الدلالة على أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة بآي المواريث من وجهين : أحدهما : أخبار ليست بمتصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الحجازيين منها أن سفيان بن عيينة أخبرنا عن سليمان الأحول عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا وصيه لوارث } وغيره يثبته بهذا الوجه ووجدنا غيره قد يصل فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا المعنى ، ثم لم نعلم أهل العلم في البلدان اختلفوا في أن الوصية للوالدين منسوخة بآي المواريث واحتمل إذا كانت منسوخة أن تكون الوصية للوالدين ساقطة حتى لو أوصى لهما لم تجز الوصية وبهذا نقول ، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وما لم نعلم أهل العلم اختلفوا فيه يدل على هذا ، وإن كان يحتمل أن يكون وجوبها منسوخا .

وإذا أوصى لهم جاز ، وإذا أوصى للوالدين فأجاز الورثة فليس بالوصية أخذوا ، وإنما أخذوا بإعطاء الورثة لهم ما لهم ; لأنا قد أبطلنا حكم الوصية لهم فكان نص المنسوخ في وصية الوالدين وسمى معهم الأقربين جملة فلما كان الوالدان وارثين قسنا عليهم كل وارث ، وكذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان الأقربون ورثة وغير ورثة أبطلنا الوصية للورثة من الأقربين بالنص والقياس والخبر { ألا لا وصية لوارث } وأجزنا الوصية للأقربين ولغير الورثة من كان فالأصل في الوصايا لمن أوصى في كتاب الله عز وجل وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم أعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه في أن [ ص: 119 ] ينظر إلى الوصايا ، فإذا كانت لمن يرث الميت أبطلتها ، وإن كانت لمن لا يرثه أجزتها على الوجه الذي تجوز به وموجود عندي - والله تعالى أعلم - فيما وصفت من الكتاب وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وحيث إن ما لم نعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه أنه إنما يمنع الورثة الوصايا لئلا يأخذوا مال الميت من وجهين ، وذلك أن ما ترك المتوفى يؤخذ بميراث ، أو وصية فلما كان حكمهما مختلفين لم يجز أن يجمع لواحد الحكمان المختلفان في حكم واحد وحال واحدة كما لا يجوز أن يعطى بالشيء وضد الشيء ، ولم يحتمل معنى غيره فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول إنما لم تجز الوصية للوارث من قبل تهمة الموصي لأن يكون يحابي وارثه ببعض ماله .

فلولا أن العناء مستعل على بعض من يتعاطى الفقه ما كان فيمن ذهب إلى هذا المذهب عندي - والله أعلم - للجواب موضع ; لأن من خفي عليه هذا حتى لا يتبين له الخطأ فيه كان شبيها أن لا يفرق بين الشيء وضد الشيء فإن قال : قائل فأين هذا ؟ قيل له إن شاء الله تعالى أرأيت امرأ من العرب عصبته يلقونه بعد ثلاثين أبا قد قتل آباء عصبته آباءه وقتلهم آباؤه وبلغوا غاية العداوة بينهم بتسافك الدماء وانتهاك المحارم والقطيعة والنفي من الأنساب في الأشعار وغيرها وما كان هو يصطفي ما صنع بآبائه ويعادي عصبته عليه غاية العداوة ويبذل ماله في أن يسفك دماءهم وكان من عصبته الذين يرثونه من قتل أبويه فأوصى من مرضه لهؤلاء القتلة وهم ورثته مع غيرهم من عصبته كان الوارث معهم في حال عداوتهم ، أو كان له سلما به برا وله واصلا ، وكذلك كان آباؤهما أتجوز الوصية لأعدائه ، وهو لا يتهم فيهم ؟ .

فإن قال : لا قيل ، وكذلك لو كان من الموالي فكان مواليه قد بلغوا بآبائه ما بلغ بهم وبأبيهم ما وصفت من حال القربى فأوصى لورثته من مواليه ومعهم ابنته أتجوز الوصية لهم ، وهو لا يتهم فيهم ؟ فإن قال : لا . قيل : وهكذا زوجته لو كانت ناشزة منه عاصية له عظيمة البهتان وترميه بالقذف قد سقته سما لتقتله وضربته بالحديد لتقتله فأفلت من ذلك وبقيت ممتنعة منه وامتنع من فراقها إضرارا لها ، ثم مات فأوصى لها لم تجز وصيته ; لأنها وارث .

فإن قال : نعم : قيل .

ولو أن أجنبيا مات ليس له وارث أعظم النعمة عليه صغيرا وكبيرا وتتابع إحسانه عليه ، وكان معروفا بمودته فأوصى له بثلث ماله أيجوز ؟ فإن قال : نعم ، قيل : وهكذا تجوز الوصية له .

وإن كان ورثته أعداء له . فإن قال : نعم تجوز وصيته في ثلثه كان ورثته أعداء له ، أو غير أعداء . قيل له : أرأيت لو لم يكن في أن الوصية تبطل للوارث وأنه إذا خص بإبطال وصيته الوارث لم يكن فيها معنى إلا ما قلنا .

، ثم كان الأصل الذي وصفت لم يسبقك إليه أحد يعقل من أهل العلم شيئا علمناه أما كنت تركته ؟ أو ما كان يلزمك أن تزعم أنك تنظر إلى وصيته أبدا فإن كانت وصيته لرجل عدو له أو بغيض إليه ، أو غير صديق أجزتها ، وإن كان وارثا ، وإن كانت لصديق له ، أو لذي يد عنده أو غير عدو فأبطلتها ، وإذا فعلت هذا خرجت مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ومما يدخل فيما لم يختلف فيه أهل العلم علمناه ، أورأيت لو كان له عبد يعلم أنه أحب الناس إليه وأوثقه في نفسه وأنه يعرف بتوليج ماله إليه في الحياة ولد ولد دون ولده ، ثم مات ولده فصار وارثه عدوا له فأعتق عبده في وصيته أليس يلزمك أن لا تجيز العتق لشأن تهمته فيه حيا إذ كان يؤثره بماله على ولد نفسه وميتا إذ كان عنده بتلك الحال وكان الوارث له عدوا ؟ أو رأيت لو كان وارثه له عدوا فقال : والله ما يمنعني أن أدع الوصية فيكون الميراث وافرا عليك إلا حب أن يفقرك الله ، ولا يغنيك .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]