عرض مشاركة واحدة
  #168  
قديم 25-08-2022, 04:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,266
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله



الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الرابع
الحلقة (168)
صـ371 إلى صـ 390



والسادس : أن الله عز وجل حرم الزنى ، وأحل التزويج وملك اليمين ، وسكت عن النكاح المخالف للمشروع ; فإنه ليس بنكاح محض ولا سفاح محض ; فجاء في السنة ما بين الحكم في بعض الوجوه ، حتى يكون محلا لاجتهاد العلماء في إلحاقه بأحد الأصلين مطلقا ، أو في بعض الأحوال ، [ ص: 371 ] وبالأصل الآخر في حال آخر ; فجاء في الحديث : أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ; فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها ; فلها المهر بما استحل منها ، وهكذا سائر ما جاء في النكاح الفاسد من السنة .

والسابع : أن الله أحل صيد البحر فيما أحل من الطيبات ، وحرم الميتة فيما حرم من الخبائث ، فدارت ميتة البحر بين الطرفين ; فأشكل حكمها ; فقال عليه الصلاة والسلام : هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته ، [ ص: 372 ] وروي في بعض الحديث : أحلت لنا ميتتان : الحيتان ، والجراد [ ص: 373 ] [ ص: 374 ] وأكل عليه الصلاة والسلام مما قذفه البحر لما أتى به أبو عبيدة . والثامن : أن الله تعالى جعل النفس بالنفس ، وأقص من الأطراف بعضها من بعض في قوله تعالى : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [ المؤمنون : 50 ] إلى آخر الآية ، هذا في العمد ، وأما الخطأ ; فالدية لقوله : فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله [ النساء : 92 ] [ ص: 375 ] وبين عليه الصلاة والسلام دية الأطراف على النحو الذي يأتي بحول الله ; فجاء طرفان أشكل بينهما الجنين إذا أسقطته أمه بالضربة ونحوها ; فإنه يشبه جزء الإنسان كسائر الأطراف ، ويشبه الإنسان التام لخلقته ; فبينت السنة فيه أن ديته الغرة ، وأن له حكم نفسه لعدم تمحض أحد الطرفين له .

والتاسع : أن الله حرم الميتة وأباح المذكاة ; فدار الجنين الخارج من بطن [ ص: 376 ] المذكاة ميتا بين الطرفين ; فاحتملهما ; فقال في الحديث : ذكاة الجنين ذكاة أمه ترجيحا لجانب الجزئية على جانب الاستقلال [ ص: 377 ] والعاشر : أن الله قال : فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف [ النساء : 11 ] ; فبقيت البنتان مسكوتا عنهما ; فنقل [ ص: 378 ] في السنة حكمهما ، وهو إلحاقهما بما فوق البنتين . ذكره القاضي إسماعيل فهذه أمثلة يستعان بها على ما سواها ; فإنه أمر واضح لمن تأمل ، وراجع إلى أحد الأصلين المنصوص عليهما ، أو إليهما معا ; فيأخذ من كل منهما بطرف ; فلا يخرج عنهما ولا يعدوهما [ ص: 379 ] وأما مجال القياس ; فإنه يقع في الكتاب العزيز أصول تشير إلى ما كان من نحوها أن حكمه حكمها ، وتقرب إلى الفهم الحاصل من إطلاقها أن بعض المقيدات مثلها فيجتزي بذلك الأصل عن تفريع الفروع اعتمادا على بيان السنة فيه ، وهذا النحو بناء على أن المقيس عليه وإن كان خاصا في حكم العام معنى ، وقد مر في كتاب الأدلة بيان هذا المعنى ، فإذا كان كذلك ، ووجدنا في الكتاب أصلا ، وجاءت السنة بما في معناه أو ما يلحق به أو يشبهه أو يدانيه ; فهو المعنى هاهنا ، وسواء علينا أقلنا : إن النبي صلى الله عليه وسلم قاله بالقياس أو بالوحي ; إلا أنه جار في أفهامنا مجرى المقيس ، والأصل الكتاب شامل له بالمعنى المفسر في أول كتاب الأدلة وله أمثلة .

أحدها : أن الله عز وجل حرم الربا ، وربا الجاهلية الذي قالوا فيه : [ ص: 380 ] إنما البيع مثل الربا [ البقرة : 275 ] هو فسخ الدين في الدين ، يقول الطالب : إما أن تقتضي وإما أن تربي ، وهو الذي دل عليه أيضا قوله تعالى : وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون [ البقرة : 279 ] ; فقال عليه الصلاة والسلام : وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب ; فإنه موضوع كله .

وإذا كان كذلك ، وكان المنع فيه إنما هو من أجل كونه زيادة على غير عوض ; ألحقت السنة به كل ما فيه زيادة بذلك المعنى ; فقال عليه الصلاة والسلام : الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، سواء بسواء ، يدا بيد ، فمن زاد أو ازداد ; فقد أربى ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يدا بيد [ ص: 381 ] ثم زاد على ذلك بيع النساء إذا اختلفت الأصناف ، وعده من الربا لأن النساء في أحد العوضين يقتضي الزيادة ، ويدخل فيه بحكم المعنى السلف يجر نفعا ، وذلك لأن بيع هذا الجنس بمثله في الجنس من باب بدل الشيء بنفسه ; لتقارب المنافع فيما يراد منها ; فالزيادة على ذلك من باب إعطاء عوض على غير شيء ، وهو ممنوع ، والأجل في أحد العوضين لا يكون عادة [ ص: 382 ] إلا عند مقارنة الزيادة به في القيمة ; إذ لا يسلم الحاضر في الغائب إلا ابتغاء ما هو أعلى من الحاضر في القيمة وهو الزيادة .

ويبقى النظر : لم جاز مثل هذا في غير النقدين والمطعومات ولم يجز فيهما ؟ محل نظر يخفى وجهه على المجتهدين ، وهو من أخفى الأمور التي لم يتضح معناها إلى اليوم ; فلذلك بينتها السنة ; إذ لو كانت بينة لوكل في الغالب أمرها إلى المجتهدين ، كما وكل إليهم النظر في كثير من محال [ ص: 383 ] الاجتهاد ; فمثل هذا جار مجرى الأصل والفرع في القياس ; فتأمله . والثاني : أن الله تعالى حرم الجمع بين الأم وابنتها في النكاح ، وبين الأختين وجاء في القرآن : وأحل لكم ما وراء ذلكم [ النساء : 24 ] فجاء نهيه عليه الصلاة والسلام عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من باب القياس لأن المعنى الذي لأجله ذم الجمع بين أولئك موجود هنا ، وقد يروى في هذا الحديث : فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم والتعليل يشعر بوجه القياس .

والثالث : أن الله تعالى وصف الماء الطهور بأنه أنزله من السماء ، وأنه أسكنه في الأرض ، ولم يأت مثل ذلك في ماء البحر ; فجاءت السنة بإلحاق ماء البحر بغيره من المياه بأنه الطهور ماؤه ، الحل ميتته .

والرابع : أن الدية في النفس ذكرها الله تعالى في القرآن ، ولم يذكر ديات الأطراف ، وهي مما يشكل قياسها على العقول ; فبين الحديث من دياتها ما [ ص: 384 ] وضح به السبيل ، وكأنه جار مجرى القياس الذي يشكل أمره ; فلا بد من الرجوع إليه ويحذى حذوه .

والخامس : أن الله تعالى ذكر الفرائض المقدرة : من النصف ، والربع ، والثمن ، والثلث ، والسدس ، ولم يذكر ميراث العصبة إلا ما أشار إليه قوله في الأبوين : فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث الآية [ النساء : 11 ] وقوله في الأولاد : للذكر مثل حظ الأنثيين [ النساء : 11 ] وقوله في آية الكلالة : وهو يرثها إن لم يكن لها ولد [ النساء : 176 ] [ ص: 385 ] وقوله : وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين [ النساء : 176 ] فاقتضى أن ما بقي بعد الفرائض المذكورة فللعصبة ، وبقي من ذلك ما كان من العصبة غير هؤلاء المذكورين ; كالجد ، والعم ، وابن العم ، وأشباههم ; فقال عليه الصلاة والسلام : ألحقوا الفرائض بأهلها ; فما بقي فهو لأولى رجل ذكر ، وفي رواية : فلأولى عصبة ذكر ; فأتى هذا على ما بقي مما يحتاج إليه ، بعد ما نبه الكتاب على أصله .

والسادس : أن الله تعالى ذكر من تحريم الرضاعة قوله : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة [ النساء : 23 ] فألحق النبي صلى الله عليه وسلم بهاتين سائر القرابات من الرضاعة التي يحرمن من النسب كالعمة والخالة وبنت الأخ ، وبنت الأخت ، وأشباه ذلك ، وجهة إلحاقها هي جهة الإلحاق [ ص: 386 ] بالقياس إذ ذاك من باب القياس بنفي الفارق ، نصت عليه السنة إذ كان لأهل الاجتهاد سوى النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك نظر وتردد بين الإلحاق والقصر على التعبد ; فقال عليه الصلاة والسلام : إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب ، وسائر ما جاء في هذا المعنى ، ثم ألحق بالإناث الذكور ; لأن اللبن للفحل ، ومن جهته در المرأة ، فإذا كانت المرأة بالرضاع أما ; فالذي له اللبن أب بلا إشكال .

والسابع : أن الله حرم مكة بدعاء إبراهيم ; فقال : رب اجعل هذا بلدا آمنا [ البقرة : 126 ] [ ص: 387 ] وقال تعالى : أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا [ العنكبوت : 67 ] وذلك حرم الله مكة ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه للمدينة بمثل ما دعا به إبراهيم لمكة ومثله معه ; فأجابه الله وحرم ما بين لابتيها ، فقال : إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها ، أو يقتل صيدها [ ص: 388 ] وفي رواية : ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء .

وفي حديث آخر : فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا ; فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ومثله في صحيفة علي المتقدمة ; فهذا نوع من الإلحاق بمكة في الحرمة ، وقد جاء فيها قوله تعالى : إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام إلى قوله : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم [ الحج : 25 ] والإلحاد شامل لكل عدول عن الصواب إلى الظلم ، وارتكاب المنهيات [ ص: 389 ] على تنوعها ، حسبما فسرته السنة ; فالمدينة لاحقة بها في هذا المعنى . والثامن : أن الله تعالى قال : واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان الآية [ البقرة : 282 ] ; فحكم في الأموال بشهادة النساء منضمة إلى شهادة رجل ، وظهر به ضعف شهادتهن ، ونبه على ذلك في قوله : ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن وفسر نقصان العقل بأن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل .

وحين ثبت ذلك بالقرآن وقال فيه : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى [ البقرة : 282 ] ; دل على انحطاطهن عن درجة الرجل ، فألحقت السنة بذلك اليمين مع الشاهد ; فقضى عليه الصلاة والسلام بذلك لأن لليمين في اقتطاع الحقوق واقتضائها حكما قضى به قوله تعالى : [ ص: 390 ] إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية [ آل عمران : 77 ] فجرى الشاهد واليمين مجرى الشاهدين أو الشاهد والمرأتين في القياس ، إلا أنه يخفى ; فبينته السنة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]