عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25-08-2022, 07:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,356
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمود سامي البارودي .. مصر بين الحنين والوجع

يحاول أن يتمالك:





أَكُفُّ غَرْبَ دموعي وهي جاريةُ

خوفَ الرَّقيبِ وقلبي جِدُّ مُلتاعِ[8]












وعندما يحل الظَّلام وتغفو عين الرقيب، يخلد إلى البكاء المصحوب بالوجع:





أبِيتُ أَرْعى الدُّجى بعينٍ

غذاؤُها مَدْمَعٌ وسُهْدُ[9]












وهو في سَرَنْديب حزين ساهر أرق:





أَبيتُ حَزينًا في "سَرَنْديب" ساهرًا

طوالَ اللَّيالي والخَلِيّون هُجَّدُ




أحاولُ ما لا أستطيعُ طِلابَهُ

كذا النّفسُ تهوى غيرَ ما تملكُ اليدُ[10]












هو في سَرَنْديب غريبٌ، بائسٌ، ساهرٌ، أرِقٌ:





أظلُّ فيها غريبَ الدَّارِ مبتئسًا

نابي المضاجع مِنْ هَمٍّ وأوْجاعِ[11]












هو في سَرَنْديب يعاني كل ما يمكن للمرء أن يعاني:





شوقٌ ونأيٌ وتبريحٌ ومعتبةٌ

يا لَلْحَميَّةِ مِن غَدري وإِهمالي[12]












وهو في سَرَنْديب يعاني مِن كل ما يجلب إلى الإنسان الوجع:





عناءٌ ويأسٌ واشتياقٌ وغربةٌ

أَلا شَدَّ ما ألقاهُ في الدَّهرِ مِن غُبْنِ[13]












إن الغربة في سَرَنْديب غربتان: بُعد عن وطن وبُعد عن خل وصديق ورفيق يخفف وحدته ومعاناته:





لا في "سَرَنْديب" خِلٌّ أسْتعينُ به

على الهمومِ إذا هاجَتْ ولا راعي[14]












فالصَّديق حاجة ملحة، فهو وطنٌ حين لا يكون الوطن موجودًا، فماذا لو لم يكونا موجودين معًا؟





لا في "سَرَنْديبَ" لي خِلٌّ ألوذُ به

ولا أنيسٌ سوى همِّي وإطراقي[15]












يصرخ وهو يعرف أهمية ما يفتقد إليه مِن هذا اللَّوذ وهذا اللّجوء وهذه الاستعانة وهذا البوح الّذي يحتاج إلى أن يبوحه فلا يجد شيئًا مما يطلب، فيعتكف ويعود إلى ذاته منهزمًا وقد زادت مواجعه، فيتحدث إلى أوراقه ويبكي ليلاً: يبكي دمعًا وحبرًا:





لا في "سَرَنْديبَ" لي إلفٌ أُجاذِبُه

فضْلَ الحديثِ ولا خِلُّ فيرعَى لي[16]












إنه يعيش القحل والغربة في أبهى مشاهدهما ويعيش الوجع في أدق تفاصيله؛ فالإبعاد جرح والظُّلم جرح والغربة جرح والشّيخوخة جرح، والوطن هو: الجرح الأكبر.







إن الملاحظ في صورة الوطن عند شاعرنا أنها صورة مشرقة رغم كلِّ الآلام الّتي يعانيها، إذ لم تستطع كل هذه الجروح أن تلون الصُّورة بالدَّم القاني المتدفق من الجرح المفتوح، بل ظلت صورة مشمسة متفائلة، فالوطن عند شاعرنا هو وطن الذَّاكرة التي تفجرت بالبعد والغربة.







الوطن، عنده مرتبط بصورة الشّباب التي يتشوق فيها إليه وقت يرثي صديقيه الشيخ حسينًا المَرصفي وعبد الله باشا فكري:





أين أيامَ لذتي وشبابي؟

أتُراها تعودُ بعد الذَّهابِ؟




ذاكَ عهدٌ مضى وأبعدُ شيءٍ

أن يَرُدَّ الزّمانُ عهدَ التّصابي[17]












الوطن مرتبط بأيام القوة والفتوة أيضًا:





بلادٌ بها حلَّ الشّبابُ تمائمي[18]






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]