عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 25-08-2022, 06:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,530
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمود سامي البارودي .. مصر بين الحنين والوجع

بلادٌ بها حلَّ الشّبابُ تمائمي[18]

وناطَ نجادُ المَشْرِفِيِّ بعاتقي[19]











فالوطن هو أرض الطّفولة وأرض النّشأة الأولى الّتي لا تلبث أن تسلِّم المرء إلى النَّشأة الثّانية أو نشأة الشّباب وقتَ كان شباب شاعرنا مليئًا بالبطولات والحروب المشرِّفة:





ما إنْ خلعْتُ بها سُيُورَ تَمائمي

حتَّى لَبِسْتُ بها حَمَائلَ مِخْذَمي[20]












ويعود ليحدد معنى الوطن، فهو يعني - إلى جانب المراحل الّتي نشأ فيها وشب - كل ما يرتبط به من شجاعة وفروسية وحياة أسرية وعلمية:





هو مَرْمَى نَبْلي ومَلْعَبُ خَيلي

وَحِمَى أُسْرَتي ومركزُ بَنْدي[21]












هو يعني الجيرة والقوم والآداب والأعراق:





مَرعى جِيادي ومَأوى جِيرتي وحِمى

قَوْمي ومَنْبِتُ آدابي وأَعْراقي[22]












ويؤكد البارودي على كرم الأهل المتروكين جبرًا في الوطن إذ يؤكد على روابطه القوية بهم:





وكيفَ أنْسى دِيارًا قد تركْتُ بها

أهلاً كرامًا لهم وُدِّي وإِشْفَافي[23]












لا ينسى:





تركْتُ بها أهلاً كرامًا وجيرةً

لهم جيرةٌ تعتادُني كلَّ شارقِ[24]












إنه، يفتقد في الوطن: الإلفة الّتي يشكل مجموع ما ذكره منها طمأنينة لقلبه وسعادة، انظر إلى كلمات النَّعيم في حديثه عنه:





منازل ُكلَّما لاحَتْ مَخَايلُها

في صفحةِ الفكرِ منِّي هاجَني الطَّرَبُ[25]












فالوطن - رغم بعده القسري عنه - كلما ذكر، أثار الطّرب في نفسه وكان ذكره هو الدَّواء من الوجع:





خليليَّ هذا الشَّوقُ لا شكَّ قاتِلي

فميلا إلى "المقياس"[26] إنْ خِفْتُما فقْدي




ففي ذلكَ الوادي الّذي أنبَتَ الهَوى

شِفائي مِن سُقمي وبُرئيَ مِن وَجْدي[27]












وانظر إلى كلماته المشرقة عن الوطن - الذاكرة:





ديارٌ يعيشُ المرءُ فيها منعَّمًا

وأطيبُ أرضِ اللهِ حيثُ يُعاشُ[28]












الوطن يرتبط بالسَّعادة الّتي هي عكس حاله في غربته في سرنديبَ؛ لذا يستدعيه فنتخيله باسمًا وهو يكتب عنه مستنبطاً صفاته:





لبَّيْكَ يا داعيَ الأشواقِ مِنْ داعي

أسمعْتَ قلبي وإِنْ أخطأْتَ أَسْمَاعي




مُرْني بما شئتَ أَبلُغْ كلَّ ما وصلَتْ

يدي إليه فإني سامعٌ واعي




منازلُ كنْتُ منْها في بُلْهَنِيَةٍ

مُمَتَّعًا بين غِلماني وأَتْبَاعي[29]












وقد صار إلى ما لم يكن إليه فيه، فما مِن أتباع في هذه الغربة ولا مِن غلمان ولا مِن أهل ولا مِن جيرة ولا مِن هوى.







إنها الغربة الّتي يحاول شاعرنا بنفس إيجابية - رغم كل الضُّغوط - أن يجد له منها منفذًا ما يخترق فيه جدارها المرتفع عاليًا في وجهه مانعًا إياه مِن نسمات الهواء الآتية مِن مزيج مشاعره الطّيبة الّتي يحافظ عليها فيسوِّرها ويبقيها في الذَّاكرة وطناً.







[1] - الديوان، ص453.




[2] - الديوان، ص68، ونى في الأمر ونيًا: ضعف وفتر، والونية: اسم مرة منه.




[3] - أزيغب: صفة ل"فرخ الطير" تصغير الأزغب هو ماله زغب من الطير والزغب صغار الشّعر والريش وأول ما يبدو منها. والشكير: صغار الريش النابتة بين كباره.




[4] - الديوان، ص451.




[5] - الديوان، ص453* شباة القلم: إبرته وسنه* العسال: الرمح اللون المهتز.



[6] - الديوان، ص72* وجبَ القلب وجيبًا: اضطربَ.



[7] - الديوان، ص154.



[8] - الديوان، ص342.



[9] - الديوان، ص167.



[10] - الديوان، ص171.



[11] - الديوان، ص341.



[12] - الديوان، ص452.



[13] - الديوان، ص625.



[14] - الديوان، ص341.



[15] - الديوان، ص370.



[16] - الديوان، ص449.



[17] - الديوان، ص66.



[18] - التمائم: ج مخيمة وهي عوذة تغلق على الإنسان في طفولته لتدفع عنه العين. وحل التمائم كناية عن مجاوزة الإنسان طوار الطفولة.



[19] - الديوان، ص390.



[20] - الديوان، ص586.



[21] - الديوان، ص169* النبل: السهام العربية* الحِمى: المكان المحمي الّذي لا يقرب ولا يُجترأ عليه* البند: فارسية تعني: العلَم الكبير.



[22] - الديوان، ص371.



[23] - الديوان، ص372.



[24] - نفسه، 390.



[25] - الديوان: ص73.




[26] - يقصد روضة المقياس في مصر حيث نشأ وله فيها قصائد كثيرة.



[27] - الديوان، ص165.



[28] - الديوان، ص293



[29]- الديوان، ص 393 - 340.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]