عرض مشاركة واحدة
  #261  
قديم 25-08-2022, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,345
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(246)
الحلقة (261)
صــ 548إلى صــ 555






القول في تأويل قوله تعالى ( كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ( 187 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : كما بينت لكم أيها الناس واجب فرائضي عليكم من الصوم ، وعرفتكم حدوده وأوقاته ، وما عليكم منه في الحضر ، وما لكم فيه في السفر والمرض ، وما اللازم لكم تجنبه في حال اعتكافكم في مساجدكم ، فأوضحت جميع ذلك لكم - فكذلك أبين أحكامي ، وحلالي وحرامي ، وحدودي ، وأمري ونهيي ، في كتابي وتنزيلي ، وعلى لسان رسولي صلى الله عليه وسلم للناس .

ويعني بقوله : " لعلهم يتقون " يقول : أبين ذلك لهم ليتقوا محارمي ومعاصي ، ويتجنبوا سخطي وغضبي ، بتركهم ركوب ما أبين لهم في آياتي أني قد حرمته عليهم ، وأمرتهم بهجره وتركه .
[ ص: 548 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ( 188 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ولا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل . فجعل تعالى ذكره بذلك آكل مال أخيه بالباطل ، كالآكل مال نفسه بالباطل .

ونظير ذلك قوله تعالى : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) [ سورة الحجرات : 11 ] وقوله : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) [ سورة النساء : 29 ] بمعنى : لا يلمز بعضكم بعضا ، ولا يقتل بعضكم بعضا لأن الله تعالى ذكره جعل المؤمنين إخوة ، فقاتل أخيه كقاتل نفسه ، ولامزه كلامز نفسه ، وكذلك تفعل العرب تكني عن نفسها بأخواتها ، وعن أخواتها بأنفسها ، فتقول : "أخي وأخوك أينا أبطش" . يعني : أنا وأنت نصطرع ، فننظر أينا أشد - فيكني المتكلم عن نفسه بأخيه ، لأن أخا الرجل عندها كنفسه ، ومن ذلك قول الشاعر :

أخي وأخوك ببطن النسير ليس به من معد عريب [ ص: 549 ]

فتأويل الكلام : ولا يأكل بعضكم أموال بعض فيما بينكم بالباطل .

" وأكله بالباطل " : أكله من غير الوجه الذي أباحه الله لآكليه .

وأما قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " فإنه يعني : وتخاصموا بها - يعني : بأموالكم - إلى الحكام " لتأكلوا فريقا " طائفة من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون . [ ص: 550 ]

ويعني بقوله : " بالإثم " بالحرام الذي قد حرمه الله عليكم " وأنتم تعلمون " ، أي : وأنتم تتعمدون أكل ذلك بالإثم ، على قصد منكم إلى ما حرم الله عليكم منه ، ومعرفة بأن فعلكم ذلك معصية لله وإثم . . . كما :

3059 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " فهذا في الرجل يكون عليه مال ، وليس عليه فيه بينة ، فيجحد المال ، فيخاصمهم فيه إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه ، وهو يعلم أنه آثم آكل حراما .

3060 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " وتدلوا بها إلى الحكام " قال : لا تخاصم وأنت ظالم .

3061 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

3062 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " وكان يقال : من مشى مع خصمه وهو له ظالم ، فهو آثم حتى يرجع إلى الحق . واعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما ولا يحق لك باطلا وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى ويشهد به الشهود ، والقاضي بشر يخطئ ويصيب . واعلموا أنه من قد قضي له بالباطل ، فإن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة ، فيقضي على المبطل للمحق ، بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا . [ ص: 552 ]

3063 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " قال : لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك ظالم ، فإن قضاءه لا يحل لك شيئا كان حراما عليك .

3064 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون " أما " الباطل " يقول : يظلم الرجل منكم صاحبه ، ثم يخاصمه ليقطع ماله وهو يعلم أنه ظالم ، فذلك قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " .

3065 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني خالد الواسطي عن داود بن أبي هند عن عكرمة قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " قال : هو الرجل يشتري السلعة فيردها ويرد معها دراهم .

3066 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام " يقول : يكون أجدل منه وأعرف بالحجة ، فيخاصمه في ماله بالباطل ليأكل ماله بالباطل . وقرأ : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) [ سورة النساء : 29 ] قال : هذا القمار الذي كان يعمل به أهل الجاهلية .

وأصل " الإدلاء " : إرسال الرجل الدلو في سبب متعلقا به في البئر . فقيل للمحتج لدعواه : " أدلى بحجة كيت وكيت " إذا كانت حجته التي يحتج بها سببا [ ص: 552 ] له ، هو به متعلق في خصومته ، كتعلق المستقي من بئر بدلو قد أرسلها فيها بسببها الذي الدلو به متعلقة ، يقال فيهما جميعا - أعني من الاحتجاج ، ومن إرسال الدلو في البئر بسبب : " أدلى فلان بحجته ، فهو يدلي بها إدلاء وأدلى دلوه في البئر ، فهو يدليها إدلاء " .

فأما قوله : " وتدلوا بها إلى الحكام " فإن فيه وجهين من الإعراب :

أحدهما : أن يكون قوله : " وتدلوا " جزما عطفا على قوله : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " أي : ولا تدلوا بها إلى الحكام ، وقد ذكر أن ذلك كذلك في قراءة أبي بتكرير حرف النهي : " ولا تدلوا بها إلى الحكام " .

والآخر منهما : النصب على الصرف ، فيكون معناه حينئذ : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وأنتم تدلون بها إلى الحكام ، كما قال الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم

يعني : لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله .

وهو أن يكون في موضع جزم - على ما ذكر في قراءة أبي - أحسن منه أن يكون نصبا . [ ص: 553 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج )

قال أبو جعفر : ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن زيادة الأهلة ونقصانها واختلاف أحوالها ، فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية ، جوابا لهم فيما سألوا عنه .

ذكر الأخبار بذلك :

3067 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " ، قال قتادة : سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك : لم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون : " هي مواقيت للناس " ، فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ، ولمناسكهم وحجهم ، ولعدة نسائهم ومحل دينهم في أشياء ، والله أعلم بما يصلح خلقه .

3068 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال : ذكر لنا أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لم خلقت الأهلة؟ فأنزل الله تعالى : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم ولحجهم ومناسكهم وعدة نسائهم وحل ديونهم .

3069 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 554 ] معمر عن قتادة في قوله : " مواقيت للناس والحج " قال : هي مواقيت للناس في حجهم وصومهم وفطرهم ونسكهم .

3070 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال الناس : لم خلقت الأهلة؟ فنزلت : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " ، لصومهم وإفطارهم وحجهم ومناسكهم - قال : قال ابن عباس : ووقت حجهم ، وعدة نسائهم ، وحل دينهم .

3071 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " فهي مواقيت الطلاق والحيض والحج .

3072 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " ، يعني : حل دينهم ، ووقت حجهم ، وعدة نسائهم .

3073 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال : سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة ، فنزلت هذه الآية : " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " يعلمون بها حل دينهم ، وعدة نسائهم ، ووقت حجهم .

3074 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد عن شريك عن جابر عن عبد الله بن يحيى عن علي : أنه سئل عن قوله : " مواقيت للناس " ، قال : هي مواقيت الشهر : هكذا وهكذا وهكذا - وقبض إبهامه - فإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين . [ ص: 555 ]

قال أبو جعفر : فتأويل الآية - إذا كان الأمر على ما ذكرنا عمن ذكرنا عنه قوله في ذلك - : يسألونك يا محمد عن الأهلة ومحاقها وسرارها وتمامها واستوائها ، وتغير أحوالها بزيادة ونقصان ومحاق واستسرار ، وما المعنى الذي خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة أبدا على حال واحدة لا تتغير بزيادة ولا نقصان؟ - فقل يا محمد : خالف بين ذلك ربكم لتصييره الأهلة التي سألتم عن أمرها ، ومخالفة ما بينها وبين غيرها ، فيما خالف بينها وبينه مواقيت لكم ولغيركم من بني آدم في معايشهم ، ترقبون بزيادتها ونقصانها ومحاقها واستسرارها وإهلالكم إياها أوقات حل ديونكم ، وانقضاء مدة إجارة من استأجرتموه ، وتصرم عدة نسائكم ، ووقت صومكم وإفطاركم ، فجعلها مواقيت للناس .

وأما قوله " والحج " ، فإنه يعني : وللحج ، يقول : وجعلها أيضا ميقاتا لحجكم ، تعرفون بها وقت مناسككم وحجكم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]