عرض مشاركة واحدة
  #264  
قديم 25-08-2022, 11:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,865
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(250)
الحلقة (264)
صــ 572إلى صــ 579




وأما " الدين " ، الذي ذكره الله في هذا الموضع فهو العبادة والطاعة لله في أمره ونهيه ، من ذلك قول الأعشى :

هو دان الرباب ، إذ كرهوا الدي ن ، دراكا بغزوة وصيال

يعني بقوله : " إذ كرهوا الدين " ، إذ كرهوا الطاعة وأبوها . [ ص: 572 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

3122 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : " ويكون الدين لله " يقول : حتى لا يعبد إلا الله ، وذلك " لا إله إلا الله " ، عليه قاتل النبي صلى الله عليه وسلم وإليه دعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " .

3123 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " ويكون الدين لله " أن يقال : " لا إله إلا الله " . ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إن الله أمرني أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " . ثم ذكر مثل حديث الربيع .
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ( 193 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فإن انتهوا " فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم ، ودخلوا في ملتكم ، وأقروا بما ألزمكم الله من فرائضه ، وتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان ، فدعوا الاعتداء عليهم وقتالهم وجهادهم ، فإنه لا ينبغي أن يعتدى إلا على الظالمين - وهم المشركون بالله ، والذين تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم . [ ص: 573 ]

فإن قال قائل : وهل يجوز الاعتداء على الظالم فيقال : " فلا عدوان إلا على الظالمين " ؟ .

قيل : إن المعنى في ذلك على غير الوجه الذي إليه ذهبت ، وإنما ذلك على وجه المجازاة ، لما كان من المشركين من الاعتداء ، يقول : افعلوا بهم مثل الذي فعلوا بكم ، كما يقال : " إن تعاطيت مني ظلما تعاطيته منك " ، والثاني ليس بظلم ، كما قال عمرو بن شأس الأسدي :

جزينا ذوي العدوان بالأمس قرضهم قصاصا ، سواء حذوك النعل بالنعل

وإنما كان ذلك نظير قوله : ( الله يستهزئ بهم ) [ سورة البقرة : 15 ] و ( فيسخرون منهم سخر الله منهم ) [ سورة التوبة : 79 ] وقد بينا وجه ذلك ونظائره فيما مضى قبل .

وبالذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

3124 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " فلا عدوان إلا على الظالمين " والظالم الذي أبى أن يقول : " لا إله إلا الله " .

3125 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع . " فلا عدوان إلا على الظالمين " قال : هم المشركون .

3126 - حدثني المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا عثمان بن غياث قال : سمعت عكرمة في هذه الآية : " فلا عدوان إلا على الظالمين " [ ص: 574 ] قال : هم من أبى أن يقول : " لا إله إلا الله " .

وقال آخرون : معنى قوله : " فلا عدوان إلا على الظالمين " فلا تقاتل إلا من قاتل .

ذكر من قال ذلك :

3127 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " يقول : لا تقاتلوا إلا من قاتلكم .

3128 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

3129 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي قال : " فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " فإن الله لا يحب العدوان على الظالمين ولا على غيرهم ، ولكن يقول : اعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم .

قال أبو جعفر : فكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في قوله : " فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " لا يجوز أن يقول : " فإن انتهوا " إلا وقد علم أنهم لا ينتهون إلا بعضهم ، فكأنه قال : فإن انتهى بعضهم ، فلا عدوان إلا على الظالمين منهم ، فأضمر كما قال : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) [ سورة البقرة : 196 ] يريد : فعليه ما استيسر من الهدي ، وكما يقول : " إلى من تقصد أقصد " يعني : إليه .

وكان بعضهم ينكر الإضمار في ذلك ويتأوله : فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم لمن انتهى ، ولا عدوان إلا على الظالمين الذين لا ينتهون .
[ ص: 575 ] القول في تأويل قوله تعالى ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " الشهر الحرام بالشهر الحرام " ذا القعدة ، وهو الشهر الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فيه عمرة الحديبية فصده مشركو أهل مكة عن البيت ودخول مكة سنة ست من هجرته ، وصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين في تلك السنة ، على أن يعود من العام المقبل ، فيدخل مكة ويقيم ثلاثا ، فلما كان العام المقبل ، وذلك سنة سبع من هجرته ، خرج معتمرا وأصحابه في ذي القعدة - وهو الشهر الذي كان المشركون صدوه عن البيت فيه في سنة ست - وأخلى له أهل مكة البلد حتى دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقضى حاجته منها ، وأتم عمرته ، وأقام بها ثلاثا ، ثم خرج منها منصرفا إلى المدينة فقال الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمسلمين معه " الشهر الحرام " يعني ذا القعدة ، الذي أوصلكم الله فيه إلى حرمه وبيته ، على كراهة مشركي قريش ذلك ، حتى قضيتم منه وطركم " بالشهر الحرام " ، الذي صدكم مشركو قريش العام الماضي قبله فيه حتى انصرفتم عن كره منكم عن الحرم ، فلم تدخلوه ، ولم تصلوا إلى بيت الله ، فأقصكم الله أيها المؤمنون من المشركين بإدخالكم الحرم في الشهر الحرام على كره منهم لذلك ، بما كان منهم إليكم في الشهر الحرام من الصد والمنع من الوصول إلى البيت . كما :

3130 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا يوسف - يعني : ابن خالد السمتي - قال : حدثنا نافع بن مالك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : " والحرمات قصاص " قال : هم المشركون ، حبسوا محمدا صلى الله عليه وسلم [ ص: 576 ] في ذي القعدة ، فرجعه الله في ذي القعدة فأدخله البيت الحرام فاقتص له منهم .

3131 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " قال : فخرت قريش بردها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام ، فأدخله الله مكة في العام المقبل من ذي القعدة ، فقضى عمرته ، وأقصه بما حيل بينه وبينها يوم الحديبية .

3132 - حدثني المثنى قال : حدثني أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

3133 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فاعتمروا في ذي القعدة ومعهم الهدي ، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون ، فصالحهم نبي الله صلى الله عليه وسلم على أن يرجع من عامه ذلك ، حتى يرجع من العام المقبل فيكون بمكة ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بسلاح راكب ويخرج ، ولا يخرج بأحد من أهل مكة فنحروا الهدي بالحديبية وحلقوا وقصروا . حتى إذا كان من العام المقبل ، أقبل نبي الله وأصحابه حتى دخلوا مكة فاعتمروا في ذي القعدة ، فأقاموا بها ثلاث ليال ، فكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية فأقصه الله منهم ، فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه في ذي القعدة ، فقال الله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " . [ ص: 577 ]

3134 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة وعن عثمان عن مقسم في قوله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " قال كان هذا في سفر الحديبية صد المشركون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت في الشهر الحرام ، فقاضوا المشركين يومئذ قضية : أن لكم أن تعتمروا في العام المقبل - في هذا الشهر الذي صدوهم فيه ، فجعل الله تعالى ذكره لهم شهرا حراما يعتمرون فيه ، مكان شهرهم الذي صدوا ، فلذلك قال : " والحرمات قصاص " .

3135 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " قال : لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من مهاجره ، صده المشركون وأبوا أن يتركوه ، ثم إنهم صالحوه في صلحهم على أن يخلوا له مكة من عام قابل ثلاثة أيام ، يخرجون ويتركونه فيها ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر من السنة السابعة ، فخلوا له مكة ثلاثة أيام ، فنكح في عمرته تلك ميمونة بنت الحارث الهلالية .

3136 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك في قوله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " ، أحصروا النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عن البيت الحرام فأدخله الله البيت الحرام العام المقبل ، واقتص له منهم ، فقال : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " .

3137 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر [ ص: 578 ] عن أبيه ، عن الربيع قال : أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأحرموا بالعمرة في ذي القعدة ومعهم الهدي ، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون ، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع ذلك العام حتى يرجع العام المقبل ، فيقيم بمكة ثلاثة أيام ولا يخرج معه بأحد من أهل مكة . فنحروا الهدي بالحديبية وحلقوا وقصروا . حتى إذا كانوا من العام المقبل ، أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة فاعتمروا في ذي القعدة ، وأقاموا بها ثلاثة أيام ، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية فقاص الله له منهم ، وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه في ذي القعدة . قال الله جل ثناؤه : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " .

3138 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " والحرمات قصاص " فهم المشركون ، كانوا حبسوا محمدا صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عن البيت ، ففخروا عليه بذلك ، فرجعه الله في ذي القعدة ، فأدخله الله البيت الحرام واقتص له منهم .

3139 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام " حتى فرغ من الآية ، قال : هذا كله قد نسخ ، أمره أن يجاهد المشركين . وقرأ : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) [ سورة التوبة : 36 ] وقرأ : ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) [ سورة التوبة : 123 ] العرب ، فلما فرغ منهم ، قال الله جل ثناؤه : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ) حتى بلغ قوله : ( وهم صاغرون ) [ سورة التوبة : 29 ] قال : وهم الروم . قال : فوجه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3140 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال : حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية : " الشهر الحرام بالشهر الحرام [ ص: 579 ] والحرمات قصاص " قال : أمركم الله بالقصاص ، [ ويأخذ ] منكم العدوان .

3141 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء وسألته عن قوله : " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص " قال : نزلت في الحديبية منعوا في الشهر الحرام ، فنزلت : " الشهر الحرام بالشهر الحرام " : عمرة في شهر حرام ، بعمرة في شهر حرام .

قال أبو جعفر : وإنما سمى الله جل ثناؤه ذا القعدة " الشهر الحرام " ، لأن العرب في الجاهلية كانت تحرم فيه القتال والقتل ، وتضع فيه السلاح ، ولا يقتل فيه أحد أحدا ، ولو لقي الرجل قاتل أبيه أو ابنه . وإنما كانوا سموه " ذا القعدة " لقعودهم فيه عن المغازي والحروب ، فسماه الله بالاسم الذي كانت العرب تسميه به .

وأما " الحرمات " فإنها جمع " حرمة " ، " كالظلمات " جمع " ظلمة " ، " والحجرات " جمع " حجرة " . وإنما قال جل ثناؤه : " والحرمات قصاص " فجمع ، لأنه أراد : الشهر الحرام ، والبلد الحرام وحرمة الإحرام .

فقال جل ثناؤه لنبيه محمد والمؤمنين معه : دخولكم الحرم ، بإحرامكم هذا ، في شهركم هذا الحرام قصاص مما منعتم من مثله عامكم الماضي ، وذلك هو " الحرمات " التي جعلها الله قصاصا .

وقد بينا أن " القصاص " هو المجازاة من جهة الفعل أو القول أو البدن ، وهو في هذا الموضع من جهة الفعل .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.70%)]