عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 26-08-2022, 04:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,490
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ آل عمران
المجلد الخامس
الحلقة( 177)

من صــ 121 الى صـ 130



ليس من شرط من يكون مع المطاع أن يكون مشاهدا للمطاع ناظرا إليه. وقد قيل في: {ربيون} هنا: إنهم العلماء فلما جعل هؤلاء هذا كلفظ الرباني وعن ابن زيد هم الأتباع كأنه جعلهم المربوبين. والأول أصح من وجوه: -
أحدها: أن الربانيين عين الأحبار وهم الذين يربون الناس وهم أئمتهم في دينهم ولا يكون هؤلاء إلا قليلا.
الثاني: أن الأمر بالجهاد والصبر لا يختص بهم. وأصحاب الأنبياء لم يكونوا كلهم ربانيين وإن كانوا قد أعطوا علما ومعهم الخوف من الله عز وجل.
الثالث: أن استعمال لفظ الرباني في هذا ليس معروفا في اللغة.
الرابع: أن استعمال لفظ الربي في هذا ليس معروفا في اللغة بل المعروف فيها هو الأول والذين قالوه قالوا: هو نسبة للرب بلا نون والقراءة المشهورة (ربي بالكسر وما قالوه إنما يتوجه على من قرأه بنصب الراء وقد قرئ بالضم فعلم أنها لغات.

الخامس: أن الله تعالى يأمر بالصبر والثبات كل من يأمره بالجهاد سواء كان من الربانيين أو لم يكن.
السادس: أنه لا مناسبة في تخصيص هؤلاء بالذكر وإنما المناسب ذكرهم في مثل قوله: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} الآية. وفي قوله: {ولكن كونوا ربانيين} فهناك ذكرهم به مناسب.
السابع: قيل: إن الرباني منسوب إلى الرب فزيادة الألف والنون كاللحياني وقيل إلى تربيته الناس وقيل إلى ربان السفينة وهذا أصح فإن الأصل عدم الزيادة في النسبة لأنهم منسوبون إلى التربية وهذه تختص بهم وأما نسبتهم إلى الرب فلا اختصاص لهم بذلك بل كل عبد له فهو منسوب إليه إما نسبة عموم أو خصوص ولم يسم الله أولياءه المتقين ربانيين ولا سمى به رسله وأنبياءه فإن الرباني من يرب الناس كما يرب الرباني السفينة ولهذا كان الربانيون يذمون تارة ويمدحون أخرى ولو كانوا منسوبين إلى الرب لم يذموا قط وهذا هو الوجه الثامن: أنها إن جعلت مدحا فقد ذموا في مواضع وإن لم تكن مدحا لم يكن لهم خاصة يمتازون بها من جهة المدح وإذا كان منسوبا إلى رباني السفينة بطل قول من يجعل الرباني منسوبا إلى الرب فنسبة الربيين إلى الرب أولى بالبطلان.
التاسع: أنه إذا قدر أنهم منسوبون إلى الرب: فلا تدل النسبة على أنهم علماء نعم تدل على إيمان وعبادة وتأله وهذا يعم جميع المؤمنين فكل من عبد الله وحده لا يشرك به شيئا فهو متأله عارف بالله والصحابة كلهم كذلك ولم يسموا ربانيين ولا ربيين وإنما جاء أن ابن الحنفية قال لما مات ابن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة وذلك لكونه يؤدبهم بما آتاه الله من العلم والخلفاء أفضل منهم ولم يسموا ربانيين وإن كانوا هم الربانيين وقال إبراهيم: كان علقمة من الربانيين ولهذا قال مجاهد: هم الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره فهم أهل الأمر والنهي والإخبار يدخل فيه من أخبر بالعلم ورواه عن غيره وحدث به وإن لم يأمر أو ينه وذلك هو المنقول عن السلف في الرباني نقل عن علي قال: " هم الذين يغذون الناس بالحكمة ويربونهم عليها " وعن ابن عباس قال: " هم الفقهاء المعلمون ".
قلت: أهل الأمر والنهي هم الفقهاء المعلمون. وقال قتادة وعطاء: هم الفقهاء العلماء الحكماء.
قال ابن قتيبة: واحدهم رباني وهم العلماء المعلمون. قال أبو عبيد: أحسب الكلمة عبرانية أو سريانية وذلك أن أبا عبيد زعم أن العرب لا تعرف الربانيين. قلت: اللفظة عربية منسوبة إلى ربان السفينة الذي ينزلها ويقوم لمصلحتها ولكن العرب في جاهليتهم لم يكن لهم ربانيون لأنهم لم يكونوا على شريعة منزلة من الله عز وجل.

(ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير (156)

سئل:
عمن سمع رجلا يقول: لو كنت فعلت كذا لم يجر عليك شيء من هذا. فقال له رجل آخر سمعه: هذه الكلمة قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها وهي كلمة تؤدي قائلها إلى الكفر فقال رجل آخر: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة موسى مع الخضر: {يرحم الله موسى وددنا لو كان صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما} واستدل الآخر بقوله صلى الله عليه وسلم {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف} - إلى أن قال: - {فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان} فهل هذا ناسخ لهذا أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، جميع ما قاله الله ورسوله حق و " لو " تستعمل على وجهين: (أحدهما على وجه الحزن على الماضي والجزع من المقدور فهذا هو الذي نهى عنه كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم}

وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: {وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان} أي: تفتح عليك الحزن والجزع وذلك بضر ولا ينفع بل اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك كما قال تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه} قالوا: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
(والوجه الثاني أن يقال: " لو " لبيان علم نافع كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} ولبيان محبة الخير وإرادته كقوله: " لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثل ما يعمل " ونحوه جائز.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم {وددت لو أن موسى صبر ليقص الله علينا من خبرهما} هو من هذا الباب كقوله: {ودوا لو تدهن فيدهنون} فإن نبينا صلى الله عليه وسلم أحب أن يقص الله خبرهما فذكرهما لبيان محبته للصبر المترتب عليه فعرفه ما يكون لما في ذلك من المنفعة ولم يكن في ذلك جزع ولا حزن ولا ترك لما يحب من الصبر على المقدور.
وقوله: {وددت لو أن موسى صبر} قال النحاة: تقدير وددت أن موسى صبر. وكذلك قوله: {ودوا لو تدهن فيدهنون} تقديره ودوا أن تدهن وقال بعضهم: بل هي " لو " شرطية وجوابها محذوف والمعنى على التقديرين: معلوم وهو محبة ذلك الفعل وإرادته ومحبة الخير وإرادته محمود والحزن والجزع وترك الصبر مذموم والله أعلم.
(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (159) إ
فصل:
لا غنى لولي الأمر عن المشاورة؛ فإن الله تعالى أمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} وقد روي {عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لم يكن أحد أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم}. وقد قيل: إن الله أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه وليقتدي به من بعده وليستخرج بها منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي: من أمر الحروب والأمور الجزئية وغير ذلك فغيره - صلى الله عليه وسلم - أولى بالمشورة. وقد أثنى الله على المؤمنين بذلك في قوله: {وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون} {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون}.
وإذا استشارهم فإن بين له بعضهم ما يجب اتباعه من كتاب الله أو سنة رسوله أو إجماع المسلمين فعليه اتباع ذلك ولا طاعة لأحد في خلاف ذلك وإن كان عظيما في الدين والدنيا. قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}.
وإن كان أمرا قد تنازع فيه المسلمون فينبغي أن يستخرج من كل منهم رأيه ووجه رأيه فأي الآراء كان أشبه بكتاب الله وسنة رسوله عمل به كما قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.

(لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (164)

سئل شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
عن حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأنام وهل يخلق لعلة أو لغير علة؟ فإن قيل لا لعلة فهو عبث - تعالى الله عنه - وإن قيل لعلة فإن قلتم إنها لم تزل لزم أن يكون المعلول لم يزل وإن قلتم إنها محدثة لزم أن يكون لها علة والتسلسل محال.
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، هذه المسألة كبيرة من أجل المسائل الكبار التي تكلم فيها الناس وأعظمها شعوبا وفروعا وأكثرها شبها ومحارات؛ فإن لها تعلقا بصفات الله تعالى وبأسمائه وأفعاله وأحكامه من الأمر والنهي والوعد والوعيد وهي داخلة في خلقه وأمره فكل ما في الوجود متعلق بهذه المسألة فإن المخلوقات جميعها متعلقة بها وهي متعلقة بالخالق سبحانه وكذلك الشرائع كلها: الأمر والنهي والوعد والوعيد متعلقة بها وهي متعلقة بمسائل القدر والأمر وبمسائل الصفات والأفعال وهذه جوامع علوم الناس فعلم الفقه الذي هو الأمر والنهي متعلق بها.
وقد تكلم الناس في " تعليل الأحكام الشرعية والأمر والنهي " كالأمر بالتوحيد والصدق والعدل والصلاة والزكاة والصيام والحج والنهي عن الشرك والكذب والظلم والفواحش هل أمر بذلك لحكمة ومصلحة وعلة اقتضت ذلك؟ أم ذلك لمحض المشيئة وصرف الإرادة؟ وهل علل الشرع بمعنى الداعي والباعث؟ أو بمعنى الأمارة والعلامة؟
وهل يسوغ في الحكمة أن ينهى الله عن التوحيد والصدق والعدل ويأمر بالشرك والكذب والظلم أم لا؟ وتكلم الناس في تنزيه الله تعالى عن الظلم هل هو منزه عنه مع قدرته عليه أم الظلم ممتنع لنفسه لا يمكن وقوعه؟ وتكلموا في محبة الله ورضاه وغضبه وسخطه هل هي بمعنى إرادته أو هي الثواب والعقاب المخلوق أم هذه صفات أخص من الإرادة؟ وتنازعوا فيما وقع في الأرض من الكفر والفسوق والعصيان هل يريده ويحبه ويرضاه كما يريد ويحب سائر ما يحدث؟
أم هو واقع بدون قدرته ومشيئته وهو لا يقدر أن يهدي ضالا ولا يضل مهتديا؟ أم هو واقع بقدرته ومشيئته؟ ولا يكون في ملكه ما لا يريد وله في جميع خلقه حكمة بالغة وهو يبغضه ويكرهه ويمقت فاعله ولا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يريده الإرادة الدينية المتضمنة لمحبته ورضاه وإن أراده الإرادة الكونية التي تتناول ما قدره وقضاه؟ وفروع هذا الأصل كثيرة لا يحتمل هذا الموضع استقصاءها.
ولأجل تجاذب هذا الأصل ووقوع الاشتباه فيه صار الناس فيه إلى التقديرات الثلاثة المذكورة في سؤال السائل وكل تقدير قال به طوائف من بني آدم من المسلمين وغير المسلمين.

فالتقدير الأول: هو قول من يقول خلق المخلوقات وأمر بالمأمورات لا لعلة ولا لداع ولا باعث بل فعل ذلك لمحض المشيئة وصرف الإرادة وهذا قول كثير ممن يثبت القدر وينتسب إلى السنة من أهل الكلام والفقه وغيرهم. وقد قال بهذا طوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم وهو قول الأشعري وأصحابه وقول كثير من " نفاة القياس في الفقه " الظاهرية كابن حزم وأمثاله. ومن حجة هؤلاء أنه لو خلق الخلق لعلة لكان ناقصا بدونها مستكملا بها؛ فإنه إما أن يكون وجود تلك العلة وعدمها بالنسبة إليه سواء أو يكون وجودها أولى به. فإن كان الأول امتنع أن يفعل لأجلها وإن كان الثاني ثبت أن وجودها أولى به فيكون مستكملا بها فيكون قبلها ناقصا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]