عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-08-2022, 09:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,340
الدولة : Egypt
افتراضي أحكام العروض والقافية في كتاب سيبويه

أحكام العروض والقافية في كتاب سيبويه
أ. د. أحمد محمد عبدالدايم عبدالله





لا شك عندي أن سيبويهِ - تلميذَ الخليلِ الأثيرَ - قد تأثَّر إلى حدٍّ كبير بفكرِ أستاذه الخليلِ في النَّحْو والصرف واللغة واللهجات، وكذا في العَروض والقافية، هذه الحقيقة يُؤكِّدها (الكتاب) بما يحويه من أحكام في العلوم السابقة عامة، وفي العَروض والقافية أيضًا، اللَّذينِ هما موضوع بحثنا هذا.


وطالَما أنَّ فكر الخليل لم يَصِلْ إلينا مكتوبًا مدونًا في كتاب، فإنني أكاد أجزم بأن أحكامَ العروض والقافية في كتاب سيبويه، هي أول فكر عروضي قافوي يصلُنا مكتوبًا، وقد حفِظه لنا الكتاب مئات السنين، وإنني وإن كنت قد قررتُ سلفًا حين تحقيقي لكتاب العروض للأخفش - سعيد بن مسعدة - أن كتابَ الأخفش أولُ تقعيد عروضي يصلُنا في تاريخ العَروض، فإنني هنا بعد تقصِّي هذه المسألة في كتاب سيبويه أُقرِّر بأن أولَ تقعيد للعروض والقافية يصلُنا خلال كتاب سيبويه، إلا أنه جاء مختلطًا بقضايا النَّحْو والصرف، أما كتاب الأخفش، فهو أول تأليفٍ في العروض جاء مستقلًّا بكتاب، كما أنه جعل لعلم القافية كتابًا مستقلًّا عن العروض.


وإن المتأمل لكتاب سيبويه، يستطيع أن يستخرج منه الأحكام العروضية والقافوية الآتية:
أولًا: حكم آخر المعتلِّ في القافية:
أ- المعتل الآخر بالواو والياء:
قال سيبويه[1]: "وزعم الخليلُ أن ياءَ (يقضي) وواو (يغزو)، إذا كانت واحدةٌ منهما حرفَ الروي لم تحذف؛ لأنه ليست بوصل حينئذٍ، وهي حرف روي، كما أن القاف في:
/ وَقاتِمِ الأعمَاقِ خَاوِي المُخْتَرَقْ[2] /
حرف الروي، كما لا تحذف هذه القاف لا تحذف واحدة منهما، وقد دعاهم حذف ياءِ يقضي إلى أن حذف ناسٌ كثيرٌ من قيسٍ وأسدٍ الياءَ والواوَ اللتين هما علامة المضمر؛ لأنهما تجيئان لمعنى الأسماء، وليستا حرفين بُنيا على ما قبلهما، فهما بمنزلة الهاء في[3]:
/ يا عَجبًا للدَّهرِ شتَّى طَرائِقُهْ /


ولقد مثَّل لنا سيبويه بأمثلةٍ متعددة، حُذفت من قوافيها الواو والياء اللتان للوصل؛ من ذلك قوله: "سمعتُ ممن يروي هذا الشعرَ من العرب ينشده[4]:
لا يبعدُ اللهُ أصحابًا تركتهمُ ♦♦♦ لَمْ أَدْرِ بعدَ غَداةِ البَيْنِ ما صَنَعْ


يريد صنعوا، وقال[5]:
لَوْ سَاوَفَتْنَا بَسَوْفٍ مِنْ تَحيَّتِها ♦♦♦ سَوْفَ العَيُوفِ لَرَاحَ الرَّكْبُ قد قَنِعْ
يريد: قنعوا."


وبعد ذلك يقول سيبويه[6]: "وقال عنترة[7]:
/ يا دارَ عبلةَ بالجِواءِ تَكلَّمْ /
يريد - تكلَّمي، وقال الخزر بن لوذان[8]:
كذَب العَتِيقُ وماءُ شنٍّ باردٌ ♦♦♦ إِنْ كُنْتِ سائِلَتِي غَبُوقًا فاذهَبْ
يريد - فاذهبي".
الأمثلة السابقة يُدلِّل بها سيبويهِ، على أن الرويَّ إذا أُشبِع وكان مضمومًا وُصِل بالواو، وإن كان مكسورًا وصل بالياء، هذه الواو والياء يجوزُ حذفهما، وتسكين الروى قبلها.
أما إن كانت الواو والياء جزءًا من الكلمة؛ مثل الواو في يغزو، والياء في يقضي، وكانت واحدة منها حرفَ الروي - لم تحذف؛ لأنها ليست بوصلٍ.

يقول في هذا الأخفش في كتاب القوافي:
"اعلَمْ أن الياء والواو والألف، إذا كنَّ من الأصل، وكانت الياء والواو ساكنتينِ أو متحركتين، جُعِلْنَ رويًّا، وكذلك الزوائد إذا بُنِينَ مع الكلمة، أما اللواتي من الأصل، فياء يرمي ويقضي، وواو يغزو ويدعو، وألف قضى ورمى..."[9].

ب: أما المعتل الآخر بالألف:
فيقول عنه سيبويه:
"أمَّا (يخشى) و(يرى) ونحوهما، فإنه لا يحذف منها الألف؛ لأن هذه الألف لَمَّا كانت تثبت في الكلام، جُعلت بمنزلة ألفِ النصب التي تكون في الوقف بدلًا من التنوين، فلما تبيِّن تلك الألف في القوافي فلا تَحذف، كذلك لا تحذف هذه الألف، فلو كانت تحذف في الكلام، ولا تمد إلا في القوافي، لحذفت ألف يخشى، كما حذفت ياء يقضي؛ حيث شبهتها بالياء التي في الأيامي[10]، فإذا ثبتت التي بمنزلة التنوين في القوافي، لم تكن التي هي لامٌ أسوأَ حالا منها، ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول[11]:
/ لم يعلَمْ لنا النَّاسُ مَصْرَعْ /
فتحذف الألف؛ لأن هذا لا يكون في الكلام، فهو في القوافي لا يكون، فإنما فعلوا ذلك بـ"يقضي ويغزو"؛ لأن بناءهما لا يخرج نظيره إلا في القوافي، وإن شئت حذفته، فإنما ألحقتا بما لا يخرج في الكلام وألحقت تلك بما يثبت على كل حال، ألا ترى أنك تقول:
دَايَنَتْ أَرْوَى والدُّيونُ تُقضَى ♦♦♦ فمَطَلَتْ بعضًا وأَدَّت بَعْضَا
فكما لا تحذف ألف "بعضا" كذلك لا تحذف ألف "تُقضَى".
وفي هذا يقول الأخفش:
"وما جاء من الألفات - اللاتي هن مِن الأصل - رويًّا أكثر من الواو والياء، قال الشاعر:
ذكرتُ والأهواءُ تَدعُو للهَوَى ♦♦♦ والعِيسُ بالرَّكْبِ يُجاذِبْنَ البَرَى
فجعل الألف رويًّا، وهذا كثير[12]".

ثانيًا: جواز حذف لام الكلمة الياء والواو وقبلهما الروي:
ويعني بهما سيبويهِ الياءَ والواوَ الأصليتين اللتينِ تكونان في موضع لام الكلمة، غير تلكما اللتينِ تنتجان عن إشباع الروي.

يقول سيبويه[13]:
"واعلم أن الياءات والواوات اللواتي هن لاماتٌ، إذا كان ما قبلها حرف الروي، فُعِل بها ما فعل بالياء والواو اللتين ألحقتا للمد في القوافي؛ لأنها تكون في المدِّ بمنزلة الملحقة، ويكون ما قبلها رويًّا، كما كان ما قبل تلك رويًّا، فلما ساوَتْها في هذه المنزلة ألحقت بها في هذه المنزلة الأخرى، وذلك قولهم - لزهير[14] -:
/ وبَعْضُ القَوْمِ يخلقُ ثُمَّ لَا يَفْرْ /
وكذلك: يغزو، لو كانت في قافية كنت حاذفَها إن شئت".


وبعدها مباشرة يقول سيبويه:
"وهذه اللامات لا تُحذف في الكلام، وما يحذف منهن في الكلام ههنا أجدر أن يحذف؛ إذ كنت تحذف هنا ما لا يحذف في الكلام".
والشاهد في قول زهير السابق حذفُ ياء "يفري"، وهي بمثابة لام الكلمة؛ لوقوعها بعد الروي (الراء).
وهذه القضية عالجها الأخفش في كتابه القوافي تحت باب[15] "هذا باب ما يكون رويًّا من الياء والواو والألف".


يقول الأخفش:
"اعلَمْ أن الياء والواو والألف إذا كنَّ من الأصل، وكانت الياء والواو ساكنتين أو متحركتين، جُعِلن رويًّا".
وبعدها يقول: "وإن شئتَ لم يُجعَلْن رويًّا، وشبهتهن بالياء والواو والألف، اللواتي هن مدات، قال الشاعر:
ولأنتَ تَفْرِي ما خَلَقتَ وبَعْـ ♦♦♦ ـضُ القومِ يخلُقُ ثُمَّ لا يَفْري
ثم قال:
السِّترُ دونَ الفاحشاتِ وما ♦♦♦ يلقاكَ دونَ الخيرِ مِن سِتْر
فجعل الراء رويًّا، والياء - وهي من الأصل - وصلًا".
ولعل في تشابه الرأي بين الأخفش وأستاذه سيبويه أبلغَ دليلٍ على ما ذهبتُ إليه من أستاذيَّة سيبويه في العَروض والقافية، إلى جانب أستاذيته في النَّحْو والصرف".


ثالثًا: جميع ما لا يحذف في الكلام من الياءات، يحذف في الوصل والقوافي:
هذه قاعدةٌ جاءت خلال كلام سيبويه عن[16] "باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف، وهي الياءات"[17].
وأيضًا نراه عالج الموضوعَ تحت باب "ما يحذف من الأسماء من الياءات في الوقف التي لا تذهب إلى الوصل ولا يحلقها تنوين"[18].


ولقد مثَّل لحذف الياء في الفواصل قائلًا:
"فالفواصلُ قولُ الله عز وجل: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴾ [الفجر: 4]، و﴿ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ﴾ [الكهف: 64]، و﴿ يَوْمَ التَّنَادِ ﴾ [غافر: 32]، و﴿ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9][19].
قال النابغة[20]:
إذا حاولتَ في أسدٍ فُجورًا ♦♦♦ فإنَّي لستُ منكَ ولستَ مِنّْ
يريد - مني، وقال النابغة[21]:
وهم وردُوا الجفارَ على تميمٍ ♦♦♦ وهم أصحابُ يومِ عُكاظَ إِنّْ
يريد - إني، سمِعْنا ذلك ممن يرويه عن العرب الموثوق بهم.


ونصُّ هذه القاعدة في كتاب سيبويه هو:
"وجميع ما لا يحذف في الكلام وما يختار فيه ألا يحذف، يحذف في الفواصل والقوافي".


رابعًا: ما لا يكون رويًّا، ولا يجوز حذفه:
الهاء الأصلية المتحرك ما قبلها؛ نحو الشبه والمتشابه، لا تكون رويًّا، ولكن إذا ما سكن ما قبل الهاء - أصليةً كانت أم زائدة - لم تكن إلا رويًّا.
والهاء إذا كانت "ضميرًا"، واتصلت بحرف الرويِّ، لزمت لزوم الواو والياء، إذا كانتا ضميرينِ؛ لأنها اسم جاء لمعنى، فلا يحسن حذفها، كما تحذف حروف الترنم إذا كانت زائده.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]